5

نظرت إليه ستيلا، عيناها تلمعان بدموع لم تسقط بعد، لكن بداخلها نار رفض لا تنطفئ. رغم قبضته المؤلمة على ذراعها، رفعت رأسها بتحدٍ صامت، وصوتها خرج حادًا:

"ظننتُ أني كنتُ أعرفك يا جيمين… لكنني أخطأت. الرجل الذي أحببته لم يكن سجين قوته… لم يكن وحشًا يعتقد أن امتلاك امرأة بالقوة هو حب."

شد قبضته أكثر، عروقه برزت على يده، وجهه ازداد توترًا.

"تتحدينني مجددًا؟!" صرخ بنبرة تزلزل القلب.

لكنها لم تتراجع. اقتربت منه أكثر، عينيها تشتعلان بجرأة غريبة:

"لن أنحني لك يا جيمين. قد تسجنني هنا، قد تقيّدني، قد تقتلني حتى… لكنك لن تملك قلبي أبدًا."

تجمد لوهلة، وكأن كلماتها أصابته في أعمق جرح داخلي. عيناه الزرقاوان ارتعشتا بين الغضب والخذلان. فجأة دفعها بعنف نحو السرير، سقطت عليه وهي تلهث، بينما هو وقف فوقها، ظلّه يغطيها بالكامل.

صوته حين خرج كان أشبه ببركان:

"تظنين أن قلبك خارج عن سلطتي؟! ستتعلمين يا ستيلا… أن حتى قلبك سينحني لي، مهما قاومتِ."

ثم استدار بعنف وابتعد نحو الباب، قبضته ما زالت ترتجف. وقبل أن يخرج، التفت إليها نظرة واحدة، صوته صار أهدأ لكنه أخطر:

"ستصرخين باسمي… شئتِ أم أبيتِ."

وأغلق الباب خلفه بقوة، تاركًا ستيلا وحدها في غرفة مظلمة، صدرها يعلو ويهبط بعنف، وعقلها يغلي بأفكار لم تجد لها مخرجًا.

بعد أن خرج جيمين وأغلق الباب خلفه، جلست ستيلا لوهلة تستجمع أنفاسها. عيناها جالتا في الغرفة الفخمة… السرير الكبير، الستائر الثقيلة، النوافذ العالية المغلقة بإحكام. كان كل شيء جميلًا، لكنه بالنسبة لها لم يكن إلا سجنًا مطليًا بالذهب.

نهضت ببطء، خطواتها حذرة وكأنها تخشى أن تفضحها الأرض تحت قدميها. اقتربت من النافذة الأولى، حاولت سحب الستار، فوجدت خلفه زجاجًا سميكًا محاطًا بقضبان حديدية سوداء. تنهدت بمرارة، لكنها لم تيأس.

بدأت تتفحص الجدران، الأثاث، حتى وجدت بابًا صغيرًا بجانب المكتبة. فتحته بحذر، فاكتشفت ممرًا ضيقًا يفضي إلى ممر أطول. قلبها خفق بعنف، كان وكأن القصر يخفي متاهة من الأبواب والممرات السرية.

"لا بد أن هناك طريقًا للخروج…" همست لنفسها، عاقدة العزم على استغلال كل فرصة للهروب.

---

أما في الطرف الآخر من القصر، جلس جيمين في غرفة مظلمة إلا من ضوء خافت يتسرب من مصابيح الحائط. جسده المعضل مائل على الكرسي، كأس من الويسكي بين يديه، لكن عينيه الزرقاوان كانتا تغليان.

ضرب الطاولة أمامه بقبضته، فانكسر الكأس وتناثر الشراب. رفع رأسه، وصوته يخرج متقطعًا بالغضب:

"لماذا لا تفهم…؟ لماذا لا ترى أن كل ما أفعله هو من أجلها؟!"

وقف فجأة، بدأ يتمشى كذئب حبيس. صورها تتراقص في ذهنه… عتابها، دموعها، تحديها.

ابتسم ابتسامة مريرة، ثم همس:

"ستندمين يا ستيلا… ستندمين لأنكِ جعلتني أختار هذا الطريق."

فتح باب الغرفة بقوة، استدعَى أحد الحراس الجدد، وصوته خرج آمراً:

"ضاعفوا الحراسة حول جناحها. لا تتركوها تخرج خطوة واحدة. وإن حاولت الهرب… أوقفوها بأي ثمن."

ثم أضاف ببرود مرعب:

"هي حياتي… ومن يعبث بها، كأنه يعبث بروحي."

---

في تلك اللحظة كانت ستيلا قد وصلت إلى نهاية الممر السري، حيث واجهتها بوابة حديدية صغيرة. حاولت دفعها، لكنها كانت مقفلة بقفل ضخم. وضعت يدها على صدرها، تلهث من الخوف والإرهاق… لكنها ابتسمت رغم ذلك.

"وجدت أول خيط… لن أستسلم، جيمين."

انتظرت ستيلا حتى خيّم الليل على القصر. جلست بهدوء على سريرها، متظاهرة بالنوم، حتى سمعت وقع خطوات الحراس يبتعد في الممر الخارجي. عندها، نهضت بخفة واتجهت إلى الباب الصغير بجانب المكتبة.

دخلت الممر الضيق، قلبها يخفق بجنون، كل خطوة تشعر أنها تصدر ضجيجًا كالرعد في هذا الصمت. وصلت إلى البوابة الحديدية، أخرجت مشبك شعرها وحاولت عبثًا فتح القفل. أصابعها ترتجف، لكنها رفضت الاستسلام.

وأخيرًا، بعد دقائق طويلة، أصدر القفل صوت "طَقطَقة" خافتة، فتح ببطء. ابتسمت ستيلا لأول مرة منذ زمن، وهمست:

" الحرية…"

دفعت البوابة ودخلت إلى ممر آخر يقود إلى ساحة خارجية. الهواء الليلي البارد لامس وجهها، كاد قلبها يقفز من صدرها. ركضت نحو السياج العالي، متشبثة بأي أمل في النجاة.

لكن قبل أن تصل، دوى صوت حاد خلفها:

"إلى أين تظنين نفسكِ ذاهبة؟"

تجمدت مكانها، ثم استدارت ببطء… لتجد اثنين من الحراس يقفان أمامها، أسلحتهم تتلألأ تحت ضوء القمر.

"لا… لا!" همست بخوف وهي تتراجع خطوة.

أمسكها أحدهم من ذراعها بقسوة، جرّها للخلف رغم محاولاتها اليائسة للمقاومة.

---

مواجهة جيمين

بعد دقائق، فُتح باب جناح واسع في الطابق العلوي، وألقيت ستيلا أرضًا أمام جيمين. كان جالسًا على كرسي جلدي ضخم، سيجارة مشتعلة بين أصابعه، ملامحه غارقة في الظل.

رفع عينيه إليها ببطء، عيناه الزرقاوان كالجليد. لم يتكلم فورًا، ترك الصمت ينهشها وهي على الأرض.

أخيرًا، قال بصوت منخفض لكنه يقطر غضبًا:

"ظننتِ أنكِ أذكى مني، ستيلا؟"

حاولت الوقوف، لكنها وقعت ثانية من شدة ارتجافها. رفعت رأسها بشجاعة وصرخت:

"لن أبقى سجينة عندك! لن تستطيع أن تكسرني!"

ضحك جيمين ضحكة قصيرة، لكنها كانت أشبه بصفعة. نهض واقترب منها، أمسكها من ذقنها ورفع وجهها ليقابل نظراته القاسية.

"سجينة؟ لا… أنتِ ملكي. والآن بعد أن حاولتِ خيانتي ثانيةً… سأريكِ معنى أن تكوني سجينة حقًا."

ثم أشار بيده للحراس:

"احبسوا الأبواب جميعها، لا أريدها أن ترى نور القمر مرة أخرى.. "

التفت جيمين اليها وأمسك جيمين بذقنها بقسوة، أجبرها على النظر إلى عينيه الزرقاوين اللتين تحولت برودتهما إلى نار متقدة. صوته خرج هادئًا، لكن فيه من الرعب ما يكفي ليُجمد الدماء في عروقها:

"كنتُ مستعدًا أغفر لكِ كل شيء يا ستيلا… لكنكِ اخترتِ أن تخونيني مرة أخرى."

تركها فجأة فسقطت أرضًا، ثم أشار للحراس دون أن يشيح بصره عنها:

"من الآن فصاعدًا… لا نافذة تُفتح، لا باب يُترك بلا قفل. ستعيشين هذا القصر كقبر مغلق، حتى تتعلمي أن لا حياة لكِ بدوني."

اقترب منها ثانية، انحنى حتى أصبح وجهه قريبًا جدًا من وجهها، ثم همس:

"أردتِ الحرية؟ سأمنحكِ سجنًا لا هروب منه."

أدار ظهره ببرود، وغادر الغرفة تاركًا الحراس يغلقون الأبواب والنوافذ بإحكام..

بقيت ستيلا جاثية على الأرض، صدرها يعلو ويهبط بسرعة، الدموع انسابت دون إرادتها. رفعت رأسها نحو السقف المزخرف، لكن كل ما رأته كان جدرانًا تخنقها.

"كيف وصلنا إلى هنا…؟"

فكرت، وذاكرتها أعادتها إلى لحظة بعيدة؛ يوم كانت بين ذراعيه، يضحكان معًا، يخططان لمستقبل لم يأتِ أبدًا. حينها كان جيمين رجلًا تحبه بصدق، لا هذا الوحش الذي أمامها الآن.

وضعت يدها على قلبها، كأنها تحاول أن تحميه من الانكسار الكامل. همست لنفسها بصوت مرتجف:

"لقد فقدتك يا جيمين… وفقدتُ نفسي معك."

لكن في عمق تلك الدموع، شعلة صغيرة من التحدي لم تنطفئ. كانت تعلم أن البقاء تحت رحمته لن يدوم للأبد… وأنها ستجد طريقًا، مهما كلف الأمر.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon