القصة الثانية: "البنت اللي بتسمع كل حاجة"

القصة الثانية: "البنت اللي بتسمع كل حاجة"

البداية: صوت في دماغي مش بيسكت

"ملك" قاعدة على الكرسي قدام الدكتور كريم، متوترة. بتحرك صوابعها بعصبية، وعنيها مليانة خوف… مش عارفة تبدأ منين، بس أخيرًا بتاخد نفس عميق وبتقول:

ــ "أنا بسمع أصوات."

الدكتور فضل ساكت مستنيها تكمل، فسكتت شوية وبعدين قالت بصوت أهدى:

ــ "مش أصوات ناس… مش حد بيتكلم معايا… بس كل حاجة حواليا صوتها عالي جدًا."

بصت للدكتور بنظرة مرعوبة وكملت:

ــ "عارف لما تقعد في مكان هادي تمامًا، بس تحس إن عقلك مش هادي؟ كل صوت بسيط، كل حركة، كل نفس، كل همسة… كل حاجة جوا دماغي بتتضخم لدرجة إنها بتوجعني."

الدكتور سألها بهدوء:

ــ "الأصوات دي بدأت إمتى؟"

ملك سكتت لحظة، وبعدين قالت بصوت متكسر:

ــ "من وأنا صغيرة… بس مكنتش بفهم اللي بيحصل. كنت بحس إني لوحدي في عالم كله دوشة… كنت بسمع ضربات قلبي بوضوح يخوف، كنت بحس بصوت السكون نفسه، وكان بيخنقني."

تنهدت وهي بتحاول تهدي نفسها، وكملت:

ــ "كنت فاكرة إن ده طبيعي، لحد ما بدأت المدرسة… اكتشفت إن الناس مش بتسمع زيي، مش بتحس بالضغط الرهيب اللي أنا فيه."

الطفولة: لما تبقى غريب وسط العاديين

ملك ابتسمت ابتسامة حزينة وهي بتحكي عن طفولتها:

ــ "كنت طفلة غريبة… كنت بكره الضوضاء، بكره الأماكن اللي فيها ناس كتير، لكن في نفس الوقت، لما أبقى لوحدي، كنت بحس بالرعب من السكون العالي اللي في دماغي."

الدكتور سألها:

ــ "كنتِ بتحكي لحد عن ده؟"

ملك هزت راسها بلا:

ــ "كنت بحاول، بس محدش كان فاهمني… حتى أهلي، كانوا بيقولولي (إنتي بتتدعي الحاجات دي عشان تلفتي الانتباه)."

ضحكت ضحكة مكسورة وكملت:

ــ "عارف إيه أكتر حاجة وجعتني؟ إني صدقتهم… بدأت أشك في نفسي، أقنع نفسي إني يمكن ببالغ، يمكن أنا فعلاً مفيش حاجة فيا."

الدكتور كتب حاجة في النوتة، وقال:

ــ "بس إنتي دلوقتي هنا… معنى كده إنك وصلتي لمرحلة ماقدرتيش تتجاهلي فيها اللي بيحصل جواكي."

ملك رفعت عينيها ليه وقالت بصوت ضعيف:

ــ "أنا بقيت بسمع حاجات مش موجودة بجد، دكتور…"

الانهيار: لما عقلك يبقى عدوك

ملك كملت بصوت مرعوب:

ــ "في البداية، كانت مجرد أصوات عالية في دماغي… بعدين بقى في صوت واحد مسيطر، بقى في حد بيتكلم جوا عقلي."

الدكتور سألها بهدوء:

ــ "الصوت ده بيقولك إيه؟"

ملك غمضت عينيها كأنها بتحاول تهرب من الكلام، وبعدين همست:

ــ "بيقولي إني مش موجودة، إني وهم، إني محدش بيشوفني بجد."

دموعها نزلت وهي بتكمل:

ــ "الصوت ده بيكرهني… طول الوقت بيقوللي إني فاشلة، إني مش كفاية، إني حمل تقيل على الناس اللي حوالي، وإنهم كلهم بيتمنوا إني أختفي."

الدكتور سألها بصوت أهدى:

ــ "وإنتي كنتي مصدقة الصوت ده؟"

ملك بصت له بنظرة مليانة ألم وقالت:

ــ "لما تسمع حاجة كتير، حتى لو عارف إنها غلط… بتصدقها في الآخر."

أول محاولة للهروب

ملك سكتت لحظة قبل ما تقول:

ــ "في يوم، الصوت كان عالي أوي، كنت قاعدة لوحدي في أوضتي، والدنيا ضلمة… والصوت فضل يقوللي: (لو اختفيتي، كل حاجة هتبقى أهدى… هترتاحي، وهما كمان هيرتاحوا)."

صوتها اتهز وهي بتقول:

ــ "مسكت المقص، وبدأت أجرح إيدي… كنت فاكرة إن الألم الجسدي هيغطّي على اللي في دماغي، بس العكس حصل، الأصوات بقت أعلى، وكأنها بتضحك عليا."

بصت للدكتور وقالت بصوت متكسر:

ــ "أنا مش كنت عايزة أموت، دكتور… أنا بس كنت عايزة الدنيا تهدى."

بداية العلاج: رحلة السكوت

الدكتور بص لها باهتمام، وقال:

ــ "ملك… اللي بتمري بيه مش ضعف، ومش حاجة في خيالك. اللي عندك اسمه "حساسية سمعية مفرطة" ومرتبط أحيانًا باضطرابات القلق والاكتئاب. ده مش معناه إنك مجنونة، ولا معناه إن مفيش أمل."

ملك كان واضح إنها أول مرة تسمع حد يوصف اللي بتحس بيه بكلام علمي، فقالت بتردد:

ــ "يعني أنا مش لوحدي؟"

الدكتور ابتسم وقال:

ــ "أبدًا… في ناس كتير عندهم نفس المشكلة، بس الفرق إنك أخدتي أول خطوة وطلبتي مساعدة."

ملك أخدت نفس عميق، وقالت بخوف:

ــ "وهعرف أبقى طبيعية؟"

الدكتور رد بثقة:

ــ "هتعرفي تتحكّمي في اللي بتحسي بيه، خطوة خطوة… أول حاجة هنتعلمها مع بعض، هي إزاي نقلّل تأثير الأصوات عليكي، ونفرّق بين الصوت اللي جوا عقلك، والصوت الحقيقي."

ملك لأول مرة من سنين، حسّت إن في أمل.

التحوّل: لما الدنيا تبقى أهدى

مع الوقت، بدأت ملك تتعلم تمارين الاسترخاء، بدأت تستخدم سدادات أذن في الأماكن المزدحمة، بدأت تكتب يومياتها عشان تفرّغ الأفكار اللي في دماغها، وبدأت تفهم إن الصوت اللي بيقلل منها… مش صوتها، لكنه مجرد وهم.

في آخر جلسة، سألت الدكتور:

ــ "إنت شايفني هبقى كويسة؟"

الدكتور ابتسم وقال:

ــ "أنا شايف إنك أقوى مما كنتِ فاكرة."

ملك ابتسمت لأول مرة… مش ابتسامة خوف، ولا محاولة لإخفاء الألم… لكن ابتسامة حقيقية.

أخيرًا، الدنيا بدأت تبقى هادية.

— النهاية الحقيقية لرحلة ملك —

(القصة الثالثة قريبًا… مع وجع جديد.)

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon