هوى النجف
البارت الأول – البداية بالجامعة والتعارف (نسخة مفصلة)
كانت الشمس تتسلل بخجل بين أشجار البستان القديم جنب الجامعة، ترسم خطوط ذهبية على الأرصفة الباردة، والهوى الصباحي ينفخ ريحة الورد والعود، كأنه يقول لكل شيء: "اليوم رح يكون مختلف". كنت جالسة على الدرج قدام مبنى الإدارة، أحمل كتبي بقوة على صدري وكأنها حاجز يحمي خجلي من العيون الفضولية اللي دا تدور حولي.
وفجأة، شعرت بشي مختلف. نظرة ثقيلة وثابتة على صدري، مثل شعاع الشمس اللي يخترق الغيوم. رفعت عيوني ببطء، ولقيت شاب واقف على بعد أمتار، شعره أشبه بخصلات الليل المظلم، وعيونه تشبه نهر النجف في المساء، عميقة ولها سحر ما أقدر أوصفه.
قلبي دق بسرعة ما أعرفها، وارتجفت كلماتي قبل ما أبدأ بالتحدث. هو ابتسم ابتسامة هادئة، فيها شي يخفف من كل الخوف اللي جوة قلبي.
– "هلو… ما شفتج من قبل، أسمج شنو؟" – صوته كان رقيق، هادي، لكنه قوي بنفس الوقت، يحرك شعور دفين ما حسيت بيه قبل.
ابتسمت بخجل، وقلت بصوت خافت:
– "هلا… أني [اسم البطلة]."
جلس جنبي، بدون استعجال، كأن الوقت توقف حواليه. الهواء يلعب بخصلات شعري، وكنت أحس كل ثانية تمر وكأنها خلية صغيرة من سعادتنا الخاصة. كل كلمة يقولها كانت كالعطر الفاخر، تترك أثرها على قلبي، وتخليني أتنفس بطريقة مختلفة، مليانة أمل وشوق.
أول يوم عرفنا بعضنا، كان مجرد لحظة قصيرة، لكن كل حركة وكل نظرة كانت تبني عالم جديد بيناتنا. كنت أحس كل ثانية تمر وكأنها موسيقى، والجامعة صارت مكان سحري، ما يشبه أي مكان ثاني.
أيامنا صارت مليانة لقاءات قصيرة بين الصفوف، بين قهوة الصباح، وبين ضحكات صغيرة ما يفهمها إلا إحنا. كان كل نظرة سر صغير، وكل لمسة خفيفة من اليد، تخلينا نبتسم بلا سبب، وكأن الدنيا كلها صارت ملكنا لو للحظة.
مرّت الأيام، وكل لقاء كان يكشف عن جانب جديد من شخصيته. كان هادئ، لكن عميق، يحكي عن أحلامه وكأن كل كلمة ينطقها ترسمها على جدار قلبي. وأنا كنت أستمع، كل حرف منه يدخل جوة قلبي، يدفيني مثل شمس بغداد في يوم شتوي بارد.
حتى الحوارات البسيطة بيننا، مثل "شلونج اليوم؟" أو "تحبي قهوة؟"، كانت تحمل معنى أكبر، كانت صامتة بس حروفها تقول: "أني موجودة من أجلك". شعرت أني أبتسم بدون سبب، وأن كل همومي تصغر لما أشوفه.
في يوم من الأيام، قررت أجرّب أتكلم أكثر، لأن قلبي صار ما يقدر يحتمل الصمت. جلسنا على الدرج جنب المكتبة، والكتب القديمة تحيط بينا، ورائحة الورق الممزوجة بالمسك كانت تزيد الجو رومانسية.
– "تعرف… أني من يوم شفتج، أحس أن كل شي حواليي صار أجمل." – قالها وكأنها سر، وعيونه لم تبتعد عني ثانية.
ابتسمت، وقلبي يدق كأنه يريد يخرج من صدري:
– "وأنو… أني؟"
ضحك بخفة، ضحكة فيها حرارة الشمس الدافئة، وقال:
– "أنتي… أنتي اللي خليت قلبي يحس بشي ما حسّ بيه من قبل. كل يوم أشوفج، أحس أن الدنيا تصير أنعم، حتى الجو الجامعي اللي عادي، يصير لون ثاني."
كنت أحس أن الكلمات تحيط بيّا كحبل أمان، وكل نظرة كانت تقوي الرابط بينا. كان الجو حولنا دافئ رغم برودة الصباح، وكل شيء صار كأنه لوحة مرسومة بألوان بني، خمري وذهبي غامق.
الأيام التالية صارت مليانة لحظات صغيرة لكنها محفورة بالذاكرة:
لما نلتقي بالممر، ونضحك بلا سبب.
لما يشارك معي الواجبات، ونقعد نراجع الدروس جنب بعض، والكتب بينا كأنها جسر يوصلنا ببعض.
وحتى لما نسوي سباق بسيط على الدرج، ونضحك لدرجة ما نقدر نوقف، والكل يطالعنا بغرابة، بس إحنا ما نهتم.
مع كل يوم، كنت أحس أن قلبي صار يكتب قصته الخاصة. كل كلمة، كل نظرة، كل ضحكة، كانت تبني قصة حب ما تعرف حدودها. كنت أتخيلنا نتمشى جنب نهر دجلة، الشمس تغيب وترك الغروب لون خمري على المياه، وأنا وهو نمسك يد بعض ونضحك على أي شي صغير.
حتى لما تمر الأيام الصعبة، مثل امتحانات الجامعة والضغط الدراسي، كان وجوده كافي حتى أحس بالأمان. حتى الجلسات الطويلة في المكتبة كانت صارت فرصة للضحك والحديث عن أحلامنا، وعن المستقبل اللي نحلم نعيشه سوى.
في كل لحظة، كان يثبت أن الحب مو بس كلمات جميلة، الحب فعل، حضور، دعم، نظرات تحمل كل الكلام اللي ما ينقال. وكنت أحس أنو قلبي صار يعرف طريقه نحوه قبل ما يعرف هو الطريق نحوي.
هكذا بدأت قصتنا، بسيطة من برهة لقاء، لكنها مليانة عمق، مليانة حرارة، مليانة ألوان دافئة تعكس المشاعر اللي تكبر كل يوم. حبنا كان مثل شمس بغداد الذهبية، دافي، قوي، وما يقدر أي شي يخففه.
---
يتبع
Comments