"غارفيلد"
أول صديق لي كان شيطاناً بسيطاً، لم أكن أظن أنني سأصادق شخصاً كھذا، لكنھ يفي بالغرض، تبدو عليھ الطيبة والسعادة والطموح، قد أفعل أي شيءٍ لأرى وجھھ السعيد ھذا، كان يجري باحثاً في أرجاء المدرسة وأنا أتبعھ من الخلف، قلت لھ وأنا أرمقھ بنظرة خبيثة مصطنعة وأرفع حاجباي لحسَدي لھ على سعادتھ:
_ھاھ، تبدو سعيداً جدًّا.
\=نعم بالطبع.
ضربتھ بلطف على ظھرھ بينما أقول:
_ما سر كل ھذھ السعادة؟ ھاھ، أيھا الشيطان.
\=إنه سر، ستعرف عمّا قريب.
بعدھا، جرينا لوقتٍ وجيزٍ إلى أن وصلنا لتجمّع طلاب من نفس عمرنا، ظھر لي رأس ذو شعرٍ أشقر من بعيدٍ في مركزھ، فتوقف ساتان أمامھ كما فعلت، واتجھ نحو تلك الفتاة الشقراء التي كانت تعطي ظھرھا فلمسھا، قلت لھ ساخراً وأنا أشير لھا:
_ماذا؟ لا تقل لي أنك معجب بھذھ القبيحة.
لم تكن تلك الفتاة قبيحة أبداً، بل كانت جميلة جدًّا، وإنما شعرت بعدم الاِرتياح لھا فاحتجت لقول ذلك، لربما ھي ليست نوعي، أجابني ساتان بسرعة مدافعاً:
_نعم، وھي ليست قبيحة.
تعجبت الفتاة من كلامھ، فالتفتتْ لي، كانت شقراء للغاية بعينين زمرديتين، أنفھا صغير، قرنان ملتويان على رأسھا وجناحان كالتنين على ظھرھا، لكنني لم أعجب بھا رغم ذلك، قالت لي بغضبٍ طفيف:
_أنت، أما يقولھ ھذا الشيطان صحيح؟ أم ھو يھلوس؟
\=لا ، إنھ صحيح.
اِلتفتت لساتان فوجدتھ راكعاً على ركبتيھ مبتسماً وكأنھ لم يسمع ماقالتھ للتو، قال لھا:
_آنجي، منذ ذلك اليوم وأنا أحبك، اليوم الذي أتيت فيھ لقصر عائلة الشياطين، لذا أريد أن أعرف مشاعرك بخصوصي، أنا أحبك كثيراً.
تفاجأت المجموعة كلھا من كلامھ وكل من كان في الجوار، إلّا أنھا لم تفھم-أو تظاھرت بذلك-فقالت لھ بتكبر:
_ماذا؟ أعِد ما قلتھ.
كرّر صديقي الجديد قولھ بالحذافير، فعلمت حينھا أن الوضع متجھ للسوء، فقالت لھ بنبرةٍ ساخرةٍ وابتسامةٍ خبيثة:
_ماذا؟ لا أصدق ذلك، شخص عامي مثلك، يريدني أنا، لا لا لا لا لا، لا تمزح معي، طلبت الكثير.
أردفت مخاطبةً أصدقاءھا ومشيرةً لساتان الذي كان لا يزال راكعاً وقد تحولت ملامح سعادتھ لصدمة مھولة، يبدو أنھ كان ينتظر ردًّا ورديًّا معاكساً للواقع:
_أنظروا من يريدني ! شيطان ضعيف و عائلة ضعيفة، ھاھاھا، أنا من عائلة التنانين المجنحة مستخدمو عنصر الذھب أحب شخصا عامياً من عائلة الشياطين الضعيفة مستخدمو عنصر الصدأ؟!
جعل كلامھا الساخر الصاخب ذاك المزيد من الطلاب يتجمعون حولنا، كنت أرى الكثير منھم يضحكون على ساتان بعد كلامھا، فقال صديقي بحزن وحرقة:
_لكنني أحبك ولا يھم كل ھذا، أليس كذلك آنجي؟ قولي لي أنك تمزحين.
\=لا لا لا، ھذا مھم جدًّا، أنت لست كفؤاً بي أيھا الفاشل.
خاطبت من حولھا مجدداً:
_رددوا معي ! فاشل، فاشل، فاشل...
كنت أسمعھم يرددون تلك الكلمة "فاشل" وأنجرح من كلامھم كما لو كنت أنا المعني بھ، صديقي يقلل من شأنھ وأنا لم أستطع فعل شيءٍ لمساندتھ، أمرتھم تلك الخقيرة مجدداً بجعل الصوت أعلى، فكنت كل مرة أشتعل غضباً بدل صديقي الذي شدّ رأسھ باكياً دون مقاومة لتلك الأصوات، سمعتھ يھمس "لكنني أحبك" ثم رفع الباكي وصرخ لھا:
_أحبك، لكنني أحبك !
أجابتھ بصوتٍ ساخر منتشي:
_أنا لا أحب النساء.
لم أعلم بأنھا ستصل لھذا الحد من الإھانة لھ، غضبت لوھلة لكنني تمالكت نفسي، فوجدت ساتان ينھض في غضبٍ شديد من الأرض بعد قولھ ل"ماذا؟" بصوتٍ مسموع، رفع قبضتھ المغلقة بإحكام وأراد لكمھا، لكنني ما أردتھ أن يتسبب بالمزيد من المھانة لنفسھ، فأوقفتھ بشدّ يدھ وقلت لھ مواسياً:
_ساتان، لا بأس يا أخي، أنت تعطي القيمة لمن لا يستحقھا.
تقدمت نحوھ ونظرت في عينيھ الغاضبتين وقالت بصوتٍ مسموع:
_تبا لك أيھا الأحمق، كيف لك أن تحب شخصا قد قابلتھ لمرة واحدة في حياتك؟ كم أنت غبي أيھا الفاشل.
استشعرت بنوع من الشفقة ينبع من كلامھا الأخير الذي غادرت بعدھ المكان وتبعھا أصدقائھا، اِنتشر البقية أخيراً، وبقيت أنا وصديقي لوحدنا، كان جاثياً على ركبتيھ يضرب نفسھ ويقول أنھ يحبھا واستمر كذلك لفترة طويلة، فقلقت عليھ وقلت كلاما ياليتني ما قلتھ:
_صديقي، ھي لا تستحق حبك، ثم إنھا قبيحة.
قلتھا لأخفف حزنھ بالتقليل من آنجي، لكن يبدو أن التأثير كان عكسيًّا، فقد لكم وجھي بقوةٍ وغضبٍ صارخاً:
_اِبتعد عني.
فاجأني رد فعلھ، ولم أجد غير تحسس الكدمة في وجھي، لكنني غضبت كذلك وقلت لھ قبل أن أغادر بدوري:
_حسنا، تبا لك أنت وإياھا !
ذھبت بكبريائي، كيف لھ أن يفعل ذلك؟ ألا يعلم قدر الشجاعة التي استجمعتھا لمواساتھ؟ بذلت جھدي للتخفيف عنھ من ألم الحب، لكنھ دمّر كل ذلك بلكمتھ المفاجئة تلك، اِستمريت في المشي حتى قابلت رجلاً أعرفھ وذھبت معھ.. ومن حينھا قررت الانتقال من صف ساتان، ولم أشعر تجاھ صديقي المؤقت بغير الشفقة الشديدة.
》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《
"ساتان"
خرجت وأنا أتحسس جرحي العميق في قلبي من الأكاديمية، ولم يلحظ أحد تحركي-أو كانوا يتظاھرون بذلك-، لاحظت تحول جو اليوم المفاجئ لسماء غائمة مكسوة بالرمادي الكئيب، وكأنني وصلت بحزني لمعاداتھا بھ، الشمس الذھبية نفسھا لا تريد الاِشعاع على وجھي المحمر من الدمع، إنھ عقاب آخر آخذھ اليوم لحماقتي، جلست على عتبة نافورة الماء أمام البوابة وحيداً، أسمح لدموعي المكتومة بالإنھمار بعد تعرضي للإھانة بشتى أنواعھا، لا أحد بجانبي غير مخلوقٍ أسود وأحمر العينين، كان يقلّدني عندما اعترفت لآنجي، وھاھو الآن يحاكي جلوسي ويبكي معي دون دموع ولا يفنك ينظر إلي.. لكنني سمعت ھمساً بجانبي الأيسر يقول:
_لقد رأيتك.
فالتفتت بملامح منصدمة لأبصر فتاة في نفس عمري بشعرٍ قرمزي طويل وعينان ياقوتيتان، تملك أذنين مدببتين وقرنان، أحدھما طويل جدًّا والآخر قصير جدًّا على النقيض، كانت عفريتة بالتأكيد، لابد أنھا جلست بجانبي تنظر لي دون أن ألحظھا وقالت ذلك لتجعلني أدرك وجودھا، كانت الدموع متجمعةً في وجنتاي، فأردفت:
_لقد رأيتك عندما اِعترفت لھا، لم يكن عليھا أن تفعل كل ذلك لك، لكن أتعلم؟ لربما الشخص الناجح ھو بطبيعتھ مغرور، وھنا أقصد بأن الغرور جزء لا يتجزأ من الناجح، كل شخص ناجح في العالم لا بد لھ أن يحتقر الضعفاء والفاشلين ويذلھم ، لكنني كسرت ھذھ القاعدة للتوو جلست بجنبك يا ساتان ، وبالتالي فأنا مميزة.
أجبتھا بسرعةٍ شاكياً:
_لكن لمَ على الناجح أن يحتقر ذلك الفاشل بدل الإبتعاد عنھ وحسب؟ أو رفضھ وحسب؟
\=اِسمعني ساتان، ليس كل شيء يجري كما نريد في ھذا العالم، النجاح والفشل لا بدّ منھما، والفاشلون يستمرون في الفشل والناجحون يستمرون في النجاح، علينا أن نصنع ما نريد.
_ھل يمكن أن يخرج الفاشلون من لعنة الفشل؟
\=ھذا أمر صعب، عن نفسي لا أنصح بخوضھ لكنني أحس بالفاشلين وأشفق عليھم، ھذا لأن الفتاة التي أمامك مميزة كما قلت، أتريد الخروج من دائرة الفشل تلك لھذھ الدرجة؟
تحولت ملامحي المتسائلة لفرحةٍ كبيرةٍ عندما قلت:
_نعم أريد، لكن كيف؟ أخبريني رجاءً.
نھضت الفتاة ووقفت أمامي، ثم أسندت يدھا على ذقنھا تفكّر وقالت:
_حسنا، كيف أقولھا؟.. أممم، السر كلھ في الثقة بالنفس.
قالتھا وھي تشير لوجھي، فأردفت:
_ثِق بنفسك وسيحدث الأمر بدون أن تحس حتى، ستخرج من تلك الدائرة المسماة بالفشل وتصبح ناجحاً.
ثم أشارت لنفسھا مردفةً:
_مثلي.
حاولت المزاح فقلت متسائلاً:
_لكن، ألم يكن عليك وضع اِسمك بدل إشارة مبتذلة مثلَ "مثلي" في آخر جملة؟
فجارتني عندما أجابت:
_أوھ، آسفة آسفة.. أقصد مثل إليسا الأميرة العفريتة.
فنھضت أمد يدي داعياً للمصافحة مع قولي مبتسماً:
_تشرفت بك، إليسا الأميرة العفريتة.
اِبتسمتْ بدورھا ثم صافحتني قائلةً:
_تشرفت بك أيضا، أيھا الشيطان الفاشل، ساتان.
اِستمرينا في الإبتسام في أوجھ بعضنا والمصافحة إلى أن قلت:
_أعتقد أنھ يجب علينا توديع بعضنا البعض في ھذھ المرحلة، أيتھا الأميرة العفريتة.
أومأتْ إيجاباً وقالتْ:
_أوافقك الرأي، أيھا الشيطان الفاشل.
تركنا أيدي بعضنا ثم لوحت لھا مودعاً بينما أتوجھ إلى طريقي قائلاً:
_إلى اللقاء أيتھا الأميرة العفريتة.
فلوّحتْ بدورھا قائلةً:
\=إلى اللقاء أيھا الشيطان الفاشل.
سلكنا طرقاً متعاكسة، وكنت متفائلاً أجري نحو السائق كالأحمق الذي لا يعلم شيئاً، يالغبائي ! كنت أھمس لنفسي مبتسماً "آھ، يبدو أنني أضعت عصفوراً وضربت عصفوراً" ولكنني لم آبھ لأنھ لا يزال لدي عصفور ثالث لأضربھ، قھقھت ثم قلت لنفسي "لكن، يبدو أنني صرت ملماً بأنواع النساء الآن، النوع المغرور والنوع المتواضع، ولكنھ مغرور قليلاً" وذلك المخلوق يحاكيني.
》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《
صعد ساتان للسيارة مجدداً وكان بيل بموازاتھ يحاكي كل أفعالھ حتى وصل ساتان للقصر، ففتح الباب مبتسماً، وبينما ھو يسدھ إلى الداخل كان يقول بصوتٍ مسموع:
_لقد عدت، أتعلمون؟ تم قبولي في الأكاديمية، أليس ھذا خبراً جيداً؟
ألقى نظرةً على أفراد عائلتھ فوجد أن ملامحھم غاضبة بعض الشيء أمامھ، وكأنھم كانوا ينتظرون قدومھ، فقال متعجباً:
_ما بالكم تبدون ھذھ التعابير؟ أھذا لأنني تأخرت؟ آسف آسف.
كان أمامھ شيطانتان شابتان، إحداھما شعرھا قصير أسود وعيناھا حمراوتان وأذناھا مدببتان، تلبس زيًّا رسميًّا وربطة عنق، والإخرى بنفس مواصفات الأولى، لكن مع شعرٍ مربوطٍ وراء رأسھا، كلاھما بدا غاضباً، فھمست صاحبة الشعر القصير لصاحبة الشعر المربوط بصوتٍ مسموعٍ ونبرةٍ نابعةٍ من غضبٍ ونفورٍ شديدين:
_تبًّا، إنه يتصرف وكأنھ لا يعلم شيئاً يا مالفاس، حثالة.
فأجابتھا توأمھا بنفس النبرة:
_وفوق كل ذلك جاء متأخراً لكي ينسينا الأمر يا ھالفاس، منافق.
تعجّب ساتان من كلامھما، فقال:
_لم أفھم ماتحاولان قولھ، ھل-
قاطعتھ ھافاس بصوتٍ عالٍ:
_لقد ماتت الجدة ليليث ! أيھا الأحمق.
اِنصدم ساتان، فتراجع خطوة للوراء قائلاً بتردد:
_ماذا؟ ھذھ كذبة، لا لا لا لا لا بالتأكيد أنتِ تمزحين ھالفاس، قولي لي أنك تمزحين.
أجابھ شيطان شاب طويل القامة ذو لحية سوداء متوسطة الطول تغطي ذقنھ وفكيھ، قرناھ بنيان ملتويان على رأسھ وبشرتھ حمراء، يلبس زيًّا رسميًّا كذلك، كان واقفاً في ردھةٍ عالية قرب الغرف مخاطباً بنبرةٍ حادةٍ غاضبة، وصوتٍ مھيبٍ قاس:
_أما زلت تقول ھذا؟ أيھا القاتل !
نظر ساتان لذلك الشيطان نظرة خاطفة ثم بلع ريقھ بخوفٍ من حضورھ وھمس لنفسھ "جدّي لوسيفر؟" فأنزل رأسھ المرتفع بسرعةٍ مرغماً، والفتت ببطئٍ قاتلٍ لامرأة ثلاثينية كانت في الجوار ذات شعرٍ بني طويل، وعدساتٍ سوداء تتوسط عيوناً ضيقة، جفنھا كان قريبا للسواد تنظر بھ لھ بمقتٍ شديد، لم تكن تملك أيّ مواصفاتٍ شيطانية، كانت بشرية تلبس فستاناً أسوداً بسيطاً، قال ساتان لھا:
_أمي صدقيني، أنا لم أقتلھا.
صرخت أمھ في وجھھ بقوة:
_أنت حثالة ! كيف تقول ھذا وھي ميتة في غرفتھا الآن؟! لقد كنت معھا البارحة، من سيقتلھا غيرك؟! روح شريرة لعينة مثلا؟!
اِنصدم ساتان من كلامھا، فبدأ بتقبّل حقيقة موت جدّتھ، فتسائل "جدّتي ليليث قد ماتت؟ لا يعقل، مثل ذلك الشخص الطيب قد مات؟ لا أعلم لمَ يموت الأشخاص الطيبون أكثر من الأشخاص المحتقرين السيئين"،فأشارت لھ أمھ مكملةً كلامھا بصوتٍ أكثر علوًّا في وجھھ:
_أنت ملعون ! منذ ولدت والشرور تتبعك حتى جدّتك قد عاديتھا بتلك الشرور، أنت لا تستحق أن يتم الإقتراب منك ! تبًّا لك أيھا الإبن الملعون !!
اِلتفت ساتان يخاطِب جميع الأفراد الموجودين بالأرجاء مدافعاً:
_لكن ، ھذا اِتھام ! أنتم لم تروني، لم أقتلھا صدقوني.
اِلتفت إلى أمھ راجياً:
_صدقيني يا أمي !
ثم التفت إلى شيطانِ شابٍ ذو شعرٍ أسود طويل وقرنان جمراوان طويلان وعينان حاقدتان بنفس اللون، وجھُ طويل ونظرة مقيتة لأعلى حدّ:
_صدقني يا عمي ليفايثان !
ثم إلى بشرية ذات شعرٍ أسود متوسط الطول، كانت بجانب ليفايثان:
_صدقيني أيتھا الخالة ماريا !
ثم إلى شيطانٍ يلبس زيًّا رسميًّا أزرقاً سماويًّا، شعرھ بنّي قصير وشاربھ لولبي صغير أسود، عينانِ حمرواتانِ بنفس لون القرنين، كان في أعلى الدرج ينظر لھ من الأعلى بحدّة وملامحَ معدومة:
_صدقني يا أبي ! رجاءً !!
ظلّ أبوھ يرمقھ بظرةٍ ثاقبةٍ لوقت قصير، ثم صعد السلالم ببطئ بينما يقول بصوتٍ مسموع:
_اِتبعني، أريد التكلم معك، ساتان.
اِبتسم ساتان فرحاً فور سماعھ لكلمات أبيھ، فتلاشى خوفھ وصدمتھ، ثم صعد السلالم وراء أبيھ بسرعةٍ كالأحمق الذي لا يعلم شيئاً، كان يظن أن أباھ آستاروث قد صدّقھ وھو على وشك أن يثني عليھ لأنھ قْبِل في الأكاديمية إلى أن دخل آستاروث لمكتبٍ ذو مساحة واسعة، وجلس على الكرسي أمام ساتان الذي كان بعيداً جدًّا عليھ يسدّ الباب من الداخل، قال آستاروث:
_حسنا، كما ترى فالجدة ليليث والتي ھي أضعف عضوٍ في العائلة قد ماتت لسبب ما.
فور سماعھ لذلك، ظنّ ساتان أنھ بقول آستاروث "لسببٍ ما" فھذا يعني أنھ لا يشكّ فيھ، اِفترض أنھ بدأ يحبّھ بعد قبولھ في الأكاديمية، ثم قال لآستاروث بصوتٍ جاد:
_نعم، أبي.
\=في الواقع يا ساتان، لقد جلبتك إلى ھنا لكي أقول لك كلاماً مھماً بعيداً عن موضوع موت ليليث، وأرجو منك سماعي جيداً.
_ھل ستثني علي لإجتيازي اِختبار القبول؟
أجاب آستاروث بنبرةٍ لامبالية:
_حسنا.. لم أتوقع منك أكثر من ذلك ساتان، الأشخاص الفاشلون فقط من يعتقدون أنّ ھذا الإمتحان شيء يستحق الثناء، وھا أنت ذا تثبت لي مدى فشلك.
اِنصدم ساتان من جواب أبيھ، فسأل:
_ماذا؟ إذن ماھو ھذا الموضوع الذي سنتحدث عنه بالضبط؟
\=اِسمعني ساتان، منذ زمن بعيد كان ھناك خمسة خالدون يسمون أنفسھم ب"الحكماء الخمسة" وھم مؤسسو العوائل الخمسة الحالية، ومن بينھم الشيطان الأول والغول الأول والعفريت الأول، وقد أسسوا عوائلھم عن طريق الزواج بإناث البشر العبيد وإنجاب أطفالٍ من نفس عرقھم معھن، كانوا أشخاصًا خطرين وأقوياء جدًّا، ولكن حديثي سيقتصر على الشيطان الأول فقط، وھو أقواھم، كان يلقّب بملك الشياطين من شدّة قوتھ وصديقاً لبقية الحكماء لمدّةٍ تقارب النصف ألفية، وفي يوم من الأيام، اِتّفق الحكماء االأربعة الآخرين على القضاء على عائلة الشياطين، لكن ملك الشياطين كان لھم بالمرصاد، فدخل معھم في معركةٍ ضارية، لأنه لا يقتل الشخص الخالد غير الشخص الخالد، و تمكّن من الفوز ضد رفاقھ لوحدھ، لكنھ أشفق عليھم ولم يتمكن من قتل رفاقھ، وطيبتھ تلك ھي ما تسبّب في موتھ في وقتٍ لاحقٍ بعد المعركة على يد رفاقھ الحكماء، ثم جاء شيطان قوي و نصّب نفسھ ملكاً جديداً للشياطين في خطابھ على العائلة قبل 400 سنة، وھو الخطاب نفسھ الذي طَرح فيھ قانوناً جديداً يسيِّر العائلة، والذي ينصُّ على قتل كل من يولد ضعيفاً في العائلة أو طيّباً مع العوائل الأخرى، فحتى لو كنت طيّباً مع عائلتك، فھي على الأقل لن تخونك، وبعدھا ظلَّ يحكم الشياطين في الخفاء، لكنك حصلت على حب أمك فور ولادتك، ولم نتمكّن من قتلك مثل أولادنا الآخرين، لذا لم نقتلك، والآن أتعرف لم اِستدعيتك إلى ھنا؟
توسّعت عدستا ساتان الحمراوتان من الصدمة وھو يقول:
_لكن !
نھض آستاروث من على المتكب مبتسماً بخبث وقال مؤكداً:
_نعم، كما تظن بالضبط ساتان، لقد أتيت إلى ھنا ليتم قتلك على يدي.
》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《》《
"ساتان"
صنع أبي فأساً حديديةً وترساً من عنصرھ، ثم بدأ بالجري نحوي متجاوزاً تلك المساحة الطويلة بسرعة، لم أستطع فھم السبب وراء إرادة أبي لقتلي لتلك الدرجة، أو أنني أقنعت نفسي بذلك فحسب، كنت خائفاً ألھث بقوة وقلبي يحاول التحرر من قفصي الصدري من شدّة دقّاتھ، وكأنھ سجينٌ بريئ زُجَّ بھ في زنزانةٍ فرديةٍ صغيرة المساحة، وھو الآن يضرب على القضبان بقوّة وغضب منادياً بالعدالة، أتعرق بشدّة من التوتر، كنت أخاطب أبي في صمتٍ "لا يا أبي، لا تفعل ذلك رجاءً، لا تقتل إبنك الوحيد" لكنني أدركت شيئاً، شيئاً لم أظنً أنھ سيراودني في تلك اللحظة.. تذكّرت المشھد حيث كنت نائماً مع جدّتي ليليث، لم أكن أسمع صوت تنفسھا، لكنني لم أفعل لھا أي شيء، فتذكّرت نظر بيل إلينا، وحسب ما قرأتھ في كتاب اللعنات في المكتبة، فاللعنات تكون غالباً في العينين، فعلمت بإمكانية قتل بيل لليليث دون قصد، لكنني شككت في صحة ذلك، فلو كان صحيحاً، لماذا كنت لا أزال حيًّا؟ قد أكون مخطئاً وقد أكون صائباً، لكن ألم أكن الوحيد الذي قدر على التكلم مع بيل ورؤيتھ؟ وكان يفعل ما آمرھ بھ، وكان يلتصق بي أينما ذھبت، إذن، إذا كنت الشخص الوحيد الذي تم استثناؤھ في تلك النقاط، فلا بدّ أنني الاستثناء الوحيد الذي لم تؤثر عليھ لعنة ميدوسا الخاصة ببيل، لكنني تركتھا نظرية فحسب، قد تكون خاطئةً وقد تكون صائبة، وقررت التأكد منصحتھا في تلك اللحظة.. كان أبي قد قطع نصف المسافة الفاصلة بيننا، خرجت من غيبوبة خوفي فنظرت لبيل وأمرتھ مشيراً لأبي:
_بيل ! أنظر لأبي.
نعم، قررا قتلھ بتھورٍ دفاعاً عن نفسي، حتى لوكان ذلك الشخص ھو نفسھ أبي، حوّل بيل وجھھ الناظر نحوي لاتجاھ أبي، لكن شيئاً لم يحدث، قال لي وھو مندفع نحوي ساخراً:
_ماذا؟ أبدأت تھلوس مع نفسك الآن؟ لا بأس لا بأس، عندما يقترب المرء من الموت، لابد لھ من الھلوسة، ھيھ.
اِتسعت اِبتسامتھ عرضاً حتى شقّت وجھھ ومددت شاربھ، تساءلت في خوفٍ مع اقتراب أبي الصاروخي نحوي "ماذا؟ كيف ذلك؟ أيعقل أن بيل غير ملعون؟ لا لا لا يمكن" فافترضت أن أبي قد تمكن بطريقةٍ ما من النجاة من اللعنة، لكن كيف؟ قلت لنفسي "على كلًّ، ھذا ليس الوقت المناسب للتفكير في الطريقة" كان علي النجاة بحياتي لعلمي باقترابھ السريع، صرخت بأعلى ما لدي في حنجرتي خوفاً، فشعرت بشعورٍ لم أشعر بھ من قبل، أفكاري توقفت، وجھي مرفوع للأعلى وأنا غير قادرٍ على إنزالھ، دمي ساخن كالجمرة الحامية، أحسست بھ يسري بشتى أنحاء جسدي، ففاض الحديد من كلتا يدي دون علمي وتشكّل على شكل كرةٍ فولاذيةٍ ثقيلةٍ في يدي اليمنى ومنجلٍ حديدي في يدي اليسرى، وتربط بينھما سلسلة من قائم المنجل، فنظرت لسلاحي الموجود بين يدي مستغرباً، وھمست:
_أھذا ھو سلاحي؟ منجل؟ وكرة فولاذية؟ ولكن أليس عنصري ھو الحديد وليس الفولاذ؟
Comments