ما وراء الحلم

ما وراء الحلم

العالم في ظل المطر الابدي

ما وراء الحلم

الفصل الأول : العالم في ظل المطر الابدي

تحت السماء الممطرة، كان هناك شابٌ طويل القامة قليلًا، ذو بشرة فاتحة رشيق القوام وبينما ما هو يركض مسرعا نحو المنزل يتطاير شعره الأزرق بفعل المطر وتلتصق ببدلته الرسمية السوداء بجسده في هذه الاثناء، ينظر هذا الشاب الى الرصيف المبتل بعيناه الزرقاوين كزراق السماء الناصعة التي لم يراها هذا الشاب، في قلب هذا المطر لم يكن هناك سوى ظل شخص متوسط الطول هزيل الجسد، يرتدي معطفًا أسود ثقيلًا ممزق الأطراف، وقبعته تخفي ملامحه، يتحرك بصمت تحت زخات المطر المبتلعة أصوات خطواته، كان يتمايل في مشيته، وكأنه على وشك السقوط.

واصل الشاب طريقه، مقتربا من هذا الشخص المجهول، فقد كانا يسيران على الرصيف ذاته. لكن حين اقترب أكثر، لمحت عيناه الزرقاء قطرات من الدم تنساب بثقل من بين طيات المعطف تترك أثراً دموياً على الرصيف المبتل. شعر بالغرابة وسأله:

"هل أنت بخير؟"

لكن قبل أن يكمل الشاب كلماته، ازداد المصاب تمايلا حتى انهار على الأرض. ارتبك الشاب، لم يعرف ما يجب فعله، لكنه لم يستطع تركه ملقى على الأرض تحت المطر. انحنى، حمله بين ذراعيه، ثم توجه به مسرعًا إلى منزله.

دخل الشاب الى منزله وشغل الاضواء ثم توجه الى الصالة الرئيسية وكانت تحتوي على مكتب صغير وسجادة متوسطة على الأرض وكانت جدران الصالة البيضاء تضفي على المكان هالة من السكينة والراحة ثم القى صاحب المعطف على المجلس الكبير المكون من قطعتين.

دخل الى غرفة النوم المكونة من سرير مقابله مكتبة مليئة بالكتب المتنوعة بجانبها خزانة مغلقة ومقابلها مرآة، التقط علبة الإسعافات الاولية من الأرض ثم عاد الى صاحب المعطف، فتح المعطف ليبدأ بمعالجة الإصابة، وعندما كشف عن صاحب المعطف، تفاجأ أنها كانت فتاة ذات شعر أسود طويل براق كسواد الليل، يتدلى حتى نهاية ظهرها، وبريق عيونها السوداء كان يتلألأ كالنجوم في سماء الليل، بينما كانت بشرتها بيضاء كبياض الثلج.

رغم سقوطها، لم تفقد وعيها تمامًا. تفاجأ الشاب لوهلة عندما رأى ملامحها، وبينما كان في حالة اندهاش، فقدت الفتاة وعيها وأغلقت عينيها السوداوين ببطء.

همس لنفسه: ما هذا؟ شعر أسود وعيون سوداء؟

بدأ بعلاج جرحها العميق على ذراعها، عقّم جرحها ثم ضمّده بإحكام، وبعد ذلك حملها إلى غرفة النوم، وضعها على السرير، ثم خرج وأغلق الباب خلفه. جلس على الأريكة وأطلق تنهيدة طويلة قائلا: " يا إلهي... لقد جلبت لنفسي مصيبة أخرى" ثم تمدد على الأريكة واستسلم للنوم.

استيقظ في الصباح التالي وأعد وجبة الإفطار له وللفتاة، على أمل أن تتناول الطعام عند استيقاظها، فقد بدت بحاجة إليه. تناول إفطاره، ثم وضع حصتها في الثلاجة، وترك ملاحظة على الطاولة تخبرها بمكان الطعام. بعد ذلك، أمسك بحقيبته، أغلق الباب وراءه، وغادر المنزل.

تحت المطر المتساقط، كان يمشي يوري بخطوات ثابتة ممسكًا بمظلته الحمراء، بينما قطرات الماء تنزلق على أطرافها بهدوء، في تلك الاثناء اقترب منه شاب ذو شعر بني وعينين خضراوين، أسمر البشرة، طويل القامة ونحيف البنية، يرتدي جينز أزرق وجاكيتًا أسود ممسكا بمظلته البيضاء.

تقدم نحوه وربّت على كتفه قائلًا بابتسامة خفيفة:

"كيف حالك يا يوري؟ أراك اليوم متعبًا... يبدو أنك ترهق نفسك كعادتك، أليس كذلك؟"

أجابه يوري دون أن يتوقف عن المشي، ناظرًا إلى الطريق أمامه:

"لا، الأمر مختلف قليلًا اليوم، يا شيروي."

رفع شيروي حاجبيه باهتمام، واقترب منه بخطوات أسرع:

"حقًا؟! ماذا حدث؟"

تنهد يوري ببطء، وكأن الكلمات تثقل على لسانه قبل أن يقول بصوت خافت:

"مع الأسف يا صديقي، لقد جلبت لنفسي مشكلة صغيرة إلى المنزل."

توقف شيروي في مكانه للحظة، ثم قال بصوت حمل مزيجًا من القلق:

"هذا ليس من عادتك! كم مرة يجب أن أقول لك أن تبتعد عن المشاكل، يا صديقي؟ ما هي المشكلة هذه المرة؟!"

تنهد يوري بوجه يعكسه التعب، وقال بصوت منخفض:

"فتاة جريحة التقطتها في طريق عودتي إلى المنزل."

رد شيروي وهو يرفع حاجبيه:

"أممم، ليس من عادتك أن تفعل شيئًا كهذا. يبدو أنك جلبت لنفسك مشكلة فريدة هذه المرة!"

أجاب يوري وهو يعبس قليلاً:

"نعم، أنت محق. لكنني لا أفهم كيف حدث ذلك، كان وكأن جسدي تحرك من تلقاء نفسه."

ضحك شيروي وقال بتلميح:

"أتعني أنك لم تفعل ذلك لأنك رأيت فتاة جميلة؟"

أجاب يوري بنبرة حازمة:

"تعرف جيدًا أنني لست من هذا النوع، ثم إن هذه الفتاة غريبة لقد أثارت فضولي حقًا."

تفاجئ شيروي وقال بتسائل:

"امممم ما الذي اثار فضولك فيها؟"

قال يوري متنهدا:

"أولاً، كانت ترتدي معطفًا غريبًا وثقيلًا، ممزقًا ومهترئًا قليلاً، كأنها قد ظلّت ترتديه لفترة طويلة جدًا. وكانت تمشي في وقت متأخر من الليل، وعلاوة على ذلك، كانت جريحة بجرح عميق حديث، والدم لا يزال ينزف منه....."

قاطعه شيروي بحيرة:

"أليست فقيرة أو شيء من هذا القبيل؟"

أكمل يوري كلامه وهو يبدو منزعجًا قليلاً من المقاطعة:

"لا أظن ذلك. صحيح أن المعطف ممزق، لكن يبدو أنه كان باهظ الثمن، وقد مر عليه وقت طويل بلا شك. وأيضًا، ملابسها تحت المعطف كانت تبدو غالية. والأكثر غرابة من كل هذا..."

قاطعه شيروي بحماس، وقد زاد فضوله:

"أوووه! هل هناك شيء آخر غريب حولها؟ لقد أثرت اهتمامي حقًا!"

ابتسم يوري ابتسامة خلف استيائه من مقاطعة شيروي له وقال محاولا كبح انفعاله:

"اسمعني أولاً، ودعني أكمل كلامي، أيها المتسرع. الأهم من كل هذا، والشيء الذي أثار فضولي ودهشتي، هو أنها كانت ذات شعر أسود قاتم وعيون سوداء أيضًا."

ثم التفت إلى شيروي وقال بحدة وانفعال:

"شيروي! للحظة، لم أصدق ما رأته عيناي."

تفاجئ شيروي وقال متعجبا:

"أوووه، هل ما تقوله حقيقي؟ لقد أثرت فضولي حولها أكثر وأكثر! هل أنت متأكد أنه حقيقي، وليس مستعارًا أو شيئًا من هذا القبيل؟"

نظر يوري الى شيروي بعينين ثابتتين وقال مؤكدا:

"نعم، اظن أنه حقيقي، كان شديد السواد، لا ازال اتذكره جيدا.

ثم نظر الى شيروي نظرة استفزازية وقال مبتسما:

"إن كنت فضوليا إلى هذا الحد، يمكنك أن تأتي لترى بنفسك لاحقًا."

استعجل شيروي بالرد وقال متحمسا:

" حسنا لنذهب الان"

ضحك يوري بتهمك:

"احمق لا تستطيع الان"

انفعل شيروي واعترض قائلا:

"لماذا؟"

هز يوري كتفيه باستسلام ثم نظر إليه:

"لقد قلت انها جريحة بالتأكيد ستكون فاقدة للوعي"

رد شيروي وهو ينقر بإصبعه على جبهته، معبرا عن نسيانه:

"أهاااا، نعم، لقد قلت إنها جريحة. حسنًا، سآتي إليك لاحقًا."

واصل يوري وشيروي مشيهما تحت المطر، ممسكان بمظلتيهما. وكالعادة، كانت أعين الناس تلاحقهما بنظرات ساخطة، بينما تتردد الهمسات بينهم، مزيجًا من الاستياء واللامبالاة.

قال أحدهم، بصوت منخفض لكنه محمل بالسخرية:

"انظروا، إنه يوري… يبدو أنه ما زال يبحث بيأس عن تلك المخطوطات المزعومة."

هزّ الآخر رأسه ساخرًا، معبرا عن استسلامه:

"أوه، هذا الشاب لا ييأس أبدًا. لا مفر لنا من القدر الذي حلّ بنا، والكارثة التي تقترب منا."

ثم أضاف شخص آخر، بنبرة مستهزئة وبصوت خافت، متقصدا أن يسمعه يوري:

"أولًا الأب، والآن الابن… عائلة متصنّعة منافقة، تحاول التظاهر بالبطولة، لكن الحقيقة أنهم غارقون في الأوهام الكاذبة."

تنهد رجل آخر متذمرًا، وكأن الأمر يزعجه أكثر من اللازم، وقال بصوت حانق:

"فليتركوا الأمر على حاله… لسنا بحاجة إلى أمل مسموم يُخفي وراءه الوهم والسراب، ثم عند مواجهة الواقع القاسي، يلوذون بالفرار مثل الفئران."

ضحك شخص آخر، وقد ازدادت نبرته تهكمًا، وأضاف:

"حتى إن لم تقولوا شيئًا، سيهرب الابن كما فعل الأب… لن يجرؤ على مواجهة الواقع."

وسط مجموعة الناس حدّق رجل في السماء الملبدة بالغيوم الكثيفة، ثم أطلق تنهيدة طويلة محمّلة باليأس، وتمتم بصوت منخفض:

"لقد سلّمنا أمرنا... هذا المطر اللعين لن يتوقف أبدًا. يحاول عبثًا البحث عن حلول لا وجود لها. الأفضل له أن يستسلم، كما فعل الجميع."

وفي وسط هذا الجو المليء بالاستسلام والسخرية، اخترق صوت مختلف المشهد. كان لرجل في الأربعينات من عمره، ذو شعر أبيض وعينين زرقاوين، متوسط الطول والوزن، وبشرة بين البياض والسمرة. وقف بثبات، ونظر إليهم جميعًا بنظرة واثقة ثم اعترض  يحمل يقينًا لا يتزعزع:

"إذا كنتم قد فقدتم الأمل واستسلمتم للواقع، فهو لن يفعل… كما لم يفعل والده من قبله. إنه يسير على خطى والده، وأنا أؤمن أنه سيحقق ما لم يستطع والده أن يحققه."

نظر شخص آخر إلى الرجل بسخط وقال:

"عش بهذا الأمل الزائف، وستكون نهايتك كالنهاية التي تنتظرنا جميعًا. ستغرق الأرض ومن عليها، ولن يرى أحد منا السماء التي قيل إنها زرقاء، ولا الشمس التي قيل إنها ساطعة."

تجاهل الرجل القادم كلامهم، وواصل سيره نحو يوري، ثم قال بابتسامة دافئة وصوت مفعم بالحيوية:

"يوري، كيف حالك؟ كعادتك، لا تصغي إلى أقوال هؤلاء الفاقدين للأمل."

أجاب يوري بعدم مبالاة:

"أنت هنا يا عمي فيري! أنا لا آبه بكلام الآخرين، فأنا أمشي في الطريق الذي أثق به. فهدفي لن يتغير بمجرد بضع كلمات من أشخاص أعماهم اليأس عن رؤية النور."

ابتسم العم فيري ثم ضحك قائلاً:

" هل تدرك أنك أنت من سينقذ هؤلاء الذين تصفهم بالبائسين، والذين لا يهمك امرهم؟" ثم ابتسم ابتسامة مليئة بالمشاعر، وقال بصوتٍ مشبع بالحنين: "أنت تشبه والدك في أفعالك أكثر من أقوالك، فقد كان دائمًا يغرس الأمل في قلوب الآخرين بكلماته المؤثرة." ثم أنهى كلامه بصوت خافت قائلاً: وأنا منهم."

قاطع شيروي حديثهما قائلاً:

"أوه، عمي فيري، هل كنت مقربًا من العم مولان؟ فأنا لم أرك كثيرًا بصحبته."

أجاب العم فيري بنبرة مليئة بالحنين إلى الماضي:

"كنت أمضي الوقت بصحبته في أيام شبابنا وطفولتنا. فقد كان منذ صغره يعتقد أن من واجبه إنقاذ الأرض من المطر الدائم. وكان دائمًا يبحث عن الأمل ويؤمن بوجود خلاص لكوكب الأرض. لكن بعد زواجه من ليري، انشغلنا عن بعضنا، فلم أره كثيرًا. كنا نلتقي بين الحين والآخر، وكان دائمًا يتحدث عن يوري، مؤمنا انه من سيبعث النور في هذا الكوكب. فقد كان يقول: 'أنا لست قلقًا بشأن رحيلي من العالم، حتى وإن لم أتمكن من أداء واجبي كاملا. فابني يوري سيكمل طريقي الناقص، وسيحقق ما لم أتمكن من تحقيقه.'"

سكت يوري قليلاً، وملأ وجهه مشاعر حزينة لم يرغب في إظهارها، ثم قال:

"أنت دائمًا ما تخبرني بهذا."

ضحك العم فيري قائلاً:

"لم أكن هذه المرة أخبرك، بل أخبر صديقك."

ضحك شيروي وقال بسخرية:

"هل كان يثق بصاحب الشخصية السيئة هذا؟"

رمق يوري شيروي بنظرة غير راضية وقال:

"هل من مشكلة في شخصيتي؟"

ابتسم العم فيري ابتسامة دافئة، ونظر إلى شيروي ويوري بنظرات ملؤها الحنان قائلاً:

"أنت لست لطيفًا كعادتك، ولكن يا شيروي، صاحب الشخصية السيئة هذا يريد أن يجعل كوكبنا كوكبًا مشرقًا. هل تعرف هذا؟"

رفع شيروي صوته، وهو يظهر تعجبًا مصطنعًا وقال ساخرا:

"حقًا؟؟ يوري يريد؟" ثم نظر إلى يوري وقال بمكر: "أوووه، لم أكن أعلم أن أهدافك نبيلة، يا صاحب الشخصية السيئة." وابتسم ليوري.

أدار يوري وجهه إلى الجهة الأخرى وقال بخجل، محاولا اخفاءه:

"اصمت! ما شأنك؟"

......................................................................................................يتبع

ترى من تكون الفتاة ذات الشعر الاسود والعينين السوداوين ؟وما الذي سيحدث عند استيقاظها؟

لماذا المطر لا يتوقف أبدًا في هذا العالم؟ وهل هناك حقًا أمل لإنقاذ العالم؟

ما سر المخطوطات التي يبحث عنها يوري؟ وهل يمكن أن تكون المفتاح لحل اللغز؟

تابعونا لمعرفة اجوبة اسئلتكم

الى اللقاء بالفصل القادم

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon