الفصل الثالث

وجد أن الأمر مضحكا أكثر مما هو مخيف ... امرأة خمسينية ضخمة ذات يدين ثخنة تمسك به عاليا من عنقه الرقيق محاولة خنقه حتى الموت...

لم يتوقع يوما أن يموت و هو في الثانية عشر من عمره! و على يد من ؟...على يد امرأة هرمة لطالما سخر منها...لكن لما تحاول قتله؟...هل لأنه أخذ بعض الطعام من الثلاجة فحسب؟!!

في البداية كان هناك بصيص أمل....بصيص ضئيل يقول بأنها ستتركه بعد قليل...لكن ذاك البعد قليل لم يأتي...فبدأ يرى شريط حياته القصيرة أمامه، شريط لم يكن فيه شيئ يجعله يتمسك بالحياة لكنه لم يرد الموت...في الحقيقة لطالما كان مهددا بالموت بل إن هذا الموقف الذي هو فيه عاشه مرات عديدة منذ كان في الثالثة من عمره لكنه دوما كان ينجو بطريقة أو بأخرى...أهذا يعني أنه استنزف رصيده من الحظ لذا فإنه يتلوى بين يدي هذه المرأة الحانقة...

فكر قبل أن يغمى عليه بأنه كان عليه التوقف عن السرقة منذ زمن طوييل !

***

زفرت بقوة و هي ترمي المعول الذي أهلكها حفرا بعيدا...(لحسن الحظ أن هذا الفتى نحيف لن يحتاج لقبر عميق جدا!)...جرته من قدميه ثم حملته عاليا و رمته في القبر كأنه لم يكفيها خنقها إياه حتى الموت...لقد بدت كأنها تنتقم منه من شيئ فعله أكثر من سرقة الطعام! ...أخذت المجرفة و بدأت برمي التراب الذي أخرجته سابقا على جسده النحيل حتى كادت تغطيه كاملا...توقفت فجأة!...لقد تذكرت للتو أنها لم تقم بشيئ مهم قبل دفنه...(أوه يا إلهي! أعتقد بأني كبرت في العمر حقا!)...

كان من الغريب لشخص في ذلك الموقف أن يهتم بكونه قد أصبح عجوزا...فقد قتلت للتو طفلا صغيرا و هي الآن في خضم دفنه في الصالة ، غير آبهة للفتيات اللواتي سيأتين ليلعبن هنا...

استمرت فيما كانت تنوي فعله و غادرت تاركة الجسد الصغير البارد تحت أكوام التربة وحيدا...

و أخيرا عثرت عليه! حمض الكبريت هو ما كانت تبغي...كيف لها أن تنسى سكبه عليه؟...عادت أدراجها

بسرعة للصالة فالفتيات على وشك الوصول من المدرسة لذا عليها الإنتهاء سريعا مما تفعله...

نظرت بامتعاض لكومة التراب التي عليها إزالتها حتى تسكب الحمض... و لأنها بليدة فقد ظنت أنه لابأس بسكبه على التراب و سيصل في مرحلة ما للجثة على أية حال...مضت في فعلتها و أنهتها بسكب الإسمنت و ترتيب الألواح الخشبية فوقه بإتقان...بدت حينها كحرفي بارع...كأنها اعتادت فعل ذلك منذ زمن!

***

هذه أول مرة يركض فيها بهذه الطريقة...حتى أنه لا يتذكر منذ متى و هو يفعل ذلك...إن..إن الموت مرعب...هو لم يجرب ذلك تماما ... لكن فكرة كونك تحت التراب و وسط الظلام وحيدا تجعلك لن ترغب بالموت إطلاقا، أو على الأقل هذا ما كان يشعر به...

تلك الشمطاء اللعينة! هل اعتقدت أنه سيموت بهذه السهولة؟...إنها ميتة غير مشرفة بالنسبة له...لكنها كانت بليدة أكثر مما توقع ...كيف لها أن تتركه هناك و تذهب و هي لم تجس نبضه حتى!...قاتلة فاشلة!

فكر و هو يتوقف ليأخذ أنفاسه بأنه كان يمكن أن يقوم بالأمر أفضل منها ... على الأقل كان سيتحقق!

إن حظه لم ينفذ بعد كما اعتقد...غريب كيف أنه ينجو مرات عديدة ... حسنا ربما مازال لم ينتهي تاريخ صلاحيته...ربما هناك شيئ يجب أن يقوم به لن يستطيع أحد القيام به غيره...

نظر حوله ليجد الشارع فارغا و الناس يحتمون داخل منازلهم من البرد الإسكتلندي القارص... و بما أن كلوفا أشبه بقرية للأشباح فكان من النادر أن تلتقي بشخص في الخارج خلال فترة الشتاء ... فللأسف و على عكس باقي القرى فالقرويون هنا لا يهتمون بالآخرين ... أو على الأقل لم يوجد الكثير مما سيهتمون به ...فما المثير للإهتمام في حفنة من العجائز المتقاعدين علاوة على نساءٍ لا يجدن إلا الثرثرة حتى انتهت المواضيع الصالحة للنقاش و غير الصالحة ... هكذا انتهى الأمر بكل شخص داخل فضائه الخاص لا يهتم بما يجري للغير لأنه مقتنع تماما بأنه لن يحدث ما هو جديد في هذه القرية النائية.

كان من المستبعد جدا على جاك أن يعود لبيته في هذا الوقت، خصوصا و هو لا يملك قرشا واحدا!

لأنه يعلم ما سيلقاه و هو غير مستعد لعيش التجربة مرتين خلال يوم واحد، لذا كان عليه أن يجد مكانا يختفي فيه لفترة و بسرعة!

(أتمنى ألا تكون تلك الشمطاء قد لاحظت عدم وجودي في القبر!)

هذا ما همهم به و هو يهم داخلا للغابة التي بدت كالملجأ الأخير له!

***

نظرت باستحسان لما قامت به...إنها بارعة فيما تقوم به هذا حقا...التفتت للمتسمرة بجانب الباب قائلة:

" حسنا إذن، ما رأيك؟ "

أجابت الأخرى وهي ترتعش:

" إ...إ..إنه عمل مذهل يا سيدتي، يبدو كما لو أن... أنه لم يمس قط!"

أردفت بتفاخر و هي تضرب على صدرها:

" أنا أعرف!...و الآن هيا تماسكي قليلا و كفي عن الإرتعاش...نظفي المكان قبل خروجك! أنا ذاهبة للإستحمام"

بعد فترة وصلت الفتيات بأزيائهن المدرسية اللطيفة...و بحكم أن المدرسة بعيدة عن القرية بكثير فإنهن يستغرقن فترة أطول للوصول ...لذا فقد كان لهما الوقت الكافي للتخلص من آثار الجريمة...و لحسن الحظ لم يبدوا أن الفتيات لاحظن أي تغيير في أرضية الصالة و استمررن بالركض وراء بعضهن بسعادة بعد أن انتهى أخيرا الدوام الذي كان كالجحيم بالنسبة لهن...

لكن بما أن الجريمة ستظهر مهما كان في النهاية...فقد وُجد هناك شخص لم يكن في الحسبان لاحظ ذاك التغيير بين التراب و الإسمنت....شخص لطالما تساءل لما ثبتت الألواح الخشبية لهذا الميتم على الأرضية الترابية مباشرة دون اسمنت أسفلها كما رأت في منازل جيرانهم؟...بل لما توجد تلك البقع الإسمنتية المتفرقة في الطابق الأرضي من الأساس؟

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon