الفصل 4

...“لا.”...

...“إذاً؟”...

...كنتُ أعلم أن لا حاجة لي للإجابة عن سؤاله، لكنني وجدت نفسي أفتح فمي كالمسحورة....

...“لأني أصبحت وحيدةً منذ الصغر.”...

...“وحيدة؟”...

...“نعم، والدي لم يكن موجودًا أصلًا، وأمي توفيت حين كنت في الخامسة.”...

...حاولت أن أجيب بنبرة هادئة....

...في الحقيقة كان بيني وبين كلاريتا سوبيل بعض القواسم المشتركة. فكما أنها لم تعرف وجه أبيها، كذلك أنا. وأمي أيضًا رحلت باكرًا....

...و كأنني كرة نار تُتداول بين الأيدي حتى استقر بي المطاف في ميتم. تمامًا كما أُودعت كلاريتا الصغيرة في الدير....

...لذلك لم أنكر أنني شعرت تجاهها بنوع غريب من الألفة....

...“إذاً لم يكن لديكِ أقارب يعتنون بكِ.”...

...ريكايل لم يقل شيئًا، بل اكتفى بالتحديق بي بصمت....

...هل كان يحاول أن يُظهر شفقة؟...

...لم أرد أن أنغمس في عاطفة غير ضرورية، فتحدثت بحدّة،...

...“ألم تتحرَّ مسبقًا عني؟ أنت تعرف من أكون، ومن أين جئت، وما أكره، وما هي نقاط ضعفي.”...

...فرفع ريكايل حاجبه قليلًا، وأجاب ببرود،...

...“صحيح، لقد تحريت.”...

...“ومع ذلك تعيد السؤال؟ هذا تصرفٌ غريب الأطوار.”...

...“ولماذا تظنين أنني فعلت ذلك أصلًا؟”...

...“لأنكَ……”...

...'لأنك ستستعمل ذلك لطردي من هنا.'...

...حينها فتح ريكايل فمه من جديد،...

...“آنسة سوبيل، هل أنتِ فضوليةٌ بشأن نقاط ضعف الآخرين؟”...

...“ماذا تقصد؟”...

...“لأنه إن لم يكن الأمر كذلك، فالناس عادةً لا يفكرون بهذه الطريقة.”...

...“….…”...

...“يبدو أن التصرف غريب الأطوار هو ما تملكينه أنتِ.”...

...فوجئت لدرجة أنني فقدت الكلمات....

...ماذا يقول؟ هذا أسلوبه هو أصلًا!...

...كنت أشعر منذ اليوم الأول أن في الأمر غرابة……ويبدو أن ريكايل في هذه الحياة أشد تعقيدًا من أي وقت مضى....

...'ما هذا؟'...

...ثم لمحت تحت مكتب ريكايل شيئًا أملسَ داكنًا. كان يزحف على الأرض بانسياب وهدوء....

...أفعى....

...'تبدو مختلفةً قليلًا عن تلك التي أطلقها في غرفتي من قبل.'...

...في الرواية كانت كلاريتا تخاف الأفاعي أكثر من أي شيء. وفوق ذلك، كان من المريب أن الأفاعي والمخلوقات الكثيرة الأرجل تظهر بكثرة في هذا القصر....

...ورغم إنكار ريكايل، كنت واثقةً تمامًا....

...إن لم يكن هو، فمن عساه إذاً الذي فعل هذا في غرفتي وحدها؟...

...الخدم؟ أولئك لا يبالون أيًّا كان السيد. فهل يعني هذا أن القصر نفسه تحرّك من تلقائه؟...

...'آه……تتظاهر بالبراءة لكنكَ هذه المرة أحضرت أفعى سامة، أليس كذلك؟'...

...من لونها الأسود ورأسها المهدّد، لا شك أنها أفعى سامة....

...كلما فكرت في الأمر ازددت ذهولًا. فالإنسان الغامض الذي لا يُعرف مكنونه أشد خطرًا على الدوام، وهذه حقيقةٌ لا جدال فيها....

...هل ظن أنّي لن أكتشف ما أخفى تحت الطاولة؟...

...“يبدو أن خطتكَ هذه المرة مختلفةٌ قليلًا. لكنني لست سهلة المنال.”...

...“؟”...

...“أردتَ أن تخيفني بإطلاق أفعى؟ يا للأسف.”...

...“ماذا تقولين—.”...

...“فأفعى سامة كهذه لم تعد تخيفني.”...

...“ماذا تعنين؟ أفعى سامة؟”...

...“كفى تمثيلًا. ألم يجلب مساعدكَ الأيمن هذه الأفعى بنفسه قبل قليل؟ كم واحدة أطلقت في المكان؟”...

...في تلك اللحظة تغيّرت ملامح وجه ريكايل على نحو غريب، وانخفض صوته،...

...“توقفي. لا تتحركي.”...

...ربما كان يريد رؤية خوفي وارتباكي، لكن يا للأسف……فأنا أحمل معي كميةً لا بأس بها من أوراق نبات فيفينا، وهي فعّالة جدًّا في طرد الأفاعي!...

...“لا، بل سأريك كم أنا دقيقةٌ وحذرة.”...

...أخرجت أوراق الفيفينا من صدري ولوّحت بها، فارتجف وجه ريكايل الوسيم وتشنج. ثم نهض من مكانه بحذر....

...“توقفي، ابقي مكانكِ.”...

...“لماذا؟ هل تود أن تراني وأنا أُلدغ؟”...

...“ما هذا الهراء! تلك ليست مجرد أفعى، بل—”...

...لم أتمالك نفسي من ابتسامة ماكرة، وكنتُ أشعر أنني أصبته في مقتل هذه المرة....

...وبدأت ألوّح بالأوراق جيئة وذهابًا متجاهلةً إشارته....

...“لم تكن لتتوقع أنني أحمل شيئًا كهذا.”...

...لكن وجه ريكايل الذي كان يتقدم نحوي بحذر شحب تمامًا، حتى صار أشبه بورقة بيضاء....

...'لمَ يبالغ في هذا الذعر؟'...

...“……!”...

...فجأة، الأفعى السوداء التي كانت تزحف ببطء رفعت رأسها عاليًا وانقضّت نحوي....

...و لم يكن هناك مجال للهرب. فقد رأيت فمها الأحمر ينشق متجهًا نحوي....

...ورغم ذلك، كنت على يقين بأن أوراق الفيفينا ستحميني من أي أذى. لكن لم يعد هناك وقت. ...

...لقد فات الأوان....

...ولوهلة حسبت نفسي لُدغت لا محالة....

...دوّي!...

...في رمشة عين، اندفع ريكايل ودفعني إلى الجانب....

...صرخ بألم وانهار على الأرض، لكنه ما لبث أن نهض من جديد....

...“احترسي!”...

...ثم أمسك ريكايل بالسجادة المستديرة المفروشة على الأرض و رماها نحو الأفعى، وبعدها سحب سيفه بهدوء....

...غير أنّ يده لم تحتمل الثقل فسقط السيف أرضًا....

...طَنين!...

...عندها فقط لاحظتُ الأثر القرمزي على ذراعه....

...“ريكايل!”...

...كنتُ أظن أنه دفعني بعيدًا ونجا بنفسه أيضًا....

...“ريكايل؟”...

...و لعلّه استغرب أن أناديه باسمه من دون ألقاب، أو استوقفه أن صوتي خرج متشققًا حادًّا....

...نظر إليّ ريكايل بوجه غامض....

...“ماذا أفعل؟ ……ما العمل……؟”...

...لكن ردّ فعله لم يعلق بعيني. ...

...كان عليّ أن أتوقف حين منعني. كان يجب أن أمتنع....

...'لو فعلت، لما حدث هذا كله.'...

...لكن لماذا لم تتأثر الأفعى بورق الفيفينا؟...

...كان يفترض أن تهرب!...

...“إنه ورق فيفينا حقًا، هناك خطبٌ ما.”...

...تمتمت وأنا أتنفس باضطراب، فابتسم ريكايل بسخرية....

...“لو كانت أفعى عادية لكان يكفي لطردها.”...

...ثم حرّك رأسه نفيًا وأكمل....

...“لكنها ليست أفعى عادية.”...

...“…….”...

...“الأفعى المجلجلة إذا شمّت رائحة الفيفينا تثور وتهاجـ-”...

...لم يتم عبارته وعضّ على أسنانه....

...“كفى، لا تتكلم.”...

...لم نكن نملك وقتاً نضيعه ولا مجال للتردد. فمزّقت بسرعة طرف ثوبي، وارتجفت يدي حتى بالكاد وجدت القوة لتمزيقه....

...ثم ربطت بشدّ أعلى موضع العضة. بينما كانت البقع القرمزية تنتشر شيئًا فشيئًا على قميصه الأبيض....

...“ستكون بخير، كل شيء سيكون بخير.”...

...قلتُ ذلك لريكايل كما قلتُه لنفسي....

...“لستِ سيئةً في هذا.”...

...“اصمت، لا تتحرك.”...

...أومأ برأسه، لكن وجهه ازداد شحوبًا....

...“سأسرع لأحضر أحدًا يساعدنا.”...

...في تلك اللحظة، وصل إلى مسامعنا وقع خطواتٍ وجوّ مضطرب خلف الباب....

...“ماذا يحدث هنا؟”...

...“هنا……شخصٌ مصاب! أرجوكم بسرعة، ساعدونا!”...

...صرختُ، ففُتح الباب، ودخل الخدم بوجوه يكسوها التوتر....

...“يا إلهي!”...

...لكن ريكايل مدّ يده ليوقفهم، ثم أعطاهم تعليماته بهدوء....

...“تحت السجادة……هناك أفعى سوداء سامة.”...

...“يا إلهي، أسرعوا! خذوا الشاب خارجًا!”...

...“ريكايل، ستكون بخير. أبقِ ذراعكَ منخفضة ولا تتحرك كثيرًا.”...

...رفعت بصري إليه وأنا أعضّ شفتي، لكنه التفت إليّ بعينين يغشاهما كآبة، ثم فقد وعيه في اللحظة نفسها....

...***...

...كنتُ أحب ريكايل أكثر من أي شخصية أخرى في رواية «تيرون». فقصته المظلمة والمليئة بالبؤس كانت تلامس شيئًا عميقًا في داخلي....

...صحيحٌ أنني أميل إلى وسيم الشعر الأسود المليء بالأسرار، لكن قصته كان لها وقع خاص....

...لكن……...

...……لكن....

...عندما دخلنا في نزاع حول ملكية القصر، بدأت مشاعري تتصدع....

...فكل ما أردته هو أن ينجو ريكايل. لكن هذه الحقيقة لم يكن بوسعي إيصالها إليه....

...ومع تكرار الفشل والعودة مرارًا، لم أعد أعرف ما الذي تبقى مني أصلًا....

...كل ما كنت أريده هو أن ينال ريكايل نهايةً سعيدة. هذا فقط……كان كل ما أتمناه....

...لم أُرِد أن ينتهي الأمر بإيذائه هكذا. و لم يكن هذا ما تخيلته ليوم كهذا....

...“الآنسة سوييل.”...

...كنت أدور في المكان قلقًا أمام الباب حينها فُتح وخرجت السيدة مايل....

...“هل هو بخير؟”...

...بسبب طول الانتظار لم أتمالك نفسي، فبادرتها بالسؤال مباشرة....

...و شعرت أنني لن أستطيع حتى التنفس قبل أن أسمع جوابها....

...“نعم، السيد الشاب بخير.”...

...لم يمت....

...ريكايل بخير....

...“السيد براينر قال أن سرعة إسعافه أنقذت حياته.”...

...“…….”...

...“وذلك بفضلكِ، آنسة سوبيل.”...

...ابتسمت السيدة مايل، لكنني لم أستطع مجاراتها بالابتسام....

...“هل هو بخيرٍ حقًا؟”...

...“حياته ليست في خطر. لكن يجب أن يلازم الراحة لبعض الوقت.”...

...“شكرًا……شكرًا جزيلًا.”...

...أمسكتُ بيد السيدة مايل، مرددةً كلمات الامتنان مرارًا. فابتسمت ابتسامةً متكلفة ثم سحبت يدها بهدوء....

...“آنسة سوبيل، هل تودين الدخول لرؤيته؟”...

...__________________________...

...طيب الصدق توقعت يموت وترجع بالزمن مره ثانيه😭😭...

...المهم هي ماعاد تفهم نفسها من كثر مارجعت وهو مشكوك انه يذكرها ؟ نايس مره...

...الرواية قصيرة والفصول قصيرة نااايسسييين...

...‏Dana...

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon