كان صباحًا رماديًّا، والضباب يكسو الطرقات المؤدية إلى مقر فرقة العاصفة القرمزية. نهض باتلر من فراشه متأخرًا بعض الشيء، فقد قضى ليلته يتأمل السقف، يحاول استيعاب ما حدث في الأيام الأخيرة: عبور الاختبار، اختيار الفرق له، وأخيرًا… انضمامه إلى واحدة من أقواها.
ارتدى زيه الرسمي الجديد—لم يكن مبهرجًا كباقي الأزياء، لكنه أنيق ومميز بلونه القرمزي الداكن، مع وشاح أسود يحمل رمز العاصفة المنقوش بخيط فضي.
خرج من مقر إقامته، والمدينة لا تزال تستيقظ ببطء. عند مروره عبر البوابة، أشار إليه بعض الحراس بتحية صامتة، لا كلمات، فقط نظرات تحمل مزيجًا من الفضول والاحترام.
تابع طريقه إلى مبنى مقر الفرقة، وكان مكونًا من طابقين، تحيط به الأشجار وتغمره رائحة المطر القديم. عند الباب، كانت بانتظاره امرأة قصيرة القامة، ذات شعر أزرق داكن مربوط للخلف، وملامح صارمة.
"أخيرًا وصلت." قالت دون أن تبتسم، ثم أضافت وهي تشير للداخل: "اتبعني."
دخل معها عبر الممر الحجري. كان الهدوء يخيّم، وكأن كل شيء متأهب.
صوت خطواتهما كان يتردد، حتى وصلا إلى قاعة التدريب.
كان هناك خمسة أفراد يقفون وسط الساحة، وكلٌ منهم يملك مظهرًا يميّزه:
الأول، شاب ضخم الجثة، يضحك بصوت عالٍ بينما يحمل سيفين عملاقين على ظهره.
الثاني، فتاة نحيلة بعيون رمادية، تمسك كتابًا لا تفارقه.
الثالث، فتى هادئ ذو شعر أخضر فوضوي، يتكئ على جدار.
الرابع، فتاة ذات شعر أشقر مجدول، تلمّع رمحها وهي تهمهم أغنية قديمة.
الخامس، صبي صغير يبدو أصغر من البقية، لكنه يُحدّق بتركيز غريب.
عند دخول باتلر، التفتوا جميعًا نحوه.
قالت القائدة بصوت مرتفع: "هذا هو العضو الجديد. قد تظنون أنه هادئ… لكنه سحق نصف المتبارزين في الاختبار."
ضحك الشاب الضخم قائلاً: "إن كان هادئًا، فسيكون صديقًا لي على الفور! تعبت من صراخ البقية."
الفتاة ذات الكتاب رفعت رأسها قليلاً وقالت: "العينان تقولان الكثير."
أما الفتى ذو الشعر الأخضر فقال ببساطة: "إن لم يكن مزعجًا، فهو مرحب به."
الصبي الصغير اقترب منه، حدّق فيه طويلًا، ثم سأل: "هل حقًا أنت الذي جمدت النار؟"
تفاجأ باتلر قليلاً… لكنه فقط أومأ.
صمت بسيط مرّ، ثم قالت القائدة: "أعرف أن بعضكم لا يرحّب بالتغيير، لكن كل شخص هنا اختير لأنه مختلف. تأقلموا."
ثم نظرت إلى باتلر مباشرة: "ستتعرّف على الجميع لاحقًا. اليوم سيكون خفيفًا، فقط تعارف وتدريب بسيط. غدًا… نبدأ الجحيم الحقيقي."
ابتسمت، أخيرًا، لكنها ابتسامة غامضة.
وهكذا بدأ يومه الأول ضمن العاصفة القرمزية.
مساءً، بينما كان الجميع يتسامرون ويأكلون في الساحة الخلفية، جلس باتلر وحده قليلًا… قبل أن يأتي الفتى ذو الشعر الأخضر ويجلس بجانبه، بصمت.
قال أخيرًا: "أنا راي. النائب… الظاهريًا على الأقل."
نظر إليه باتلر باستغراب.
أضاف راي بابتسامة صغيرة: "أردت فقط أن أكون أول من يكسر الجليد."
ضحك الاثنان، لأول مرة.
...انتهى اليوم الأول.
.
في صباح اليوم التالي، استيقظ باتلر على صوت الطرق المتتابع على باب حجرته. فتح الباب ليجد أحد المنادين الملكيين يسلّمه رداءً أحمر يحمل شعار فرقة العاصفة القرمزية، ومعه أمر التجمع للتدريب الأول.
وصل إلى الساحة المخصصة، فوجد جميع الأعضاء مصطفين، بينما وقفت إليورا في منتصف الساحة، شعرها الفضي يتمايل، ونظراتها الصارمة تجوبهم.
قالت بهدوء، لكن بصرامة:
"اليوم سنتدرّب، لا كأفراد… بل كفرقة. لن نرحم الضعيف، ولن نُخدع بالمظاهر. من لا يثبت نفسه، لن يُرافقني في ميدان الحرب."
ثم أشارت إلى أحد الأعضاء:
"أنت، إبدأ."
تقدّمت شيرا، الفتاة ذات الشعر البني القصير التي تحمل كتابًا ضخمًا على ظهرها. كانت تبدو هادئة، عيناها تلمعان بالتركيز. فتحت كتابها ببطء، وهمست بكلمات غير مفهومة. فجأة، تكوّن أمامها سيف شفاف بلون الضوء، تلمع حوافه كأنها تُخيط الهواء.
اندفعت بسرعة، وبدأت تهاجم دمية حديدية بسلسلة من الضربات المتناسقة، ثم ختمت الهجوم بتقنية غريبة: أغلقت الكتاب، فاختفى السيف، وظهرت دوامة ضوئية مزّقت الدمية من الداخل.
علّق أحد الجنود: "إنها تُجسّد السيوف من تعاويذ الضوء... ساحرة هجومية نادرة."
تقدّمت إليورا بخفة وقالت: "جيّد. التالي."
خطا شابٌ ضخم يُدعى دايرن إلى الأمام، عاري الذراعين، يحمل قفازات معدنية متشققة، وعلى جسده علامات احتراق قديم. وقف بثبات، وضرب قبضتيه ببعضهما، فانبعثت حرارة جعلت التراب يغلي تحته.
صرخ:
"القوة لا تحتاج إلى سيوف!"
ثم اندفع كنيزك نحو دميتين ضخمتين، ولكم الأرض فتشقّقت، ثم صفع إحداهما فذابت من شدة الحرارة. نيران عنيفة اجتاحت ذراعيه، لكن الواضح أنه يدمجها مع أسلوب قتال جسدي وحشي.
همس أحدهم: "دايرن… مقاتل ناري. الجحيم يمشي على قدمين."
بعده تقدّمت فتاة هادئة الملامح تُدعى لينّا. كانت تحمل قوسًا أبيض اللون، وقد بدا عليها هدوءٌ يسبق الإعصار. وقفت على بُعد عشرين مترًا، ثم أطلقت ثلاثة أسهم متتالية في الهواء… لكنها لم تُصِب شيئًا.
ضحك البعض.
لكنهم سكتوا فورًا حين انشطرت ثلاث دمى إلى نصفين… دون أن يروا حتى حركة الأسهم.
قالت إليورا: "الضوء لا يُرى إن كان سريعًا بما يكفي. ممتاز يا لينا."
ثم وقف شابٌ نحيـف يُدعى فينس. لم يحمل أي سلاح، فقط كان بيده كُرة صغيرة من البرق.
همس: "أكره الازدحام… دعوني أنهي الأمر بسرعة."
ثم رماها للأعلى، ورفع يده.
في لحظة… صعقة برق نزلت من السماء، وضربت خمس دمى دفعة واحدة.
ضحك دايرن وقال: "كالعادة، تعاني من الرغبة في العزلة!"
…وبينما أكمل باقي أعضاء فرقة العاصفة القرمزية عروضهم، وقفت إليورا في منتصف الساحة تنظر إلى آخر عضو لم يستعرض بعد.
قالت بصوتٍ حازم:
"الآن… دورك."
تقدّم باتلر بهدوء. لم يحمل كتابًا ولا سيفًا ولا قوسًا، ولم يُشِر إلى شيء. وقف ببساطة في وسط الساحة، يواجه خمسة دمى خشبية ضخمة.
ساد صمت غريب، ثم نطق بكلمة واحدة بصوت هادئ… كأنه يهمس إلى الهواء:
"انحرقي."
في لحظة، لمعت أعين الدمى الحديدية بخط من الضوء، ثم… اشتعلت جميعها بنيران زرقاء قاتمة، تآكلت أجسادها بالكامل، وتحوّلت إلى رماد في ثوانٍ معدودة.
لم يتحرك.
لم يستخدم يده.
لم يلمس شيئًا.
كل من كان في الساحة صمتوا.
حتى إليورا، التي لم تتغير ملامحها منذ بداية التدريب، رفعت حاجبها قليلًا.
قالت شيرا بصوت خافت وهي تحدّق فيه بدهشة:
"ما هذا…؟ أي نوع من السيطرة هذا؟ لم يلمس شيئًا…"
ردّ دايرن وهو يضحك باهتمام:
"هاه، يبدو أن الأمور بدأت تصبح ممتعة."
أما باتلر، فظل واقفًا، عينيه تراقبان الرماد المتساقط. لم يبتسم. لم يتفاخر. فقط… عاد بهدوء إلى مكانه، كأنه لم يفعل شيئًا.
اقتربت إليورا بخطوات بطيئة، ثم وقفت أمامه لثوانٍ، كأنها تقرأ عينيه.
قالت دون أن تغير نبرة صوتها:
"اجتزت. اذهب وارتَح… فالتمارين الحقيقية تبدأ قريبًا."
أومأ باتلر برأسه وغادر.
وفي الساحة، بقي الأعضاء يتبادلون النظرات… فقد أصبح واضحًا أن هذا الهادئ الغامض ليس مجرد شاب جديد.
Comments