...وصلت "أونبي" إلى الشقة السكنية التي اقتناها شقيقها "أونيوب" خصيصًا لها؛ مساحة صغيرة من العالم تنتمي إليها وحدها، كأنها وعدٌ شخصيّ بالحرية....
...كانت قد غادرت كوريا منذ ثلاث سنوات متجهةً إلى الولايات المتحدة، حاملةً حقائب الحلم في يد، والتردد في اليد الأخرى....
...لكنها لم تُتمّ الأربع سنوات. وكأن الأرض هناك لم تعترف بخطواتها. اجتازت امتحان التحويل إلى جامعة K، فعادت أدراجها، تحمل على ظهرها ظلّ المغادرة وحنين العودة....
...حين أخبرته برغبتها في العيش وحدها، لم يتردد "أونيوب". اشترى لها شقة دون نقاش، لكنّه لم يلبِّ رغبتها كاملة....
...فقد كانت تتمنّى أن تكون قريبة من الجامعة، أما ما منحها إيّاه، فكان بعيدًا بعض الشيء. رغم ذلك، كان المكان حسن التهوية، أنيق الزوايا، هادئ الملامح....
...شعرت "أونبي" بشيء يشبه الرضا. لا هو امتنان، ولا هو خيبة... بل تلك المنطقة الرمادية التي لا تُسمّى....
...وضعت أغراضها بصمت، ثم خرجت لتشتري ما ينقصها من ضروريات الحياة اليومية....
...وحين هبطت على درجات السلم متوجهة نحو موقف السيارات السفلي......
...حدث ما لم يكن في الحسبان....
...تحطُّم~...
...صرير!~...
...سيارة انطلقت فجأة، كأنها خرجت من العدم، واصطدمت بجسد رجلٍ لم يسعفه الحظ....
...سقط أرضًا، فيما شهقت "أونبي" بصمتٍ مذعور....
...كل شيء وقع في لحظة... سريعة، خاطفة، لا مجال فيها للصراخ....
...اختبأت خلف جدار درج الطوارئ، ووضعت كفّها على فمها المرتجف، تحبس أنفاسها كأنها تخشى أن يفضحها الهواء....
...خرج رجل من السيارة، يعتمر قبعة سوداء، خُيّل لها أن الزمن حوله كان أبطأ من اللازم....
...اقترب من الجسد المُلقى، وتمتم بكلماتٍ بالكاد وصلت إلى أذنها:...
..."هل سمعتَ يومًا عن...؟"...
...كان صوته واهنًا، لا يحمل وضوحًا، ولا حتى خوفًا... كأنه يسأل سؤالًا لا يُنتظر منه إجابة....
...الضحية، بطبيعة الحال، لم تُجب....
...ثم، دون أن يتفقده، عاد الرجل إلى سيارته، وانطلق بها واختفى كما لو أنه لم يكن....
...وحين اختفت السيارة......
...أفرجت "أونبي" عن أنفاسها التي كانت على وشك أن تخنقها....
...مدّت رأسها بهدوء لترى المشهد....
...الدم كان يسيل تحت الجسد... أحمر، ثقيل، ومخيف....
..."يجب أن أُبلغ الشرطة!"...
...أخرجت هاتفها بسرعة، لكنها أدركت أن يدها ترتجف. عقلها توقف عن التفكير، وشعورٌ جارف من الخوف اجتاحها....
..."سأضطر للذهاب إلى مركز الشرطة، للذهاب والإياب، للاستجوابات... ماذا لو تورّطت؟ ماذا لو تعرّضت للخطر؟"...
...تذكرت كلمات شقيقها المحامي، الذي لطالما حذّرها من التورط في أي أمر صاخب:...
...> "إن كان قد فارق الحياة، فلا فائدة من التدخّل. سيقوم غيرك بالتبليغ."...
...لم أرَ شيئًا. لم أسمع شيئًا....
...ردّدت ذلك بين نفسها، كأنها تُقنع قلبها قبل عقلها....
...ثم استدارت، وصعدت الأدراج سريعًا، وعادت إلى شقتها، تجرّ خيطًا من الذنب خلفها....
...وبعد دقائق معدودة، سمعت صوت سيارة إسعاف تعلو في الخارج....
...من نافذتها، رأت سيارة الإسعاف تتبعها الشرطة، يدلفون إلى المبنى ثم يغادرون....
...'هل توفي؟'...
...لم تكن تعلم. لم تكن تريد أن تعرف....
...كل ما تمنته هو ألا تُمسّ حياتها بهذ الحادث. لا شأن لها....
...لا صلة تربطها به......
...أو هكذا كانت تظن....
...في المساء، رنّ هاتفها. نظرت إلى الشاشة - إنه شقيقها "أونيوب"....
...أجابت على الفور....
...- "مرحبًا."...
...[هل رأيتِ المنزل؟]...
...- "نعم... إنه جميل، لكنّه بعيد جدًا عن الجامعة. لمَ اخترت هذا المكان بالذات؟"...
...[لأن "أون جي هيون" يسكن فيه.]...
...كلمات شقيقها جعلت ملامحها المتزنة تتلاشى....
...- "أون جي هيون؟!"...
...ارتجف قلبها كما لو أنه لا يزال يعيش مراهقته الأولى....
...لقد اختارت جامعة K لأجله. كانت تعلم أنه يوشك على التخرج، لكن يكفي أن تراه، أن تكون قريبة، أن تلمح ظله......
...منذ ثلاث سنوات، حين وقفت عند مفترق السفر، كان "جي هيون" هو الشيء الوحيد الذي جعل قدميها تترددان....
...هو... صديق أخيها، وحبها الأول....
...حب لم يولد له اعتراف، لكنه ظلّ يرفرف في صدرها كطائرٍ خجول....
...رغم مرورها بعلاقاتٍ عابرة في أميركا، لم تستطع نسيانه. لم تتعلم كيف تطفئ قلبًا ما زال يشتعل باسمه....
...ولهذا... عادت....
...بلعت ريقها، وسألت مجددًا، تأمل أن تكون قد فهمت خطأ:...
...- "أوبا جيهيون يسكن هنا؟ هل تعرف رقم وحدته؟"...
...[لكن هذا ليس المهم الآن... يبدو أنه حدث شيء.]...
...تبدّلت نبرة شقيقها، فأصابها القلق....
...- "ماذا؟"...
...[قالوا إنه تعرّض لحادث في موقف السيارات السفلي اليوم.]...
...كاد الهاتف يسقط من يدها....
...- "...حادث؟!"...
...قال الصوت عبر الهاتف: "نعم، لم أزر المستشفى بعد، لذا لا أعلم التفاصيل."...
...شهقت أونبي، وتصلّب جسدها. صورة الجسد الملقى في موقف السيارات عادت أمام عينيها، الدم المتسرّب من تحته، والسكون المرعب الذي لف المكان....
...هل يُعقل أن يكون هو؟ جيهيون؟...
...صوتها خرج مرتعشًا، كأنها تقاوم احتمالًا يفطر القلب:...
...- "أوبا... إلى أين نُقِل؟ إلى أي مستشفى؟"...
...* * *...
...فـي مـکـان أخــر...
...["الهاتف مغلق، سيتم تحويلك إلى البريد الصوتي بعد الصافرة..."]...
...أنهت جونغ-أوه المكالمة، وعيناها تتنقلان بين عقارب الساعة وشاشة هاتفها....
...الثالثة قد حلّت... ولم يأتِ....
...جي هون، الذي وعدها بلقائه اليوم، اختفى. لم يردّ على اتصالاتها. الهاتف مغلق....
...همست لنفسها، تحاول أن تُهدئ الرجفة في قلبها:...
..."أوبا لا يَخلف وعدًا... أبدًا."...
...لكن الوقت مرّ، ومع كل دقيقة، كانت تبتلع المزيد من القلق، والمخاوف تكبر....
...هل أصابه مكروه؟ هل تراجع فجأة عن وعده؟...
...كل الاحتمالات كانت سهامًا تنهال على قلبها....
...بالأمس فقط، كانت ترى في علاقتها به نورًا وسط العتمة، واليوم، اصبح الانتظار لُغمًا تحت كل خطوة....
...* * *...
...في المستشفى، أمام غرفة العمليات البيضاء، جلسَت امرأة تغلّفها الوحدة والذعر....
...كانت السيدة "جانغ يونغمي"، الأم التي لم تتخيل يومًا أن تقف على حافة الفقد....
...قبل قليل، كانت تُحادث ابنها الوحيد على الهاتف، واليوم، هو غارق في غيبوبةٍ، بعد أن دُهس بطريقة وحشية....
...رفض العودة للمنزل، وأصر أن يبقى في الشقة... ثم وجِد ملقى في موقف السيارات....
...كم ربّت قلبه، كم وضعت أحلامها في يديه، وها هو، لا يتحرك، لا يجيب، مُعلّق بين الحياة والموت....
...وصلت إلى المستشفى مهرولة، تسبقها ضربات قلبها. وحين رأت حاله، شهقت كأن العالم كله انهار عليها دفعة واحدة....
..."يا إلهي... لماذا ابني؟ لماذا هو؟"...
...بكت حتى ابتلّت ملابسها. صرخت حتى تكسّرت روحها....
...وحين هدأ العاصف، اقترب منها رجل، بدا من الشرطة....
..."مرحبًا، أنا من مركز شرطة يونغسان. هل أنتِ والدة جونغ جي هيون؟"...
...نظرت إليه، بعينين فارغتين من الدمع....
..."الكاميرات في المبنى تعطّلت، لكن لحسن الحظ، سيارة متوقفة كانت تملك كاميرا. استطعنا التقاط رقم السيارة، وحددنا هوية الجاني."...
...هتفت، بكل ما تبقى من قوتها:...
..."أرجوكم... أمسِكوه! لا تتركوه يهرب!"...
...كانت تبكي وتتشبث بذراع الشرطي، لم تعد زوجة المدير التنفيذي، بل أمًا يائسة تتوسل....
...قال المحقق: "اسمه كيم جينغو. هل تعرفينه؟"...
...هزّت رأسها. وانهارت دموعها من جديد....
...وفي تلك اللحظة، تقدّمت فتاة بهدوء:...
..."هل أنت المحقق؟ أنا شاهدة على الحادثة التي حدثت."...
...التفت الرجل إليها، ونظرت إليها السيدة يونغمي....
...كانت الملامح مألوفة......
...قالت الفتاة بصوتٍ خافت:...
..."أمي، أنا أونبي... تشاي أونبي. هل تذكرينني؟"...
...وقفت أونبي بثبات، تحتضن ذراع السيدة المرتجفة....
..."أوه... أونبي... إنها أونبي..."...
...كان صوت الأم هشًّا، كأنها تخشى التصديق....
...أونبي، أخت صديق ابنها، ابنة العائلة القانونية العريقة....
...قالت برقة:...
..."أرجوكِ تماسكي. أوبا سيخرج من الجراحة. سأذهب الآن لأدلي بشهادتي. سيُقبض عليه، أعدك."...
...كانت كلماتها دافئة، مشبعة بالإصرار. كأن الفتاة أصبحت الأم، والسيدة يونغمي باتت طفلة مكسورة....
...أكملت:...
..."الجراحة ستستغرق وقتًا. من الأفضل أن ترتاحي. سأُخبركِ بكل جديد."...
...وافقت الأم، وذهبت. بينما كانت أونبي تتقدم نحو الحقيقة......
...رافقت المحقق إلى مركز الشرطة، وروت كل شيء بدقة:...
..."كان الحادث مروعًا. رجل يرتدي قبعة سوداء وثيابًا سوداء بالكامل. طوله يقارب 180 سم. صوته أجش، مريب."...
..."هل قال شيئًا؟"...
..."همس بشيء غريب... ربما قال: هل سمعتَ عن سرقة تُرتكب عبر حادث؟ أو شيئًا شبيهًا."...
...أضافت "أونبي" شيئًا من خيالها إلى ما تذكرته، كأنها تعيد صياغة الذاكرة بما يناسب شعور اللحظة....
...صوتها لم يرتجف. بل كان كمن يُطالب بالعدالة، لا من يتوسلها....
..."أستطيع تمييز وجهه إن رأيته مجددًا. أنا متأكدة."...
...وبينما كانت تسرد روايتها، وصلا معًا إلى مركز الشرطة....
...وما إن دخلت إلى هناك، حتى تجمدت أنفاسها للحظة. لقد تعرفت على المشتبه به فورًا....
...يا للمصادفة... لقد كان "كيم جينغو" قد اعتُقل للتو من منزله، وجُلب إلى المركز....
..."إنه هو! هذا الرجل!"...
...صرخت "أونبي" أمامه، كمن وقعت على عدوها....
..."ما الذي تقوله هذه الفتاة؟ هل تعرفينني؟ لماذا تفعلين بي هذا؟ لماذا؟"...
...كان "كيم جينغو" مقيّد اليدين، يتلوى غاضبًا، ووجهه مشدوه كمن وقع عليه ظلم العالم كله....
...لكن "أونبي" لم تتزعزع....
..."إنه صوته! أعرفه! لا مجال للشك!"...
...قبضت يدها بقوة، وعيناها تحملان إصرارًا نادرًا....
...هذا الرجل الذي ألحق الأذى بصديق أخيها الذي لطالما أحبته وأعجبته، بات بالنسبة لها العدو الذي لا يُغتفر....
...ورغم ذلك، شعرت في قرارة نفسها بفرح داخلي صغير، كأنها انتصرت للحق أخيرًا....
...⋯ ✦ ⋯ ✦ ⋯ ✦ ⋯...
...وبعد القبض على المشتبه به، تسلّمت السيدة "جانغ" ممتلكات ابنها: هاتفه المحمول، مفتاح سيارته، وصندوق خاتم....
...صندوق الخاتم......
...وحين فتحت الهاتف، عرفت أن ابنها كان من المفترض أن يلتقي بفتاة تُدعى "جونغ أوه" في موعد عند الظهيرة....
...لقد رفض طلب والدته بالعودة إلى المنزل من أجل ذلك الموعد....
...وبسبب ذلك الموعد... كان الحادث....
...- "أوبا، أين أنت؟"...
...- "كنا سنلتقي الساعة الثالثة اليوم... هل حدث شيء؟"...
...- "لا أستطيع الوصول إليك... أشعر بالقلق. إن قرأت هذه الرسالة، من فضلك تواصل معي."...
...- "ما الأمر؟ لا أريد أن يكون هناك مكروه. فقط أرسل رسالة واحدة، أرجوك."...
...وحين قرأت "السيدة جانغ" هذه الرسائل الكثيرة من "جونغ أوه"، اشتدت قبضتها وتسرّع نبض قلبها....
...> "لدي صديقة أودّ أن أعرّفك عليها."...
...قال ابنها ذلك في آخر مكالمة بينهما....
...كان يريد أن يقدم لها هذه الفتاة....
...كم كان يحبها ليُفضّل موعده معها على طلب أمه؟...
...لكن السيدة "جانغ" لم تشعر إلا بالغضب يتأجج تجاه تلك الفتاة....
...ثم لما طلبت من أحدهم أن يتحقق من أمر "جونغ أو"، صُعقت أكثر....
...طالبة في سنتها الجامعية الثالثة، تبلغ الثالثة والعشرين، ابنة لأم عزباء. فتاة نشأت دون أب....
...لا حاجة للقول إنهما كانتا تعانيان الفقر، وأن أمها لم تنل قسطًا من التعليم....
..."ومن أجل فتاة كهذه... حدث لابني كل هذا؟"...
...كانت الجراحة قد نجحت، لكن "جيهون" لم يستعد وعيه بعد. ومعه، لم تكن كراهية "السيدة جانغ" لـ "جونغ أو" إلا تتفاقم....
...فأرسلت لها رسالة نصية قصيرة من هاتف ابنها:...
...⋯ ✦ ⋯ ✦ ⋯ ✦ ⋯...
...- "لا تتصلي بي مجددًا."...
...ثلاثة أيام بعد انقطاع الاتصال، جاءتها رسالة من "جي هون"....
...قصيرة، لكنها كانت كافية لتزلزل قلب "جونغ أوه"....
..."جي هون" الذي تعرفه... لا يمكن أن يقول هذا....
...فتوجهت على الفور إلى منزله....
...لم تكن تزوره كثيرًا، لكن دعوته لها كانت متكررة مرة أو مرتين كل شهر....
...وكان قد منحها رمز قفل الباب بنفسه، وقال لها يوماً: "تعالي متى شئتِ، ونامي هنا إن أحببتِ."...
...هل حقًا يمكن لرجل مثله... أن يقطع علاقته بها فجأة برسالة؟ ويقول لها ألا تتواصل معه مجددًا؟...
...رفض عقلها تصديق أن تلك الكلمات صادرة عنه....
...لكن حين وصلت إلى شقته، واجهت مأزقًا....
..."الغرفة 1903... هذا هو المكان، أليس كذلك؟"...
...لكن قفل الباب لم يكن كما تتذكره....
..."هل يُعقل...؟"...
...خفق قلبها بعنف. ضغطت على الجرس، لكن لم يجب أحد....
...وبأنامل مرتجفة، أدخلت الرمز الذي تعرفه....
...لم يُفتح الباب....
...جربت رمزها الخاص، وتاريخ ميلادها، ثم تاريخ ميلاده... محاولة تلو الأخرى....
...وبعد محاولات خاطئة، دوّى صوت إنذار عالٍ، واحمرّ وجهها خجلًا....
...وفجأة، انفتح الباب من الداخل....
...وامرأة في منتصف العمر حدّقت فيها بوجه صارم....
...ابتلعت "جونغ أوه" ريقها بصعوبة وسألت:...
..."أ-أهذه ليست شقة "جي هون"؟"...
..."هل أنتِ "لي جونغ أوه"؟"...
...كانت تعرف اسمها....
..."أنا والدة "جي هون"... تفضلي بالدخول."...
...كلماتها الباردة كانت كالسلاسل التي سحبت "جونغ أوه" إلى الداخل. شعرت بأنها تُجَرّ دون إرادة منها....
...تفحّصتها السيدة "جانغ" بنظراتها من رأسها حتى أخمص قدميها. خطوات "جونغ أوه" كانت مترددة، كمن دُعي إلى محكمة لا لقاء....
...رأسها مطأطأ، كأنها اقترفت ذنبًا عظيمًا....
...أطلقت السيدة "جانغ" تنهيدة ثقيلة، ومرّت الفكرة في ذهنها من جديد......
...هذه الفتاة، من عائلة بلا أب. ثمة ظلٌّ يرافقها منذ ولادتها....
...لا يمكن، لا ينبغي أن تكون هذه الفتاة قرب ابنها....
..."ما هذا التصرف؟ كيف تضغطين على قفل باب ليس لك؟"...
..."أوبا قال لي رمز القفل من قبل..."...
..."الرمز تغير، ولهذا أقول: عندما لا يفتح، توقفي فورًا."...
..."أنا آسفة... لم أستطع الوصول إلى أوبا، وقلقت أن يكون قد حدث له مكروه."...
...كانت أكثر جرأة مما ظنتها....
...أدركت السيدة "جانغ" أن الكلمات المهذبة لن تُجدي نفعًا. وكان لا بد من الحزم....
..."كم من الألم سببتِه لابني يا ترى؟"...
..."..."...
...صمتٌ ثقيل حلّ محل الكلمات... كأن قلب "جونغ أوه" تجمد، غير قادر على الرد أو الدفاع....
..."كم كان وجودكِ عبئًا عليه... حتى اضطر لإبعادي إليكِ؟"...
...كلمات "السيدة جانغ" كانت كالسياط، لا تُترك أثرًا على الجسد، بل على الروح....
...وفي عيني "جونغ أوه"، راحت الدموع تتكوّر كخرز زجاجي يوشك أن ينكسر، شفافًا، هشًّا، صامتًا....
...وحين أبصرت "السيدة جانغ" نظرة الضعف في عينيها، أدارت وجهها كأنها تنأى بنفسها عن الشفقة....
..."إن كنتِ فهمتِ، فلا تعودي إلى هنا أبدًا. لستُ من الفراغ لأضيّع وقتي مع من هنّ في مثل سنّ جيهون."...
..."أمي... أرجوكِ، انتظري..."...
...قالت "جونغ أو"، تتوسّل بكلمات مرتجفة، وقد أمسكت بذراعها بضعف من ترجّلَ عن كل شيء....
..."اسمحي لي أن أراه... مرة واحدة فقط."...
..."لا تناديني بأمي. لا علاقة بيننا تبيح لكِ ذلك."...
...نزعت "السيدة جانغ" يدها بعنف، كأن لمسة "جونغ أوه" تحرقها....
...ابني يصارع الموت الآن......
...وأنتِ، رغم دموعك، تطالبين بلقائه....
...أي وقاحة هذه؟...
...في داخلها، كانت تغلي. كانت تراها هي السبب... الجذر لكل هذا الألم....
..."انصرفي قبل أن ينفد ما تبقى من صبري. لا تزيدي من عذاب ابني."...
...قالتها بقسوة لا تخفيها، دون محاولة للتجميل....
...وسقطت دموع "جونغ أوه" على الأرض، باردة......
...ثقيلة، كأنها تطرق باب الندم بلا مجيب....
...⋯ ✦ ⋯ ✦ ⋯ ✦ ⋯...
...مضت خمسة عشر ليلة منذ أن داهم الحادث "جي هون"، ونام بعدها نومًا لم يفق منه....
...في غيبوبته، بدا كأنه عالق في بُعد آخر، لا هو حيّ تمامًا ولا ميت....
...وأما "أونبي"، فلم تغب يومًا عن المستشفى....
..."خالتي... هل ارتحتِ قليلًا؟"...
...قالتها مبتسمة وهي تدخل غرفة المستشفى، لكن خلف ابتسامتها، كان الحزن يتكئ على التعب....
..."أونبي... جئتِ."...
...رحّبت بها "السيدة جانغ" بصوت خافت، ونظراتها مرهقة، كأنها قضت الليل محاورة للصمت....
...أمسكت "أونبي" بيدها بلطف، وقالت:...
..."هكذا ستنهارين، خالتي. طلبت من طبيب أعرفه أن يُعطيكِ شيئًا لتقوية جسدك."...
..."لا حاجة لي بذلك... أنا بخير."...
..."أعرف، لكن... اليوم أشعر أن أوبا سيستيقظ. وعندما يفتح عينيه، أول من سيبحث عنه هو أنتِ. لذا... يجب أن يراكِ بخير."...
...بكلمات حنونة وقلبٍ صادق، أخذتها برفق خارج الغرفة، نحو الجناح المخصّص للراحة....
...وسارت معها "السيدة جانغ"، مستسلمة لدفء العناية النادرة....
...وبعد أن غابت خطواتها، أصبحت "أونبي" وحدها مع "جي هون"....
...نظرت إليه كمن ينظر إلى أيقونة مقدّسة......
...كان نائمًا كأمير في سبات، وملامحه، حتى وهو بين الحياة والغيبوبة، ما زالت تأسرها بجمالها....
...هل تغيّر منذ لقائنا الأول قبل ثلاث سنوات؟...
...بل... ربما ازداد وسامة....
...خطرت لها فكرة مجنونة......
...هل أقبّله؟ قبلة صغيرة... لن يشعر بها....
...اقتربت شفتيها من شفتيه، شيئًا فشيئًا، كأن العالم كله انكمش ليبقيها معه في تلك اللحظة....
...لكن......
...انفتح الباب فجأة....
...تراجعت "أونبي" فجأة إلى الخلف، خجلة، مرتبكة....
...كان الذي دخل هو "بارك سونغكيو"، صديق "جي هون"، رفيقه في المدرسة والجامعة، وكبيره في الخدمة العسكرية....
..."جئتِ مجددًا؟"...
...قالها بنبرة لا تخلو من السخرية، وكأن وجودها هنا عبء لا يريده....
...أجابت "أونبي" بابتسامة مصطنعة:...
..."كنت قلقة عليه."...
...لكنه لم يبدِ تعاطفًا....
..."ولماذا أنت هنا؟" سألته....
..."أليس من الطبيعي أن أزور صديقي؟"...
...ردّ ببرود، لا يُخفي نفوره منها....
...اقترب من سرير "جي هون"، وكأنه يحاول أن يحميه منها....
...ساد الصمت من جديد... صمتٌ ثقيل، متوتّر....
...ثم، كمن فتح بابًا مغلقًا، قال فجأة:...
..."بالمناسبة... ثمة شيء مريب."...
...نظرت إليه "أونبي" بحذر، دون أن ترد....
..."الحادث وقع الساعة الواحدة، وتم الإبلاغ عنه في 1:20. والمبلّغ كان رجلًا."...
..."......"...
..."قلتِ إنك شهدتِ الحادث... فلماذا لم تُبلّغي عنه على الفور؟"...
...انكمشت ملامحها من السؤال المباغت....
..."كان هاتفي مغلقًا... بطاريته فارغة. وعندما شغّلته، كان البلاغ قد سُجّل."...
...أومأ برأسه، لكن الشك لم يغادر عينيه....
...لم يُصدّق....
...وشعرت "أونبي" بالضيق، بشيء يُراقبها من الداخل، كأن عينًا خفية تفتّش ما وراء كلماتها....
..."لماذا تسأل هذا حتى؟"...
..."آه، لا شيء... فقط... آه! جي هون!"...
...صرخ فجأة باسمه....
..."أوبا!"...
..."جي هون! جي هون!"...
...تحرّكت أجفان "جي هون"......
...ثم فتح عينيه أخيرًا....
...بدا وكأنه يحاول أن يتذكّر كيف يعود إلى الجسد....
...حاول أن يرفع رأسه... فساعده "سونغكيو" على تعديل السرير....
..."هل أنت بخير؟ هل تراني؟ هل تعرف من أنا؟"...
...رمقه "جي هون" بنظرة باردة، ثم همس:...
..."... من...؟"...
...ارتبك "سونغكيو"، وقال متعجبًا:...
..."ألا تعرفني؟"...
..."......"...
..."أنا بارك سونغكيو! كنا زملاء دراسة! وكنتُ قائدك في الجيش! نسيتني؟"...
..."الجيش؟"...
...ردّ "جيهون" بذهول، كأن الكلمة لا تعني له شيئًا....
...الجيش؟ لكنني لم أدخله بعد...!...
...كيف؟ متى؟...
..."أنا ذهبت... للجيش؟"...
...اتسعت أعين "سونغكيو" و"أونبي"....
...لكن "جي هون" لم يفهم......
...ولم يُدرك بعد أنه فقد شيئًا أكبر من مجرد ذاكرة....
...ثم......
...اندفعت في رأسه موجة ألم لا تُحتمل....
..."آه..."...
...شهق بصوت خافت، كأن شيئًا ما يشق دماغه إلى نصفين....
..."جي هون!"...
..."أوبا!"...
...كان صوتهما يبتعد... يتلاشى... يتحوّل إلى صدى خافت....
...كأن الإبر تخترق دماغه....
...كأن شيئًا عزيزًا جدًا... يتسلل منه دون رجعة....
...ما هذا الذي أنساه؟...
...ومن هذا الذي يبكي داخلي الآن؟...
Comments