الفصل 5

بعد أن أقلَّ كيم زوجته كلارا من العمل برفقة ابنهما، عادا إلى المنزل لتناول طعام العشاء. كان الجو طبيعيًا وسط عائلة صغيرة متناغمة.

بعد انتهائهم من الأكل، ذهب كيم لغسل الأطباق بينما كانت زوجته تساعده؛ هو يغسل وهي تجفف، أما جونيو فكان جالسًا في غرفة المعيشة يشاهد الرسوم المتحركة.

تأملت كلارا كيم وقد شرد ذهنها، فنظر إليها كيم مستغربًا وقال:

ــ هل هناك شيء على وجهي؟

ضحكت كلارا وهي ترى وجهه الوسيم، وبدأت تلمسه بيدها. لم يكن كيم معتادًا على تصرفاتها هذه، ففي بعض الأحيان تصير كالمجنونة تحدق به طويلاً. أمسك كيم بيديها قائلًا:

ــ عزيزتي كلارا، لماذا تحدقين بي هكذا؟ هل تسمعينني؟ أنا أتحدث معك.

قالت كلارا مبتسمة بخجل:

ــ بصراحة، عندما أنظر إليك... لا أصدق أنك زوجي، وأنك بجانبي. رجل وسيم مثلك... ينام معي كل ليلة، وأنجبتُ منه طفلًا.

تجمد كيم في مكانه وهو يسمع كلامها، ثم وضع يده على جبهتها ليتأكد من حرارتها، لكنها كانت طبيعية. اندهشت كلارا مما فعله، فاقترب منها قليلًا وقبّل جبهتها برفق.

قال كيم:

ــ اذهبي للنوم، لقد انتهينا من غسل الأواني... لدي مهمة عليّ تنفيذها.

شعرت كلارا بحرارة في وجهها ولم تستطع النظر إليه مباشرة، لكنها تذكرت ما قاله، فأمسكت بيده قائلة:

ــ إلى أين أنت ذاهب في هذا الليل؟ وما هي المهمة التي لديك؟

أجابها كيم مبتسمًا:

ــ إنها مهمة سرية، وليست هناك مقالة لكتابتها. ولا يزال أمامك إعداد الكثير من الحاجيات استعدادًا للسفر.

دخل كيم الغرفة ليغيّر ثيابه، وكانت كلارا تراقبه بنظرات يملؤها القلق. تنهد كيم ببطء محاولًا طمأنتها؛ فكل مرة يخرج فيها ليلًا للتحقيق، ينتابها شعور بالخوف والقلق، وهذا ما يجعله دائمًا يحاول تهدئتها. كانت زوجة هشة رغم ما يبدو عليها من قوة.

قال كيم وهو يربت على كتفها:

ــ لا تقلقي، إنها مهمة بسيطة. ولا تجعلي جونيو يسهر كثيرًا، عليه أن ينام باكرًا. سأعود قريبًا.

قالت كلارا بصوت خافت:

ــ حسنًا... انتبه لنفسك.

ابتسم كيم لها ثم خرج من المنزل. كان الجو مظلمًا، لا خيوط ولا استنتاجات، بل خطة متشابكة كخيوط عنكبوت جائعة تنتظر فريستها.

ركب كيم سيارته وانطلق نحو مكان المهمة. كان الشارع لا يزال مزدحمًا حتى بعد الساعة 10:12 ليلًا. قاد سيارته وسط الطريق بهدوء، ثم بدأ يسمع صوتًا يشبه عقارب الساعة. عمّ المكان صمت غريب، وسرعان ما غرق في أفكاره.

تدفقت إلى ذاكرته كلمات وموسيقى وحوادث سيارات وشاحنات... وجد نفسه عالقًا داخل سيارة، حزام الأمان يضغط على صدره، وصوتٌ غامض يهمس في أذنه:

ــ لقد انتهت مهمتك... وبسببك مات هذا العدد الكبير من الناس، أيتها الضابطة سانا.

ثم ظهر ضوء قوي اختفى معه كل شيء.

استعاد كيم وعيه فجأة، فانعطف بسيارته بسرعة لتجنب شاحنة قادمة، وأوقفها بصعوبة قبل أن تصطدم بالحائط. بدأ يتنفس بسرعة، والعرق يتصبب من وجهه، وهو ينظر حوله في ذهول.

اتكأ على المقعد ليسترجع أنفاسه. كانت تلك الذكرى القديمة تلاحقه كلما قاد السيارة ليلًا. ذكرى دفنها في أعماقه... اليوم الذي فقد فيه والديه وأخته الكبرى التي كانت تكبره بأربع سنوات.

رن هاتفه بعد دقائق. ظل يرن مرارًا وتكرارًا، فالتفت كيم نحوه ليرى أن المتصل هو كاليب.

أجاب بصوت متعب:

ــ مرحبًا كاليب، ماذا هناك؟

قال كاليب بانفعال:

ــ ماذا تقصد "ماذا هناك"؟ نحن ننتظرك لتنفيذ المهمة!

كيم:

ــ آه، نعم... أنا آتٍ، سأصل قريبًا.

كاليب:

ــ حسنًا، أسرع.

أغلق كيم الهاتف ووضعه جانبًا، ثم أكمل طريقه بالسيارة. كان في داخله صراع بين الحاضر والماضي، بين واجبه وذكرياته الغامضة التي لا يعرف إن كانت حقيقية أم مجرد كوابيس.

وبعد دقائق قليلة وصل كيم إلى المكان المحدد، أوقف سيارته في مكان بعيد، ثم ركض نحو سيارة كاليب وفتح الباب ليدخل.

في الداخل، وجد راسيا، وديلان، ومارغريت جالسين في المقعد الخلفي، ينتظرونه بصمت متوتر.

جلس كيم داخل السيارة بجانب كاليب، فيما كانت راسيا تراقب شاشة صغيرة تعرض خريطة الحيّ الفخم الذي وقعت فيه السرقات. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف ليلًا، والهدوء يسود المكان إلا من صوت الأجهزة اللاسلكية وارتطام قطرات المطر بزجاج السيارة.

قال كاليب بصوت منخفض:

ــ لدينا تأكيد أن العصابة ستتحرك الليلة. أربعة أشخاص، مدربون جيدًا، يستهدفون المنازل الفخمة في المنطقة الشرقية. هدفهم هذه المرة منزل السياسي “هان جين”.

ردت مارغريت وهي تراجع بيانات الحاسوب اللوحي:

ــ سجلوا ثلاث عمليات سابقة خلال الشهر الماضي، وكلها بنفس النمط: قطع الكهرباء أولًا، ثم الدخول من الطابق الثاني. لا يتركون أثرًا.

كيم وهو يشد قفازيه:

ــ يعني أن لديهم مخططًا واضحًا... لا يتحركون عشوائيًا.

أجابه كاليب وهو يحدق في الطريق:

ــ لهذا السبب ننتظرهم هنا، لدينا وحدتان من الشرطة في الأطراف، فور تحركهم سنغلق المخرجين.

قالت راسيا:

ــ تم رصد سيارة سوداء بلا أرقام تتجول في الحيّ منذ عشر دقائق. أعتقد أنهم وصلوا.

أومأ كيم برأسه، وأمسك بسلاحه الصغير، ثم قال بهدوء حازم:

ــ الجميع في مواقعهم، لا نتحرك حتى يعطينا كاليب الإشارة.

مرت الدقائق ببطء قاتل، حتى انطفأت أنوار أحد المنازل البعيدة فجأة. قال كاليب عبر اللاسلكي:

ــ هذا هو المنزل المستهدف... تحركوا!

خرج الفريق من السيارة بخفة، واختفوا بين الأشجار المحيطة. كان الظلام يغطي كل شيء، والهواء باردًا يحمل معه رائحة المطر. تسلل كيم إلى السور الخلفي، ورفع منظاره الليلي ليرى أربعة ظلال تتحرك بسرعة داخل المنزل.

ــ تأكيد... اللصوص الأربعة في الداخل.

رد الشرطي عبر الجهاز:

ــ الوحدات جاهزة من الجانبين. في إشارة منك نقتحم.

لكن فجأة، دوّى صوت زجاج يتحطم، وقفز أحد اللصوص من الشرفة ممسكًا بحقيبة سوداء.

صرخ كيم:

ــ واحد خرج من الجانب الأيسر! أوقفوه!

بدأت الفوضى.

ركض كيم خلفه بكل سرعة، كانت خطواتهما تتناوب على الإسفلت المبلل. أطلق اللص رصاصة تحذيرية أصابت عمود الإنارة فتناثر الشرر في كل مكان.

قفز كيم خلف سيارة متوقفة، ثم خرج بسرعة مطلقًا رصاصة أصابت ساق اللص، فسقط أرضًا. هرع نحوه وقيّده بسرعة.

في الجهة الأخرى، كانت راسيا و مارغريت تواجهان اللصين الثاني والثالث داخل الحديقة الخلفية. تبادلت راسيا إطلاق النار مع أحدهما حتى نفدت ذخيرته، فانقضّت عليه بلكمة قوية أسقطته أرضًا. أما مارغريت فقد تشبثت بالآخر في قتال عنيف بالأيدي قبل أن تفقد توازنها وتسقط معه في بركة الماء.

تدخل كاليب في اللحظة المناسبة، أطلق رصاصة نحو ساق اللص الرابع الذي حاول الهرب بسيارة الدفع الرباعي، فتوقفت السيارة فجأة واصطدمت بالسياج الحجري.

بعد دقائق، كانت sirens الشرطة تملأ المكان. تم القبض على الأربعة، وجُمع الفريق في نقطة اللقاء بجانب سيارات الشرطة.

وقف كيم ينظر إلى المنزل الذي أصبح محاطًا بالأضواء الزرقاء والحمراء، يتنفس بعمق وهو يمسح العرق عن جبينه. اقترب منه كاليب وقال مبتسمًا:

ــ كالعادة، المهمة نجحت... لكنك بدوت شاردًا في البداية. كل شيء على ما يرام؟

ابتسم كيم ابتسامة باهتة وقال:

ــ نعم... فقط تذكرت شيئًا من الماضي.

صمت لحظة، ثم نظر إلى السماء الملبدة بالغيوم، كأنها تخفي سرًّا يعرفه وحده.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon