NovelToon NovelToon

ما وراء الحلم

العالم في ظل المطر الابدي

ما وراء الحلم

الفصل الأول : العالم في ظل المطر الابدي

تحت السماء الممطرة، كان هناك شابٌ طويل القامة قليلًا، ذو بشرة فاتحة رشيق القوام وبينما ما هو يركض مسرعا نحو المنزل يتطاير شعره الأزرق بفعل المطر وتلتصق ببدلته الرسمية السوداء بجسده في هذه الاثناء، ينظر هذا الشاب الى الرصيف المبتل بعيناه الزرقاوين كزراق السماء الناصعة التي لم يراها هذا الشاب، في قلب هذا المطر لم يكن هناك سوى ظل شخص متوسط الطول هزيل الجسد، يرتدي معطفًا أسود ثقيلًا ممزق الأطراف، وقبعته تخفي ملامحه، يتحرك بصمت تحت زخات المطر المبتلعة أصوات خطواته، كان يتمايل في مشيته، وكأنه على وشك السقوط.

واصل الشاب طريقه، مقتربا من هذا الشخص المجهول، فقد كانا يسيران على الرصيف ذاته. لكن حين اقترب أكثر، لمحت عيناه الزرقاء قطرات من الدم تنساب بثقل من بين طيات المعطف تترك أثراً دموياً على الرصيف المبتل. شعر بالغرابة وسأله:

"هل أنت بخير؟"

لكن قبل أن يكمل الشاب كلماته، ازداد المصاب تمايلا حتى انهار على الأرض. ارتبك الشاب، لم يعرف ما يجب فعله، لكنه لم يستطع تركه ملقى على الأرض تحت المطر. انحنى، حمله بين ذراعيه، ثم توجه به مسرعًا إلى منزله.

دخل الشاب الى منزله وشغل الاضواء ثم توجه الى الصالة الرئيسية وكانت تحتوي على مكتب صغير وسجادة متوسطة على الأرض وكانت جدران الصالة البيضاء تضفي على المكان هالة من السكينة والراحة ثم القى صاحب المعطف على المجلس الكبير المكون من قطعتين.

دخل الى غرفة النوم المكونة من سرير مقابله مكتبة مليئة بالكتب المتنوعة بجانبها خزانة مغلقة ومقابلها مرآة، التقط علبة الإسعافات الاولية من الأرض ثم عاد الى صاحب المعطف، فتح المعطف ليبدأ بمعالجة الإصابة، وعندما كشف عن صاحب المعطف، تفاجأ أنها كانت فتاة ذات شعر أسود طويل براق كسواد الليل، يتدلى حتى نهاية ظهرها، وبريق عيونها السوداء كان يتلألأ كالنجوم في سماء الليل، بينما كانت بشرتها بيضاء كبياض الثلج.

رغم سقوطها، لم تفقد وعيها تمامًا. تفاجأ الشاب لوهلة عندما رأى ملامحها، وبينما كان في حالة اندهاش، فقدت الفتاة وعيها وأغلقت عينيها السوداوين ببطء.

همس لنفسه: ما هذا؟ شعر أسود وعيون سوداء؟

بدأ بعلاج جرحها العميق على ذراعها، عقّم جرحها ثم ضمّده بإحكام، وبعد ذلك حملها إلى غرفة النوم، وضعها على السرير، ثم خرج وأغلق الباب خلفه. جلس على الأريكة وأطلق تنهيدة طويلة قائلا: " يا إلهي... لقد جلبت لنفسي مصيبة أخرى" ثم تمدد على الأريكة واستسلم للنوم.

استيقظ في الصباح التالي وأعد وجبة الإفطار له وللفتاة، على أمل أن تتناول الطعام عند استيقاظها، فقد بدت بحاجة إليه. تناول إفطاره، ثم وضع حصتها في الثلاجة، وترك ملاحظة على الطاولة تخبرها بمكان الطعام. بعد ذلك، أمسك بحقيبته، أغلق الباب وراءه، وغادر المنزل.

تحت المطر المتساقط، كان يمشي يوري بخطوات ثابتة ممسكًا بمظلته الحمراء، بينما قطرات الماء تنزلق على أطرافها بهدوء، في تلك الاثناء اقترب منه شاب ذو شعر بني وعينين خضراوين، أسمر البشرة، طويل القامة ونحيف البنية، يرتدي جينز أزرق وجاكيتًا أسود ممسكا بمظلته البيضاء.

تقدم نحوه وربّت على كتفه قائلًا بابتسامة خفيفة:

"كيف حالك يا يوري؟ أراك اليوم متعبًا... يبدو أنك ترهق نفسك كعادتك، أليس كذلك؟"

أجابه يوري دون أن يتوقف عن المشي، ناظرًا إلى الطريق أمامه:

"لا، الأمر مختلف قليلًا اليوم، يا شيروي."

رفع شيروي حاجبيه باهتمام، واقترب منه بخطوات أسرع:

"حقًا؟! ماذا حدث؟"

تنهد يوري ببطء، وكأن الكلمات تثقل على لسانه قبل أن يقول بصوت خافت:

"مع الأسف يا صديقي، لقد جلبت لنفسي مشكلة صغيرة إلى المنزل."

توقف شيروي في مكانه للحظة، ثم قال بصوت حمل مزيجًا من القلق:

"هذا ليس من عادتك! كم مرة يجب أن أقول لك أن تبتعد عن المشاكل، يا صديقي؟ ما هي المشكلة هذه المرة؟!"

تنهد يوري بوجه يعكسه التعب، وقال بصوت منخفض:

"فتاة جريحة التقطتها في طريق عودتي إلى المنزل."

رد شيروي وهو يرفع حاجبيه:

"أممم، ليس من عادتك أن تفعل شيئًا كهذا. يبدو أنك جلبت لنفسك مشكلة فريدة هذه المرة!"

أجاب يوري وهو يعبس قليلاً:

"نعم، أنت محق. لكنني لا أفهم كيف حدث ذلك، كان وكأن جسدي تحرك من تلقاء نفسه."

ضحك شيروي وقال بتلميح:

"أتعني أنك لم تفعل ذلك لأنك رأيت فتاة جميلة؟"

أجاب يوري بنبرة حازمة:

"تعرف جيدًا أنني لست من هذا النوع، ثم إن هذه الفتاة غريبة لقد أثارت فضولي حقًا."

تفاجئ شيروي وقال بتسائل:

"امممم ما الذي اثار فضولك فيها؟"

قال يوري متنهدا:

"أولاً، كانت ترتدي معطفًا غريبًا وثقيلًا، ممزقًا ومهترئًا قليلاً، كأنها قد ظلّت ترتديه لفترة طويلة جدًا. وكانت تمشي في وقت متأخر من الليل، وعلاوة على ذلك، كانت جريحة بجرح عميق حديث، والدم لا يزال ينزف منه....."

قاطعه شيروي بحيرة:

"أليست فقيرة أو شيء من هذا القبيل؟"

أكمل يوري كلامه وهو يبدو منزعجًا قليلاً من المقاطعة:

"لا أظن ذلك. صحيح أن المعطف ممزق، لكن يبدو أنه كان باهظ الثمن، وقد مر عليه وقت طويل بلا شك. وأيضًا، ملابسها تحت المعطف كانت تبدو غالية. والأكثر غرابة من كل هذا..."

قاطعه شيروي بحماس، وقد زاد فضوله:

"أوووه! هل هناك شيء آخر غريب حولها؟ لقد أثرت اهتمامي حقًا!"

ابتسم يوري ابتسامة خلف استيائه من مقاطعة شيروي له وقال محاولا كبح انفعاله:

"اسمعني أولاً، ودعني أكمل كلامي، أيها المتسرع. الأهم من كل هذا، والشيء الذي أثار فضولي ودهشتي، هو أنها كانت ذات شعر أسود قاتم وعيون سوداء أيضًا."

ثم التفت إلى شيروي وقال بحدة وانفعال:

"شيروي! للحظة، لم أصدق ما رأته عيناي."

تفاجئ شيروي وقال متعجبا:

"أوووه، هل ما تقوله حقيقي؟ لقد أثرت فضولي حولها أكثر وأكثر! هل أنت متأكد أنه حقيقي، وليس مستعارًا أو شيئًا من هذا القبيل؟"

نظر يوري الى شيروي بعينين ثابتتين وقال مؤكدا:

"نعم، اظن أنه حقيقي، كان شديد السواد، لا ازال اتذكره جيدا.

ثم نظر الى شيروي نظرة استفزازية وقال مبتسما:

"إن كنت فضوليا إلى هذا الحد، يمكنك أن تأتي لترى بنفسك لاحقًا."

استعجل شيروي بالرد وقال متحمسا:

" حسنا لنذهب الان"

ضحك يوري بتهمك:

"احمق لا تستطيع الان"

انفعل شيروي واعترض قائلا:

"لماذا؟"

هز يوري كتفيه باستسلام ثم نظر إليه:

"لقد قلت انها جريحة بالتأكيد ستكون فاقدة للوعي"

رد شيروي وهو ينقر بإصبعه على جبهته، معبرا عن نسيانه:

"أهاااا، نعم، لقد قلت إنها جريحة. حسنًا، سآتي إليك لاحقًا."

واصل يوري وشيروي مشيهما تحت المطر، ممسكان بمظلتيهما. وكالعادة، كانت أعين الناس تلاحقهما بنظرات ساخطة، بينما تتردد الهمسات بينهم، مزيجًا من الاستياء واللامبالاة.

قال أحدهم، بصوت منخفض لكنه محمل بالسخرية:

"انظروا، إنه يوري… يبدو أنه ما زال يبحث بيأس عن تلك المخطوطات المزعومة."

هزّ الآخر رأسه ساخرًا، معبرا عن استسلامه:

"أوه، هذا الشاب لا ييأس أبدًا. لا مفر لنا من القدر الذي حلّ بنا، والكارثة التي تقترب منا."

ثم أضاف شخص آخر، بنبرة مستهزئة وبصوت خافت، متقصدا أن يسمعه يوري:

"أولًا الأب، والآن الابن… عائلة متصنّعة منافقة، تحاول التظاهر بالبطولة، لكن الحقيقة أنهم غارقون في الأوهام الكاذبة."

تنهد رجل آخر متذمرًا، وكأن الأمر يزعجه أكثر من اللازم، وقال بصوت حانق:

"فليتركوا الأمر على حاله… لسنا بحاجة إلى أمل مسموم يُخفي وراءه الوهم والسراب، ثم عند مواجهة الواقع القاسي، يلوذون بالفرار مثل الفئران."

ضحك شخص آخر، وقد ازدادت نبرته تهكمًا، وأضاف:

"حتى إن لم تقولوا شيئًا، سيهرب الابن كما فعل الأب… لن يجرؤ على مواجهة الواقع."

وسط مجموعة الناس حدّق رجل في السماء الملبدة بالغيوم الكثيفة، ثم أطلق تنهيدة طويلة محمّلة باليأس، وتمتم بصوت منخفض:

"لقد سلّمنا أمرنا... هذا المطر اللعين لن يتوقف أبدًا. يحاول عبثًا البحث عن حلول لا وجود لها. الأفضل له أن يستسلم، كما فعل الجميع."

وفي وسط هذا الجو المليء بالاستسلام والسخرية، اخترق صوت مختلف المشهد. كان لرجل في الأربعينات من عمره، ذو شعر أبيض وعينين زرقاوين، متوسط الطول والوزن، وبشرة بين البياض والسمرة. وقف بثبات، ونظر إليهم جميعًا بنظرة واثقة ثم اعترض  يحمل يقينًا لا يتزعزع:

"إذا كنتم قد فقدتم الأمل واستسلمتم للواقع، فهو لن يفعل… كما لم يفعل والده من قبله. إنه يسير على خطى والده، وأنا أؤمن أنه سيحقق ما لم يستطع والده أن يحققه."

نظر شخص آخر إلى الرجل بسخط وقال:

"عش بهذا الأمل الزائف، وستكون نهايتك كالنهاية التي تنتظرنا جميعًا. ستغرق الأرض ومن عليها، ولن يرى أحد منا السماء التي قيل إنها زرقاء، ولا الشمس التي قيل إنها ساطعة."

تجاهل الرجل القادم كلامهم، وواصل سيره نحو يوري، ثم قال بابتسامة دافئة وصوت مفعم بالحيوية:

"يوري، كيف حالك؟ كعادتك، لا تصغي إلى أقوال هؤلاء الفاقدين للأمل."

أجاب يوري بعدم مبالاة:

"أنت هنا يا عمي فيري! أنا لا آبه بكلام الآخرين، فأنا أمشي في الطريق الذي أثق به. فهدفي لن يتغير بمجرد بضع كلمات من أشخاص أعماهم اليأس عن رؤية النور."

ابتسم العم فيري ثم ضحك قائلاً:

" هل تدرك أنك أنت من سينقذ هؤلاء الذين تصفهم بالبائسين، والذين لا يهمك امرهم؟" ثم ابتسم ابتسامة مليئة بالمشاعر، وقال بصوتٍ مشبع بالحنين: "أنت تشبه والدك في أفعالك أكثر من أقوالك، فقد كان دائمًا يغرس الأمل في قلوب الآخرين بكلماته المؤثرة." ثم أنهى كلامه بصوت خافت قائلاً: وأنا منهم."

قاطع شيروي حديثهما قائلاً:

"أوه، عمي فيري، هل كنت مقربًا من العم مولان؟ فأنا لم أرك كثيرًا بصحبته."

أجاب العم فيري بنبرة مليئة بالحنين إلى الماضي:

"كنت أمضي الوقت بصحبته في أيام شبابنا وطفولتنا. فقد كان منذ صغره يعتقد أن من واجبه إنقاذ الأرض من المطر الدائم. وكان دائمًا يبحث عن الأمل ويؤمن بوجود خلاص لكوكب الأرض. لكن بعد زواجه من ليري، انشغلنا عن بعضنا، فلم أره كثيرًا. كنا نلتقي بين الحين والآخر، وكان دائمًا يتحدث عن يوري، مؤمنا انه من سيبعث النور في هذا الكوكب. فقد كان يقول: 'أنا لست قلقًا بشأن رحيلي من العالم، حتى وإن لم أتمكن من أداء واجبي كاملا. فابني يوري سيكمل طريقي الناقص، وسيحقق ما لم أتمكن من تحقيقه.'"

سكت يوري قليلاً، وملأ وجهه مشاعر حزينة لم يرغب في إظهارها، ثم قال:

"أنت دائمًا ما تخبرني بهذا."

ضحك العم فيري قائلاً:

"لم أكن هذه المرة أخبرك، بل أخبر صديقك."

ضحك شيروي وقال بسخرية:

"هل كان يثق بصاحب الشخصية السيئة هذا؟"

رمق يوري شيروي بنظرة غير راضية وقال:

"هل من مشكلة في شخصيتي؟"

ابتسم العم فيري ابتسامة دافئة، ونظر إلى شيروي ويوري بنظرات ملؤها الحنان قائلاً:

"أنت لست لطيفًا كعادتك، ولكن يا شيروي، صاحب الشخصية السيئة هذا يريد أن يجعل كوكبنا كوكبًا مشرقًا. هل تعرف هذا؟"

رفع شيروي صوته، وهو يظهر تعجبًا مصطنعًا وقال ساخرا:

"حقًا؟؟ يوري يريد؟" ثم نظر إلى يوري وقال بمكر: "أوووه، لم أكن أعلم أن أهدافك نبيلة، يا صاحب الشخصية السيئة." وابتسم ليوري.

أدار يوري وجهه إلى الجهة الأخرى وقال بخجل، محاولا اخفاءه:

"اصمت! ما شأنك؟"

......................................................................................................يتبع

ترى من تكون الفتاة ذات الشعر الاسود والعينين السوداوين ؟وما الذي سيحدث عند استيقاظها؟

لماذا المطر لا يتوقف أبدًا في هذا العالم؟ وهل هناك حقًا أمل لإنقاذ العالم؟

ما سر المخطوطات التي يبحث عنها يوري؟ وهل يمكن أن تكون المفتاح لحل اللغز؟

تابعونا لمعرفة اجوبة اسئلتكم

الى اللقاء بالفصل القادم

اسرار بين الماضي والمستقبل

الفصل الثاني: اسرار بين الماضي والمستقبل

ضحك شيروي وقال بنبرة ساخرة:

"على غير المتوقع... يبدو أن لديك جانبًا لطيفًا."

قطب يوري حاجبيه ورد بوجه عابس:

"لا تدعي الجهل لتدفعني إلى تكرار الحديث عن أحلامي، فقط لتواصل العبث معي"

مرر شيروي يده خلف رأسه بعفوية ثم ضحك قائلا:

"أوه، لقد كشفت امري! آسف آسف، لكني بصراحة أحب رؤية هذا الجانب اللطيف منك يا رجل الاحلام."

رمقه يوري بنظرة حادة وقال بانزعاج:

"ماذا؟ 'رجل الأحلام'، لا تمنحني ألقابًا غريبة! شيروي، أنت مزعج كعادتك... ربما عليّ التوقف عن مرافقتك."

لوّح شيروي بيده قائلاً:

"هيه، لا لا، كنت أمزح! كعادتك، لا تطيق المزاح."

ضحك العم فيري وهو يراقبهما ثم قال بابتسامة:

"يبدو أن علاقتكما جيدة، لديك صديق رائع يا يوري."

قطب يوري حاجبيه وقال بنبرة ساخرة:

"ما الذي تقوله؟ يبدو أنك تمزح."

ضحك العم فيري ثم ودعهما قائلاً:

"أراكم لاحقًا، يبدو أنكما مشغولان الآن."

ابتسم شيروي ولوّح بيده قائلاً:

"إلى اللقاء، عمي فيري."

تابع يوري وشيروي طريقهما تحت المطر، ممسكين بمظلاتهما وسط الزحام ونظرات العيون الساخطة، حتى وصلا إلى وجهتهما.

أمامهما، بنايتان ضخمتان، كل منهما مؤلفة من عشرين طابقًا. على إحداهما كُتب "CHI"، وعلى الأخرى "SORA".

توقف شيروي مقابل البناء وقال:

"يبدو أننا وصلنا."

تابع يوري سيره نحو مبنى شركة CHI، لكن شيروي أمسكه من كتفه وناداه:

"انتظر لحظة!"

التفت يوري إليه بنظرة باردة، فسأله شيروي بجدية:

"أردت أن أسألك عن تقدم أبحاثك."

رفع يوري رأسه نحو السماء الرمادية الممطرة وتنهد قائلاً:

"القليل... القليل."

رفع شيروي حاجبيه متسائلًا:

"ماذا تقصد؟"

أشاح يوري بوجهه ثم تنهد قائلا:

"أعني القليل.. القليل... الذي لا يستحق الذكر."

ابتسم شيروي وقال بثقة:

"أعلم أنك لا تستسلم، وتذكر أني هنا إن احتجت إلى أي مساعدة."

أدار يوري وجهه إلى الجهة الأخرى، وابتسم بخفوت وهمس بصوت بالكاد يُسمع:

"أعرف أنك بجانبي..."

توقف شيروي وحدق به قائلاً:

"هل قلت شيئًا؟ لم أسمعك."

التفت يوري الى شيروي، ثم قال بنبرة واثقة:

"لا تقلل من شأني... قريبًا، سترى النتائج بنفسك ".

ضحك شيروي ورد بحماس:

"بالطبع، أنا واثق من ذلك!"

ابتسم شيروي مودعًا يوري وقال:

"إلى اللقاء، يوري!"

سار كلاهما في طريقين متعاكسين، يوري نحو شركة (CHI)، وشيروي نحو شركة ((SORA.

"عند دخول يوري إلى المبنى، وقع بصره على مكتب الاستقبال المقابل للمدخل، حيث يجلس موظفان؛ أحدهما شاب أشقر ذو بنية نحيفة، والآخر موظفة ترتدي بدلة رسمية، بشعر وردي وعينين بنيتين.

توجه يوري نحو المكتب، فابتسمت الموظفة وقالت بلهفة:

'أهلًا بك، سيد يوري! كيف حالك؟ هل ترغب في أي مساعدة؟'

ثم أضافت، وهي تنظر إليه بإعجاب:

'ها أنت هنا مجددًا، تواصل بذل كل ما في وسعك لإنقاذ الأرض... نادرون هم من يمتلكون هذا التفاني.'

لكن يوري واصل مسيره، متجاهلًا كلماتها، وعيناه تعكسان برودًا واضحًا. وعند وصوله إلى مكتب الاستقبال، قال بصوت هادئ لكنه حازم:

'أرسلي فنجان قهوة سادة إلى مكتبي.'"

ابتسمت الموظفة وردت بلطف:

"بالتأكيد، سيد يوري. حالًا."

اتجه يوري إلى المصعد دون انتظار الموظفة اكمال حديثها، وصعد إلى الطابق الرابع، كما اعتاد دائمًا.

في مكتب الاستقبال، التفت الشاب النحيف إلى الفتاة وسألها:

"نايا، ألا تنزعجين من تصرفات يوري؟ ان اعمارنا متقاربة، الا انه يتعامل معنا باستصغار، حتى انه لا يرد على تحيتك."

رفعت نايا حاجبيها والتفتت إليه، ثم صاحت باسم:

"ساني! ماذا تقول؟ يوري! سيد يوري! لا تتحدث عنه بسوء، إنه يستحق التقدير على ما يفعله. فنحن مجرد موظفين استقبال، بينما هو بهذا العمر الصغير أصبح باحث يسعى لتحقيق هدف نبيل وهو إنقاذ البشرية. على الأقل أستطيع مساعدته بالقليل في هذا المنصب الصغير مقارنة بعمله الدؤوب والصعب."

رفع ساني بصره معترضًا على كلامها، وقال بتذمر:

"وهذا الشاب الذي تبالغين في قدره لم يحقق إنجازاً واضحاً. نحن من نواصل خدمته دون نتيجة واضحة تستحق الذكر."

قطبت نايا حاجبيها وقالت بانزعاج:

"ألفين سنة من المطر الدائم تريد منه ان يضع حدا لها ببضعة سنوات؟ هذا ليس من المنطق!".

ثم اضافت الى كلماتها وقال بوجه يملئه الثقة:

"انه عبقري! أصغر الباحثين! أنا أثق أنه الشخص الذي سيحررنا من المطر الكئيب."

التفت ساني نحو الجهة الأخرى وقال بنبرة ساخرة وصوت خافت:

"الشخص الذي سينقذ العالم، ها! ... لقد رأينا ما رأيناه من والده، إنه مجرد شاب متبجح ومتعالٍ."

نظرت نايا إليه وتساءلت:

"هل قلت شيئًا؟"

أجاب ساني بسرعة:

"لا شيء، كنتُ فقط أتساءل لماذا تقدّرين يوري بينما هناك الكثير من الباحثين غيره."

ابتسمت نايا وقالت بثقة:

"أليس من الواضح؟ إنه الأفضل والأذكى!"

ارتسم الضيق على ملامح ساني، فزم شفتيه وصمت، متجاهلًا الرد.

في تلك الأثناء، وصل يوري إلى مكتبه المكدس بالكتب والأوراق المرتبة بعناية. ألقى نظرة سريعة على الفوضى المنظمة من حوله، ثم جلس على كرسيه الدوّار، وتنهد قائلاً:

"أشعر بالتعب قليلًا... لماذا تأخرت القهوة؟ لا أستطيع البدء بالعمل من دونها."

أخذ يقلب الأوراق، متنقلًا بينها بعشوائية، يمرر نظره بين صفحة وأخرى، ثم القاها على المكتب...

أسند ظهره على الكرسي، ووضع يديه خلف رأسه، رافعًا وجهه نحو السقف، أخذ نفسًا عميقًا، ثم أغمض عينيه الزرقاوين ببطء، غارقًا في التفكير

"لماذا يا ترى... لماذا لا أشعر بأي تقدم في أبحاثي؟

هل ارتكبتُ خطأ في مرحلة ما؟ هل أخطأت ولم أدرك ذلك حتى الآن؟

وإن كان هذا صحيحًا، فما هو الخطأ الذي ارتكبته ولماذا لم أتمكن من اكتشافه؟

عبس قليلًا، وقال بصوت حزين:

"في اللحظة التي اشعر بها أني أخيرا تقدمت خطوة للأمام، أجد نفسي في اللحظة التالية دون ان أدرك أني قد عدت خطوات الى الخلف، وكأن هناك من يراقبني ويمنعني من الوصول إلى الحقيقة".

ثم طأطأ رأسه نحو الارض، وقال بصوت يحمل في طياته حزن عميق:

"أبي... أخبرني، ما الذي يجب عليَّ فعله؟"

"لم أشعر بهذا الشوق وهذا الضياع منذ زمن طويل..."

أخرج قلادة دائرية من صدره، نُقش على غلافها الخارجي طائر يحلّق نحو اليمين. فتحها ببطء، وعيناه تترقبان الصورة التي بداخلها... صورة والده. بقي يتأملها بنظرات يغمرها الشوق والحزن، ثم تمتم بصوت خافت:

"أبي... تُرى، هل سأتمكن من إنقاذ الأرض؟"

ترددت في ذهن يوري كلماتٌ بصوت عذب:

"اسمعني يا بني، هذا الطريق مليء بالتحديات والمخاطر، ستسمع حتمًا كلماتٍ تثبط العزيمة، وقد تمر بلحظاتٌ تشعر خلالها أنك تواجه الدنيا وحيدًا، لكن إياك أن تستسلم!

ففي كل محنة تكمن منحة خفية، لن تنالها إلا بالعزيمة والإصرار. تذكّر دائمًا: بعد العسر يسر، وما إن تتخطى الصعاب حتى تنفتح أمامك الدروب والآفاق الواسعة، لتنطلق إلى الأمام بروح متجددة.

لا تسلك هذا الطريق الطويل وحيدًا، فهو موحش وشاق. ستحتاج إلى رفاق تثق بهم، لا ليأخذوا بيدك حين تسقط فحسب، بل ليذكّروك بغايتك، ويعيدوك إلى الدرب إن ضللت. وفي النهاية، ستجد من يضيء قلبك حين يحيطك الظلام"

"أبي... لقد تعبت. هل هذه هي المحنة التي تحدثت عنها؟ أم أنني سأواجه لحظات أشد قسوة؟"

تنهد بعمق، ثم واصل بصوت خافت:

"أخبرتني من قبل أن طريق الإنقاذ أصعب من طريق التخلّي، وأنه يجب عليّ العثور على من يمكنني الاعتماد عليه. لكن الآن... وكما قلت لي، يبدو أن من استسلموا لليأس أكثر بكثير ممن يسعون لإنقاذ الأرض.

كانوا يأملون لفترة قصيرة، لكن بعد رحيلك، لم يبقَ سوى القليل ممن لا يزالون متمسكين بالأمل."

أغمض عينيه الزرقاوين للحظة، وكأنما يبحث عن إجابة في ظلام أفكار ثم قال مجيبا لنفسه:

"في هذه الرحلة الشاقة، لم أتمكن من الوثوق سوى بشخص واحد...وهو شيروي. هل هذا غير كافٍ؟ هل يجب أن يكون لدي المزيد من الأصدقاء؟ لكنني لا أستطيع الوثوق بأحد غيره... فهل هذا خطأ؟ هل يجب أن أغير طريقة تفكيري؟"

أخذ نفسًا عميقًا، ثم فتح عينيه ببطء:

"لا مفر... إن لم أستطع الوثوق بأحد آخر، فلا خيار أمامي سوى البحث عن طريقٍة أخرى.... لا بد أنني غفلت عن شيء... عليّ تفقد المكتبة مجددًا"

صوت طرق الباب يقطع أفكار يوري ...

"سيد يوري، جهزنا لك القهوة."

رفع يوري رأسه ثم أعاد القلادة الى داخل ثيابه وقال منزعجا:

"أدخِلها... لقد تأخرت القهوة."

دخلت نايا بخطوات مترددة، ووضعت كوب القهوة على المكتب، ثم عبرت عن تأخرها بأسف قائلة:

"أعتذر عن التأخير، سيد يوري."

نظر إليها نظرة عابرة وقال بصوت هادئ:

"حسنًا، يمكنكِ الخروج."

خرجت نايا من المكتب، فتناول يوري القهوة بحماس قائلاً:

"وأخيرًا، ها هي قهوتي التي انتظرتها! والآن سأترك الشكوى جانبا، تأخر القهوة دفعني للغرق في متاهات أفكاري "

ارتشف منها رشفة وأغمض عينيه ثم استعاد نشاطه قائلا:

"هذا ما كنت أحتاجه لأستعيد طاقتي! فالنحيب ليس من شيمي، سأقوم بجولة في المكتبة لعلي أجد كتابًا مفيدًا."

نهض من مقعده، ممسكًا بكوب القهوة، وبدأ يتجول بين رفوف المكتبة."

أثناء تجواله بين رفوف المكتبة، مرّر أصابعه برفق على الكتب، مستشعرًا خشونتها الخفيفة، يتفحّص عناوينها بتمعّن. فجأة، استوقفه عنوان غريب. تراجع خطوة، رفع حاجبيه بدهشة، ثم تمتم بصوت خافت، وكأنه غير مصدق:

"تعلّم الطبخ في ثلاث ليالٍ؟!"

ضحك مستهزئًا ثم علق قائلاً:

"أي جنون هذا؟ هل يمكن حقًا تعلّم الطبخ في ثلاث ليال؟!"

لكن سرعان ما تلاشت ابتسامته، وحلّت محلها نظرة شك. هذه المكتبة متخصصة في بحوث حول حلول توقف المطر، ولا يُفترض أن يكون فيها مثل هذا النوع من الكتب. هذا خطأ… لا شك في ذلك. ولكن… لماذا؟ شيء ما بداخلي يخبرني ان الامر ليس مصادفة

مدّ يده إلى الكتاب متحسسا غلافه بأصابعه، فشعر بخشونة غير متوقعة. لحظة.... هذا ليس غلافًا عاديًا… إنه مزيف.

كتم أنفاسه، تسارعت أفكاره، وخفق قلبه. لم يكن مجرد توتر، بل إحساس غريب… وكأن عقله بدأ يربط خيوطًا خفية لم يكن يعلم بوجودها. ضغط أصابعه على الغلاف، وعيناه تحدقان فيه بتساؤل:

لماذا قد يضع أحدهم غلافًا مزيفًا على كتاب في هذه المكتبة؟

لا يمكن أن يكون مجرد عبث عشوائي .... ليس في هذه المكتبة وهذا القسم وهذه الرفوف التي لا يلمسها سواي

تمتم ببطء:

"رسالة؟ تحذير؟ أم… شيء آخر؟"

بدأت الأفكار تتزاحم في ذهنه كقطع أحجية متشابكة. رفع يده إلى شفتيه، واتسعت عيناه تدريجيًا وهو يستوعب الحقيقة… الحقيقة التي تجمّعت أخيرًا أمامه، الحقيقة التي كان غافل عنها!

"هل يعقل… أنني كنت مراقبًا طوال هذا الوقت؟"

نبض قلبه تصاعد الى أذنيه، ونظر حوله بحذر. الرفوف الصامتة بدت مختلفة الآن… هل هو وحده حقًا؟ أم أن هناك من يراقبه؟

بلع ريقه، محاولًا أن يبدو طبيعيًا. قبض على الكتاب بقوة. القرار لم يكن سهلًا… تردد قليلا

ثم خطر في ذهنه

"ان كنت مراقبا ففتحه هنا سيكون مخاطرة. لكن إن تأخرت، فقد يُسرق قبل أن اكتشف سره "

قبض على الكتاب بإحكام، ثم رفع رأسه ببطء وابتسامة النصر ترتسم على شفتيه. تأمل الكتاب بعينيه الزرقاوين المشتعلين بالحماس، متيقنًا أنه قد أمسك بطرف الخيط الذي قد يقوده إلى بداية مشوقة مثيرة للاهتمام

_________________________________________________يتبع

ما سر هذا الكتاب الغريب، ولماذا هو هنا بالذات؟

هل هناك من يحاول إيقاف أبحاث يوري؟ ولماذا؟

ما الذي سيحدث لو فتح الكتاب في تلك اللحظة؟

هل اقتراب يوري من الحقيقة سيعرضه للخطر؟

الفصل الثالث: في ظلال الشك

...الفصل الثالث: في ظلال الشك...

...بعد تفكير عميق، قال في نفسه:...

..." لقد اتخذت قراري ، بدلًا من أن أقضي بقية اليوم في العمل والمكتبة، حان الوقت لتغيير أسلوبي. ربما كانت طريقتي في البحث هي السبب في عدم وصولي إلى نتيجة. لقد انشغلت بالمكتبة طوال الوقت، لكن إن كنت بالفعل تحت المراقبة، فمن الحكمة تغيير مكان بحثي. صحيح أنني قد أكون مراقبًا حتى في محيط منزلي، لكن على الأقل أعلم ما بداخله. من الأفضل أن آخذ هذا الكتاب إلى المنزل، حيث يمكنني تفحصه بهدوء وتركيز."...

...عاد إلى كرسيه، ارتشف ما تبقى من قهوته، ثم نهض بثبات. التقط الكتاب ذي الغلاف المزيف، ووضعه بعناية داخل حقيبته السوداء، ثم همس لنفسه بحزم:...

..."حسنًا، سأعود إلى المنزل."...

...خرج من مكتبه بخطوات واثقة، متجهاً نحو المصعد. وضغط الزر المؤدي إلى الطابق الأرضي، ما ان فتحت ابواب المصعد شق طريقه خارجاً، مارًّا بمكتب الاستقبال، أوقفته نايا بتعجب قائلة:...

..."سيد يوري! لم يمضِ سوى وقت قصير على وصولك... هل يعقل أنك تغادر بالفعل؟"...

...لم يتوقف يوري، بل تابع سيره نحو الباب دون أن يلتفت، واكتفى بالرد بصوت هادئ:...

..."إذا سأل عني الرئيس، أخبريه أنني عدت إلى المنزل."...

...ابتسمت نايا بخفة وأجابت باحترام:...

..."حاضر، سيد يوري."...

...بعد خروج يوري من الشركة، أطلق ساني نظرات مليئة بالغيرة نحو يوري ثم تمتم بانزعاج:...

..."سحقًا ليوري، ليس من العدل أنه يستطيع العودة إلى منزله بحرية. أنا أيضًا أريد العودة."...

...نظرت نايا إلى ساني نظرات حادة، ثم سألت بلهجة قاسية:...

..."ماذا قلت؟ هل تحدثت عن السيد يوري بسوء مرة أخرى؟"...

...ظهرت علامات الانزعاج على وجه ساني، وعبر عن اعتراضه على تصرفات يوري قائلاً:...

..."قلتُ إنه ليس من العدل أن يعود يوري إلى منزله بحرية، لماذا هو فقط؟ أنا أيضًا أرغب بالعودة إلى منزلي، فقط لأنه على معرفة بالرئيس بينما أنا لا."...

...قطبت نايا حاجبيها، ثم التفتت إليه بنظرة غاضبة وقالت بلهجة قاطعة:...

..."عند حديثك عنه، عليك أن تضيف 'السيد' قبل اسمه. لا أسمح لك بالتحدث عن السيد يوري بهذه الطريقة. هو ليس من هذا النوع. بغض النظر عن وقت عودته إلى منزله، دائمًا ما يكون لديه أسباب منطقية، بالمقابل أنت تبحث عن أسهل الطرق لتحقيق أهدافك."...

...ثم أضافت بنبرة صارمة:...

..."لم يصل إلى ما هو عليه بسبب علاقاته، بل بفضل جهده وتفانيه. فلا تتجرأ على مقارنة نفسك به."...

...نظر ساني إلى نايا بنظرات مليئة بالاستياء، ثم التفت بعيدًا، بوجه متجهمً وهو يحرك شفتيه بانزعاج....

...في تلك اللحظة، فتحت الفتاة الجريحة عينيها السوداوين، ونهضت من السرير متوجهة إلى الصالون. بدأت تتفحص المكان بدهشة، وكأنها تحاول استيعاب وضعها الحالي....

...لكنها شعرت بشيء غريب تجاه هذا المنزل. لم يكن شعورًا بالانزعاج أو الخوف، بل كان شعورًا غامضًا بالألفة والحنين، رغم أنها لم تكن تعرف سبب هذا الشعور. كان هناك ارتياح في أعماق قلبها....

...بينما كانت تتجول في أرجاء المنزل، لفت انتباهها الملاحظة التي تركها يوري على الطاولة. تقدمت نحوها ببطء، والتقطتها، ثم نظرت إليها بتساؤل. أعادتها إلى مكانها وهي تلوح بيديها، بعلامات الاستفهام التي تعلو وجهها....

...جلست على الأريكة غارقة في أفكارها، حتى قاطع شرودها صوت معدتها الخاوية. رفعت يدها إلى بطنها، وصاحت بتذمر:...

..."أوووف، يا إلهي، أحتاج إلى الطعام! أنا جائعة جدًا!"...

...نهضت على الفور، بحثًا عن شيء يشبع جوعها، فتوجهت إلى المطبخ وفتحت الثلاجة بعجلة. سرعان ما وقع نظرها على الطعام الذي أعده يوري لها. ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها، التقطت الطبق، وبدأت تلتهم الطعام بسرعة....

...وبعد لحظات، دفعت الصحن بعيدًا، ثم صرخت بتذمر: ...

..."هذا لا يكفي أبدًا!"...

...جلست على الأريكة مجددًا، عاقدة حاجبيها تفكر. بعد لحظات من الصمت، ابتسمت وقالت بحماس: ...

..."بما أن الأمر وصل إلى هنا، ليس أمامي خيار آخر." ...

...نهضت مجددًا، وتوجهت إلى المطبخ....

...........

...في تلك الأثناء، يعود يوري إلى منزله، يعتريه الفضول لاكتشاف الأسرار التي يخفيها ذلك الكتاب الغامض....

...مرت مئات السنين دون أن يتمكن أحد من رؤية نور الشمس الساطعة، فما زالت مختبئة خلف الغيوم الكثيفة التي تحكمت في هذا العالم. لكن في وضح النهار، يتسلل القليل من ضوئها، محاولًا إنارة هذا العالم المظلم، المحكوم عليه بالغرق يومًا ما، ما لم يتمكن أحد من إيقاف هذا المصير المحتوم....

...اعتاد يوري على العودة متأخرًا، غارقًا في ظلمة الليل القاتم، إلا أن عودته المبكرة اليوم منحته فرصة لرؤية الضوء الخافت في وقت الظهيرة؛ الضوء الضبابي في وقت الظهيرة....

...وهو يحتمي تحت مظلته الحمراء، رفع رأسه قليلًا نحو السماء الملبدة بالغيوم، وتمتم بحزن:...

..."مرّ وقت طويل منذ عدتُ في وضح النهار. ربما من الجيد أن أعود مبكرًا بين الحين والآخر، لكن هذا الضوء الخافت لا يكفيني... لا أريد رؤية مجرد جزء صغير، بل أريد رؤية مصدره، ذلك النور الذي يمحو الظلمات... الشمس."...

...ثم تساءل في نفسه:...

..."ترى، متى سأراها؟ تلك الأسطورة التي تختبئ وراء هذه السحب القاتمة... هي وحدها مصدر هذا الضوء الخافت الذي أراه الآن."...

...ثم ألقى نظرة خاطفة على حقيبته السوداء، وأخذ يفكر:...

..."آمل أن يكون هذا الغلاف المزيف خطوة نحو كشف الحقائق المخفية... وربط الخيوط المتشابكة في رأسي."...

...لم يستطع منع الأسئلة من التدفق إلى ذهنه:...

..."هل هذا الكتاب بالغ الأهمية، أم أنني أبالغ في تقديري؟...

...هل يخفي بين صفحاته شيئًا جوهريًا؟"...

...ثم قطب حاجبيه، وتسائل قائلا:...

..."ماذا لو كان مجرد شيء تافه؟ هل يمكن أن يكون شخص ما أخفاه هنا ليعود إليه لاحقًا؟"...

...عبس وجهه، واشتعلت عيناه ثم قال:...

..."إن كان الأمر كذلك... فسأعثر على ذلك الشخص، وسأجعله يدفع الثمن!"...

...لكن سرعان ما هزّ رأسه نافياً هذه الفكرة، وأطلق ضحكة ساخرة:...

..."لا، لا... لقد بالغت في التفكير حتى أوشكت على فقدان المنطق. لا يمكن أن يكون الأمر بهذا التعقيد!"...

...بدأ منزله بالظهور في الأفق، فتنهّد قائلاً:...

..."حسنًا، يكفي تفكيرًا! ها هو المنزل أخيرًا... لم يتبقَّ سوى لحظات وأعرف الحقيقة."...

...تسارعت خطواته، ثم ركض نحو المنزل متلهفًا، متشوقًا لكشف الغموض الذي يلف بالكتاب. وحين وصل، أخرج مفتاحه بسرعة، وأداره في القفل بحماس، ثم دخل الى المنزل. لكنه ما إن خطا إلى الداخل حتى توقف في مكانه مدهوشا، وارتسمت على وجهه ملامح الذهول ...

...سقطت حقيبته من يده، وتردد صوته الغاضب يهدر في أرجاء المكان:...

..."ما هذاااااااا؟؟؟؟!! ما الذي يحدث هنا؟!!!"...

.................................................................يتبع ...

...لماذا شعرت الفتاة الجريحة بالألفة في هذا المنزل؟...

...هل هي مجرد فتاة عادية ام هناك سرا ورائها؟...

...من هو الشخص الذي ترك هذا الكتاب ذا الغلاف المميز؟...

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon