المحقق كيم رونيز: لعبة القاتل

المحقق كيم رونيز: لعبة القاتل

الفصل 1

في صباحٍ مشرق، انسكبت أشعة الشمس الدافئة على نوافذ الشقة الصغيرة الواقعة في الطابق الخامس من مبنى حجري قديم. ارتدّت خيوط الضوء على الأثاث الخشبي، وأيقظت بهدوء رائحة القهوة التي أعدّها كيم رونيز، المحقق الذي عرفته المدينة بذكائه الفذ وقدرته على قراءة الجرائم كما تُقرأ الكتب المفتوحة.

كان في الثامنة والعشرين من عمره، لكنه امتلك نظرة رجلٍ عاش ألف قضية وألف صمت. يقول دائمًا: "كل جريمة، مهما كانت محكمة، تترك خيطًا أبيض لا يراه سوى من يؤمن بأن لا أحد كامل في الشر."

وقف أمام المطبخ الصغير، يعد الفطور لنفسه ولأسرته. أصوات أدوات المائدة كانت تصنع موسيقى صباحية ناعمة. وبينما كان يصبّ العسل على الفطائر، انطلقت ضحكة خفيفة من خلفه، تبعها صوت طفولي مليء بالحيوية:

ــ صباح الخير، أبي!

التفت كيم مبتسمًا، فوجد ابنه الصغير، جونيو، أو كما يحب أن يناديه أحيانًا «ليون»، واقفًا بملابس نومه، وعيناه نصف نائمتين.

حمله كيم بين ذراعيه وقال برقة:

ــ أنظر يا بطل، فطيرة العسل المفضّلة لديك. لكن قبل الإفطار... ماذا يجب أن تفعل؟

ابتسم الصغير بفخر وقال بصوتٍ عالٍ:

ــ أغسل وجهي ويدي وأسنانِي أيضًا!

ضحك كيم، وأنزله برفق على الأرض وهو يفرك شعره:

ــ أحسنت يا صغيري، هيا، قبل أن تبرد الفطيرة.

كان البيت يعبق بدفءٍ لا يوصف، حتى أن السكون نفسه بدا سعيدًا. خرج كيم متوجهًا إلى غرفة النوم، حيث كانت زوجته، كلارا، لا تزال نائمة تحت الغطاء.

وقف بجانبها للحظة يتأمل ملامحها. كانت صحفية مشهورة بعنادها وشغفها في كشف الحقائق، وهي الصفة التي جعلته يقع في حبها ذات يوم. ابتسم، ثم مدّ يده بخبثٍ وأمسك بأنفها برفق، فشهقت مفزوعة.

ــ كيم! توقف!

ــ صباح الخير يا جميلة.

فتحت عينيها بتثاقل، رمقته بنظرة غاضبة وقالت:

ــ أيها الزوج السيئ، هكذا توقظ زوجتك؟

ضحك كيم وقال ببرودٍ ساخر:

ــ أردت فقط تذكير الصحفية النائمة بأن العالم ينتظر مقالاتها النارية.

فجأة، تبدّل وجهها من الغضب إلى الحماس، وجلست بسرعة تحتضنه وهي تقول بلطفٍ مصطنع:

ــ أحقًا؟ هل هناك خبر عاجل؟ قل لي فورًا، يا أفضل زوج في العالم!

تنهّد كيم وابتسم بخيبة:

ــ حتى المجاملات لا تجيدينها يا كلارا.

دخل الصغير جونيو في تلك اللحظة وهو يصرخ:

ــ أمي الكسولة! أبي يوقظك منذ نصف ساعة!

تبادلت كلارا النظرات مع زوجها، ثم قالت ببرودٍ قاتل:

ــ رائع، نسخة مصغّرة منك يا كيم… الذكاء نفسه، والوقاحة ذاتها.

ضحك كيم، وقبّل جبينها:

ــ هيا انهضي. الإفطار ينتظر، وورق التحقيق أيضًا.

بعد دقائق، اجتمع الثلاثة حول مائدة الطعام. كان الجو مليئًا بالمرح، رغم مشاغلهم التي تنتظر كل واحد منهم في هذا اليوم الطويل.

كانت كلارا تتناول قهوتها بسرعة وهي ترتدي معطفها استعدادًا للذهاب إلى مقر الجريدة.

قالت متصنّعة الحزن:

ــ أنتم لا تحبّونني، لم تنتظراني لتناول الإفطار معكما.

ردّ جونيو بمرحٍ مشاكس:

ــ لأنك تأكلين كل شيء يا أمي، من الأفضل أن نحمي الفطائر قبل أن تختفي!

أمسكت أذنه بخفة وهمست بتهديدٍ لطيف:

ــ ابن عاق… لن أطعمك الحلوى مجددًا.

ضحك الصغير وارتمى في حضنها:

ــ أنا أمزح يا أمي، أنتِ أفضل من كل الحلوى في العالم.

راقبهما كيم من بعيد بابتسامةٍ هادئة، ثم نهض متجهًا نحو المغسلة ليغسل الصحون. كان هاتفه موضوعًا على الطاولة، وما إن انتهى من شطف آخر كوب حتى دوّى رنينه بنغمةٍ حادة مألوفة.

مسح يديه سريعًا، التقط الهاتف، وظهرت على الشاشة صورة صديقه المقرّب وزميله في العمل، كاليب.

ــ صباح الخير يا عبقريّ التحقيق، لدينا جريمة جديدة.

ــ جريمة؟ في الغابة كالعادة؟ أم في البحر هذه المرة؟

ضحك كاليب:

ــ لا، هذه مختلفة. وُجد رجل مشنوقًا في مكتبه، والكرسي مقلوب أسفل قدميه. تبدو كأنها انتحار، لكن… لا شيء في المشهد مقنع.

سكت كيم لثوانٍ، ثم قال بهدوءٍ جاد:

ــ أرسل لي العنوان. سأوصل عائلتي أولًا ثم آتي مباشرة.

ــ جيد. وكالعادة، لا تمرّ على القسم لتتجنّب الأسئلة، أليس كذلك؟

ابتسم كيم:

ــ تعرفني جيدًا.

أنهى المكالمة، ثم التفت إلى كلارا التي كانت تراقبه باهتمامٍ خفي.

ــ كيم، هل هي جريمة جديدة؟

ــ نعم، لكن لا تقلقي، مجرد حالة انتحار مبدئيًا.

ابتسمت بمكر:

ــ إذن سأرافقك.

ــ لا، لستِ من فريق التحقيق.

ــ وأنا لست مجرد زوجة أيضًا. أريد أن أكتب تقريرًا صحفيًا عن الجريمة، سأنقل الوقائع فقط.

تنهّد وهو يلتقط معطفه:

ــ لا فائدة من النقاش… حسنا، لكن لا تلتقطي الصور، ولا تتحدثي إلا بإذني.

صفّقت كلارا بحماس:

ــ صفقة!

خرج الثلاثة معًا من الشقة. أوصل كيم ابنه أولًا إلى الروضة.

انحنى أمامه وقال بابتسامةٍ دافئة:

ــ كن ولدًا مهذّبًا، يا بطل.

ــ نعم أبي، عد بسرعة قبل أن تحل أمي مكانك في الجريمة!

ضحكت كلارا بقوة، فيما اكتفى كيم بهزّ رأسه يائسًا.

قاد كيم السيارة متجهًا نحو ضواحي المدينة. الطريق الطويل كان يمرّ بين صفوفٍ من الأشجار العارية، والسماء بدأت تغيم ببطء، كأنها تشارك في ثقل الجوّ القادم.

كانت كلارا تكتب ملاحظاتٍ في دفترها بينما تراقب وجه زوجها المنعكس في زجاج السيارة.

قالت بهدوء:

ــ أتعرف، ملامحك تتغير حين تذهب نحو جريمة… تصبح أكثر صمتًا.

أجابها دون أن يشيح بنظره عن الطريق:

ــ لأنني أتعامل مع الموت، والموت لا يحب الضجيج.

بعد دقائق، وصلا إلى منزلٍ فخم محاطٍ بشريطٍ أصفر، تتجمّع حوله سيارات الشرطة.

ترجّل كيم وكلارا، ودخلا بعد أن ألقيا التحية على الحراس.

في الداخل، كان صديقه كاليب يقف بجانب الضابطة مارغريت، وكلاهما يراجع تقارير أولية.

رفع كاليب رأسه وقال:

ــ تأخرت أيها الفيلسوف.

ــ كنت أوصل أسرتي، تعرف أني أعيش حياة مزدوجة: نصفها تحقيق ونصفها فطائر عسل.

ضحك كاليب، ثم أشار إلى الغرفة المجاورة:

ــ الجثة هناك، والزوجة تصرّ أنه لم ينتحر.

تقدّم كيم بخطواتٍ هادئة نحو المكتب. كان الباب نصف مفتوح، والهواء باردًا رغم دفء الخارج.

الكرسي مقلوب، الحبل يتدلّى من السقف، و مكان الجسد معلّق كدميةٍ من قماش.

توقّف لحظة يتأمل المشهد، ثم نظر إلى الأرض.

هناك، بين الغبار الخفيف، خيط أبيض رفيع يمتد من السجادة إلى زاوية الطاولة.

انحنى، التقطه بين أصابعه، وابتسم.

في تلك اللحظة، دخلت كلارا بخطواتٍ بطيئة، دفترها في يدها، وعيناها تلتقطان التفاصيل بحذرٍ مهني.

ــ هل هو انتحار حقًا؟

لم يجبها كيم. تقدم أكثر نحو الجثة، ثم قال بنبرةٍ غامضة:

ــ ربما… لكن ثمة شيءٌ لا يتناسب.

اقترب كاليب وسأله:

ــ ماذا لاحظت؟

ــ الجثة مشنوقة، نعم، لكن العقدة من الخلف، لا من الأمام.

ــ وماذا يعني ذلك؟

ــ يعني أن الرجل لم يشنق نفسه، بل ساعده أحدهم على ذلك.

ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن تهمس كلارا بدهشة:

ــ إذن… جريمة قتل؟

التفت إليها كيم بابتسامةٍ خافتة وقال:

ــ يبدو أننا أمام خيط أبيض جديد.

الجديد

Comments

مروان حسام

مروان حسام

الفصل الأول رائع هو بداية القصة تجعلك تريد أن تعرف ماذا سوف يحدث

2025-10-18

1

chaimaa Fhjfl

chaimaa Fhjfl

رائع أحببت القصة الجديدة🥰🥰🥰👍

2025-10-17

2

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon