#غريب_في_منزلنا
مرَّت الأيام، وكان الصمت الذي ساد بين آدم وليلى في المكتبة يشير إلى الكثير مما لم يُقل بعد. لم يكن صمتًا عاديًا، بل كان يحمل وراءه ظلالًا غير مرئية، تذكّرهما بأن هناك أمورًا أعظم من أن يُفهما في اللحظة الحالية. ليلى كانت تشعر بذلك بوضوح؛ كانت تعلم أن آدم يحمل أسرارًا أكثر بكثير مما كشف عنه، ولكنه في ذات الوقت لم يكن مستعدًا لمشاركتها بأي منها.
في إحدى الأمسيات، بينما كانت السماء تمطر بغزارة، شعرت ليلى بحاجة ماسة للابتعاد قليلاً عن المنزل والبحث عن هواء جديد. كان التوتر في وجودها مع آدم يزداد يومًا بعد يوم، فقررت الوقوف عند النافذة في الصالة لمراقبة المطر، وهو يتساقط بغزارة، ويغسل الأرض. كان الجو هادئًا بشكل غير معتاد، لكن في داخلها كانت هناك مشاعر متضاربة، تتراوح بين الفضول والخوف. كان عقلها غارقًا في التساؤلات حول ما كان يخبئه آدم لها.
بينما كانت غارقة في أفكارها، سمعت خطوات خلفها. التفتت ببطء لتجد آدم واقفًا عند مدخل الصالة، يراقب المطر كما فعل في تلك الليلة في المكتبة. ولكن هذه المرة، كان يبدو أكثر توترًا، وكأن المطر يثير ذكريات مؤلمة لديه.
"هل تحب المطر؟" سألته ليلى بلطف، محاولة كسر حاجز الصمت الذي كان يلف المكان دائمًا بينهما.
"ليس دائمًا..." أجاب آدم بصوت منخفض، دون أن ينظر إليها، كان تركيزه على شيء بعيد في الأفق. "المطر يذكرني بأشياء أريد نسيانها."
كانت هناك في نبرته شيء يجعل ليلى تقترب منه أكثر، كأنها تريد معرفة المزيد. "أشياء مثل ماذا؟"
تنهد آدم بعمق، كأنه كان يقاوم شيئًا داخليًا. "ليلى، هناك أمور في الماضي لا أستطيع أن أخبرك بها الآن. ولكنها تلاحقني في كل مكان. وجودي هنا، في منزلكم، ليس مجرد صدفة. هناك أشخاص... أشخاص سيبحثون عني قريبًا."
كان صوت آدم عميقًا وأخذت كلماته في قلب ليلى صدى لم تشعر به من قبل. برودة عميقة اجتاحت جسدها، كما لو أن كلمات آدم كانت تخترق عظامها. "من هؤلاء الأشخاص؟ ولماذا يبحثون عنك؟" سألت، وعينيها تتابعان كل حركة له.
أدار آدم رأسه أخيرًا، ونظر إليها للمرة الأولى منذ أن دخل الغرفة. كان في عينيه حزن وقلق واضحين. "لقد كنت جزءًا من منظمة... منظمة سرية. وعندما تركتها، أصبحت هدفًا. والآن، أخشى أن وقت مواجهتهم يقترب."
تجمدت ليلى في مكانها، غير قادرة على استيعاب ما سمعته. "منظمة سرية؟ ما الذي فعلته لتصبح هدفًا؟"
اقترب آدم منها خطوة، وكان صوته يزداد عمقًا وجدية. "ارتكبت أخطاء. أخطاء دفعتني للهروب، للاختباء. لكنني لا أستطيع الهروب إلى الأبد. في النهاية، سيجدونني."
في تلك اللحظة، كانت ليلى تدرك أن الأمور أصبحت أخطر بكثير مما كانت تتخيل. لم يكن الأمر مجرد ماضٍ غامض وحسب، بل كان هناك خطر حقيقي يهدد حياتهما. كانت تعلم أن آدم لن يتمكن من البقاء هنا إلى الأبد، وأن وجوده في منزلها قد يجلب خطرًا حقيقيًا.
"ما الذي سنفعله؟" سألته ليلى، وكان صوتها يرتعش من الخوف الذي بدأ يتسلل إلى قلبها.
"أنتِ لن تفعلي شيئًا، ليلى." قال آدم بحزم، وكان صوته مليئًا بالجدية. "هذا ليس صراعك. هذه مشكلتي، وأنا سأتعامل معها. ولكنني أريدك أن تكوني مستعدة... قد يحدث شيء قريبًا."
لم تستطع ليلى أن تتحدث. كانت أفكارها مشوشة، قلبها مليء بالأسئلة، لكنها كانت تعرف في أعماقها أن آدم يقول الحقيقة. هذا الصراع الذي حمله معه لم يكن مجرد قصة غامضة، بل كان واقعًا خطيرًا يقترب منهما بسرعة.
قبل أن يتركها ويخرج إلى الظلام، اقترب آدم منها وهمس بصوت خافت: "أريدك أن تثقي بي، مهما حدث."
ثم استدار وخرج من المنزل، تاركًا ليلى واقفة بمفردها أمام النافذة، تشاهد المطر يتساقط بشدة، كما لو أن السماء تعكس مشاعرها المتشابكة. كانت تعرف أن حياتها لن تعود كما كانت، وأن آدم جلب معه عاصفة من الأسرار والتهديدات التي ستغير كل شيء في حياتها.
في تلك اللحظة، أدركت ليلى أن وجود آدم في منزلهم لم يكن مجرد زيارة عابرة، بل كان بداية لمرحلة جديدة مليئة بالخطر والمجهول، مرحلة لن تكون سهلة، وستتطلب منها أن تكون أكثر قوة وصلابة من أي وقت مضى.
Comments