NovelToon NovelToon

ساندي

الفصل الأول

امتدت اليدين الضئيلتين و تسلل   الحماس للعينين ، بينما تشاهد الأوراق النقدية المتراكمة تقترب منها أكثر فأكثر...

قال مدعيا البلاهة و هو يمد المال لها:

" هل هذا يكفيك أيتها الصغيرة؟"

" أجل يا سيدي، إنه أكثر من كافٍ!"

خطت للوراء بحذر بعدما استقر المبلغ بين يديها الصغيرتين...

أخفظت رأسها تتفحص مقدار ما حصلت عليه، لترفعه ثانية و قد تمكنت من وجهها النظرات الحادة الماكرة التي بذلت جهدا لإخفائها، قالت بارتباك مصطنع لأبعد الحدود:

" اعذرني يا سيدي! ...ل..لكن من تكون و لم قد تمنحني كل هذا المال؟"

حملقت فيه من تحت أهدابها الناعسة، فارتسمت على وجهها تلك النظرة الخاصة المتزينة بابتسامة تحمل خلفها الكثير...لينظر لها هو الآخر بابتسامة استحسان عريضة :

" أشعر أني أتحدث مع شخص بالغ لا طفلة!...يالك من ماكرة حقيرة ! "

تململ قليلا و هو ينظر لوجهها المستفز الشاحب ،ثم أردف يسايرها ممتعضا في ما قالته سابقا :

" أنا أيضا لا أعرفك يا صغيرتي ( هذا إن كان علي أن أدعوها بالصغيرة ، كيف عرفت هذه القزمة بالأمر؟ ) لكنني وجدتك طفلة لطيفة و مطيعة لذا قررت مكافأتك ( لكم أريد قتلك و التخلص منك ) حسنا إذن، وداعا "

وسعت من إبتسامتها و عيناها الزرقاوان تشعان تحت ضوء القمر، لترد بخبث:

" وداعا يا عزيز كاميلا...أوه و لا تنسى رأيتك تحادث جون أيضا...أمس عند المقابر! "

علمت أنه لم يكن من الحكمة قول هذا الجزء الأخير ، لكنه أظهر نية القتل و هي لا تحب تلك النظرة...

حسنا! على كل لن تعيدها ثانية إن بقيت على قيد الحياة!

صعق مكانه فجأة، فالتفت بحدة و الشرر يتطاير من عينيه ليمسك الطفلة الهزيلة الرثة بين يديه و يرفعها عاليا ثم يتركها دون سابق إنذار...

أما عنها فقد بدت مستمتعة و هي مرفوعة في الهواء، هذا يجعل ذكريات والدها و هو يداعبها برفعها عاليا تومض في عقلها...

جفلت عندما احتضنت الأرض و بدأ ذاك السائل الدافئ الذي تستمتع برؤيته يتدفق من تحت جلدها ليتلون جزء من فستانها الأبيض، المصفر، الرث و القديم بالأحمر القاتم...

نهضت بسرعة لتقف مترنحة...وجهت نظرها نحو يدها التي تنزف ثم تذوقت الدم الذي و جد له طريقا على وجهها بطرف لسانها...

لم تبدو متألمة على الإطلاق ! بل بدت و كأنها ...تستمتع بالأمر...لقد كانت تستمتع بالإنتقال من وضع الصياد إلى الفريسة و هي تقوم بعملها...إن هذا يجعلها تعيش دور تلك الشخصيات في رواياتها المفضلة التي تحاول اصطياد الفريسة لكنها تموت على يدها ... لكنها لا تريد الموت... و إن حصل و إنتهت حياتها ، فسيكون هناك سؤال لطالما راودها ستجد إجابة له، فقد تساءلت دوما: (ماذا سيحدث لها بعد موتها؟) و هذا فيه نوع من الإرضاء أيضا!

هي لم تصدق قط كل تلك الثرثرة التي تفوه بها الكاهن...إنه رجل عجوز بالكاد يتنفس! فكيف لها أن تؤمن بما يقول؟...إنها لا تتفق معه خصوصا فيما يتعلق بالخير و الشر...إنها تعيش بمبدأ أنه لا وجود للخير في هذا العالم...إنها شخص شرير و هي تحب ذلك.

تابعها بنظراته التي تتحرق شوقا لإمساكها من عنقها الصغير و دقه ليرديها جثة هامدة فينتزع فلذة كبده الذي سلب منه على يديها القذرتين:

" إياك...إياك ثم إياك و ذكر جون على لسانك ثانية!"

أخذ نفسا عميقا و تابع:

" لقد أعطيتك مبلغا سخيا يا صغيرة...لذا من الأفضل لك أن تصمتي..."

تنحنح:

"...إن المقابر تكاد تمتلئ..."

سكتت للحظة لم يسمع فيها إلا صوت قطرات دمائها التي ترتطم بالأرض لتتسطح، زفرت بقوة:

" هيي أنت، هل فكرت لتوك بدق عنقي ؟"

قالت ذلك بهدوء شديد...ليرجع هو خطوة للوراء( أتقرأ الأفكار أم ماذا؟)

" أنا أعرف!"

لتستمر بهستيرية:

" أنا أعرف...أنا أعرف...أنا أعرف...أ..أجل أنا أعرف كل شيئ عنك بل عنكم جميعا يا حفنة الحثالة! إنني أكره وجوهكم المبتسمة و عباراتكم المنمقة التي تضعونها كقناع يستتر تحته الشر و الخداع و النفاق... لذا عليك أن تفكر ألف مرة قبل أن يخطر لك خاطر قتلي إنني أستطيع رؤية ذلك في عينيك...أتسمع! نية القتل واضحة في عينك...أنا أستطيع رؤيتهااااا"

أنهت جملتها و هي تتنفس الصعداء بينما تجمعت الدماء في رأسها و بدأت تنبض عروقها بقوة..

زفرت زفيرا مطولا، ثم قالت بهدوء لتسلل النظرة الناعسة الماكرة لعينها بسرعة البرق و تختفي حمرة الغضب من وجهها ليعود شاحبا كالسابق:

" حسنا سأسامحك بما أنك أعطيتني المال... من الأفضل أن ننهي الأمر هنا ...أنا لا أعرفك و أنت لا تعرفني كلُّ بطريقه!"

استدارت مبتعدة بخطوات متراقصة قافزة فرحا بما حصلت عليه ، كان عليها أن تكون لطيفة معه فهو أكثر من تكرم عليها حتى الآن...شعرت بالذنب بصراخها عليه قبل قليل...لقد خاف المسكين(أنا أعلم أني أبدو كشيطان صغير)...لم يكن عليها فعل ذلك...لقد كان ذلك خطأ فادحا! ماذا لو سمعها أحد؟ عندها ستفقد مصداقية كتمانها...لذا استدارت له لتراه مايزال في مكانه متجمدا و مستغربا في آن واحد ( لقد أفزعته...لوهلة ظن أنه يواجه الشيطان لا طفلة صغيرة كيف يمكن أن تكون لها مثل تلك النظرة التي تجمد الدم في العروق؟!!!!)

نظرت له مطولا و سمحت لشفتاها أن تبتسما ملئ وجهها و هي تلوح له بيدها الصغيرة المليئة بالخدوش التي تدمي... و مع ظلمة الليل بدت غير حقيقة....بدت كشبح!

دب الرعب في قلبه أكثر ، فتمتم:

" علي الإبتعاد عن تلك الفتاة إنها... إنها ليست عادية ... لقد علمت بأمر كاميلا من قبل و الآن جون بالرغم من أن الأمر مستحيل! و الآن علمت بأفكاري حول قتلها...من المستحيل أن أقترب منها ثانية...علي الإنتقال من هنا و بسرعة !"

التفتت لتكمل طريقها بسعادة متمتمة بسخرية :

" جبان!...ليس علي أن أقلق بشأنه"

" إنه من النوع الذي يفكر و لا يطبق"

لكنها تساءلت و هي تقترب من الميتم إن كان عليها القلق بشأنه و الحذر فتلك النظرة رأتها من قبل...رأتها على وجه أكثر شخص لم تتوقع أن تراها على وجهه ... رأتها بينما كان يحمل سكين المطبخ و يطعن والدتها لتخر جثة هامدة أمامها....

لكن الغريب في الأمر أنها ابتسمت حينها و حضنت هذا الشخص....ربما بدأت لعنتها حينها!

الفصل الثاني

نظرت للمشرفة نظرات حاولت جعلها لطيفة قدر الإمكان ، و نطقت بغصة:

" أنا آسفة"

كشرت المشرفة لتعقد حاجبيها:

" أها، تقولين أنك أسفة! إذن يا آنسة ساندي بيكر كم علي أن اسمع تلك الكلمة منك ثانية؟ "

" لن أعيدها "

" لكنك قلت ذلك من قبل أيضا...لكن دعيني أسمع عذرك ... العذر الذي يجعلك تهربين من الميتم و تسرحين خارجا عند منتصف الليل... و أتمنى أنه سيدعك تفلتين من العقاب"

حركت ساندي قدمها اليمنى و هي تشكل دائرة وهمية على الأرض بطرف حذائها المهترئ...إنها تخاف المشرفة ...ربما هي الشخص الوحيد الذي لا تستطيع التعامل معه في هذا الحي، لذا دائما ما كانت تحاول تجنبها، لكنها تكشفها دوما أيضا :

" في الحقيقة أنا..أ...ناا..."

" هيا ليس لدي وقت ! أنت ماذا؟"

" لقد ذهبت فقط للحصول على بعض الطعام...كنت جائعة!"

ضحكت بسخرية و هي تجز على أسنانها بغضب:

" من يسمعك يا فتاة يقول أننا لا نطعمكم!..."

" لا لا الأمر ليس كذلك....كل ما في الأمر أنكم تقدمون العشاء باكرا جدا فحسب "

" لو كنت تنامين باكرا كبقية أخواتك لما شعرت بالجوع يا هذه...و ماذا في ذلك على أية حال؟ ألم يكن عليك التحلي بالصبر قليلا؟ و من أين كنت ستحصلين على الطعام في هذا الوقت؟"

" لقد...لقد وعدني جاك بأن يعطيني بعض الطعام اللذيذ الذي لم أذقه يوما إن نجحت بالهرب من الميتم عند منتصف الليل...لكن..لكنه أخلف وعده ولم يحضر!"

في الحقيقة هي لم تكن ستقابله...بل إنه لم يعدها بشيئ كهذا مطلقا...إنها لم تره منذ ثلاثة أيام...لقد كانت تكذب!

لكن ما جعل ملامح الإستغراب تتمكن من وجهها هو التعبير الذي أبدته المشرفة...بدت و كأنها رأت شبحا فتسلل الشحوب لوجهها...فكان من الممكن رؤية أطراف أصابع يدها و هي ترتعش...تمتمت ببطئ:

" جاك! هذا مستحيل"

أردفت ساندي ببلادة:

" إنه ليس مستحيلا...لقد قابلته في المطبخ صباحا و هو يحاول سرقة بعض الحليب"

مما جعلها تحول نظرها لها بعدما كانت تنظر للفراغ خلفها...زفرت و قالت بهدوء مريب:

" ادخلي غيري ثيابك الدامية هذه و نامي سأتفاهم معك لاحقا"

حين رفعت نظرها ثانية كان الظل الواقف على الرصيف المقابل قد اختفى، لذا تابعت ساندي و هي تدخل بنظراتها الجامدة ...تنهدت و تبعتها و ما زال الشحوب مسيطرا على وجهها...

***

تقلبت في فراشها كثيرا لكنها لم تستطع النوم ، كان هناك شيئ يمنعها من ذلك، عقلها يحاول اخبارها بشيئ لكنها لا تستوعبه ...نهضت بنصفها العلوي و هي تنفخ و تضرب الغطاء بقبضتيها الضئيلتين... أزالت شعرها الأسود عن جبينها المجروح بيدها المخدوشة...كانت تبدو كمن خرجت من شجار فتيات عنيف، لكنه كان أكثر من ذلك بكثير ...لقد نجت من الموت!

تساءلت إن كان عليها التوقف عن ما تفعله...لكنها سرعان ما نفضت تلك الفكرة عن رأسها فهي تحتاج المزيد و المزيد من المال...و لحسن الحظ ففي هذه القرية هناك الكثير من الأشخاص الذين سيدفعون أكبادهم لحفظ أسرارهم ... لكن ما كان يقلقها هو أن ليس الجميع جبانا بل أن منهم من هو مستعد للقتل في سبيل حفظ ماء وجهه...تنهدت(يا لهم من حثالة وضيعة، يتجرأون على النظر إليها بتلك الطريقة!)

خطر فجأة على بالها شيئ قد تجاهلته تماما...هذا غريب لما غفلت عن الأمر كل هذا الوقت؟...إن المشرفة لم تعاقبها و هذا أكثر شيئ يدعو للشك!

لم تمر فترة طويلة حتى بدأت اصوات الطرق تتعالى من الطابق السفلي...و لم تكن ساندي بالفتاة التي ستتجاهل الأمر و تعود للنوم...

نزلت من على سريرها الذي يصدر صريرا بخفة، فتوجهت للباب على رؤوس أصابعها فلم تكن لها رغبة في إيقاظ البقية ... وضعت يدها على مقبض الباب الصدئ ثم سحبت...سحبت بقوة أكبر ...لكن الباب لم ينفتح ...(لقد أغلقت المشرفة الباب من الخارج!).

عادت لسريرها من جديد و هي تتنهد ( لما عليها جعل الأمر بتلك الصعوبة؟)...سحبت من تحت سريرها حبلا مخبأ بإتقان ثم سحبت صندوقا خشبيا محكم الإغلاق مليئا بأشياء ثقيلة كفاية....ربطت طرف الحبل حوله ثم الطرف الآخر حول خصرها...فتحت النافذة ثم رمت بنفسها دون أن يرمش لها جفن!

بعد لحظة كان تتدلى أمام نافذة الطابق الأرضي (رائع لم تخطئ في حساب المسافة!)...و بما أن النافذة تطل مباشرة على الصالة فقد كان بإمكانها رؤية المرأة الأربعينية و هي ترفع المعول عاليا بيديها محاولة إزالة طبقة الإسمنت الرقيقة بينما تكدست الألواح الخشبية بجانبها.

و لثاني مرة تستغرب ساندي من شيئ طوال حياتها...فهي لم تتوقع هذا لقد ظنت بأنها الطباخة...

و بذكر الأمر الآن فقد بدا ذلك غريبا جدا ...فلطالما رقصن فرحا بالطعام الذي يحضره جاك في هذه الصالة، لكن في هذا الصباح فقط كن يلعبن و يتمازحن فوق جثته مباشرة ... إن الأمر مدعاةً للسخرية بالرغم من أنه قد يكون مخيفا للبعض لكن ليس لها.

تسلقت الحبل بشق الأنفس عائدة لغرفتها...أعادت كل الأمور إلى نصابها ثم قفزت على سريرها وغطت رأسها باللحاف المهترئ بينما كان بالإمكان سماع صرير الدرج الخشبي المزعج بفضل الخطوات المترددة التي تصعده حاملة نية ليست بالجيدة.

إنها تشعر بالأسف على جاك...لقد كان عزيزا عليها حقا...لذا فهي لن تدع الأمر يمر مرور الكرام!

هذا ما فكرت فيه بينما تغلق عينيها تواقة لشروق الشمس...

الفصل الثالث

وجد أن الأمر مضحكا أكثر مما هو مخيف ... امرأة خمسينية ضخمة ذات يدين ثخنة تمسك به عاليا من عنقه الرقيق محاولة خنقه حتى الموت...

لم يتوقع يوما أن يموت و هو في الثانية عشر من عمره! و على يد من ؟...على يد امرأة هرمة لطالما سخر منها...لكن لما تحاول قتله؟...هل لأنه أخذ بعض الطعام من الثلاجة فحسب؟!!

في البداية كان هناك بصيص أمل....بصيص ضئيل يقول بأنها ستتركه بعد قليل...لكن ذاك البعد قليل لم يأتي...فبدأ يرى شريط حياته القصيرة أمامه، شريط لم يكن فيه شيئ يجعله يتمسك بالحياة لكنه لم يرد الموت...في الحقيقة لطالما كان مهددا بالموت بل إن هذا الموقف الذي هو فيه عاشه مرات عديدة منذ كان في الثالثة من عمره لكنه دوما كان ينجو بطريقة أو بأخرى...أهذا يعني أنه استنزف رصيده من الحظ لذا فإنه يتلوى بين يدي هذه المرأة الحانقة...

فكر قبل أن يغمى عليه بأنه كان عليه التوقف عن السرقة منذ زمن طوييل !

***

زفرت بقوة و هي ترمي المعول الذي أهلكها حفرا بعيدا...(لحسن الحظ أن هذا الفتى نحيف لن يحتاج لقبر عميق جدا!)...جرته من قدميه ثم حملته عاليا و رمته في القبر كأنه لم يكفيها خنقها إياه حتى الموت...لقد بدت كأنها تنتقم منه من شيئ فعله أكثر من سرقة الطعام! ...أخذت المجرفة و بدأت برمي التراب الذي أخرجته سابقا على جسده النحيل حتى كادت تغطيه كاملا...توقفت فجأة!...لقد تذكرت للتو أنها لم تقم بشيئ مهم قبل دفنه...(أوه يا إلهي! أعتقد بأني كبرت في العمر حقا!)...

كان من الغريب لشخص في ذلك الموقف أن يهتم بكونه قد أصبح عجوزا...فقد قتلت للتو طفلا صغيرا و هي الآن في خضم دفنه في الصالة ، غير آبهة للفتيات اللواتي سيأتين ليلعبن هنا...

استمرت فيما كانت تنوي فعله و غادرت تاركة الجسد الصغير البارد تحت أكوام التربة وحيدا...

و أخيرا عثرت عليه! حمض الكبريت هو ما كانت تبغي...كيف لها أن تنسى سكبه عليه؟...عادت أدراجها

بسرعة للصالة فالفتيات على وشك الوصول من المدرسة لذا عليها الإنتهاء سريعا مما تفعله...

نظرت بامتعاض لكومة التراب التي عليها إزالتها حتى تسكب الحمض... و لأنها بليدة فقد ظنت أنه لابأس بسكبه على التراب و سيصل في مرحلة ما للجثة على أية حال...مضت في فعلتها و أنهتها بسكب الإسمنت و ترتيب الألواح الخشبية فوقه بإتقان...بدت حينها كحرفي بارع...كأنها اعتادت فعل ذلك منذ زمن!

***

هذه أول مرة يركض فيها بهذه الطريقة...حتى أنه لا يتذكر منذ متى و هو يفعل ذلك...إن..إن الموت مرعب...هو لم يجرب ذلك تماما ... لكن فكرة كونك تحت التراب و وسط الظلام وحيدا تجعلك لن ترغب بالموت إطلاقا، أو على الأقل هذا ما كان يشعر به...

تلك الشمطاء اللعينة! هل اعتقدت أنه سيموت بهذه السهولة؟...إنها ميتة غير مشرفة بالنسبة له...لكنها كانت بليدة أكثر مما توقع ...كيف لها أن تتركه هناك و تذهب و هي لم تجس نبضه حتى!...قاتلة فاشلة!

فكر و هو يتوقف ليأخذ أنفاسه بأنه كان يمكن أن يقوم بالأمر أفضل منها ... على الأقل كان سيتحقق!

إن حظه لم ينفذ بعد كما اعتقد...غريب كيف أنه ينجو مرات عديدة ... حسنا ربما مازال لم ينتهي تاريخ صلاحيته...ربما هناك شيئ يجب أن يقوم به لن يستطيع أحد القيام به غيره...

نظر حوله ليجد الشارع فارغا و الناس يحتمون داخل منازلهم من البرد الإسكتلندي القارص... و بما أن كلوفا أشبه بقرية للأشباح فكان من النادر أن تلتقي بشخص في الخارج خلال فترة الشتاء ... فللأسف و على عكس باقي القرى فالقرويون هنا لا يهتمون بالآخرين ... أو على الأقل لم يوجد الكثير مما سيهتمون به ...فما المثير للإهتمام في حفنة من العجائز المتقاعدين علاوة على نساءٍ لا يجدن إلا الثرثرة حتى انتهت المواضيع الصالحة للنقاش و غير الصالحة ... هكذا انتهى الأمر بكل شخص داخل فضائه الخاص لا يهتم بما يجري للغير لأنه مقتنع تماما بأنه لن يحدث ما هو جديد في هذه القرية النائية.

كان من المستبعد جدا على جاك أن يعود لبيته في هذا الوقت، خصوصا و هو لا يملك قرشا واحدا!

لأنه يعلم ما سيلقاه و هو غير مستعد لعيش التجربة مرتين خلال يوم واحد، لذا كان عليه أن يجد مكانا يختفي فيه لفترة و بسرعة!

(أتمنى ألا تكون تلك الشمطاء قد لاحظت عدم وجودي في القبر!)

هذا ما همهم به و هو يهم داخلا للغابة التي بدت كالملجأ الأخير له!

***

نظرت باستحسان لما قامت به...إنها بارعة فيما تقوم به هذا حقا...التفتت للمتسمرة بجانب الباب قائلة:

" حسنا إذن، ما رأيك؟ "

أجابت الأخرى وهي ترتعش:

" إ...إ..إنه عمل مذهل يا سيدتي، يبدو كما لو أن... أنه لم يمس قط!"

أردفت بتفاخر و هي تضرب على صدرها:

" أنا أعرف!...و الآن هيا تماسكي قليلا و كفي عن الإرتعاش...نظفي المكان قبل خروجك! أنا ذاهبة للإستحمام"

بعد فترة وصلت الفتيات بأزيائهن المدرسية اللطيفة...و بحكم أن المدرسة بعيدة عن القرية بكثير فإنهن يستغرقن فترة أطول للوصول ...لذا فقد كان لهما الوقت الكافي للتخلص من آثار الجريمة...و لحسن الحظ لم يبدوا أن الفتيات لاحظن أي تغيير في أرضية الصالة و استمررن بالركض وراء بعضهن بسعادة بعد أن انتهى أخيرا الدوام الذي كان كالجحيم بالنسبة لهن...

لكن بما أن الجريمة ستظهر مهما كان في النهاية...فقد وُجد هناك شخص لم يكن في الحسبان لاحظ ذاك التغيير بين التراب و الإسمنت....شخص لطالما تساءل لما ثبتت الألواح الخشبية لهذا الميتم على الأرضية الترابية مباشرة دون اسمنت أسفلها كما رأت في منازل جيرانهم؟...بل لما توجد تلك البقع الإسمنتية المتفرقة في الطابق الأرضي من الأساس؟

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon