الفصل 2

اندَهشت كلارا من هدوء كيم وتركيزه، فقد بدا عليه الحماس الخفي حين تبلور أمامه نسيج الأدلة البيضاء المتناثرة، وكأنها خيوط تؤشر إلى حلٍّ محتوم.

كلارا: أخبرني، كيم — ماذا رأيت؟

كيم (بصوتٍ متحكم): اصمتي قليلاً. أحتاج الهدوء والتركيز.

بقيت كلارا تراقب، بينما كان كيم يتفحّص زوايا المكتب بعين المحقق: رُسُومٌ على الطاولة، قلمٌ ملقى على الأرض، كتبٌ مرتَّبة بشكلٍ غير طبيعي. أمسك القلم بيده ثم نظر حوله بعين ثاقبة، وكأنه يقصّ على نفسه صورة الجريمة بأكملها.

خرجا من المنزل، ولحقت به كلارا. توجّها إلى كاليب.

كيم: كاليب، أعطني تقرير الضحية، وصور المشهد، وأي شيء وُجد في يده.

كاليب: الجثة لم تُنقل بعد، هي في سيارة الإسعاف بالخارج. اذهب وتفحصها بنفسك.

أوقف كيم السيارة بجانب عربة نقل الموتى، وطلب من فتح بابها الخلفي. دخل بنفسه، وكانت كلارا تراقب من بعيد دون أن تتقدّم.

فحص كيم الجسد بهدوء؛ راقب لون الرقبة، موضع الكدمات، والذبذبة الخفيفة في أنسجة الجلد. عند زاوية رأسه، وسط شعره الأبيض، لمحت عيناه خصلة سوداء — تباينٌ لافت لم تستطع الصدفة تفسيره. أمسك كيم بالخيط الأبيض الصغير الذي كان ملفوفًا على السجادة، ومرّره بين أصابعه. التقطته تفاصيل صغيرة وأعطته ابتسامة واثقة: لم يعد هناك مجال للشك.

عاد إلى غرفة الجلوس وطلب بسرعة:

كيم: اجمعوا جميع أفراد الأسرة هنا الآن.

بعد قليل، تجمع أهل الضحية في غرفة المعيشة. تردّد الحزن والقلق، لكن كيم كان هادئًا كمن يحمل صناديق أدلة لا تُخطئها العين. راقَب وجوههم وأيديهم، يبحث في تعابيرهم عن شَذَرات تكشف التناقض.

كيم (موجهًا حديثه إلى الحاضرين): أعتذر لإجباركم على التجمع... لكن لدي بعض الأسئلة. أحتاج تعاونكم وإجابات صادقة.

تقدّم أخ الضحية، رازبا، متوترًا:

رازبا: لقد انتحر! ما الداعي لكل هذا؟ اتركوا الأمور لأهلِه.

صرخت الزوجة، ليلا، باكيةً:

ليلا: مستحيل! زوجي لم يكن لينتحر. لا يوجد سبب.

حاول الابن ماكس تهدئتها:

ماكس: هيا يا أمي، أخبره بكل ما تعرفين.

ابتسم كيم بابتسامة قصيرة:

كيم: سأحتاج أن أسمع كلّ منكم. لكن أولًا، أين كنتم ليلة الأمس عند الحادية عشرة تقريبًا؟

كان حديث الشهادات متشابكًا ومليئًا بالتفاصيل اليومية: سليا قالت إنها كانت في بيت أهلها، رازبا أصرّ على عدم معرفته، ماكس وأمه يعطون رواية متضامنة. ثم نادى كيم على المدخل: اتصلتُ بسكرتيرة الضحية — أينا — وقد حضرت للتو.

تقدمت أينا بخطوات متزنة، عينان هادئتان، لكن صوتها كان متوتراً حين سأله كيم: أين كنت ليلة أمس؟

أينا: أوصلت بعض التقارير للسيد جون، ثم ركبتُ سيارة الأجرة وعدتُ لمنزلي.

كيم: لماذا كلتا يديك ملفوفتين بالضماذ... ماذا حدث لهم.

أينا: إسأل من سكبه الماء ساخن على يدي.

ثار نقاش سريع عن سبب حروق يديها؛ سليا اعترفت بغضب أنها من سكبه عنها حين تشاجرا، ثم هدأت الغرفة. بدا كيم أنه يستغل كل نقطة لصنع صورةٍ أكبر.

ثم قال كيم بهدوءٍ حاسم:

كيم: لدي دليلان مهمان. الأول — خيط أبيض صغير وُجد على السجادة. الثاني — خصلة شعر سوداء بين شعره الأبيض.

ارتفعت أصوات الاعتراض: أينا كانت غاضبة: كيف تتهموني دون دليل؟ لكن كيم لم يردّ بادعاءات عامة.

كيم: لم أقل شيء... أنت من إفترضت ذلك.

فجأة قالت أينا بصوتٍ مفاجئ: تحققوا من كاميرات المراقبة داخل المكتب... هناك كاميرا مخفية داخل الجدار.

صمت الحضور. لم يكن أي منهم يعرف بوجودها.

كيم (مندهشًا): كاميرا؟ أين بالضبط؟

أينا أشارت نحو جدار المكتب: هذه هناك — تحت اللوح المتحرك. وضعتها لأسبابها الخاصة، حتى لا يكتشفها أحد.

ذهبا إلى المكتب. أينا ضغطت على اللوح بحركة متقنة، فانزاح الغشاء الشفاف، وكُشف عن عدسة صغيرة قاتمة. امتلأت الوجوه بالدهشة؛ لم يتخيّل أحد وجود هذه العين الصامتة.

أخذ كيم الكاميرا بين يديه، حملها برقة وكأنه يحمل نواة الحقيقة. في الداخل، على شاشة التخزين، قد يكشف ما طوى الليل من أسرار.

كيم (بنبرة ثابتة): سنشاهد التسجيل الآن. إما أن يكشفُ لنا الحقيقة، أو يزيدها غموضًا.

وقف الجميع في صمت ثقيل، لا يسمع فيه سوى أنفاس متقطعة وتنهيدات مكبوتة. حمل كيم الكاميرا الصغيرة بين يديه بحذر، كمن يخشى أن يسقط منها سرّ الزمان. جلس أمام المكتب، ووصلها إلى الحاسوب المحمول الذي أحضره كاليب من سيارة الشرطة.

أطفئت الأنوار العيون، وسط عيون ثاقبة تراقب، ولم يبقَ إلا ضوء الشاشة البارد الذي ألقى ظلالًا غامضة على وجوه الواقفين حولها: ليلا، رازبا، ماكس، سليا، أينا، مارغريت، وكلارا — وكلٌّ منهم يحمل خوفًا مختلفًا في عينيه.

ضغط كيم على زر التشغيل.

بدأت الصورة تتحرك ببطءٍ متقطع، ثم اتضحت تدريجيًا. المكتب ذاته، كما هو الآن — نفس الترتيب، نفس الأثاث، نفس الهدوء الكئيب. ظهر الضحية "جون" جالسًا خلف مكتبه، يرتدي قميصًا أبيض مفتوح الياقة، ووجهه يحمل شيئًا غريبًا بين التفكير والانطفاء.

كانت الساعة في زاوية الشاشة تشير إلى التاسعة وأربعٍ وعشرين دقيقة مساءً.

في التسجيل، يُفتح الباب، يدخل رازبا، الأخ الأصغر. بدا وجهه غاضبًا، خطواته متوترة، وصوته مرتفعًا حتى أن الميكروفون الضعيف التقط بعض الكلمات.

رازبا: قلت لك مئة مرة! المشروع لي، أنا من بدأته.

جون (بهدوءٍ متعب): المشروع ليس ملكًا لأحد، إنه لشركتنا، للفريق كله.

رازبا يضرب بيده على المكتب: لا تتهرب! كنت دائمًا تسرق مجهودي، والآن تريد أن تسرق الأرض أيضًا؟

صمتٌ.

جون ينظر في وجهه طويلاً، ثم يقول بصوتٍ هادئٍ موجع:

جون: لا أريد المال يا رازبا، أريد فقط أن تبقى لي أخًا... لا خصمًا.

يرد رازبا بانفعال:

رازبا: أنت لم تعد أخي منذ اليوم الذي رفضتَ فيه أن تعطيني حقي.

ثم يدير ظهره، ويغادر، والباب يغلق بعنف خلفه.

تظل الكاميرا صامتة لبضع ثوانٍ.

تظهر يد جون ترتجف، يضع رأسه بين كفيه. يبقى هكذا طويلًا، حتى يظن المشاهد أنه سينهض ويخرج.

لكن بدل ذلك، ينهض ببطء، يتجه إلى زاوية الغرفة، يفتح خزانة صغيرة ويخرج منها حبلًا بنيًا متينًا، يلمسه بعناية، يمده بين يديه، يقيس طوله... ثم يرفع رأسه نحو الدعامة المعدنية في السقف.

كلارا وضعت يدها على فمها، وارتجفت أنفاس ليلا.

كيم لم يتحرك، لكنه حدق في الشاشة بتركيزٍ كمن يقرأ ما وراء المشهد، لا ما فيه.

في التسجيل، يضع جون الكرسي في منتصف المكتب، يثبت الحبل في الدعامة جيدًا، ويقف فوق الكرسي.

صوت خافت يصدر من فمه، أقرب إلى الهمس:

جون: ربما سيُفهم الأمر يومًا... أو ربما لا.

ثم — يسقط الكرسي.

يبقى الجسد متأرجحًا في الهواء، يتحرك ببطء، بينما يداه معلقتان كأوراقٍ في مهبّ الريح.

الوقت على الشاشة: 10:57 مساءً.

ارتفعت شهقة ليلا من بين الدموع، صرخت وهي تمسك صدرها، وكأن الألم يعصر قلبها:

ليلا: لاااا! جون! لا تفعل هذا...!

اقتربت كلارا منها تحاول تهدئتها، فيما أغمض ماكس عينيه، يضغط بيده على فمه، والدموع تتساقط بصمت.

حتى مارغريت، التي اعتادت مشاهد الجثث، أشاحت وجهها للحظة.

كيم لم يتكلم. كان ينظر للشاشة، يعيد المشهد أكثر من مرة.

مرة ينظر إلى حركة الكرسي، مرة إلى اتجاه الحبل، ومرة إلى الزاوية المظلمة خلف المكتب.

شيء ما لم يكن طبيعيًا.

قال كيم بهدوء:

كيم: توقف الفيديو عند الدقيقة 10:55... كاليب، عدّ اللقطات ببطء.

أعاد كاليب الفيديو ثانيةً، والإطار يتقدّم جزءًا جزءًا.

قال كيم وهو يشير بإصبعه إلى الزاوية اليمنى للشاشة:

كيم: هناك ظلّ خلف الستار، انظروا.

اقترب الجميع.

الظلّ بدا واضحًا في لحظةٍ واحدة فقط، قبل أن يتحرك جون نحو منتصف الغرفة. ثم اختفى.

كيم أوقف التسجيل، ونظر إلى أينا.

كيم: لماذا وُضعت الكاميرا هنا أصلاً؟ هذا ليس مكانًا طبيعيًا لكاميرا في مكتب خاص.

أينا نظرت نحوه بثبات:

أينا: هو من طلب ذلك. أراد أن يحتفظ بتسجيل دائم لما يحدث في مكتبه، خاصة بعد أن بدأت المشاكل بينه وبين أخيه. قال لي بالحرف الواحد: “لا أريد أن يُسرق شيء يخصني، لا فكرة، ولا مشروع.”

كيم (بصوتٍ منخفض): المشروع اإذًا... مشروع تحويل الأراضي.

أينا: نعم. كان يخشى أن يُتم سرقة الوثائق. الكاميرا كانت لتوثيق أي لحظة وهي مباشرة مع مكتبه.

صمت الجميع.

كيم أغلق الفيديو، ثم جلس على الكرسي أمام المكتب ذاته الذي كان فيه الضحية في التسجيل.

نظر إلى السقف، إلى نفس الدعامة التي عُلّق منها الحبل، ثم إلى الأرضية حيث كان الكرسي مرميًا.

كيم (محدّثًا نفسه): الغريب أن طول الحبل لا يكفي لجعل الجسد يرتفع بهذا الشكل. لو كان وحده، كان سيسقط جسده أرضًا بمجرد أن يفقد الوعي...

كلارا اقتربت منه:

كلارا: لكن الفيديو واضح يا كيم، لقد شنق نفسه أمامنا.

كيم (بصوتٍ بارد): في الظاهر نعم... لكني لا أؤمن بالظاهر.

نهض، واتجه نحو زاوية المكتب التي بدت في الفيديو مظلمة.

انحنى، رفع السجادة ببطء.

ابتسم بخفة وهو يرى الخيط الأبيض الصغير الذي اكتشفه سابقًا.

كيم: هذا هو ما لا يظهر في الكاميرا... الخيط الأبيض، لم يكن هناك صدفة.

كاليب تقدّم:

كاليب: ماذا تعني؟

كيم: في الفيديو، عندما تحرك جون نحو الكرسي، كان الخيط ممدودًا تحت السجادة من هنا، متصلاً بالطاولة.

إذا كان أحدهم سحب الطاولة أو الخيط في اللحظة المناسبة، فقد يسقط الكرسي تلقائيًا... دون أن يلمسه جون نفسه.

ساد صمتٌ رهيب.

حتى ليلا التي كانت تبكي، توقفت، تنظر نحوه غير مصدّقة.

كيم أكمل:

كيم: أعتقد أن جون كان ميتًا قبل أن يُشنق. تم رفعه لاحقًا بالحبل بعد أن شُلّت عضلاته أو خُنق بطريقةٍ أخرى.

وهذا ما يفسّر الخط الأحمر في رقبته من الجانب... لم يكن خط ضغط الحبل أثناء الشنق، بل من يدٍ أو خيطٍ سابق.

مارغريت همست بدهشة:

مارغريت: هذا يعني أن من فعلها كان ذكيًا جدًا.

كيم (بهدوء): ذكي... وبارد القلب. أراد أن يُظهره كمنتحر ليغلق القضية بهدوء.

رفع رأسه نحو الجميع، عينيه تتنقل بين الوجوه:

كيم: والسؤال الآن... من كان يعلم بوجود الكاميرا غير أينا؟

أينا فتحت فمها لتجيب، لكن كيم قاطعها:

كيم: قبل أن تجيبي — تذكّري أن كل كلمة ستكون مسجلة الآن في تقرير رسمي.

الكل بدأ يشعر أن الحقيقة، تلك التي ظنّوها انتحارًا، بدأت تنقلب عليهم كمرآة تكشف الوجوه الخفية.

جلس كيم على الكرسي، وأدار التسجيل مرةً أخرى، هذه المرة وهو يراقب العيون خلفه أكثر من الشاشة أمامه.

كان في الغرفة شيءٌ أثقل من الموت ذاته — اليقين بأن ما بدا انتحارًا، ليس إلا قتلًا متقنًا بذكاءٍ فاحش.

الجديد

Comments

idari

idari

أتمنى أن تلقى القصة الإعجابكم فأنا أريد بدأ سلسلة من روايات الكثيرة ورائعة للقراءة لهذا أتمنى أن تعجبكم هذه القصة وتكون البداية

2025-10-17

2

chaimaa Fhjfl

chaimaa Fhjfl

القصة رائعة جدا تابع الكتابة من هو المجرم هل أخوه أم أنه انتحر أم ماذا

2025-10-17

1

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon