بداية من النور و الظل

كانت حياة فاطمة وسفيان بداية أسطورة، قصة حب تجسد الأمل في قلوب كل من حولهم. كان زواجهما مليئًا بالوعود والابتسامات، وكانا يشتركان في حلم واحد: تأسيس أسرة تكون ملاذًا من هذا العالم الصعب. حلموا معًا بمنزل مليء بالضحكات، وأصوات الأطفال التي تملأ أرجاء المكان، إلا أن الأيام كانت تمر ببطء، وكلما طال انتظارهم للأمومة والأبوة، كانت العقبات تظهر من دون أن تلوح لها نهاية.

في صباح مشمس، وبعد سنوات من التمنيات والانتظار، وجدوا أنفسهم في غرفة الطبيب، حيث انفجر قلبهم بألم بعد سماع الخبر الصاعق. "لن تكون لديكم أطفال." كانت الكلمات باردة، لكن وقعها كان أكثر برودة من أي شيء قد مروا به من قبل. كان ذلك بمثابة صدمة لم يكونوا مستعدين لها. ولكن، بدلاً من الاستسلام للألم، قرروا أن يواجهوا مصيرهم بعزيمة لا تلين. قرروا أن يتبنوا طفلًا، وأن يقدموا له حياة يملؤها الحب، وهو الشيء الوحيد الذي يملكونه.

في تلك اللحظة، كان هناك طفل في السابعة من عمره يدعى رائد. كان يعبر عن ضحكته النقية في كل زاوية من المنزل، ويملأ أرجاء المكان بحيوية غريبة. كان رائد طفلًا مشاغبًا، لكن بداخل قلبه كان يحمل شيئًا آخر، شيئًا لا يستطيع التعبير عنه سوى بعينيه. كان يحمل ملامح تتفاوت بين الطفولة والرجولة، وكأن الحياة قد ألقت به إلى عالمين. رغم ما كان يشعر به من ألم بسبب ذكرياته عن أسرته البيولوجية، كان بين يدي سفيان وفاطمة يشعر بشيء من الأمان، لكنه لم يكن يعي تمامًا كيف سيكون المستقبل.

لكن الحياة كانت تخبئ لهما مفاجآت، ففي الوقت الذي كان فيه سفيان وفاطمة يبنيان أسرتهم، كان هناك شيء آخر ينتظر في الظلام. حين كان رائد في السابعة من عمره، وبينما كانوا في انتظار اللحظة التي سيعود فيها الفرح إلى قلوبهم، حملت فاطمة مجددًا، وُلدت ياسمين في ليلة كانت السماء فيها صافية، والأشجار تهتز برقة وكأنها تبارك قدومها. كان هناك فرح عميق في المنزل، لكن الفرح هذا كان يحمل مرارة غير مرئية، فقد كانت ولادة ياسمين بمثابة تسوية بين الحياة والموت. لم تكن فاطمة لتبقى على قيد الحياة طويلاً بعد ولادتها. مرت أيام قليلة، وكان الحزن يثقل على الجميع حين تلقوا الخبر الموجع. غادرت فاطمة الحياة في لحظة كان يفترض فيها أن تكون مليئة بالفرح، وتركَت خلفها غيمة من الحزن.

لم يكن سفيان يعرف كيف يواجه هذا الواقع المأساوي. كان قد فقد شريكته في الحياة، لكنه قرر أن يكون هو القوة التي تحتاجها ياسمين ورائد، رغم أن قلبه كان محطمًا. كان يحاول أن يملأ الفراغ الذي تركته فاطمة، لكنه كان يعرف أن لا أحد يمكنه تعويض فقدان الأم، خاصةً بالنسبة لطفلة لم تعرف سوى الفقد. كان يسعى جاهداً ليكون الأب والأم في الوقت نفسه، لكنه كان يشعر بالعجز أحيانًا، لا سيما عندما ينظر إلى ياسمين الصغيرة التي لم تتمكن من معرفة دفء حب الأم.

كبر رائد بسرعة غير طبيعية، وكان يعاني في كل خطوة من كونه هو المسؤول عن عائلته رغم أنه لا يزال شابًا. كان يحاول أن يكون الأب والأخ في ذات الوقت، لكنه كان يعلم أن المهمة ثقيلة عليه. لم يكن سفيان بحاجة إلى أن يخبره أنه سيكون له دور كبير في حياة ياسمين، فقد كانت هناك أشياء غير مرئية تربطهم ببعضهم البعض. مع مرور الأيام، أصبح رائد بمثابة الأب الثاني لياسمين، وكانت هي بالنسبة له أكثر من أخت، بل كانت جزءًا من روحه. لكن القلبين الصغيرين لم يتمكنا من الهروب من هموم الحياة. رغم كل المحاولات للحفاظ على تماسك العائلة، كانت الخيانة حاضرة دائمًا في الأفق.

كانت الهمسات تتزايد حول ميراث العائلة وحقوقهم في ممتلكات الأم، وبدأت النزاعات العائلية تظهر على السطح بشكل غير متوقع. وبينما كان سفيان يحاول أن يخفف من وطأة تلك التوترات، بدأت بعض الأصوات الخفية داخل العائلة تتأجج، مما دفعه إلى اتخاذ قرارات قد لا يكون مستعدًا لها. ورغم كل المحاولات للحفاظ على تماسك العائلة، كانت الخيانة حاضرة دائمًا في الأفق، لا سيما حين ظهر أعمام وأقارب يطالبون بمستحقاتهم من الميراث.

وفي يوم من الأيام، تلقى سفيان مكالمة هاتفية غيّرت مجرى حياته بشكل كامل. كانت رسالة من شركة يعمل فيها، وسرعان ما تحول الحدث إلى مأساة ثانية. كان الحادث في الشركة كارثيًا، حيث فقد سفيان حياته في حادث مفاجئ. ترك وراءه ياسمين ورائد في عالم مليء بالغموض والشكوك. أصبح الحزن أقوى من كل شيء، وترك سفيان فراغًا هائلًا في قلب عائلته. لكن رغم الخسارة، كان لابد لهما أن يتقدما. كان قلب رائد يعتصر ألمًا، لكن كان يعلم أنه يجب أن يتحمل المسؤولية، لا من أجل نفسه، بل من أجل ياسمين التي أصبحت يتيمة في لحظة غريبة لم يكن يتوقعها.

بدأت العائلة تسيطر على الميراث، وأصبح رائد هدفًا لتصرفات غير عادلة من أفراد العائلة، الذين لم يترددوا في طرده من المنزل. لم يتوقع أن يصل بهم الحال إلى هذه الدرجة من القسوة. لكن كان لديه شيء واحد يظل قابلاً للتمسك به: جواز سفره. قرر أن يسافر خارج البلاد ليكمل دراسته، لكن في نفسه، كان يشعر بثقل غياب والديه في كل خطوة يخطوها.

بينما كان رائد يبتعد عن الوطن، كانت ياسمين تواجه حربًا في داخلها. ورغم كل المصاعب التي مرّت بها، كانت تحمل قلبًا مليئًا بالأمل، كما كان يفعل والديها في يوم من الأيام. ولكن لم يكن من السهل أن تظل قوية في وجه الرياح العاتية التي كانت تواجهها من جميع الاتجاهات. كانت تشعر بالحيرة في كل خطوة تتخذها، وكأنها تقف على حافة الهاوية بين رغبتها في الهروب من الماضي وبين مسؤولياتها تجاه الميراث والعائلة.

عند وصولها إلى سن الثامنة عشر، أصبح المستقبل أكثر ضبابية. لم يعد هناك مجال للأحلام البسيطة التي كانت تأملها عندما كانت أصغر. كانت الشخصيات التي حكمت حياتها من قبل قد تغيرت، ولم يعد هناك مكان للطفولة. كانت الخيانة في الهواء، وكان الحب مجرد ذكريات تتلاشى مع مرور الوقت. ومع حلول يوم ميلادها التاسع عشر، وجدت نفسها عائدة إلى الماضي المظلم، حيث كانت الأسرة قد قررت لها مصيرًا آخر.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon