2 الفصل

فوجئ فرزو بنزول المطر الخفيف على الأرض، كأنه يشاركه الحزن الذي يعتصره، ثم اشتدت غيوم السماء فظلمت، وهطل المطر غزيرًا. جرى فرزو إلى ظل جسر قريب ليحتمي به. احتضن أمتعته متشبثًا بها ليدفئ نفسه.

"حتى السماء تسخر مني"، همس فرزو ورأسه مطأطئ باسطًا سحائب اليأس.

لحسن الحظ، لم تكن مياه نهر تصطخب تحت الجسر بل أرض صلبة ممتزجة بالحجارة. وجد هناك بضع كراتين ممددة، بدا أنها ملاذ لأحدهم لبرهة فحسب. عدّل فرزو الكراتين، ونظمها، ثم أخرج من حقيبته قطعة قماش ليستعملها كغطاء.

استخدم الحقيبة وسادة، تغلغل البرودة في عظامه بسبب زخات المطر الكثيفة. حاول فرزو إغماض عينيه لينام، لينسى لوهلة تلك الآلام التي تقرض جسده، لكن الذكريات طغت عليه، إذ بكى مستذكرًا والديه بحرقة.

"أبي، أمي، لو كنتما حيّين لكان أساي يزيدكما حزنًا. لقد طُردت وفقدت عملي ومأواي. كيف سأتابع دراستي؟" بكى فرزو، وتناثرت دموعه على قماش الغطاء الذي يلفه.

واصل البكاء حتى أوجعه رأسه، جاهد لإغماض عينيه مجددًا آملًا في أن يغفو. وأخيرًا، ومن دون أن يشعر، خلد إلى النوم.

استفاق فرزو باكرًا في الصباح؛ عليه أن يجد عملًا، فالخمسمائة ألف ليرة التي بحوزته لم تكفِ حاجته حتى يحظى بوظيفة.

حزم فرزو حقيبته وانطلق بحثًا عن عمل، وإن كان مجرد كنس الطرق أو غسل الأطباق، لا يهم.

قرر اليوم عدم الذهاب إلى المدرسة؛ الأولوية لإيجاد عمل يكسب منه ليأكل.

كانت الطرقات لا تزال صامتة، والناس يفتحون أبواب منازلهم توًا. سار فرزو وحيدًا، أملاً في أن يجد مأوى يأويه للعمل.

أثناء سيره منعزلًا، اقترب منه ملثمان يمتطيان دراجة نارية واستوليا على حقيبته بسرعة وفرا.

"أعيدوا حقيبتي!" صرخ فرزو من ورائهم، لكنهما ابتعدا واختفيا عن الأنظار. بقي فرزو مسقطًا على الأرض، جروح الركبتين والكوعين تنزف. ومع ذلك، نهض مجددًا وركض.

"النجدة! لصوص سرقوا حقيبتي!" صرخ في الطرقات، لكن لا أحد اكترث، وصمت الحشود في حيرة، واعتقد البعض أنه مجنون.

غلبته السقطة مرة أخرى، لم تعد قدماه تحمله والدموع تغشى عينيه. هناك، سجد وجعًا وانهار بكاء. انتهى كل شيء؛ لم يعد شيء بحوزته أبدًا.

ما هي المحن التي تنتظره بعد؟ ماذا يعده القدر بعد؟ هل من نصيبه نفور الدنيا منه؟ ربما يزول عنها؟ لماذا يدور الزمان بهذه السرعة حتى وجد نفسه في دائرة عذاب لم يستعد لمواجهتها بعد.

حتمًا عليه القيام، تحامل على جسده الواهن ومضى إلى الخارج. اقترب فرزو من متجر مغلق لا يُعرف مصيره، وجلس على درجاته.

كان الجميع يمرّون من حوله، الموظفون وتلاميذ المدارس، بل وطلبة الجامعات يغادرون سراعًا في طريقهم. واتفق أن تلك الطريق تؤدي إلى مدرسته، وكثيرون من زملائه يسلكونها.

"أليس ذلك فرزو؟" تساءل إيان وهو واقف خلف دراجة يون الضخمة. على الجانب الأخر، نظر يون إلى الاتجاه الذي أشار إيان إليه وتوقف فجأة.

"صحيح، لماذا هو هناك؟ هيا نمرح به"، اقترح يون وابتسامة خبيثة ترتسم على وجهه.

اقترب الاثنان من فرزو الذي كان غارقًا في شروده، وفوجئ بقدوم يون وايان. بجوار المتجر زقاق ضيق مسدود يحده من الجانب الآخر جدار عالي.

ألقى يون وإيان نظرة متوحشة وسحبا فرزو إلى الزقاق.

"أين تأخذانني!" صرخ فرزو يحاول التملص.

"اخرس!" وبخه يون. ودفعا فرزو داخل الزقاق وتقدما نحوه.

انهالا عليه ضربًا؛ ركلات وجروح ولكمات متوالية على وجهه. انتفخت عينا فرزو من الضرب، وكرر يون لكمات تهشم أنفه حتى سالت الدماء.

اشتعلت نيران الحقد في قلب يون لأنه كان يغار من ذكاء فرزو. فقد سبق أن قارنهما المعلم وتساءل لماذا لا يكون يون مثل فرزو المجتهد الذي يتمم واجباته الدراسية، بينما كان يون يقضي أوقاته في التهاون والكسل لمجرد كونه ابن عائلة غنية. ومن ثم بدأت كراهية يون لفرزو تتصاعد حتى شرع في حث رفاقه على تنكيله به.

مسح فرزو دماء أنفه، مثقلًا بالألم الذي يعتصر جسده. وبعد أن شبعوا من تعذيبه، غادر يون وإيان.

"هيا لننصرف"، قال يون. وصعد الاثنان على الدراجة النارية مغادرين إلى المدرسة.

بدا فرزو عاجزًا عن الحركة، بطنه يؤلمه، ليس بسبب الضرب وحسب، بل والجوع كذلك لعدم تناوله الطعام لأيام. قد سرقت نقوده فماذا بقي له؟ حاول النهوض بحثًا عن طعام في صناديق القمامة أو حيث يجده.

توجه فرزو إلى صندوق قمامة ووجد بقايا طعام، تهافت عليها بسرعة وابتلعها مع أنها كانت مقززة، لكن الظروف دفعته لذلك.

تنقل بين الصناديق بحثًا عن شيء يسد به رمقه، فبدا في تلك الحالة كمتسول. رث الثياب، جسده مليء بالجروح والكدمات، نظراته تظهر تعبه وكأنه يرغب في التخلي عن الحياة.

أثناء ذلك، مرت امرأة عكسه وسقط منها محفظتها من دون علمها. توقف فرزو بغتة حين وجد المحفظة أمامه، التقطها وفتحها فانذهل لما بها من نقود وألماس. أراد إعادتها ولكنه لم يعرف صاحبتها، فرزو تلفت حوله بحثًا عنها لكنه لم يجد أحدًا.

أحست المرأة بشيء مريب فتفقدت حقيبتها لتجد المحفظة غير موجودة. انتابها الذعر وعندما القت نظرة خلفها رأت فرزو وفي يده المحفظة.

"لص! لص!" صاحت المرأة تشير إلى فرزو. هو لم يفهم سبب صراخها، وتجمع السكان مسرعين.

"أين اللص؟" استفسروا.

"هناك"، أشارت المرأة نحوه. وهرعوا نحو فرزو وحاصروه. انتزعت المحفظة من بين يديه، وانهالوا عليه ضربًا حتى كاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، فلم يسمحوا له بالتوضيح، وفي حال لو فعل لن يفيد شيئًا، فقد تجاهلوا دفاعه وأقدموا على الأمر بأيديهم. حاول فرزو حماية رأسه، لكن ضرباتهم كانت قوية وكثيرة، وأصبح جسده كدمة واحدة، وكُسرت يده من شدة الدوس.

ازدادت حالته سوءًا، الدم ينزف من أنفه وفمه، على الأرض وحيدًا. بدأ يفقد وعيه ولم يعد يشعر بألم، بات يخور قواه وبدا كمن يموت. رفع نظره إلى السماء بعينين باكيتين، ودمعة تنساب من زاوية العين، سحب نفسًا عميقًا، كأنه الأخير.

مختارات
1 1 الفصل
2 2 الفصل
3 3 الفصل
4 4 الفصل
5 5 الفصل
6 6 الفصل
7 7 الفصل
8 8 الفصل
9 9 الفصل
10 10 الفصل
11 11 الفصل
12 12 الفصل
13 13 الفصل
14 14 الفصل
15 15 الفصل
16 16 الفصل
17 17 الفصل
18 18 الفصل
19 19 الفصل
20 20 الفصل
21 21 الفصل
22 22 الفصل
23 23 الفصل
24 24 الفصل
25 25 الفصل
26 26 الفصل
27 27 الفصل
28 28 الفصل
29 29 الفصل
30 30 الفصل
31 31 الفصل
32 32 الفصل
33 33 الفصل
34 34 الفصل
35 35 الفصل
36 36 الفصل
37 37 الفصل
38 38 الفصل
39 39 الفصل
40 40 الفصل
41 41 الفصل
42 42 الفصل
43 43 الفصل
44 44 الفصل
45 45 الفصل
46 46 الفصل
47 47 الفصل
48 48 الفصل
49 49 الفصل
50 50 الفصل
51 51 الفصل
52 52 الفصل
53 53 الفصل
54 54 الفصل
55 55 الفصل
56 56 الفصل
57 57 الفصل
58 58 الفصل
59 59 الفصل
60 60 الفصل
61 61 الفصل
62 62 الفصل
63 63 الفصل
64 64 الفصل
65 65 الفصل
66 66 الفصل
67 67 الفصل
68 68 الفصل
69 69 الفصل
70 70 الفصل
71 71 الفصل
72 72 الفصل
73 73 الفصل
74 74 الفصل
75 75 الفصل
76 76 الفصل
77 77 الفصل
78 78 الفصل
79 79 الفصل
80 80 الفصل
81 81 الفصل
82 82 الفصل
83 83 الفصل
84 84 الفصل
85 85 الفصل
86 86 الفصل
87 87 الفصل
88 88 الفصل
89 89 الفصل
90 90 الفصل
91 91 الفصل
92 92 الفصل
93 93 الفصل
94 94 الفصل
95 95 الفصل
96 96 الفصل
97 97 الفصل
98 98 الفصل
99 99 الفصل
100 100 الفصل
101 101 الفصل
مختارات

101تم تحديث

1
1 الفصل
2
2 الفصل
3
3 الفصل
4
4 الفصل
5
5 الفصل
6
6 الفصل
7
7 الفصل
8
8 الفصل
9
9 الفصل
10
10 الفصل
11
11 الفصل
12
12 الفصل
13
13 الفصل
14
14 الفصل
15
15 الفصل
16
16 الفصل
17
17 الفصل
18
18 الفصل
19
19 الفصل
20
20 الفصل
21
21 الفصل
22
22 الفصل
23
23 الفصل
24
24 الفصل
25
25 الفصل
26
26 الفصل
27
27 الفصل
28
28 الفصل
29
29 الفصل
30
30 الفصل
31
31 الفصل
32
32 الفصل
33
33 الفصل
34
34 الفصل
35
35 الفصل
36
36 الفصل
37
37 الفصل
38
38 الفصل
39
39 الفصل
40
40 الفصل
41
41 الفصل
42
42 الفصل
43
43 الفصل
44
44 الفصل
45
45 الفصل
46
46 الفصل
47
47 الفصل
48
48 الفصل
49
49 الفصل
50
50 الفصل
51
51 الفصل
52
52 الفصل
53
53 الفصل
54
54 الفصل
55
55 الفصل
56
56 الفصل
57
57 الفصل
58
58 الفصل
59
59 الفصل
60
60 الفصل
61
61 الفصل
62
62 الفصل
63
63 الفصل
64
64 الفصل
65
65 الفصل
66
66 الفصل
67
67 الفصل
68
68 الفصل
69
69 الفصل
70
70 الفصل
71
71 الفصل
72
72 الفصل
73
73 الفصل
74
74 الفصل
75
75 الفصل
76
76 الفصل
77
77 الفصل
78
78 الفصل
79
79 الفصل
80
80 الفصل
81
81 الفصل
82
82 الفصل
83
83 الفصل
84
84 الفصل
85
85 الفصل
86
86 الفصل
87
87 الفصل
88
88 الفصل
89
89 الفصل
90
90 الفصل
91
91 الفصل
92
92 الفصل
93
93 الفصل
94
94 الفصل
95
95 الفصل
96
96 الفصل
97
97 الفصل
98
98 الفصل
99
99 الفصل
100
100 الفصل
101
101 الفصل

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon