ملاك من الجحيم

ملاك من الجحيم

عيناها كالليل

كانت سانت بطرسبورغ، تلك المدينة التي عُرفت بجمالها الغامض، تغط في سبات عميق تحت غطاء من الثلوج البيضاء. الرياح تعصف بشوارعها الضيقة وكأنها تعزف نغمة شجية، نغمة تحمل معها قصصًا لم تُروَ، وأسرارًا لم يُفصح عنها بعد. المصابيح القديمة المتناثرة على جانبي الطرقات كانت تومض بخفوت، تضفي على المكان هالة من الغموض، وكأن المدينة نفسها تراقب ما يحدث بصمت.

على أحد الأرصفة، كان هناك ظل يتحرك بهدوء. ديمتري، الرجل الذي لا يمكن أن تخطئه العين. طويل القامة، يرتدي معطفًا أسود يلامس الأرض، وكأنه جزء من الليل نفسه. عيناه السوداوان كانت تشع بريقًا لا يوصف، خليطًا من الجاذبية والخطر. كان يسير بخطى ثابتة، وكأن الثلوج التي تتساقط حوله لا تجرؤ على لمسه.

كان ديمتري أشبه بشبحٍ متجسد. ملامحه الحادة كانت توحي بالقوة والسيطرة، بينما نظراته العميقة تحمل أسرارًا دفينة. لم يكن رجلًا عاديًا؛ كل حركة منه كانت مدروسة، وكل كلمة ينطقها تُشعل تساؤلات لا تنتهي. ماضيه كان غامضًا مثل حاضره، وشخصيته كانت مزيجًا من السحر والغموض.

داخل مقهى قديم يقع في أحد الشوارع الجانبية، كانت الحرارة داخل المكان تعاكس البرودة القاسية في الخارج. الطاولات الخشبية العتيقة كانت شاهدة على حكايات لا تُعد ولا تُحصى. جلس ديمتري في زاوية بعيدة، حيث يمكنه مراقبة الجميع دون أن يلاحظه أحد.

كان يمسك بفنجان قهوته السوداء، ينظر إلى السائل الداكن وكأنه يبحث عن إجابة في أعماقه. الضوء الخافت الذي ينبعث من المصباح المعلق فوقه كان يعكس ظلالًا على وجهه، يزيد من هالته الغامضة.

عند الباب، دخلت إيرينا. امرأة بشعر أسود طويل ينسدل على كتفيها، وعينين بنيتين تشبهان بحرًا عميقًا لا يُمكن قراءة أسراره. كانت ترتدي معطفًا رماديًا بسيطًا، لكنه لم يستطع إخفاء تلك الهالة الفريدة التي تميزها.

تقدمت بخطى ثابتة، واختارت طاولة قريبة من النافذة. جلست، وبدأت تحدق في الثلوج المتساقطة خارجًا. لكنها لم تكن وحدها من يُراقب؛ عين ديمتري كانت عليها منذ اللحظة التي دخلت فيها المقهى.

بعد لحظات من الصمت، وقف ديمتري وتوجه نحو طاولتها. خطواته كانت واثقة، وصوته عندما تحدث كان عميقًا، يحمل نبرة مغرية تشبه نغمة موسيقى كلاسيكية.

ديمتري (مبتسمًا ابتسامة جانبية): "لا يبدو أنكِ من النوع الذي يأتي إلى هذا المكان كثيرًا."

رفعت إيرينا رأسها، والتقت عيناه بعينيها. للحظة، شعرت وكأن الزمن توقف. كان هناك شيء في نظراته يجعلها ترغب في الهروب، لكنه في الوقت ذاته يجبرها على البقاء.

إيرينا (بهدوء): "وأنت تبدو وكأنك تعرف كل شيء عن الجميع."

ابتسم ديمتري، تلك الابتسامة التي تحمل مزيجًا من الغموض والثقة.

ديمتري: "ليس الجميع. لكن أحيانًا، هناك أشخاص يجعلونك تريد أن تعرف كل شيء عنهم."

كان المقهى يعج بأصوات خافتة من الحديث، وصوت الموسيقى الكلاسيكية التي تُعزف في الخلفية. لكن بالنسبة لديمتري وإيرينا، بدا وكأن العالم كله قد اختفى، ولم يبقَ سوى تلك الطاولة، وتلك المحادثة التي كانت تحمل بين طياتها وعودًا لم تُنطق بعد.

إيرينا شعرت بتوتر غريب. لم يكن خوفًا، بل كان شيئًا أعمق، شيئًا يجعلها تريد أن تعرف من هو هذا الرجل، وما الذي يريده منها.

إيرينا (بعد لحظة من الصمت): "إذا كنت تعرف كل شيء، أخبرني... لماذا تجلس هنا؟"

ديمتري: "ربما كنت أنتظر شخصًا."

إيرينا (بتحدٍ): "ومن تكون؟"

نظر إليها ديمتري طويلًا، وكأن كلماته تحمل ثقلًا لا يمكنها فهمه بعد.

ديمتري: "أنا مجرد ظل يبحث عن نوره."

في الخارج، كانت الثلوج تتساقط بغزارة. وقفت إيرينا على عتبة المقهى، تنظر إلى ديمتري الذي كان يراقبها من الداخل. كانت هناك شرارة بينهما، شيء أكبر من الكلمات، وأعمق من الفهم.

ديمتري (يهمس لنفسه): "عيناها... عيناها تحملان شيئًا لن أسمح لنفسي أن أفقده."

ابتسمت إيرينا، تلك الابتسامة التي تحمل وعدًا غامضًا، قبل أن تختفي بين الظلال.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon