ظلال الخوف

مرت الأيام بسرعة، كأنها تهرب من بين يدي ياسمين في كل مرة كانت تقرر أن تلاحقها. كان اليوم الذي يقترب منه الجميع بقلق، يوم ميلادها التاسع عشر، يحمل في طياته مزيجًا من المشاعر. بالنسبة لها، كان علامة فارقة في حياتها، ليس بسبب احتفالات أو هدايا، بل لأنه كان اليوم الذي ستضطر فيه إلى اتخاذ قرار يغير مسار حياتها إلى الأبد.

كانت ياسمين تشعر بالوحدة في كل لحظة تمر، ولا يمكنها الهروب من حقيقة أنها لا تستطيع الهروب من هذا الزفاف المفروض عليها. وفي كل ليلة، كانت تستيقظ في منتصف الليل وهي تذرف الدموع، تشعر بأنها لا تستطيع التنفس في هذا المنزل الذي لا يحتوي سوى على جدران باردة وذكريات مريرة.

لقد أمضت حياتها في انتظار اللحظة التي ستعيد فيها بناء نفسها، لكنها لم تكن تعلم أن تلك اللحظة ستأتي مع ضغط كبير عليها. كان الجميع حولها يحاولون فرض إرادتهم، سواء من خلال التهديدات أو بالأوامر التي تجعلها تشعر بأنها مجرد قطعة شطرنج في لعبة أكبر منها بكثير. حتى خالتي فريدة، التي كانت بالنسبة لها الملاذ الوحيد، كانت تراقبها بنظرة مفعمة بالقلق، تحاول أن تبقى قريبة منها دون أن تفرض عليها شيئًا أكثر من قدرتها.

كانت فريدة تعرف أن ياسمين تحتاج إلى أن تجد نفسها، وأن تكون قادرة على اتخاذ قراراتها الخاصة. كانت تراقبها وهي تسير في دهاليز المنزل، تسير بخطوات خفيفة، وكأنها تخشى أن يراها أحدهم في لحظة ضعف. ومع ذلك، كان قلب فريدةيعذبها لرؤية ابنة شقيقتها بهذا الشكل. هي لم تكن تعتبرها مجرد طفلة، بل كانت تراه كرفيقة روح، وكأنهما سافرتا معًا عبر عالم من الأمل واليأس.

لم يكن قرار الزفاف مفاجئًا فقط بالنسبة لياسمين، بل كان مفاجئًا أيضًا بالنسبة لأخيها الذي كان في الخارج. رائد، الذي نال تعليمه في الخارج، كان يحاول التواصل مع عائلته قدر الإمكان، لكنه كان يعلم أن هناك شيء غير مريح يحدث في داخل المنزل. كان يشعر بأن هناك شيئًا يلوح في الأفق، وكان يحاول دائمًا أن يرسل رسائل دعم لياسمين، لكن المسافة كانت تجعل الأمر صعبًا عليه.

بينما كانت ياسمين تحاول تهدئة نفسها، كان ذهنها مليئًا بالتساؤلات. كيف يمكنها أن تواجه هذا الموقف؟ كيف ستتمكن من مواجهة زواج مفروض عليها؟ كانت تعرف أن الخيارات أمامها ضئيلة. في كل مرة كانت تفكر في الميراث والصراعات العائلية، كانت تشعر كما لو أن هذا الميراث كان لعنة تُلاحقها، تلتصق بها على الرغم من أنها لم تكن تهتم بالماديات. كانت أرواحهم الممزقة، التي كانت تخوض صراعًا مستمرًا، هي ما كانت تحاول الهروب منه، ولكنها تجد نفسها في وسطه بلا حول ولا قوة.

في تلك الليلة، بينما كانت تراقب انعكاس صورتها في مرآة غرفتها، شعرت بشيء غريب يتسلل إلى قلبها. لم يكن مجرد خوف، بل شعور بالذنب. كانت تشعر بأنها قد خانت نفسها طوال تلك السنوات، وأنها ضحت بالكثير من أجل شيء لم يكن في يوم من الأيام من اختيارها. فجأة، شعرت بأن الميراث كان مجرد غطاء لخوف عميق كان يعيشه الجميع، أن هذا المال لم يكن سوى وسيلة للتهرب من المأساة الحقيقية التي عاشت فيها عائلتها.

كانت فريدة قد لاحظت التغيير في ياسمين، وعرفت أن اللحظة الحاسمة قد حانت. دخلت إلى غرفة ياسمين بهدوء في تلك الليلة، وجلسات بجانبها على السرير، محاولة أن تزيل عن قلبها القلق الذي كان يضغط على صدرها. "ياسمين، لا أريدك أن تشعري وكأنك وحيدة. أنا هنا معك دائمًا. لن أتركك." قالت فريدة بصوت منخفض، لم يكن الصوت مجرد كلماتبل كان يحمل في طياته كل العواطف التي تحملها لها.

لكن ياسمين كانت لا تزال مشوشة. "لكن ماذا عن الجميع؟ ماذا عن الزفاف؟ لا أستطيع أن أهرب من ذلك. كل شيء يضغط علي، وأنا لا أعرف ماذا أفعل." قالت ياسمين وهي تهز رأسها، عيونها مليئة بالدموع.

فريدة أمسكت بيدها بلطف، "أنا هنا من أجلك، يا عزيزتي. سنجد مخرجًا معًا. إذا كان هذا الزفاف لا يعني لك شيئًا، فلا تدعيه يحدث. كل شيء في يديك، القرار في قلبك. لا تدعي أحدًا يفرض عليك شيئًا لا تريدينه."

في تلك اللحظة، فهمت ياسمين أنه ربما كانت على وشك أن تصنع قرارًا يغير حياتها. شعرت بشيء جديد يتشكل في قلبها، شيء أقوى من الخوف، من القيد، من الماضي. كان هناك جزء منها يريد أن يتنفس بحرية، جزء منها كان يتوق إلى حياة ليست مليئة بالدموع والآلام.

في اليوم التالي، عندما استفاقت ياسمين من نومها، كانت الأجواء مليئة بالرهبة. اليوم الذي كان الجميع يترقبونه قد أتى، لكنه لم يكن مجرد يوم عادي في حياة ياسمين. كان يومًا ستختار فيه مصيرها. وبينما كانت تجلس على حافة السرير، تذكرت كلمات فريدة. القرار في يديها، وهي التي ستحدد ما سيكون عليه مستقبلها.

كان اليوم الذي سيغير كل شيء. هل ستستسلم لما هو مفروض عليها، أم ستقرر أن تكون حرة في اختيار حياتها، حتى وإن كان ذلك يعني الوقوف في وجه كل ما عرفته؟ كان الخوف يغزو قلبها، ولكن كان الأمل أيضًا يضيء في عينيها. كان قرارًا سيضعها على طريق جديد، طريق مليء بالأسئلة التي كانت تبحث عن إجابات لها طوال حياتها.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon