ساندي
امتدت اليدين الضئيلتين و تسلل الحماس للعينين ، بينما تشاهد الأوراق النقدية المتراكمة تقترب منها أكثر فأكثر...
قال مدعيا البلاهة و هو يمد المال لها:
" هل هذا يكفيك أيتها الصغيرة؟"
" أجل يا سيدي، إنه أكثر من كافٍ!"
خطت للوراء بحذر بعدما استقر المبلغ بين يديها الصغيرتين...
أخفظت رأسها تتفحص مقدار ما حصلت عليه، لترفعه ثانية و قد تمكنت من وجهها النظرات الحادة الماكرة التي بذلت جهدا لإخفائها، قالت بارتباك مصطنع لأبعد الحدود:
" اعذرني يا سيدي! ...ل..لكن من تكون و لم قد تمنحني كل هذا المال؟"
حملقت فيه من تحت أهدابها الناعسة، فارتسمت على وجهها تلك النظرة الخاصة المتزينة بابتسامة تحمل خلفها الكثير...لينظر لها هو الآخر بابتسامة استحسان عريضة :
" أشعر أني أتحدث مع شخص بالغ لا طفلة!...يالك من ماكرة حقيرة ! "
تململ قليلا و هو ينظر لوجهها المستفز الشاحب ،ثم أردف يسايرها ممتعضا في ما قالته سابقا :
" أنا أيضا لا أعرفك يا صغيرتي ( هذا إن كان علي أن أدعوها بالصغيرة ، كيف عرفت هذه القزمة بالأمر؟ ) لكنني وجدتك طفلة لطيفة و مطيعة لذا قررت مكافأتك ( لكم أريد قتلك و التخلص منك ) حسنا إذن، وداعا "
وسعت من إبتسامتها و عيناها الزرقاوان تشعان تحت ضوء القمر، لترد بخبث:
" وداعا يا عزيز كاميلا...أوه و لا تنسى رأيتك تحادث جون أيضا...أمس عند المقابر! "
علمت أنه لم يكن من الحكمة قول هذا الجزء الأخير ، لكنه أظهر نية القتل و هي لا تحب تلك النظرة...
حسنا! على كل لن تعيدها ثانية إن بقيت على قيد الحياة!
صعق مكانه فجأة، فالتفت بحدة و الشرر يتطاير من عينيه ليمسك الطفلة الهزيلة الرثة بين يديه و يرفعها عاليا ثم يتركها دون سابق إنذار...
أما عنها فقد بدت مستمتعة و هي مرفوعة في الهواء، هذا يجعل ذكريات والدها و هو يداعبها برفعها عاليا تومض في عقلها...
جفلت عندما احتضنت الأرض و بدأ ذاك السائل الدافئ الذي تستمتع برؤيته يتدفق من تحت جلدها ليتلون جزء من فستانها الأبيض، المصفر، الرث و القديم بالأحمر القاتم...
نهضت بسرعة لتقف مترنحة...وجهت نظرها نحو يدها التي تنزف ثم تذوقت الدم الذي و جد له طريقا على وجهها بطرف لسانها...
لم تبدو متألمة على الإطلاق ! بل بدت و كأنها ...تستمتع بالأمر...لقد كانت تستمتع بالإنتقال من وضع الصياد إلى الفريسة و هي تقوم بعملها...إن هذا يجعلها تعيش دور تلك الشخصيات في رواياتها المفضلة التي تحاول اصطياد الفريسة لكنها تموت على يدها ... لكنها لا تريد الموت... و إن حصل و إنتهت حياتها ، فسيكون هناك سؤال لطالما راودها ستجد إجابة له، فقد تساءلت دوما: (ماذا سيحدث لها بعد موتها؟) و هذا فيه نوع من الإرضاء أيضا!
هي لم تصدق قط كل تلك الثرثرة التي تفوه بها الكاهن...إنه رجل عجوز بالكاد يتنفس! فكيف لها أن تؤمن بما يقول؟...إنها لا تتفق معه خصوصا فيما يتعلق بالخير و الشر...إنها تعيش بمبدأ أنه لا وجود للخير في هذا العالم...إنها شخص شرير و هي تحب ذلك.
تابعها بنظراته التي تتحرق شوقا لإمساكها من عنقها الصغير و دقه ليرديها جثة هامدة فينتزع فلذة كبده الذي سلب منه على يديها القذرتين:
" إياك...إياك ثم إياك و ذكر جون على لسانك ثانية!"
أخذ نفسا عميقا و تابع:
" لقد أعطيتك مبلغا سخيا يا صغيرة...لذا من الأفضل لك أن تصمتي..."
تنحنح:
"...إن المقابر تكاد تمتلئ..."
سكتت للحظة لم يسمع فيها إلا صوت قطرات دمائها التي ترتطم بالأرض لتتسطح، زفرت بقوة:
" هيي أنت، هل فكرت لتوك بدق عنقي ؟"
قالت ذلك بهدوء شديد...ليرجع هو خطوة للوراء( أتقرأ الأفكار أم ماذا؟)
" أنا أعرف!"
لتستمر بهستيرية:
" أنا أعرف...أنا أعرف...أنا أعرف...أ..أجل أنا أعرف كل شيئ عنك بل عنكم جميعا يا حفنة الحثالة! إنني أكره وجوهكم المبتسمة و عباراتكم المنمقة التي تضعونها كقناع يستتر تحته الشر و الخداع و النفاق... لذا عليك أن تفكر ألف مرة قبل أن يخطر لك خاطر قتلي إنني أستطيع رؤية ذلك في عينيك...أتسمع! نية القتل واضحة في عينك...أنا أستطيع رؤيتهااااا"
أنهت جملتها و هي تتنفس الصعداء بينما تجمعت الدماء في رأسها و بدأت تنبض عروقها بقوة..
زفرت زفيرا مطولا، ثم قالت بهدوء لتسلل النظرة الناعسة الماكرة لعينها بسرعة البرق و تختفي حمرة الغضب من وجهها ليعود شاحبا كالسابق:
" حسنا سأسامحك بما أنك أعطيتني المال... من الأفضل أن ننهي الأمر هنا ...أنا لا أعرفك و أنت لا تعرفني كلُّ بطريقه!"
استدارت مبتعدة بخطوات متراقصة قافزة فرحا بما حصلت عليه ، كان عليها أن تكون لطيفة معه فهو أكثر من تكرم عليها حتى الآن...شعرت بالذنب بصراخها عليه قبل قليل...لقد خاف المسكين(أنا أعلم أني أبدو كشيطان صغير)...لم يكن عليها فعل ذلك...لقد كان ذلك خطأ فادحا! ماذا لو سمعها أحد؟ عندها ستفقد مصداقية كتمانها...لذا استدارت له لتراه مايزال في مكانه متجمدا و مستغربا في آن واحد ( لقد أفزعته...لوهلة ظن أنه يواجه الشيطان لا طفلة صغيرة كيف يمكن أن تكون لها مثل تلك النظرة التي تجمد الدم في العروق؟!!!!)
نظرت له مطولا و سمحت لشفتاها أن تبتسما ملئ وجهها و هي تلوح له بيدها الصغيرة المليئة بالخدوش التي تدمي... و مع ظلمة الليل بدت غير حقيقة....بدت كشبح!
دب الرعب في قلبه أكثر ، فتمتم:
" علي الإبتعاد عن تلك الفتاة إنها... إنها ليست عادية ... لقد علمت بأمر كاميلا من قبل و الآن جون بالرغم من أن الأمر مستحيل! و الآن علمت بأفكاري حول قتلها...من المستحيل أن أقترب منها ثانية...علي الإنتقال من هنا و بسرعة !"
التفتت لتكمل طريقها بسعادة متمتمة بسخرية :
" جبان!...ليس علي أن أقلق بشأنه"
" إنه من النوع الذي يفكر و لا يطبق"
لكنها تساءلت و هي تقترب من الميتم إن كان عليها القلق بشأنه و الحذر فتلك النظرة رأتها من قبل...رأتها على وجه أكثر شخص لم تتوقع أن تراها على وجهه ... رأتها بينما كان يحمل سكين المطبخ و يطعن والدتها لتخر جثة هامدة أمامها....
لكن الغريب في الأمر أنها ابتسمت حينها و حضنت هذا الشخص....ربما بدأت لعنتها حينها!
Comments