قربك بخوفني اكثر من بعدك

مرت الأيام، وكانت حالة ميرال متقلبة. أحيانًا تبتسم وكأنها بدأت ترى ضوء الأمل، وأحيانًا تنهار في صمت طويل، كأنها لا تزال تعيش تحت أنقاض ماضٍ لم يُدفن بعد.

كرم صار لها كل شيء: الصديق، الحبيب، والملجأ الذي تلجأ إليه عند كل لحظة ضعف. كان يفهم صمتها قبل كلامها، يلتقط أنفاسها المهزوزة، ولا يضغط عليها لتبوح… لكن وجوده وحده كان كافيًا.

في ليلة صافية، جلسا سويًا على سطح بيت كرم، بعد أن غادرا ضوضاء المدينة. الجو كان باردًا، الهواء النقي يلامس وجوههما بعذوبة، والسماء مرصّعة بنجوم لا تُحصى. بدا السطح وكأنه منصة صغيرة في العالم، مكان لا وزن فيه إلا للمشاعر المعقّدة التي تعيش بينهما.

همس كرم وهو يحدق في السماء باحثًا عن حروف نجوم مجهولة:

— "ميرال، أنا ما بدي أضغط عليك أو أجبرك على شيء… بس بديك تعرفي إني مش بس بحبك، أنا خايف أخسرك."

نظرت إليه ميرال، صوتها خافت، فيه صدق وارتباك واضح:

— "وأنا؟ أنا خايفة أكتر. خايفة من نفسي، من ذنبي، من ماضيّ اللي ما عم يتركني… خايفة من أتعامل معشي… من أحب… ومن أخسر مرة ثانية."

اقترب منها كرم، أمسك يدها برقة كأنها ورقة ناعمة قابلة للتأزيم:

— "أنا مش جاي أكون علاج… بس ممكن أكون جنبك، أشاركك ألمك، ونحاول نعيش مع بعض، سوا."

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها رغم الألم الظاهر في عينيها:

— "قربك بخوفني أكتر من بعدك…

لأنه قربك يعني إنك بعيش كل وجع مستور، كل ضعف مختبئ… وأنا ما بدي أذيك فيني."

سكتا لبضع لحظات، فيها صمت يعكس الحب والصراع الداخلي. كان ذلك الصمت أبلغ من أي كلمة، وهو الحديث الذي لا يسمعه سوى القلوب المعذبة. بقي كرم يراقبها، يحدق في وجهها كأنما يرسمه بذاكرته، وكل نقطة فيه قصة.

استمر الصمت حتى كسرته همسات الريح الخفيفة. نظرت ميرال نحو النجوم محاولة أن تهرب من نظراته، كأن قلبها لا يحتمل نظرة حب بسيطة. لكن كرم ظل يراقب:

— "ميرال… بتحسي إنك عم تعاقبي حالك؟ إنه بعد ما حسيتي إنك السبب في موته… عم ترفضِ تعيشي؟"

صرخ شيء في داخلها فمنحت نفسه نظرة طويلة، اختفت، ثم نظرت إليه وعيونها تعكس الصدمة:

— "أنا… أنا ما فكرت بهالطريقة… بس يمكن، يمكن صح. أنا عم أهرب من أي لحظة فيها سعادة صغيرة، بحس إني ما بستحقها… تستاهلها."

اقترب كرم، صوته يملك دفء خافت:

— "طيب، وأنا؟ أنا بستاهلك؟ بستاهل أخاف عليك كل ليلة وأنتي مش شايفة إنك تستاهلي تتنحبي؟

كل يوم أحاول أكون موجود، وخايف تغلقي الباب… مش لأنك ما بتحبي… بس لأنك ما بتختاري تشوفي نفسك بحق."

انهمرت دمعة واحدة من عين ميرال، خفيفة، لكنها اعتراف ثقيل:

— "أنا ما بعرف إذا بقدر أفتح قلبي بالكامل… بس كل ليلة بصحى، وبقول: لو كرم مش جنبي، أنا بخاف أضيع."

ابتسم كرم ابتسامة حزينة، لكنها مليئة بالعزة والنية:

— "وهي بداية يا ميرال. مش لازم تكوني كاملة، ولا جاهزة… بس بسّمي، وأنا بكفي الباقي."

ميّلت رأسها نحو كتفه، كأنها وجدت أمانًا لم تشعره منذ وقت طويل.

هو لم يتكلّم، لكن حضنه كان الإجابة، كان الوعد… وعد بلا كلام، أن يبقى ويتعلّق أكثر من الخوف.

تحت ضوء النجوم، صار صمتهم غنوة أمان. دموعها لم تكن نهاية، بل بداية لهدنة بين التعلّق الخائف والخوف من الحب ذاته.

وأثناء هذا، اقتربت منها خفيفة:

— "كتير… كتير بدي أحكي. بس بخاف كأنه كل كلمة رح تعيديني لمكان كنت وعدت نفسي إني ما لازم أرجعله."

— "بلّشي بكلمة وحدة، وأنا بنظّف معاكي آثارها، كلمة كلمة." قالها بصوتٍ يهمس بالأمان.

تنهدت، وبصوت قريب للكسر:

— "أنا مش بشرح فوق… بس بدي أبدأ أختار أعيش."

سكتا لثوانٍ، ثم قالت:

— "ما بعرف شو قدامي. بس بدي نكون سوا… لو حتى الطريق مر، أو لو كان مليان جرح.

بس بدي أعرف حضرتك مش رح تنسحب فجأة، لأن ظهرك بقي مليان هموم بتعرف فيها."

أمسك كرم يدها بحنان:

— "أنا مش بنسحب، يوم ما قرّرت أكون جنبي، قرّرت أواجه كل شيء… الراحة والوجع سوا."

ثم أضاف بابتسامة فيها استقرار نادر:

— "وأول خطوة… إنها ترجعي تبصي لعيني وتنجّب أكبر كلمة… احكِ. وأنا اسمع."

مرت لحظات طويلة تحت السماء الصامتة، كأن الليل نفسه يراقبهم.

وفي نهايتها، قالت ميرال بخفاء:

— "شكراً لأنك بتخاف، ومخاوفك بتحميني… وشكراً لأنك هون، رغم إنك مش مجبر."

رفع كرم رأسه، خلّع شال داكن كان ملقًى على كتفه، وغطّا كتفها به دفء:

— "وأنتِ تستحقّي أكثر، ميرال. حتى لو خسرتني، بحبك بدون شروط، وبخاف عليك… لأنك لسه هون."

وهي لم تكن تدرك، إن هذه اللحظة، لن تكون الأخيرة،

إنه الحب الصادق ما بيطلب الكمال،

بيطلب الأمان، والقرار بالبقاء رغم الخوف،

والأهم… إنه الحب مرات بيحتاج أن يُمنح، بس كمان يُختار.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon