سر اللعنه الابديه

سر اللعنه الابديه

عالم من رماد

كان الهواء في العاصمة كثيفًا، كأن المدينة بأكملها تحتضر ببطء. لم تكن الضوضاء المعتادة حية كما في المدن الأخرى، بل كانت صادرة عن سياط تضرب ظهور العبيد، وعن أحذية النبلاء التي تسحق الطين والكرامة في آنٍ معًا. المدينة مقسومة بوضوح: فوق الجبل حيث يعيش النبلاء في قصورهم البيضاء، وتحت الجبل، حيث تعيش الطبقة المنسية، بين الجوع والمرض والرعب.

في حي النفايات السفلي، وُلد فتى لم يكن له اسم في البداية. كان يلقبونه بـ"رقم 72"، مجرد رقم ضمن دفاتر تُسجل فيها أسماء العبيد. والداه كانا عاملين في مصانع الظلال، تلك التي تُنتج طاقة سحرية عبر أرواح البشر. لم يكن لهما دخل يكفي لإطعام أنفسهم، ومع ذلك كانا يطعمانه. كان ذلك الفتى يملك شعرًا أبيض بشكل غريب، وعينين بُنيّتين فاتحتين كأنهما تبحثان عن ضوء لا وجود له.

عاش باتلر، كما سُمِّي لاحقًا، أول خمس سنوات من حياته في خوف دائم. كان يرى أمه تُجلد علنًا كلما أخفقت في الإنتاج، ويرى والده يعود مكسور الأضلاع بسبب اعتراضه على إهانة أحد الضباط. لكنه في كل مرة، كان والده يهمس له ليلًا: "تذكّر، لا تدع العالم يخبرك من تكون."

في العام السادس، اجتاحت الحرب منطقتهم. لم يُعرف الطرف المهاجم، لكن النيران اجتاحت السماء، والدخان خنق الأطفال. في تلك الليلة، رأى باتلر أكثر كوابيسه سوادًا: اقتحم الجنود منزلهم، واغتصبوا والدته أمامه، ثم قتلوا والده بالسيف بعدما حاول الدفاع عنها. حاول باتلر الصراخ، لكن يده كانت مربوطة، وصوته مخنوق بالبكاء. قيدوه بالسلاسل، وسحبوه خارجًا بين الجثث.

بيعت أمه بعد أيام، ولم يرها مجددًا. أما هو، فقد نُقل عبر قوافل العبيد إلى العاصمة.

في المدينة، اشترته عائلة نبيلة تُدعى آل ريغان، ليكون خادمًا في المطبخ. كان عمره آنذاك لا يتجاوز السابعة. عومل كالحشرات، ينام في الإسطبل، ويؤكل من طعام الحمير. رغم ذلك، لم يفقد بريق عينيه. كان يحمل شيئًا غريبًا، لم يكن جبنًا ولا تمرّدًا… بل صمتًا يشبه التحدي.

مرت سنوات، وباتت ملامحه أكثر تماسكًا. طوله أصبح يقارب المئة وخمسة وسبعين سنتيمترًا، وجهه لا يزال هادئًا، لكنه يحمل نظرة من رأى أكثر مما يجب. في سن الخامسة عشرة، حصلت مفاجأة لم تكن بالحسبان: قررت العائلة تبنيه رسميًا. السبب؟ أحد أبناء العائلة قُتل في الحرب، والوالد قرر أن يملأ الفراغ بشيء جديد… حتى لو كان عبدًا.

ورغم أنه بات يعيش في الغرف العليا، يرتدي ملابس النبلاء، لم يشعر يومًا بالانتماء. الجراح لم تلتئم. كل حجر في القصر يذكّره بماضٍ لا يموت.

مرت سنوات أخرى، وصار باتلر في التاسعة عشرة. لم يكن فارسًا، ولا مقاتلًا، ولا ساحرًا. لكنه كان يملك جسدًا صلبًا، وهدوءًا غريبًا، وكأن في داخله عاصفة تنتظر الانفجار.

في إحدى الليالي، وبينما كانت المدينة نائمة، تسلل من القصر وتوجّه إلى أحد أحياء الفقراء. لم يكن لأول مرة، لكنه كان يشعر بثقل مختلف هذه الليلة. رأى أطفالًا حفاة، أمهات يبكين، وشيوخًا يتوسدون البرد. أعطى كل ما كان معه من نقود، ثم جلس وسطهم. كانوا يضحكون. نعم… رغم الجوع، يضحكون.

في طريق العودة، اعترضه ثلاثة من أبناء النبلاء السكرى. سخروا منه، وركلوا سيفه الخشبي، وضربوه. لم يقاوم. لكنه حين عاد إلى القصر، نظر إلى نفسه في المرآة… وتمتم: "سأكسر هذه السلسلة… يوماً ما."

بعد أيام، انتشر إعلان ضخم في العاصمة: اختبار الفرسان السنوي سيُعقد خلال شهر. فرصة لا تُتاح إلا مرة كل خمس سنوات. اختبار يجمع أقوى شباب المملكة.

في تلك الليلة، بينما كان الجميع نائمين، جلس باتلر في الساحة الخلفية، يمسك سيفًا خشبيًا، ويتدرب… وحده.

...وفي تلك الليلة، حين غلبه النعاس أخيرًا، رأى حلمًا غريبًا.

كان يقف وحده في فراغ نقي، بلا سماء، بلا أرض، بلا ظل ولا ضوء. وفجأة، تردّد صوت، لم يكن خشنًا ولا ناعمًا، لا يشبه صوتًا بشريًا… لكنه اخترق كيانه.

— "ستُدعى باتلر… احفظ هذا الاسم، فالوجود سيتذكّره يومًا."

رفع رأسه محاولًا معرفة من يتحدث، لكنه لم يرَ سوى العدم. أراد أن يسأل، أن يصرخ، أن يفهم… لكن الحلم انطفأ.

استيقظ فجأة، وقطرات العرق تنساب على جبينه. همس دون أن يدري:

— "باتلر…؟"

كان مجرد حلم.

لكن من تلك الليلة، لم ينسَ ذلك الاسم قط.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon