...الفصل الثالث: في ظلال الشك...
...بعد تفكير عميق، قال في نفسه:...
..." لقد اتخذت قراري ، بدلًا من أن أقضي بقية اليوم في العمل والمكتبة، حان الوقت لتغيير أسلوبي. ربما كانت طريقتي في البحث هي السبب في عدم وصولي إلى نتيجة. لقد انشغلت بالمكتبة طوال الوقت، لكن إن كنت بالفعل تحت المراقبة، فمن الحكمة تغيير مكان بحثي. صحيح أنني قد أكون مراقبًا حتى في محيط منزلي، لكن على الأقل أعلم ما بداخله. من الأفضل أن آخذ هذا الكتاب إلى المنزل، حيث يمكنني تفحصه بهدوء وتركيز."...
...عاد إلى كرسيه، ارتشف ما تبقى من قهوته، ثم نهض بثبات. التقط الكتاب ذي الغلاف المزيف، ووضعه بعناية داخل حقيبته السوداء، ثم همس لنفسه بحزم:...
..."حسنًا، سأعود إلى المنزل."...
...خرج من مكتبه بخطوات واثقة، متجهاً نحو المصعد. وضغط الزر المؤدي إلى الطابق الأرضي، ما ان فتحت ابواب المصعد شق طريقه خارجاً، مارًّا بمكتب الاستقبال، أوقفته نايا بتعجب قائلة:...
..."سيد يوري! لم يمضِ سوى وقت قصير على وصولك... هل يعقل أنك تغادر بالفعل؟"...
...لم يتوقف يوري، بل تابع سيره نحو الباب دون أن يلتفت، واكتفى بالرد بصوت هادئ:...
..."إذا سأل عني الرئيس، أخبريه أنني عدت إلى المنزل."...
...ابتسمت نايا بخفة وأجابت باحترام:...
..."حاضر، سيد يوري."...
...بعد خروج يوري من الشركة، أطلق ساني نظرات مليئة بالغيرة نحو يوري ثم تمتم بانزعاج:...
..."سحقًا ليوري، ليس من العدل أنه يستطيع العودة إلى منزله بحرية. أنا أيضًا أريد العودة."...
...نظرت نايا إلى ساني نظرات حادة، ثم سألت بلهجة قاسية:...
..."ماذا قلت؟ هل تحدثت عن السيد يوري بسوء مرة أخرى؟"...
...ظهرت علامات الانزعاج على وجه ساني، وعبر عن اعتراضه على تصرفات يوري قائلاً:...
..."قلتُ إنه ليس من العدل أن يعود يوري إلى منزله بحرية، لماذا هو فقط؟ أنا أيضًا أرغب بالعودة إلى منزلي، فقط لأنه على معرفة بالرئيس بينما أنا لا."...
...قطبت نايا حاجبيها، ثم التفتت إليه بنظرة غاضبة وقالت بلهجة قاطعة:...
..."عند حديثك عنه، عليك أن تضيف 'السيد' قبل اسمه. لا أسمح لك بالتحدث عن السيد يوري بهذه الطريقة. هو ليس من هذا النوع. بغض النظر عن وقت عودته إلى منزله، دائمًا ما يكون لديه أسباب منطقية، بالمقابل أنت تبحث عن أسهل الطرق لتحقيق أهدافك."...
...ثم أضافت بنبرة صارمة:...
..."لم يصل إلى ما هو عليه بسبب علاقاته، بل بفضل جهده وتفانيه. فلا تتجرأ على مقارنة نفسك به."...
...نظر ساني إلى نايا بنظرات مليئة بالاستياء، ثم التفت بعيدًا، بوجه متجهمً وهو يحرك شفتيه بانزعاج....
...في تلك اللحظة، فتحت الفتاة الجريحة عينيها السوداوين، ونهضت من السرير متوجهة إلى الصالون. بدأت تتفحص المكان بدهشة، وكأنها تحاول استيعاب وضعها الحالي....
...لكنها شعرت بشيء غريب تجاه هذا المنزل. لم يكن شعورًا بالانزعاج أو الخوف، بل كان شعورًا غامضًا بالألفة والحنين، رغم أنها لم تكن تعرف سبب هذا الشعور. كان هناك ارتياح في أعماق قلبها....
...بينما كانت تتجول في أرجاء المنزل، لفت انتباهها الملاحظة التي تركها يوري على الطاولة. تقدمت نحوها ببطء، والتقطتها، ثم نظرت إليها بتساؤل. أعادتها إلى مكانها وهي تلوح بيديها، بعلامات الاستفهام التي تعلو وجهها....
...جلست على الأريكة غارقة في أفكارها، حتى قاطع شرودها صوت معدتها الخاوية. رفعت يدها إلى بطنها، وصاحت بتذمر:...
..."أوووف، يا إلهي، أحتاج إلى الطعام! أنا جائعة جدًا!"...
...نهضت على الفور، بحثًا عن شيء يشبع جوعها، فتوجهت إلى المطبخ وفتحت الثلاجة بعجلة. سرعان ما وقع نظرها على الطعام الذي أعده يوري لها. ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها، التقطت الطبق، وبدأت تلتهم الطعام بسرعة....
...وبعد لحظات، دفعت الصحن بعيدًا، ثم صرخت بتذمر: ...
..."هذا لا يكفي أبدًا!"...
...جلست على الأريكة مجددًا، عاقدة حاجبيها تفكر. بعد لحظات من الصمت، ابتسمت وقالت بحماس: ...
..."بما أن الأمر وصل إلى هنا، ليس أمامي خيار آخر." ...
...نهضت مجددًا، وتوجهت إلى المطبخ....
...........
...في تلك الأثناء، يعود يوري إلى منزله، يعتريه الفضول لاكتشاف الأسرار التي يخفيها ذلك الكتاب الغامض....
...مرت مئات السنين دون أن يتمكن أحد من رؤية نور الشمس الساطعة، فما زالت مختبئة خلف الغيوم الكثيفة التي تحكمت في هذا العالم. لكن في وضح النهار، يتسلل القليل من ضوئها، محاولًا إنارة هذا العالم المظلم، المحكوم عليه بالغرق يومًا ما، ما لم يتمكن أحد من إيقاف هذا المصير المحتوم....
...اعتاد يوري على العودة متأخرًا، غارقًا في ظلمة الليل القاتم، إلا أن عودته المبكرة اليوم منحته فرصة لرؤية الضوء الخافت في وقت الظهيرة؛ الضوء الضبابي في وقت الظهيرة....
...وهو يحتمي تحت مظلته الحمراء، رفع رأسه قليلًا نحو السماء الملبدة بالغيوم، وتمتم بحزن:...
..."مرّ وقت طويل منذ عدتُ في وضح النهار. ربما من الجيد أن أعود مبكرًا بين الحين والآخر، لكن هذا الضوء الخافت لا يكفيني... لا أريد رؤية مجرد جزء صغير، بل أريد رؤية مصدره، ذلك النور الذي يمحو الظلمات... الشمس."...
...ثم تساءل في نفسه:...
..."ترى، متى سأراها؟ تلك الأسطورة التي تختبئ وراء هذه السحب القاتمة... هي وحدها مصدر هذا الضوء الخافت الذي أراه الآن."...
...ثم ألقى نظرة خاطفة على حقيبته السوداء، وأخذ يفكر:...
..."آمل أن يكون هذا الغلاف المزيف خطوة نحو كشف الحقائق المخفية... وربط الخيوط المتشابكة في رأسي."...
...لم يستطع منع الأسئلة من التدفق إلى ذهنه:...
..."هل هذا الكتاب بالغ الأهمية، أم أنني أبالغ في تقديري؟...
...هل يخفي بين صفحاته شيئًا جوهريًا؟"...
...ثم قطب حاجبيه، وتسائل قائلا:...
..."ماذا لو كان مجرد شيء تافه؟ هل يمكن أن يكون شخص ما أخفاه هنا ليعود إليه لاحقًا؟"...
...عبس وجهه، واشتعلت عيناه ثم قال:...
..."إن كان الأمر كذلك... فسأعثر على ذلك الشخص، وسأجعله يدفع الثمن!"...
...لكن سرعان ما هزّ رأسه نافياً هذه الفكرة، وأطلق ضحكة ساخرة:...
..."لا، لا... لقد بالغت في التفكير حتى أوشكت على فقدان المنطق. لا يمكن أن يكون الأمر بهذا التعقيد!"...
...بدأ منزله بالظهور في الأفق، فتنهّد قائلاً:...
..."حسنًا، يكفي تفكيرًا! ها هو المنزل أخيرًا... لم يتبقَّ سوى لحظات وأعرف الحقيقة."...
...تسارعت خطواته، ثم ركض نحو المنزل متلهفًا، متشوقًا لكشف الغموض الذي يلف بالكتاب. وحين وصل، أخرج مفتاحه بسرعة، وأداره في القفل بحماس، ثم دخل الى المنزل. لكنه ما إن خطا إلى الداخل حتى توقف في مكانه مدهوشا، وارتسمت على وجهه ملامح الذهول ...
...سقطت حقيبته من يده، وتردد صوته الغاضب يهدر في أرجاء المكان:...
..."ما هذاااااااا؟؟؟؟!! ما الذي يحدث هنا؟!!!"...
.................................................................يتبع ...
...لماذا شعرت الفتاة الجريحة بالألفة في هذا المنزل؟...
...هل هي مجرد فتاة عادية ام هناك سرا ورائها؟...
...من هو الشخص الذي ترك هذا الكتاب ذا الغلاف المميز؟...
Comments