: كَفَّارَةُ شِيزُو _ عِندَما يُسَلِّطُ الرَّبُ وَعِيدَه
الجزء الأول .._رَسَائِلُ السَّمَاء_
*****
" جَلْجَلَتُهُ بين الضباب ... أَصَابَتْ مفاصلي بالبرد ... "
" لا ربيع لهذه الأمة لكل أَجَلٍ مُسَمَّى وأَجَلُكُمْ قد حَضُرْ ... إنها الملحمة إنها الملحمة يا أُمَّتِي "
" أيها الحكيم توقف عندك, مالذي حصل ؟ أين اختفى شعبي ؟ "
" أَهْوَالُ الكَفَّارَة, تَخْتَبِأُ ضَاحِكَةً خَلْفَ نهاية شيزو, بعد أن كُسِرَتْ حُرْمَةُ لياريين سايباو, فوضى الأقدار تَسَبَّبَتْ بِغَارَةٍ خامسة, ضاع هَوَسُ العسل على مرأى فارس المعجزات, خَلْفَ كل بوابة لم يَسعى رُفَقَاء مُهِمَّةُ السماء, لِلْحَدِّ من مطامع شيزو, التي اندلعتْ إِثْرَ تلك النَبْرَة آسف ... لقد عُدْتُّ "
" مالذي تقوله ؟ "
" مالي أسمعُ صرير الرياح مكان ضحكاتكم ... مالي أرى بيوتا قد خَلَتْ من أهلها ... مالي أرى غيمة السماء ملوثة بدمائكم "
" أُسْكُتْ أرجوك كفى كفى ... "
... يَهْتَزُّ في مكانه لِيَصْحُو على راياتٍ سُود ...
*****************
.
.
.
الرسالة ( 1 ) : آسف ... لقد عُدْتُ
يُحَفّزُ البَدْرُ أمواج البحر, لِتَمُدَّ بما فيها على حافة أرض, دَفَنَتْ رِمَالها آثار قِصَص العديد من الرَّحَّالَة, و وَدَّعَتْ شَمسها ضِلالَهم المُغْتَرِبَة, هذه الأرض حَكَتْ ولا زالت تَسْرِدُ قِصَصَهُم العجيبة, بداية من ذلك الصياد البسيط, الذي اعْتَادَ التَّمَدُّدَ على قَارِبِهِ طوال النهار, ثم شَدِّ شَبَكَتَهُ العُشْبِية وعَدِّ أسماكها ,في نهاية اليوم, لكن هذه الليلة لم تكن كمثيلاتها ...
يجذب الصياد شبكته خارج البحر, لتَتَّسِعَ ابتسامته فرحا باستقبال سمكة ضخمة, تُعِيلُهُ وعائلته لشهور ,رغم نُدُوبِ كَفَّيْه, واسمرار جِلْدته, يستمر بالجذب وكذا فريسته المجهولة بالبروز, حتى أَضْحَتْ وسط القارب, يتجهم وجه صيادنا مما يراه, حيرة ممزوجة بحذر شديد, قد استحوذا على ملامحه بسبب هيكل غنيمته, الشبيهة بجسد بشري, مما جَمَّدَ أطرافه عن الاقتراب والكشف عن هويتها ...
لكن اهتزازة خفيفة من ذاك الشيء أَلْقَتْ بالصياد خارج القارب فزعااا...
*** يستيقظ ***
يستيقظ صارخا من هول كوابيس رحلته المشؤومة, ليتفاجأ بجمع غفير, يَرْقَبُونَ تحركات مَفْتُولِ العَضِلات, الذي احتلتْ الكدمات والجراح وجهه ,استغرق الأمر دقائق حتى تَفَحَّصَتْ عيناه جدران الغرفة التي يتمدد داخلها, وكذا محتوياتها القليلة, أخيرا يَتَوَقَّفُ عند وجوه بائسة أَرْهَقَتْهَا الحياة من أعْبَاءِ الصيد والزراعة يوميا, استمر في التحديق بهم وكذا هم, حتى تَحَرَّكَتْ شَفَتَاهُ المتيبسة بجملة واحدة ...
" أين أنا؟ "
يُجِيب الصياد الذي أنقذه من الغرق في القاع ...
" أنت في قرية هوان الساحلية هل فَقَدْتَ عقلك؟ "
تبسم الشاب بِضُعْفٍ من رَدِ الأُمِّي مُعَلِقاً ...
" سأكون محظوظا لو فقدتُ ذاكرتي ... "
ثم قَطَعَ تَمْتَمَتَهُ استذكار أمر هام, فأخذ يُقَلِّبُ الوسادة والفراش من تحته متعصبا
** أين حقيبتي؟ أين هي ؟؟ اللعنة فليجبني أحدكم ...
تجيبه عجوز مسنة , قد أَتَتْ بوعاء حديدي ساخن, وضعته على جنب, ثم ضغطتْ على يده
" أشياءك آمنة لا تقلق, هيا تناول القليل من حساء المحار, حتى تَسْتَرِدَّ عافيتك, لقد كنتَ مجمدا كالجثة ليلة البارحة "
حدق بالأغطية الثقيلة عند قدميه مذهولا ...
" لهذا شَعَرْتُ بصعوبة في التنفس كِدْتُ أموت خنقا "
رَفَعَ رأسه المتصدع للسيدة ...
" أين حقيبتي ؟ "
قامتْ الى صندوق خشبي عند الزاوية, بينما سَلَبَ التخمين فِكْرَهُ بالكامل , فأَخَذَتْ عيناه ترمش مُحَاوِلَةً تَذَكُّرَ آخر ما رَأَتْ, إلا أن الصداع أبى أن يُفَارِقَ مؤخرة رقبته, فاستدار الى الرجال المتربعين حوله :
" خلال غيابي .. هل قُرِعَ الجرس الأعظم ؟؟ "
سؤاله ازدادهم عجبا على عجب ,مَنْ يكون؟ أين كان؟ وعن أي جرس يسأل؟ .. انما عَجْزُهُمْ عن إجابته, قد أصابه بالحسرة والندم
" إذن لا أحد نجى ... غيري "
فأتت العجوز بحقيبة ظهر قماشية ذات رباط محكم, اِسْتَلَّ الناجي الكيس من يدها الى صدره بخوف, وبعد ان أيقن من مقتنياته جميعا آمنة, أخرج حجرا لماع بحجم كَفِّ اليد
"من منكم سحبني خارج البحر؟ " رفع الصياد يده بتردد
" انقاذك لي لا يمكن رد جميله, قد لا أملك ذهبا الآن , ولكن هذه القطعة أغلى ما لدي خذها ... "
استلمها الصياد مذهولا وسط همسات الرجال حول سعرها, بينما شَدَّ الفتى على الحقيبة هَاماً بالمغادرة
" مُمْتَنٌ لضيافتكم ... ,هل لي بطلب أخير؟ "
" تُسْعِدُنَا خِدمتك سيدي ... "
" أحتاج حصانا ... علي بالوصول الى غيمة السماء قبل المغيب ... "
امْتَطَى الفتى الحصان بصعوبة ,شَادَّا على اللجام بإحكام , رغم امتلاء جسده بالمياه المالحة , وانكسارِ ملامحه ,رَسَمَ ابتسامة المجاملة مودعا ,إلا أن هتافا من بعيد قد جَذَبَ انتباهه ,مَنْ استطاع التعرف عليه؟ والمناداة باسمه ؟ ...
ظَلَّ الحصان يهتزُّ مكانه منتظرا بروز شاب نحيل ,مُصْفَرَّ الوجه , حاله لم يكن مختلفا عن البقية ...باستثناء البشاشة التي استقبله بها ... على النقيض , قد حَلَّ البؤس مكان ابتسامة الناجي المصطنعة ... وكأن جبالا من الهَمِّ قد هَشَّمَتْ عظام كتفيه ... كان يبادل الفتى بنظرات مُشْفِقَة وخَذِلة مما حصل و سيحصل ... كومة من مشاعر كريهة بداخله ,ابتلعها طوال طريق عودته وحيدا ... إلى أن ظَهَرَ هذا الصغير ... الذي دفعه بالنزول من على الحصان واحتضانه مع غصة عميقة ... ولأن الدموع تَهْدِمُ هيبة الرجال في ذاك الزمن ... فَضَّلَ أَسْرَ أَلمِهِ داخل صدره بصمت.
يسأله الفتى بلهفة : " لما عُدْتَّ وحيدا ؟ أين البقية ؟ أين هيتشان ؟ "
رَبَّتَ الآخر على كتفه بعجز .هو مقتنع أن اجاباته ورغم أهميتها ,لا فائدة منها بل لن تُسْعِدَ أحدا.
يَسْتَمِرُ في طرح المزيد : " سيدي جيان هاو . أجبني . هل وصلتم أرض المعجزات؟ أوجدتم الكنوز؟ "
ابتعد جيان هو عنه ليخرج من الحقيبة, قماشة رمادية, انكماشها بين راحتيه المتجعدة ,تحكي الكثير عن مدى معانتها حتى وصولها هذه القرية , يَضَعُ جيان هاو القماشة التي تخفي شيئا بين طياتها ,على كَفَّةِ الفتى آسفا
" هذه من أخاك ... طلب مني أن أُسَلِّمَها لك و ... "
استنشق عميقا ليزفر بجملة حامضة : " و هو يعتذر لأنه لن يعود كما وعدك ... آسف هيتشين"
يصهل حصان جيان هاو ,مواصلا مسيرته العسيرة ,مُخَلِّفاً نحيب الفتى على اختتام عائلته كاملة ...
...يتبع ...
.
12تم تحديث
Comments