كتمان نشيد اللامعنى

كتمان نشيد اللامعنى

نشيد اللامعنى – الفصل الأول: حين يتكلم الجرح

كان الليل يلف القرية الصغيرة بردائه الأسود، والسماء تُمطر دمعًا خفيفًا كما لو كانت تبكي على قدرٍ لا مفر منه. في كوخ متواضع عند أطراف الغابة، جلس طفل في السابعة من عمره يُحدق في نار مدفأةٍ تكاد تحتضر. اسمه كان فيلوس.

وجهه الصغير محاط بشعرٍ أسود فوضوي، وعيناه الرماديتان خاليتان من أي وهج طفولي. كانت أمه تنشغل بإعداد العشاء، ووالده يصلح سيفًا قديمًا ورثه عن أجداده، بينما شقيقته تغني لدميةٍ فقدت ذراعها. لحظات هادئة كأنها مقتطف من سلامٍ زائف.

"أمي، هل الوحوش تأتي فعلًا في الليل؟"

ضحكت الأم برقة وهي تضع الخبز على المائدة، "فقط في القصص يا صغيري. لا شيء يمكنه عبور حدود العائلات السبع."

لكن تلك الليلة لم تكن قصة.

عندما تسلل الدخان إلى الكوخ، لم يكن من المدفأة. صوت صراخٍ قادم من الخارج، انفجارات، وصرير معدني ممزوج بصراخٍ حيواني. هرع الأب إلى الباب، فتحه، ثم عاد للداخل والدم يلطخ صدره.

"خذوا فيلوس واهربوا! الآن!"

لم تتحرك الأم. نظرت إلى عيني زوجها، إلى الجرح المفتوح على بطنه، ثم إلى الظل الذي بدأ يزحف إلى العتبة.

كانت تلك آخر مرة رآهم فيها.

---

استفاق فيلوس بعد ساعاتٍ في غابةٍ مغمورةٍ بالضباب. لا يتذكر كيف هرب، ولا من أنقذه. كل ما يعرفه هو أن كل شيء اختفى. المنزل، العائلة، القرية، حتى صوته.

لقد فقد القدرة على الكلام.

أسبوع كامل قضاه يتجول كأشباح الليل، يبحث عن طعام بين الجذور، يشرب من البرك الراكدة، ويقضي الليالي متكوّرًا بين الأشجار. كان يرى كوابيسًا مستمرة.

وفي كل كابوس، يرى نفس الوجه...

عين حمراء واحدة وسط الظلال.

---

مرت ثلاث سنوات.

فيلوس الآن في العاشرة، لكنه لا يبدو كذلك. وجهه شاحب، جسده نحيل كأن العظام تبرز تحت الجلد. لا يزال صامتًا، لا يتحدث لأحد. تم تبنيه من طرف رجل قروي فقير يُدعى "راغن"، لم يكن يهتم إلا بجعله يعمل.

كل يوم يستيقظ في الفجر، ينظف الحظائر، يقطع الحطب، ويحمل الأكياس إلى السوق. لم يُظهر أي امتعاض. بل لم يُظهر شيئًا.

كان الصمت هو درعه.

لكن في الليل... كان يتدرب.

كان يختبئ في الغابة كل ليلة، يحمل عصًا خشبية، ويضرب الشجرة نفسها مئة مرة، ثم مئتين، ثم ثلاثمئة. لم يكن يعرف لماذا يفعل ذلك، لكن في قلبه كانت نار لا تخبو. رغبةٌ سوداء في الانتقام، رغبة لم يُسمِّها لأنه لم يعد يملك الكلمات.

---

في أحد الأيام، وهو في السوق، التقى بشيخ غريب. مظهره أشعث، يحمل عصا طويلة، وعيناه تلمعان بلون الذهب.

راقب فيلوس من بعيد، ثم اقترب.

قال بصوت أجش: "هناك جرح في قلبك أعمق من سيف."

لم يرد فيلوس. كالعادة.

ابتسم الشيخ، جلس بجانبه، وقال: "الصمت يُخفي أشياءً، لكنه لا يشفيها. أنت لا تريد أن تنسى، أليس كذلك؟"

اتسعت عينا فيلوس قليلًا.

"تعال إلى التل بعد الغروب. إن كنت تريد أن تتعلم كيف تجعل الألم سلاحًا."

---

ذلك المساء، وقف فيلوس أعلى التل. والشيخ كان هناك، ينظر إلى الأفق.

قال بصوت ناعم: "تعرف ما هو اللامعنى يا فيلوس؟ هو عندما ترى العالم يحترق، ولا تجد سببًا. الناس تموت، الأبرياء يُذبحون، وأنت... لا تملك تفسيرًا. فقط جرح."

صمت، ثم أكمل: "لكن في اللامعنى... يمكن أن يُولد المعنى. إن كنت تملك الإرادة."

وكانت تلك بداية الرحلة.

---

في الليالي التالية، بدأ فيلوس يتعلم.

تعلم كيف يستخدم جسده، كيف يوازن أنفاسه، كيف يضرب دون أن يهدر طاقته. لم تكن تدريبات تقليدية، بل تدريبات مبنية على فلسفة غريبة:

"اضرب كما لو كنت تصرخ. تنفس كما لو كنت تنسى. واجه كما لو كنت تموت."

كان الشيخ يُدعى زارين، وأخبره لاحقًا أنه كان جزءًا من إحدى العائلات السبع القديمة، لكنه تركها بعدما رأى فسادها.

"إن أردت الانتقام من من دمّر عالمك، لن يكفيك الغضب. ستحتاج إلى شيء آخر. العقل. الصبر. والفهم."

---

في أحد الأيام، سأل زارين:

"هل تعرف من قتلك؟"

رفع فيلوس عينيه، وهز رأسه.

زارين: "كانوا تابعين لـ"الظلّ الهادر"، منظمة لا تنتمي لأي عائلة. مجموعة من الفوضويين يريدون نسف النظام القديم. هم الآن يتحالفون مع أنوات وحشية محرّمة."

كانت تلك أول مرة يسمع فيلوس باسمهم.

وأول مرة يشعر بشيء يشبه النبض.

---

مرت سنة.

وأصبح فيلوس مختلفًا. لا يزال لا يتكلم، لكن جسده تغير. أصبح أسرع، أقوى، أكثر هدوءًا. لا يزال وجهه صامتًا، لكن عينيه صارتا تتحدثان. يتقدّمان إلى حيث لا يصل الأطفال عادة.

زارين في إحدى الليالي قال له:

"هناك ثلاث طرق لامتلاك القوة في هذا العالم: أن ترثها، أن تسرقها، أو أن تبنيها من الصفر."

ونظر إليه بثقل: "أنت الثالث. ولهذا ستكون الأخطر."

---

في اليوم الأخير من السنة، أهداه زارين سيفًا خشبيًا منحوتًا.

"ليس لأنه سلاح، بل لأنه رمز. تذكر دائمًا: من يرفع السيف دون فهم، يُصبح وحشًا."

في تلك الليلة، حلم فيلوس.

ورأى والده.

كان يقف في ظلالٍ رمادية، يبتسم له ويقول: "أنا فخور بك... لكن لا تدع الكراهية تُشكّل قلبك كما شكّلت موتنا."

استفاق فيلوس والدموع تبلل وجهه.

ثم تكلم لأول مرة منذ ثلاث سنوات:

"سأقتلهم جميعًا... ثم سأغفر لنفسي."

---

نهاية الفصل الأول

الجديد

Comments

Serrano manga

Serrano manga

بدلتي رواية ولا حسيتي العمق مع تعبير

2025-04-19

2

الكل

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon