الفصل الثالث عشر: صمت أور وصراخ بابل
ليلةٌ بلا قمر. الأروقة المظلمة تحت القصر تنفتح على نفقٍ حجري لا يسلكه إلا من كُتب عليه أن يرى ما لا يُقال. نبو، يرتدي عباءة بلون الرمل، يحمل خريطةً مطوية وخنجرًا صغيرًا منحوتًا برمز المعبد.
الكاهن نيرغال-آسو (بصوت هادئ): "كل خطوة تخطوها الآن، تُرسم في كتاب لا يُمحى. لا تخف من الخطر… خَف من الجهل."
نبو (ينظر إلى العتمة): "والأب؟ هل يعلم أني سأذهب؟"
نيرغال (بصوت غامض): "هو من مهّد لك الطريق… لكنه لن يعترف بذلك أمام أحد."
نبو ينطلق. تبتلعه الأنفاق الصخرية، ثم يظهر فجأة في بستان نخيل خارج أسوار بابل، حيث تنتظره قافلة صغيرة يقودها شيخٌ بعين واحدة وجَملان نحيلان.
الشيخ: "طريقنا طويل، يا ابن الجنوب… لكن أور لا تفتح قلبها إلا لمن عبر جفاف الصمت."
تتحرك القافلة ليلاً، تمر على قرى خاوية، على عيون ماء جفّت، وعلى معابد هُجرت. في عيني نبو، انعكاسٌ لأسئلة لا تنام.
في بابل، يقف الملك نبوخذ نصر أمام خريطةٍ على طاولة من حجر اللافا. المستشارون يتحلّقون حوله.
شاپيلو: "أور تماطل. إشاراتهم متناقضة. أحد كهنةهم زار آشور الأسبوع الماضي… سرًا."
الملك نبوخذ: "إذا كانوا يراهنون على توازن القوى، فعليهم أن يعلموا أن النار لا تتوازن. النار تبتلع."
قائد الحرس: "وهناك شائعة… تقول إن أحد أمراء الجنوب يُعدّ لانقلابٍ في نيبور، مدعومًا من التجار."
يصمت الملك، ثم يبتسم ابتسامة جانبية.
الملك نبوخذ: "دائمًا يبدأ السُم في الأسواق… ليس في السيوف."
ينظر إلى مكان خالٍ بجانبه، حيث كان نبو يقف في العادة.
الملك نبوخذ (بهمس): "هل وصلت يا ولدي؟ هل رأيت كيف تتكلم المدن حين تُطفأ مشاعلها؟"
في معبد إيّا، مدينة أور، يقف نبو في لباس طلبة العلم، يخفي ختمه الملكي تحت ثيابه، ويقابل كاهنًا شابًا بابتسامة مشوبة بالريبة.
الكاهن الشاب: "أنت من بابل؟ ظننتُ أن أبناء الشمال لا يحبون الطين ولا المجاز."
نبو (بهدوء): "ربما، لكننا نحترم الألغاز التي لا تحلّها السيوف."
في الليل، يتسلل نبو إلى جناحٍ مغلق، حيث يُخبّأ أرشيف الميثاق. يعثر على نسخة أولى… لكنها ممزقة، ناقصة، ويجد ختمًا غريبًا في أسفل الورقة: رمح يخترق عين الشمس.
نبو (بهمس): "هذا ليس ختم أور… ولا بابل. من هذا؟"
فجأة، يسمع صوت أقدام… فيختبئ.
صوت غامض: "أخبرهم أن التوقيع سيتم، لكننا سنضع حبرنا بين سطورهم. دعهم يظنون أن النار معهم… بينما هي تحت أقدامهم."
رجل آخر: "والفتى؟ سليل الملك؟"
الصوت الأول: "إن كشفناه، نحرق أور قبل الاعتدال. دعه يظن أنه يراقب… بينما نعدّ المشهد الأخير."
فجر اليوم التالي. نبو على سطح المعبد، ينظر إلى الشمس وهي تخرج من الطين.
نبو (بفكر داخلي): "ليسوا أعداء… بل ممثلون في مسرح من رماد. والمسرح يحترق ببطء."
في بابل، يستلم الملك رسالة قصيرة عبر طائر نحاسي مجددًا. يقرأها بصمت. عينا الملك تتوهّجان.
الملك نبوخذ (بصوت خافت): "نبو رأى ما خُفي… لكن هل سيعود؟"
الشيخ (صوتًا بعيدًا): "لقد عبرنا الصحراء، ولابد أن نستمر. أور لا تنام، لكنها تخفي قلبها تحت حجر."
نبو (بألم داخلي): "هل أخطأت في مغامرتي؟ هل كانت أور ستظل كما هي دون أن أكتشف الحقيقة؟"
بينما القافلة تستمر في السير عبر طرقها المظلمة، تبدأ أسئلة نبو تتصاعد، وتزيد همسات الألغاز التي ترافقه. هو لا يهرب من مواجهة الحقيقة، بل يركض نحوها بشجاعة، رغم أن الظلال تطارده في كل خطوة.
في بابل، يراقب الملك نبوخذ نصر كل حركة في البلاط. الأضواء تسلط على المشهد، لكن قلبه يشعر بالظلام. يوجه نظراته إلى رسائل سرية قد تكون الفخاخ الأخيرة في لعبة السلطة.
الملك نبوخذ (بصوت متوتر): "كل ما نراه الآن، هو صورة مشوّهة لما سيأتي. الفتى يتعلم أن يسير في الظل… بينما نحن نغرق في الشمس."
في أور، يبدأ نبو بفهم المعنى العميق للمفاتيح التي اكتشفها. ليست مجرد رموز أو إشارات، بل خيوط ترتبط بالقدرة على التلاعب بالزمن والمكان.
نبو (بفكر داخلي): "إنهم يديرون اللعبة في الظلام، بينما نراهن نحن على النور."
في تلك اللحظة، يشعر نبو بتغيير. لا شيء سيبقى كما كان. كان عليه أن يعود إلى بابل أو يكتشف أنه سقط في فخ لم يكن يعلم أنه دخله.
الملك نبوخذ نصر، بينما يواجه الشائعات والمناورات، يدرك أن أحدًا قد أخذ منه ما لا يمكن استعادته.
الملك نبوخذ (بهمس، وهو يلتفت حوله): "هل يظن الجميع أنهم يعرفون لعبة النار؟ النار لا تفرق بين الفتى والكبير. سنحترق جميعًا."
الظلال التي ترافق نبو في أور تبدأ في التحرك بشكل غريب. الأسئلة التي طرحها منذ البداية بدأت تجد أجوبتها، ولكن ليس بالطريقة التي كان يتوقعها.
نبو (مربكًا، وهو يشد على الخريطة): "إن كانت أور تخفي قلبها، فهل سأكون أنا من يطفئ النار التي أشعلها؟"
نهاية الفصل.
13تم تحديث
Comments