..."لقد فقد ذاكرته… وتوقّف الزمن في رأسه لثلاثة أعوام كاملة." ...
...رفعت السيدة جانغ عينيها للطبيب، تسللت رعشة خفية إلى صوتها وهي تسأل بتوجسٍ يقطر وجعًا:...
...— "ثلاث اعوام؟! إذن… طفلي… ما زالت روحه عالقة عند الثالثة والعشرين؟"...
...— "نعم… هذا صحيح."...
...— "وهل… ثمة أمل… في أن تسترد ذاكرته… يومًا ما؟"...
...— "ذلك وارد، ولكن… لنعلم أن استرجاعه للذكريات قد يفتح له أبواب الألم. أرجوكم… لا تُثقِلوه. لا شيء أهم الآن من سلامه النفسي."...
...سقط صمت ثقيل بين الجدران البيضاء....
...— "قد تظهر مضاعفات أخرى… أنصحكِ أن تظلي بالقرب منه… وقتًا طويلًا."...
...دقّ قلب السيدة جانغ، كمن سُحِب منه الهواء فجأة....
...ثلاث أعوام… من حياة ابنها… تبخرت كأنها لم تكن. يا للأسى!...
...لكن… بين ظلال الحسرة، برق بريق باهت في قلبها. ربما… ربما لم يكن هذا ضياعًا… بل خلاصًا متنكرًا!...
...فما حدث خلال تلك الأعوام الثلاث لم يكن سوى جرح الزمن… خدمة عسكرية ثقيلة… تسريح مرير… وقصة حب خاطفة مع تلك الفتاة… لي جونغ أوه....
...لو أن ما اختفى من ذاكرته هو فقط هذا… لعل النسيان هدية....
...حتى دراسته الجامعية… لم تكن سوى فصلين عابرين… لن يكون متخلفًا عن أقرانه....
...أفكارها ازدحمت كالأمواج تتلاطم في صدرها....
...سوف تمحو كل أثر لذاك الماضي… تمحو كل خيط يقوده إلى تلك الفتاة… ثم يعود… يعود إلى البدايات… يعود إلى حيث لا يعرف وجودها....
...هذه ليست خسارة… بل فرصة جديدة لحياة أفضل… وربما… أكثر نقاء....
...— "حسنًا… سأراقب حالته عن قرب… أشكرك… شكرًا لك، أيها الطبيب."...
...أومأت برأسها وغادرت غرفة الاستشارة بخطى ثابتة… لكنها تحمل في جوفها زوبعة من القرارات....
...وهناك، خلف الباب… وقفت أونبي… عيناها غارقتان في قلق لم تعرف له راحة....
...— "أمي…"...
...إبنة القاضي الأعلى، تشاي سوبوك....
...الفتاة العائدة من بلاد الغربة بعد أعوام من الدراسة، والتي ظلت مرابطة بجانب سرير جي هون، كأنها الحارس الأخير لقلبه الغائب....
...لعلها شعرت بالمسؤولية… فقد شهدت لحظة الحادث… لكنها لم تكن مجرد شاهدة صامتة… كانت تخاف عليه… تحبه… ربما دون أن تدري....
...فتاة من نسب عريق… خلُق رفيع… تعليم متألق… إن كُتب لابني شريكة في الحياة… فلتكن كهذه....
...— "أونبي…"...
...— "ماذا قال الطبيب…؟"...
...— "لقد… فقد ثلاثة أعوام كاملة من ذاكرته… ولا أحد يعرف… إن كانت ستعود يومًا."...
...أطلقت السيدة جانغ تنهيدة ثقيلة… وكأن الهواء أثقل من أن يُحمل....
...— "إذن… حتى أنا… حتى ذكرياتنا… اختفت؟"...
...انكسرت ملامح الفتاة، وتجمعت الدموع في عينيها كأنها جمرات تستعد للذوبان....
...— "كان يحبني كثيرًا… كان يقولها دومًا…"...
...— "أحقًا…؟"...
...— "حتى أنه أخبرني ذات مرة… أنه سيواعدني عندما يعود من الخارج… ربما كان يمزح… لكنه قالها… والآن… لن يتذكر حتى تلك اللحظة."...
...شعرت السيدة جانغ بشيء يتأجج في صدرها، أمسكت يد الفتاة بقبضة دافئة:...
...— "لا تخافي… سنبدأ من جديد… سننسج الحكاية من أول خيط."...
...— "حقًا… تظنين هذا ممكنًا؟"...
...— "أؤمن به… تمامًا…"...
...شع ضوء باهت من ابتسامة خجولة على وجه إيونبي… جمالها ازداد إشراقًا تحت رعاية الكلمات....
...ورأت السيدة جانغ، في طرف خيالها، صورة لمستقبل… أكثر دفئًا… أكثر صفاء....
...كم سيكون جميلًا… لو أصبحت هذه الفتاة يومًا ما… ابنتها الثانية....
...✥ ✥ ✥...
...بعد وداعها لأونبي… عادت السيدة جانغ إلى غرفة ابنها....
...أفاق جي هون… جالسًا بصمت، عيناه لا تتوقفان عن تأمل النافذة كأنما يبحث فيها عن ذاته الهاربة....
...— "استيقظت…؟ كيف تشعر… بني؟"...
...— "لا شيء… لا أشعر بشيء."...
...صوته… كان خاليًا من الروح… من الألوان… من الدفء....
...لم تستسلم… اقتربت… حاولت أن تنتشل ما تبقى من حياته....
...— "رأيتِ أونبي؟ خلال غيابك الطويل… لم تتركك لحظة… كل يوم… كانت هنا."...
...— "إيونبيول… أخته الصغيرة…؟"...
...— "نعم… عادت من الخارج منذ أيام… رغم تعبها… لم تبتعد عنك…"...
...— "……"...
...— "حتى قبل سفرك… كنت تقول إنك تجدها لطيفة… أليست كذلك…؟ حتى أنك وعدت بمواعدتها عندما تعود…"...
...رفع رأسه، عبوسه يملأ السماء:...
...— "قلتُ هذا…؟… هذا… لا يبدو منطقيًا."...
...— "……"...
...— "أخت إيونبيول… ليست من نوعي."...
...كانت كلماته باردة… كأنها خرجت من صقيع قلب نُزعت منه المشاعر....
...عيناه… خاويتان… كأن أعوامًا من النور سرقت منه في لحظة واحدة....
...ابتسمت السيدة جانغ ابتسامة حزينة… صُنعها الحنين....
...— "ربما… كانت مجرد مجاملة فارغة…"...
...— "……"...
...— "لكنها طيبة… جميلة… متألقة… أحسنت إلي… بالتأكيد كنت تجدها محببة إلى القلب."...
...كذب… لم يكن لينطق بذلك حتى مجاملة… لم يكن يراها كذلك أبدًا....
...أراد أن يعارض… لكن الكلمات ذابت في جوفه… لا فائدة....
...ما الذي حدث له خلال تلك الأعوام…؟ أي ظلال مرت عليه… وأي فصول من الحزن دفنها لا شعوريًا؟...
...لماذا ذاكرته… خاوية تمامًا؟...
...أغمض عينيه، قبض جبينه في محاولة يائسة للقبض على ومضة… على ظل بعيد من ماضٍ مسروق....
...قلقت السيدة جانغ حين رأت ارتجاف حاجبيه:...
...— "هل يؤلمك رأسك…؟"...
...— "لا… لا شيء…"...
...صمت....
...ثم تمتم، كأنما يعترف بجرح لا يستطيع أحد أن يراه:...
...— "أشعر… كأنني نسيت… شيئًا ثمينًا… غاليًا حد الألم."...
...كلما حاول الحفر في ذاكرته… كان رأسه ينفجر بنيران الصداع....
...لا دموع… فقط صدق القلب، فقط شعور خانق بأن هناك شيئًا… انتُزع منه… ولن يعود....
...✥ ✥ ✥...
...أما جونغ أوه… فلم تستطع أن تطأ أرض المستشفى....
...عندما كانت معه… كانا معًا… ضد العالم. لكن الآن… مجرد انقطاع صوته… قتل روحها....
...جسدها كان أصدق من لسانها… النوم يسلبها، ألم في صدرها يخنقها، وغثيان لا يرحمها حتى في صمتها....
...لا… لا مزيد من البكاء… لا مزيد من الهروب....
...حان الوقت لاتخاذ القرار....
...— "مرة واحدة… فقط… أخيرة."...
...— "سأتصل به… للمرة الأخيرة… فقط."...
...جمعت شجاعتها المهترئة، التقطت هاتفها المرتجف، وضغطت زر الاتصال....
...رن الهاتف… وكل رنين… كأنه صاعقة على قلبها....
...لم يُجب....
...تحطم ما تبقى منها… انهدّ كل جدار… كل أمل....
...حتى البكاء… جفّ....
...حتى الدموع… خانتها....
...ثم… ووسط الخراب… ارتج الهاتف للمرة الأولى… منذ دهر....
...اسم "جي هون"… أضاء شاشتها الصغيرة....
...ارتعشت يدها… قلبها تسارع كعصفور مذعور....
...ضغطت الإجابة… وهمست بصوت خافت، كأن العالم كله توقّف ليصغي معها:...
...— "مرحبًا…"...
...كان صوته… صوته هو… لا شك في ذلك. كم مرّ من الوقت… منذ آخر مرة داعب فيها سمعها بهذا اللحن الدافئ؟...
..."أوبا…"...
...كم من الحكايات احتُبست في صدرها… كم من الكلمات المبعثرة كانت تنتظر أن تفرّ إلى لسانها… ...
...كم من الألم كانت تخبئه خلف صمتها الطويل… والآن، تدفقت كلها دفعة واحدة....
...دموعٌ ظنّت أنها جفّت منذ زمن… عادت تنهمر بصمت ثقيل… يكسر الداخل قبل الخارج....
..."لماذا… لماذا لم تتصل بي…؟"...
...خرج صوتها كهمسة طفل حائر، كعِتاب خجول… ...
...فيه لوعة، لكنه يخلو من الغضب… فلم تستطع أن تغضب منه… حتى في قسوة الفقد....
...'كنت أعلم… كنت أعلم أن ثمة خطبًا ما… أوبا لم يكن ليتركني هكذا…'...
..."أوبا… أنت بخير… أليس كذلك…؟ لم يحدث شيء… صحيح…؟"...
...الدمع لم يكن كافيًا لإطفاء قلقها… العتب تلاشى، كل ما بقي هو سؤال يتيم… هل ما زال بخير؟...
...— "أنا بخير."...
...كلمتان… صوته بها بدا صافيًا… خاليًا من الألم. وقلقها ارتخى قليلًا… شعور دافئ خافت انسل إلى قلبها المرتجف....
...'طالما أنك بخير… طالما أنك بخير… يمكننا إصلاح كل شيء… معًا…'...
...أرادت أن تقولها… أن تهمس بها كعهد قديم....
...لكن الكلمات لم تجد طريقها… إذ جاءت كلماته كريح باردة تخمد آخر شموع الأمل....
...— "أمي أخبرتك بدلاً مني… أليس كذلك…؟ أليست تلك… النهاية…؟"...
...توقفت أنفاسها....
..."……هاه؟"...
...— "ألم تصلك كلماتي بالفعل…؟" ...
...صوته… صار باردًا كالثلج… قاسيًا كالصخر… لم يكن صدى ذلك القلب الذي أحبته....
...— "أشعر بالضيق… ألا يمكنك… ألا تتصلي بي مرة أخرى…؟"...
...أظلمت الدنيا من حولها… وكأنها سقطت فجأة في هوة بلا قرار....
...'هل أصبحت… عبئًا في حياته…؟'...
...ألأنها حملت قلبه الصغير في أحشائها…؟ ألأنها وحدها خاضت معركة الحياة…؟...
...— "من الأفضل أن تجهزي نفسك حين تتصلين بي مرة أخرى…"...
..."……أستعد… لِماذا…؟ ماذا تقصد… بـ"تجهزي نفسك"…؟"...
...— "سأنهي الاتصال… أتمنى أنك فهمتِ… اعتني بنفسك."...
...وفي لحظة… انقطعت الأصوات… قُطع آخر خيط كان يصلها به....
...لم يمهلها حتى وداعًا… لم يمنحها حتى تنهيدة أخيرة… فقط… الصمت....
..."لا…"...
...سقط الهاتف من يدها كمن سقط قلبها معه… فارغًا… هشًّا....
..."هذا مستحيل… ليس هذا أوبا…"...
...أمسكت الهاتف… جففت دموعها… بحثت عن بارقة ضوء أخيرة....
...اتصلت به مجددًا… قبضت على الأمل بأصابع مرتجفة....
...— [الهاتف مغلق… الرجاء ترك رسالة بعد سماع الصافرة…]...
...الصوت الآلي… البارد… الكئيب… أعلن النهاية....
..."كل شيء… انتهى."...
...✥ ✥ ✥...
...❝أوبا… طفلنا… أكمل عامه الأول.❝...
...❝أصبحت تناديني "أمي"… وأحيانًا… لا أدري كيف… تناديني "أبي" أيضًا.❞...
...❝جي خون… طفلتنا تمشي الآن… تركض…❞...
...❝تذهب إلى الحضانة… تأكل جيدًا… تضحك كثيرًا… تلمس وجهي كأنها تلمس العالم… تغني لي… أغاني صغيرة لا أعرفها… لكنها تجعلني أبكي.❞...
...❝العام المقبل… ستدخل الصف الأول…❞...
...❝جميلة… ذكية… مبهجة… لديها الكثير من الأصدقاء… حتى دون أب… أضاءت عالمي بوجودها.❞...
...❝لم أعد أنتظر صوتك…❞...
...❝حين أفكر… لم تخبرني يومًا أنك تحبني…❞...
...❝لكنني أعلم… أعلم أنك شعرت بشيء ما… ربما لم يكن حبًا… لكنه لم يكن كذبًا أيضًا…❞...
...❝لا بأس… لم يعد يؤلمني…❞...
...❝الفصل الذي ظللت أتشبث به… رحل… ولم يترك لي سوى قطعة من الحديد… متصلبة في صدري…❞...
...❝مر وقت كافٍ… حتى بدأ الحديد يصدأ…❞...
...❝مضت سبع أعوام…❞...
...❝ولم أعد أبكي… على حبٍ مات في منتصف الطريق.❞...
...✥ ✥ ✥...
...كان طريق العودة من المعهد قصيرًا… لكنه أصبح أطول حين ركضت "يينا" إلى الأمام… وتوقفت أمام آلة كرات الحظ....
..."أمي… لماذا آلة الكرات هنا…؟"...
...عيناها الواسعتان… تلتمعان بنقاء الطفولة… بنظرة فضول نقي… اخترقت قلب جونغ أوه كنسمة دافئة....
...كم كانت تشبه تلك العيون حجارة نهر صافية… سوداء… تلمع تحت ماء النهر الشفاف… حتى مكرها… كان جميلًا....
..."ينا… هل تسألين حقًا لماذا هي هنا… أم تريدين تجربتها…؟"...
...قالتها الأم بنظرة ماكرة… ترفع حاجبها بابتسامة دافئة....
..."كوني صادقة."...
...ينا أمسكت شفتيها الصغيرة واعترفت بخجل:...
..."أريد أن أجربها…"...
...ابتسمت الأم… بضحكة خرجت من أعماق روح أنهكتها الحياة… لكن أحيتها هذه الصغيرة....
..."حسنًا… مرة واحدة فقط… لا بكاء إن لم تحصلي على ما تريدين… اتفقنا؟"...
..."اتفقنا… أريد هذه!"...
...وأشارت بإصبعها الصغير إلى أسفل الزاوية اليسرى....
..."هذه تلتهم ثلاث عملات من فئة خمسمائة… يا يينا… كم يصبح المجموع؟"...
..."ألف وخمسمائة وون!"...
...أجابت بثقة… وجونغ أوه ابتسمت....
...❝لقد مضت سبع أعوام… وهذه الصغيرة… هي التي أنقذت قلبي من الغرق…❞...
...* * *...
..."أحسني التصرف… ولا تهملي طعامك."...
...في صباح يومها الأول، غادرت لي جونغ أوه منزلها على وقع كلمات والدتها التي طبعت في قلبها دفئًا مؤقتًا، لتشق طريقها إلى بداية جديدة، مجهولة المعالم....
...كانت قد انتقلت إلى هذه الشركة الصغيرة بناءً على توصية من زميلة لها سبقتها إلى هناك… ...
...لم تكن الشركة ذات اسم رنان، لكن الشروط كانت طيبة بما يكفي لتجعلها لا تتردد طويلًا....
...غير أن دروب الحياة نادرًا ما تسير مستقيمة....
...فور وصولها، استقبلتها زميلتها بخبر قلب كيانها رأسًا على عقب....
..."توجّهي إلى غانغنام فورًا."...
...وقفت عند مفترق الطرق القريب من البنك، يثقلها الانتظار وتحتشد في رأسها الأسئلة المتراكمة....
...وما لبثت أن وصلت زميلتها....
..."المساعدة لي…"...
..."آنسة…"...
...بادلتها التحية، ثم انساب سؤالها من أعماق الحيرة:...
..."ما سبب استدعائي إلى هنا؟"...
..."تم بيع الشركة… لقد أصبحت ملكًا لشركة ماكس بلانينغ."...
...ضربت أمواج الحياة مركبها الصغير من جديد. ...
...استغرقها الصمت لحظات حتى تمكّن لسانها من النطق:...
..."متى حدث هذا؟"...
..."صدر الإعلان الرسمي الليلة الماضية… ألم تطلعي على الخبر؟"...
...وكيف لها أن تطلع عليه؟ لقد أوتها والدتها إلى النوم باكرًا....
..."كل شيء حدث بسرعة عجيبة… لكن لا تقلقي، وظيفتك ظلت كما هي… الاسم فقط تغيّر، والمبنى والإدارة… لا شيء أكثر من بعض الارتباك العابر."...
..."……"...
..."نظرًا لأن هذه هي وظيفتك الأولى… رتبتُ كل شيء بحيث لا تضطرين إلى توقيع العقد مرتين… وسألتحق بك قريبًا… فلا تخشي شيئًا."...
...استدارت بعينيها، فإذا بها تقف أمام مبنى ماكس بلانينغ ذاته....
...كان المبنى أكثر بهاءً والموقع أفضل… لكنها كانت بداية يغلفها غموض مباغت....
..."قسم الموارد البشرية في انتظارك… ادخلي."...
..."لوحدي؟"...
..."أنتِ قادرة على ذلك… يا لي جونغ أوه."...
...ربتت على كتفها في وداع خافت، كمن يدفعها إلى لجّة المجهول....
...تلاشى وهج اليوم الأول في سحابة من القلق الثقيل....
...شعرت وكأنها ألقيت في محيط لا مرسى فيه، بلا قارب ولا شراع....
...لكنها تذكرت… لطالما خاضت هذه الحياة وحدها، دون سند....
...ثلاثون عامًا من المصاعب صقلتها، وأي لحظة صعبة لا توازي مرارة ما مضى… وهذا التحدي لا يعدو كونه زوبعة عابرة....
...'أنتِ قادرة… يا لي جونغ أوه…'...
...شدّت على قلبها، ورفعت رأسها، ودخلت المبنى بخطى ثابتة....
...عند المدخل كان يقف رجل وامرأة بانتظارها....
..."هل أنتِ لي جونغ أوه؟"...
..."نعم…"...
...أشار الرجل إلى السيدة بجواره:...
..."هذه قائدة الفريق سونغ مي ران… ستنضمين إلى فريق الإنتاج الثاني."...
...مدّت المرأة يدها وقد علت ملامحها ابتسامة مشرقة....
..."تشرفت بكِ، فلنصنع معًا أعمالًا تليق بطموحاتنا."...
..."يشرفني ذلك…"...
...شعرت بشيء من الطمأنينة، وتابعت السير خلفها....
...قالت القائدة وهي تسير:...
..."علمتُ بأنكِ كنتِ في سانغ آ بلانينغ… يبدو أن الأقدار اختارت أن توصلكِ إلينا."...
..."نعم…"...
..."الوضع هنا مضطرب قليلًا، فلن يتسنّى لنا الكثير من الوقت لمساعدتكِ على التأقلم… ستتأقلمين سريعًا، أليس كذلك؟"...
..."بلا شك."...
...أجابت بثقة تستنهض بها نفسها....
...لكن حين دخلت أعماق الشركة… لاحظت سكونًا عجيبًا يخيم على المكان....
...سألت القائدة أحد الزملاء أثناء عبورها:...
..."لماذا هذا الصمت؟"...
...أشار زميل إلى نهاية الممر قائلًا:...
..."المدير هناك…"...
...استدارت جونغ أوه بنظرها لترى… ورأته....
...هيئة طويلة، قامة مستقيمة، ظهر كأنما صُنع ليكون رمزًا للجمال لا لسطوة الإدارة....
...تمتمت القائدة:...
..."لا حاجة لتحيته…"...
...ثم اقتربت منها قليلًا وهمست:...
..."هو أكثر مهابة من المدير التنفيذي ذاته… لم يُكمل أسبوعه الأول هنا…"...
..."……"...
..."إنه ابن رئيس مجلس الإدارة."...
...الوريث… ذلك اللقب الذي يرسم بين الناس مسافة لا تُجسر....
...شعرت بضيق مفاجئ يجثم على صدرها....
...'تماسكي… لا شيء يُخيفك…'...
...ومع أول محاولة لاستجماع قوتها… التفت الرجل....
...والعالم بأسره تجمّد في مكانه....
...لم تصدق عيناها… ولا دقات قلبها....
...ذلك الجسد… تلك الملامح…...
...سبع أعوام… سبع أعوام خُيّل لها أنها دفنتها في الماضي… لكنها تعرفه....
...والد طفلتها....
...جونغ جي هيون....
...هو… هو ذاته....
...لم يكن في حسبانها أن الأقدار الخفية نسجت هذه الخيوط لتربطها به مرة أخرى....
...جذورها تجمدت، وهو يقترب بخطى لا تعرف التردّد....
...خطوة… خطوتان… ثلاث....
...كل دوي لوقع حذائه كان بمثابة أغلال تُكبّل قلبها....
...أنفاسها ضاعت… صدرها اختنق… ودماؤها صارت تنبض في فراغٍ مؤلم....
...اقترب حتى لم يعد بينهما سوى الأنفاس....
...لحظة حلمت بها طويلًا… لكنها جاءت بحقيقة لم تشتهِها....
...'ليته لم يكن هو…ليت تلك الأعوام طمست ملامحه…'...
...اهتز كيانها… لكن الزمن لا يعيد حساباته....
...وقف أمامها… شامخًا....
...تراجعت دون وعي… لكن قبضته امتدت وأمسكت بها… كأن الزمن أمسك بها مجددًا… دون أن يترك لها خيار الهرب....
...'يا لتعرجات المسارات… كيف تعيدنا حين نظن أننا ابتعدنا…'...
...اهتز كيانها… لكنه وقف بثبات أمامها....
...تراجعت خطوة… فامتدت يده… قبض عليها… شدّها إليه....
...'بعض الطرق… لا تنتهي… بل تنتظر بصمت حتى نعود إليها.'...
Comments