كان صباح العاصمة مختلفًا ذلك اليوم. الهواء مشحون، الأرض تهتز من وقع خطوات الحشود، والأسواق فارغة كأن المدينة قد تخلّت عن يومها المعتاد ووهبته للاختبار المقدّس.
تجمّع آلاف الأشخاص من كل حدب وصوب في الساحة الكبرى أسفل جبل القصر الملكي، حيث يُقام "اختبار الفرسان" كل خمس سنوات، وهو المناسبة الوحيدة التي يُتاح فيها لغير النبلاء فرصة نادرة لتغيير مصيرهم.
ارتفعت لافتات منسوجة بالخيوط الذهبية تعلن بداية يوم استثنائي، فيما وُضعت عشرات المربّعات القتالية المرصوفة بالحجر الأسود. أصوات قرع الطبول تملأ الأرجاء، وجنود يرتدون الزيّ الرسمي ينظمون الحشود. الجميع يعرف أن هذا ليس مجرد اختبار. إنه معركة على المكانة، الكرامة، والمصير.
---
باتلر، الفتى ذو العينين البنيتين الفاتحتين والشعر الأبيض الذي يعكس الضوء ببرود، وقف عند حافة الساحة، يرتدي رداءً بسيطًا بلون رمادي قاتم. لم يكن يرتدي درعًا أو سيفًا فاخرًا، بل حمل معه فقط سيفًا خشبيًا من النوع الذي يستخدمه المتدرّبون.
كانت عيناه تراقبان بصمت… لا شغف، لا خوف، فقط تركيز مفرط، وكأن شيئًا بداخله يُعيد حساب كل ثانية تمر.
في عينيه، لم يكن هذا مجرد اختبار… بل بداية شيء لا يستطيع تسميته بعد.
---
وقف رجل عجوز يرتدي عباءة حمراء مزينة بشعار المملكة في وسط المنصة، وبصوتٍ عالٍ قال:
— "مرحبًا بكم في اختبار الفرسان، حيث يُختبر النوع، والتحكم، والقوة، وأخيرًا القتال! من ينجح، سينتقل إلى مرحلة جديدة… ومن يفشل، فمصيره يعود لما كان عليه، أو أسوأ."
تبادل المتقدمون النظرات. البعض يبتسم بثقة، وآخرون يبلعون ريقهم بصعوبة. وكان بينهم باتلر… لا يبتسم، لا يخاف، فقط ينظر.
---
اختبار النوع
وقف كل متقدّم أمام تمثال حجري ضخم. طُلب منهم لمس التمثال بأكفّهم، ليُظهر نوع العنصر الذي يستطيع كل شخص استخدامه.
حين لمس أحدهم التمثال، اشتعلت نار حول يده. آخر رفرف الهواء من حوله. أما باتلر… حين لمس التمثال، لم يحدث شيء لعدة ثوانٍ.
همس بعض المتابعين:
— "فاشل؟ لا يبدو أنه يملك شيئًا…"
لكن فجأة… تغير لون السماء فوقه للحظات، وظهر ومض من البرق الخافت في السماء، ثم تجمّدت الأرض تحت قدميه قليلاً، قبل أن تنبعث حرارة خانقة كأن النيران قد تنفست من تحته.
صمت الجميع.
لم يقل أحد شيئًا.
ولم يُعلن المنصّة أي تفاصيل.
---
اختبار التحكم
وُضعت تماثيل متحركة أمام المشاركين، طُلب منهم التحكم بعنصرهم لضرب الأهداف المتحركة بدقة.
باتلر أغمض عينيه، ثم فتحها… وأطلق دفقة من الجليد بشكل دوّامة، توقفت فجأة قبل أن تصيب الهدف، ثم تحولت لشرارة برقية، وانتهت بوميض من لهب.
أصاب الهدف من دون أن يترك أثرًا خارج محيطه.
حتى المشرفون بدوا غير قادرين على تحليل ذلك تمامًا، واكتفوا بتدوين النتائج دون تعليق.
---
اختبار القوة
وُضعت أمام كل متقدّم كتلة حجرية ضخمة تتطلّب استخدام أقصى ما يمكن من طاقة عنصرية لتحطيمها.
البعض استخدم النار لتفتيتها، آخرون ضربوها بالماء أو البرق.
باتلر وقف بهدوء أمام كتلته.
لم يتحرّك.
ثم، مدّ يده اليمنى، وارتجّت الأرض فجأة، فتجمّدت الكتلة، وانفجرت في اللحظة التالية بنار داخليّة، ثم سقطت كالرماد تحت قدميه.
صمت مطبق.
حتى الطيور التي كانت تحلّق في السماء اختفت.
---
القتال الفردي
بدأت الحلبة تمتلئ بأصوات التشجيع. القتال هو الجزء الأهم، حيث يُختبر المشاركون في نزالات فردية عشوائية.
أُعلنت أسماء المقاتلين واحدًا تلو الآخر.
باتلر… لم يُذكر اسمه بعد.
حتى اللحظة التي صاح فيها المعلّق:
— "المرشح ذو الرقم 112… ضد المرشح الأخير، الفتى ذو الشعر الأبيض…!"
همسات:
— "أجل، هذا هو… الغريب."
— "حتى اسمه غير معروف."
دخل الحلبة بهدوء. خصمه كان ضخم البنية، يحمل سيفًا معدنيًا ضخمًا. ابتسم الخصم وقال بسخرية:
— "هل جئت لتُقتل؟"
لم يجب باتلر.
---
بدأت المعركة.
اندفع الخصم أولًا، وسيفه يقطّع الهواء، لكن باتلر انزلق بانسيابية، كأنه ظلّ لا يُمسك. ثم، ومن دون سيف، وجه لكمة غلّفها الجليد إلى صدر خصمه، أرسلته مترين للخلف.
حاول الخصم الوقوف، أطلق صرخة، ثم أحاط جسده بالنار، وانقض.
لكن باتلر هذه المرة أخرج سيفه الخشبي، ومرّر يده عليه.
فاشتعل نصفه بالنار، والآخر بالجليد، مع خيط برق في المنتصف.
ثم…
انقضّ بضربة واحدة.
وتوقّف الخصم.
ثم سقط مغشيًا عليه.
---
ارتفعت الصيحات، وبعضها كان غضبًا، وبعضها إعجابًا، وأكثرها… دهشة.
أما باتلر، فوقف مكانه، لا يرفع يده، لا يبتسم، فقط… ينظر.
---
في نهاية اليوم، وقفت لجنة التقييم على المنصة.
أُعلن عن انتهاء الاختبار، وأن توزيع المشاركين سيتم في اليوم التالي.
وحين بدأوا بمناداة الناجحين، لم يُذكر اسم باتلر… لأنه لم يُعلن اسمه أصلاً.
صاح أحدهم من المنصة:
— "أنت! ذو الشعر الأبيض! ما اسمك؟!"
تردد قليلًا.
ثم رفع رأسه، وبصوت هادئ كأنّه نُحت من الصخر، قال:
— "…اسمي باتلر."
صمتٌ لوهلة.
ثم…
دوّنت الأقلام اسمه، وارتفعت الهمسات في الأرجاء.
وهكذا… انتهى اليوم الأول من بداية ما سيغيّر العالم.
Comments