اسرار بين الماضي والمستقبل

الفصل الثاني: اسرار بين الماضي والمستقبل

ضحك شيروي وقال بنبرة ساخرة:

"على غير المتوقع... يبدو أن لديك جانبًا لطيفًا."

قطب يوري حاجبيه ورد بوجه عابس:

"لا تدعي الجهل لتدفعني إلى تكرار الحديث عن أحلامي، فقط لتواصل العبث معي"

مرر شيروي يده خلف رأسه بعفوية ثم ضحك قائلا:

"أوه، لقد كشفت امري! آسف آسف، لكني بصراحة أحب رؤية هذا الجانب اللطيف منك يا رجل الاحلام."

رمقه يوري بنظرة حادة وقال بانزعاج:

"ماذا؟ 'رجل الأحلام'، لا تمنحني ألقابًا غريبة! شيروي، أنت مزعج كعادتك... ربما عليّ التوقف عن مرافقتك."

لوّح شيروي بيده قائلاً:

"هيه، لا لا، كنت أمزح! كعادتك، لا تطيق المزاح."

ضحك العم فيري وهو يراقبهما ثم قال بابتسامة:

"يبدو أن علاقتكما جيدة، لديك صديق رائع يا يوري."

قطب يوري حاجبيه وقال بنبرة ساخرة:

"ما الذي تقوله؟ يبدو أنك تمزح."

ضحك العم فيري ثم ودعهما قائلاً:

"أراكم لاحقًا، يبدو أنكما مشغولان الآن."

ابتسم شيروي ولوّح بيده قائلاً:

"إلى اللقاء، عمي فيري."

تابع يوري وشيروي طريقهما تحت المطر، ممسكين بمظلاتهما وسط الزحام ونظرات العيون الساخطة، حتى وصلا إلى وجهتهما.

أمامهما، بنايتان ضخمتان، كل منهما مؤلفة من عشرين طابقًا. على إحداهما كُتب "CHI"، وعلى الأخرى "SORA".

توقف شيروي مقابل البناء وقال:

"يبدو أننا وصلنا."

تابع يوري سيره نحو مبنى شركة CHI، لكن شيروي أمسكه من كتفه وناداه:

"انتظر لحظة!"

التفت يوري إليه بنظرة باردة، فسأله شيروي بجدية:

"أردت أن أسألك عن تقدم أبحاثك."

رفع يوري رأسه نحو السماء الرمادية الممطرة وتنهد قائلاً:

"القليل... القليل."

رفع شيروي حاجبيه متسائلًا:

"ماذا تقصد؟"

أشاح يوري بوجهه ثم تنهد قائلا:

"أعني القليل.. القليل... الذي لا يستحق الذكر."

ابتسم شيروي وقال بثقة:

"أعلم أنك لا تستسلم، وتذكر أني هنا إن احتجت إلى أي مساعدة."

أدار يوري وجهه إلى الجهة الأخرى، وابتسم بخفوت وهمس بصوت بالكاد يُسمع:

"أعرف أنك بجانبي..."

توقف شيروي وحدق به قائلاً:

"هل قلت شيئًا؟ لم أسمعك."

التفت يوري الى شيروي، ثم قال بنبرة واثقة:

"لا تقلل من شأني... قريبًا، سترى النتائج بنفسك ".

ضحك شيروي ورد بحماس:

"بالطبع، أنا واثق من ذلك!"

ابتسم شيروي مودعًا يوري وقال:

"إلى اللقاء، يوري!"

سار كلاهما في طريقين متعاكسين، يوري نحو شركة (CHI)، وشيروي نحو شركة ((SORA.

"عند دخول يوري إلى المبنى، وقع بصره على مكتب الاستقبال المقابل للمدخل، حيث يجلس موظفان؛ أحدهما شاب أشقر ذو بنية نحيفة، والآخر موظفة ترتدي بدلة رسمية، بشعر وردي وعينين بنيتين.

توجه يوري نحو المكتب، فابتسمت الموظفة وقالت بلهفة:

'أهلًا بك، سيد يوري! كيف حالك؟ هل ترغب في أي مساعدة؟'

ثم أضافت، وهي تنظر إليه بإعجاب:

'ها أنت هنا مجددًا، تواصل بذل كل ما في وسعك لإنقاذ الأرض... نادرون هم من يمتلكون هذا التفاني.'

لكن يوري واصل مسيره، متجاهلًا كلماتها، وعيناه تعكسان برودًا واضحًا. وعند وصوله إلى مكتب الاستقبال، قال بصوت هادئ لكنه حازم:

'أرسلي فنجان قهوة سادة إلى مكتبي.'"

ابتسمت الموظفة وردت بلطف:

"بالتأكيد، سيد يوري. حالًا."

اتجه يوري إلى المصعد دون انتظار الموظفة اكمال حديثها، وصعد إلى الطابق الرابع، كما اعتاد دائمًا.

في مكتب الاستقبال، التفت الشاب النحيف إلى الفتاة وسألها:

"نايا، ألا تنزعجين من تصرفات يوري؟ ان اعمارنا متقاربة، الا انه يتعامل معنا باستصغار، حتى انه لا يرد على تحيتك."

رفعت نايا حاجبيها والتفتت إليه، ثم صاحت باسم:

"ساني! ماذا تقول؟ يوري! سيد يوري! لا تتحدث عنه بسوء، إنه يستحق التقدير على ما يفعله. فنحن مجرد موظفين استقبال، بينما هو بهذا العمر الصغير أصبح باحث يسعى لتحقيق هدف نبيل وهو إنقاذ البشرية. على الأقل أستطيع مساعدته بالقليل في هذا المنصب الصغير مقارنة بعمله الدؤوب والصعب."

رفع ساني بصره معترضًا على كلامها، وقال بتذمر:

"وهذا الشاب الذي تبالغين في قدره لم يحقق إنجازاً واضحاً. نحن من نواصل خدمته دون نتيجة واضحة تستحق الذكر."

قطبت نايا حاجبيها وقالت بانزعاج:

"ألفين سنة من المطر الدائم تريد منه ان يضع حدا لها ببضعة سنوات؟ هذا ليس من المنطق!".

ثم اضافت الى كلماتها وقال بوجه يملئه الثقة:

"انه عبقري! أصغر الباحثين! أنا أثق أنه الشخص الذي سيحررنا من المطر الكئيب."

التفت ساني نحو الجهة الأخرى وقال بنبرة ساخرة وصوت خافت:

"الشخص الذي سينقذ العالم، ها! ... لقد رأينا ما رأيناه من والده، إنه مجرد شاب متبجح ومتعالٍ."

نظرت نايا إليه وتساءلت:

"هل قلت شيئًا؟"

أجاب ساني بسرعة:

"لا شيء، كنتُ فقط أتساءل لماذا تقدّرين يوري بينما هناك الكثير من الباحثين غيره."

ابتسمت نايا وقالت بثقة:

"أليس من الواضح؟ إنه الأفضل والأذكى!"

ارتسم الضيق على ملامح ساني، فزم شفتيه وصمت، متجاهلًا الرد.

في تلك الأثناء، وصل يوري إلى مكتبه المكدس بالكتب والأوراق المرتبة بعناية. ألقى نظرة سريعة على الفوضى المنظمة من حوله، ثم جلس على كرسيه الدوّار، وتنهد قائلاً:

"أشعر بالتعب قليلًا... لماذا تأخرت القهوة؟ لا أستطيع البدء بالعمل من دونها."

أخذ يقلب الأوراق، متنقلًا بينها بعشوائية، يمرر نظره بين صفحة وأخرى، ثم القاها على المكتب...

أسند ظهره على الكرسي، ووضع يديه خلف رأسه، رافعًا وجهه نحو السقف، أخذ نفسًا عميقًا، ثم أغمض عينيه الزرقاوين ببطء، غارقًا في التفكير

"لماذا يا ترى... لماذا لا أشعر بأي تقدم في أبحاثي؟

هل ارتكبتُ خطأ في مرحلة ما؟ هل أخطأت ولم أدرك ذلك حتى الآن؟

وإن كان هذا صحيحًا، فما هو الخطأ الذي ارتكبته ولماذا لم أتمكن من اكتشافه؟

عبس قليلًا، وقال بصوت حزين:

"في اللحظة التي اشعر بها أني أخيرا تقدمت خطوة للأمام، أجد نفسي في اللحظة التالية دون ان أدرك أني قد عدت خطوات الى الخلف، وكأن هناك من يراقبني ويمنعني من الوصول إلى الحقيقة".

ثم طأطأ رأسه نحو الارض، وقال بصوت يحمل في طياته حزن عميق:

"أبي... أخبرني، ما الذي يجب عليَّ فعله؟"

"لم أشعر بهذا الشوق وهذا الضياع منذ زمن طويل..."

أخرج قلادة دائرية من صدره، نُقش على غلافها الخارجي طائر يحلّق نحو اليمين. فتحها ببطء، وعيناه تترقبان الصورة التي بداخلها... صورة والده. بقي يتأملها بنظرات يغمرها الشوق والحزن، ثم تمتم بصوت خافت:

"أبي... تُرى، هل سأتمكن من إنقاذ الأرض؟"

ترددت في ذهن يوري كلماتٌ بصوت عذب:

"اسمعني يا بني، هذا الطريق مليء بالتحديات والمخاطر، ستسمع حتمًا كلماتٍ تثبط العزيمة، وقد تمر بلحظاتٌ تشعر خلالها أنك تواجه الدنيا وحيدًا، لكن إياك أن تستسلم!

ففي كل محنة تكمن منحة خفية، لن تنالها إلا بالعزيمة والإصرار. تذكّر دائمًا: بعد العسر يسر، وما إن تتخطى الصعاب حتى تنفتح أمامك الدروب والآفاق الواسعة، لتنطلق إلى الأمام بروح متجددة.

لا تسلك هذا الطريق الطويل وحيدًا، فهو موحش وشاق. ستحتاج إلى رفاق تثق بهم، لا ليأخذوا بيدك حين تسقط فحسب، بل ليذكّروك بغايتك، ويعيدوك إلى الدرب إن ضللت. وفي النهاية، ستجد من يضيء قلبك حين يحيطك الظلام"

"أبي... لقد تعبت. هل هذه هي المحنة التي تحدثت عنها؟ أم أنني سأواجه لحظات أشد قسوة؟"

تنهد بعمق، ثم واصل بصوت خافت:

"أخبرتني من قبل أن طريق الإنقاذ أصعب من طريق التخلّي، وأنه يجب عليّ العثور على من يمكنني الاعتماد عليه. لكن الآن... وكما قلت لي، يبدو أن من استسلموا لليأس أكثر بكثير ممن يسعون لإنقاذ الأرض.

كانوا يأملون لفترة قصيرة، لكن بعد رحيلك، لم يبقَ سوى القليل ممن لا يزالون متمسكين بالأمل."

أغمض عينيه الزرقاوين للحظة، وكأنما يبحث عن إجابة في ظلام أفكار ثم قال مجيبا لنفسه:

"في هذه الرحلة الشاقة، لم أتمكن من الوثوق سوى بشخص واحد...وهو شيروي. هل هذا غير كافٍ؟ هل يجب أن يكون لدي المزيد من الأصدقاء؟ لكنني لا أستطيع الوثوق بأحد غيره... فهل هذا خطأ؟ هل يجب أن أغير طريقة تفكيري؟"

أخذ نفسًا عميقًا، ثم فتح عينيه ببطء:

"لا مفر... إن لم أستطع الوثوق بأحد آخر، فلا خيار أمامي سوى البحث عن طريقٍة أخرى.... لا بد أنني غفلت عن شيء... عليّ تفقد المكتبة مجددًا"

صوت طرق الباب يقطع أفكار يوري ...

"سيد يوري، جهزنا لك القهوة."

رفع يوري رأسه ثم أعاد القلادة الى داخل ثيابه وقال منزعجا:

"أدخِلها... لقد تأخرت القهوة."

دخلت نايا بخطوات مترددة، ووضعت كوب القهوة على المكتب، ثم عبرت عن تأخرها بأسف قائلة:

"أعتذر عن التأخير، سيد يوري."

نظر إليها نظرة عابرة وقال بصوت هادئ:

"حسنًا، يمكنكِ الخروج."

خرجت نايا من المكتب، فتناول يوري القهوة بحماس قائلاً:

"وأخيرًا، ها هي قهوتي التي انتظرتها! والآن سأترك الشكوى جانبا، تأخر القهوة دفعني للغرق في متاهات أفكاري "

ارتشف منها رشفة وأغمض عينيه ثم استعاد نشاطه قائلا:

"هذا ما كنت أحتاجه لأستعيد طاقتي! فالنحيب ليس من شيمي، سأقوم بجولة في المكتبة لعلي أجد كتابًا مفيدًا."

نهض من مقعده، ممسكًا بكوب القهوة، وبدأ يتجول بين رفوف المكتبة."

أثناء تجواله بين رفوف المكتبة، مرّر أصابعه برفق على الكتب، مستشعرًا خشونتها الخفيفة، يتفحّص عناوينها بتمعّن. فجأة، استوقفه عنوان غريب. تراجع خطوة، رفع حاجبيه بدهشة، ثم تمتم بصوت خافت، وكأنه غير مصدق:

"تعلّم الطبخ في ثلاث ليالٍ؟!"

ضحك مستهزئًا ثم علق قائلاً:

"أي جنون هذا؟ هل يمكن حقًا تعلّم الطبخ في ثلاث ليال؟!"

لكن سرعان ما تلاشت ابتسامته، وحلّت محلها نظرة شك. هذه المكتبة متخصصة في بحوث حول حلول توقف المطر، ولا يُفترض أن يكون فيها مثل هذا النوع من الكتب. هذا خطأ… لا شك في ذلك. ولكن… لماذا؟ شيء ما بداخلي يخبرني ان الامر ليس مصادفة

مدّ يده إلى الكتاب متحسسا غلافه بأصابعه، فشعر بخشونة غير متوقعة. لحظة.... هذا ليس غلافًا عاديًا… إنه مزيف.

كتم أنفاسه، تسارعت أفكاره، وخفق قلبه. لم يكن مجرد توتر، بل إحساس غريب… وكأن عقله بدأ يربط خيوطًا خفية لم يكن يعلم بوجودها. ضغط أصابعه على الغلاف، وعيناه تحدقان فيه بتساؤل:

لماذا قد يضع أحدهم غلافًا مزيفًا على كتاب في هذه المكتبة؟

لا يمكن أن يكون مجرد عبث عشوائي .... ليس في هذه المكتبة وهذا القسم وهذه الرفوف التي لا يلمسها سواي

تمتم ببطء:

"رسالة؟ تحذير؟ أم… شيء آخر؟"

بدأت الأفكار تتزاحم في ذهنه كقطع أحجية متشابكة. رفع يده إلى شفتيه، واتسعت عيناه تدريجيًا وهو يستوعب الحقيقة… الحقيقة التي تجمّعت أخيرًا أمامه، الحقيقة التي كان غافل عنها!

"هل يعقل… أنني كنت مراقبًا طوال هذا الوقت؟"

نبض قلبه تصاعد الى أذنيه، ونظر حوله بحذر. الرفوف الصامتة بدت مختلفة الآن… هل هو وحده حقًا؟ أم أن هناك من يراقبه؟

بلع ريقه، محاولًا أن يبدو طبيعيًا. قبض على الكتاب بقوة. القرار لم يكن سهلًا… تردد قليلا

ثم خطر في ذهنه

"ان كنت مراقبا ففتحه هنا سيكون مخاطرة. لكن إن تأخرت، فقد يُسرق قبل أن اكتشف سره "

قبض على الكتاب بإحكام، ثم رفع رأسه ببطء وابتسامة النصر ترتسم على شفتيه. تأمل الكتاب بعينيه الزرقاوين المشتعلين بالحماس، متيقنًا أنه قد أمسك بطرف الخيط الذي قد يقوده إلى بداية مشوقة مثيرة للاهتمام

_________________________________________________يتبع

ما سر هذا الكتاب الغريب، ولماذا هو هنا بالذات؟

هل هناك من يحاول إيقاف أبحاث يوري؟ ولماذا؟

ما الذي سيحدث لو فتح الكتاب في تلك اللحظة؟

هل اقتراب يوري من الحقيقة سيعرضه للخطر؟

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon