الدوامة الخفية

مع طلوع الفجر، كانت سانت بطرسبورغ تستيقظ ببطء من سباتها الليلي. ندف الثلج تتساقط بلطف، تغطي الطرقات بحلة بيضاء جديدة، بينما كان الهواء مشبعًا برائحة الصقيع والهدوء. ضوء الشمس الشاحب انعكس على النوافذ الجليدية، كاشفًا عن مدينة غارقة في الغموض والجمال.

في شقتها الصغيرة، كانت إيرينا تحدق عبر النافذة، تتأمل المدينة التي بدت وكأنها تحتفظ بأسرارها الخاصة. عينان واسعتان شاردتان ويدان تمسكان بكوب شاي دافئ. قلبها، رغم هدوء المشهد من حولها، كان يخفق بوتيرة غريبة، كما لو أن المدينة بأكملها تهمس لها بشيء ما.

طوال الليل، كانت الكلمات التي سمعتها من ديمتري تتردد في رأسها. الطريقة التي تحدث بها، ثقته الغامضة، ونبرته التي كانت تحمل مزيجًا من القوة والجاذبية. شعرت وكأنها أسيرة شيء لم تفهمه بعد.

"من أنت يا ديمتري؟ ولماذا أشعر وكأنني أعرفك منذ زمن بعيد؟"

كأنها تخاطب نفسها، بحثًا عن إجابة لأسئلة لم تكن لتطرحها على أحد.

بينما كانت تحاول تهدئة أفكارها، نظرت إلى مكتبتها الصغيرة. رفوف مليئة بكتب الأدب الروسي، وقصص الحب الحزينة التي كانت تهرب إليها كلما شعرت بوحدة العالم. مدّت يدها إلى إحدى الكتب وفتحتها. الصفحة التي توقفت عندها كانت تحتوي على جملة جعلتها تتوقف:

"الحب، حين يغمرنا، يصبح أعظم لغز لا يمكننا فك شفرته."

كلمات بدت وكأنها تتحدث عن حالها الآن. أغلقت الكتاب ببطء، وأخذت نفسًا عميقًا.

"إنه مجرد رجل، التقيته صدفة. لا يمكن أن أسمح لنفسي بالوقوع في هذا الفخ."

لكن صوتًا داخليًا كان يقول لها إن الأمر ليس بهذه البساطة.

مع اقتراب المساء، خرجت إيرينا من شقتها متجهة نحو المقهى. كل خطوة تخطوها على الرصيف المغطى بالثلج كانت تزيد من توترها. الجو كان باردًا لدرجة أن أنفاسها تشكلت على شكل غيمة صغيرة أمامها.

عندما وصلت إلى المقهى، وجدته شبه فارغ. نفس الطاولة التي جلس عندها ديمتري كانت تنتظرها، وكأنها تعلم أنها ستعود. جلست، وأخذت تحدق في الباب، تنتظر دخوله.

لم يمضِ سوى دقائق حتى دخل ديمتري. كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا، وعيناه تلمعان بحدة تحت أضواء المقهى الخافتة. خطواته كانت بطيئة، لكنها تحمل ثقة لا تقاوم.

جلس أمامها دون أن ينبس بكلمة.

إيرينا (بتوتر): "أنت دقيق جدًا في مواعيدك."

ديمتري (يبتسم ببرود): "أتعلمين؟ أنا لا أترك الأمور للصدفة."

إيرينا: "لا يزال لدي نفس السؤال. ما الذي تريده مني؟"

ديمتري (ينظر مباشرة في عينيها): "ربما أردت فقط معرفة ما إذا كنتِ تشعرين بما أشعر به."

إيرينا (بدهشة):."تشعر بماذا؟ بالكاد تعرفني."

ديمتري (بابتسامة غامضة): "أحيانًا لا تحتاج إلى وقت طويل لتعرف أن شخصًا ما قد يكون جزءًا من حياتك."

صمتت إيرينا، لكن قلبها كان ينبض بسرعة. لم تكن تعرف ما إذا كانت تخشى كلماته أم تنجذب إليها.

ديمتري لم يكن يتحدث فقط. كانت عيناه تنقلان رسائل لا يمكن ترجمتها بسهولة. الطريقة التي ينظر بها إليها، كما لو أنه يستطيع قراءة أفكارها، جعلتها تشعر بعدم الأمان. لكنه في الوقت نفسه كان يحمل شيئًا مطمئنًا، شيئًا يجعلها تريد أن تعرف المزيد عنه.

بعد حديث طويل مليء بالتوتر والإشارات الغامضة، وقف ديمتري.

ديمتري: "أظن أنني حصلت على ما أريده اليوم."

إيرينا (بارتباك): "وماذا يكون؟"

ديمتري (بصوت منخفض): "يقين بأنني لم أخطئ بشأنكِ."

ثم استدار وخرج من المقهى، تاركًا إيرينا وحدها، غارقة في بحر من الأفكار المتناقضة.

عندما خرج ديمتري إلى الشارع، كان الليل قد فرض سيطرته الكاملة على المدينة. الأضواء الخافتة تعكس بريق الثلج المتراكم، وأصوات خطواته كانت الصوت الوحيد الذي يقطع السكون. في قلبه، كان يعرف أن هذه اللعبة قد بدأت بالفعل، وأن إيرينا ستكون جزءًا من شيء أكبر مما تتخيل.

أما إيرينا، فبقيت جالسة في مكانها، تحدق في الكوب الفارغ أمامها. كانت تشعر بأنها عالقة في دوامة لا مخرج منها، لكنها لم تستطع تجاهل شعورها بأن هذا الرجل قد يغير حياتها إلى الأبد.

ليل سانت بطرسبورغ يحتضن شخصين، كل منهما يحمل داخله أسرارًا ورغبات لم تكشف بعد. في هذا الظلام، حيث الحقيقة تختلط بالوهم، بدأت قصة إيرينا وديمتري تتشكل ببطء، لكن بعمق يصعب تجاهله.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon