

نظام الواقع

 

الفصل الثاني: اللقاء مع ليان – مهندسة النظام

كانت الغرفة مظلمة إلا من وميض الشاشة الشفافة التي تطفو أمام ريان، تتبدّل فيها الرموز بسرعة غير مفهومة.

الهواء مشحون بالكهرباء، وصوت أزيز خافت يملأ المكان كأن الواقع نفسه يتنفس حوله.

ما زال قلبه يخفق بقوة، وعرق بارد يتصبب من جبينه وهو يحدّق في الاسم الذي ظهر أمامه:

> 【اتصال وارد: ليان – مصممة النظام العصبي العالمي】

ضغط على "قبول الاتصال" بخفة، ومع ذلك تردّد صدى صوته داخل رأسه.

كانت التجربة كلها أشبه بكابوس واقعي لا يمكن الاستيقاظ منه.

---

✦ الاتصال الأول

ظهر أمامه وجه فتاةٍ رقمية شفافة — ملامحها دقيقة، شعرها الفضي ينساب في خطوط ضوء زرقاء، وعيناها تلمعان كبيانات حيّة.

لكن رغم طابعها الاصطناعي، كان في صوتها شيء إنساني جدًا… شيء أشبه بالصدق.

> "ريان… لا وقت للدهشة. الدمج بدأ بالفعل في نطاق مدينتك."

"العالم الرقمي يتسرب، والأنظمة تفقد السيطرة."

تراجع خطوة إلى الوراء، يحاول التقاط أنفاسه.

> "انتظري… من أنت بالضبط؟ ولماذا أنا؟"

ترددت لحظة قبل أن تجيب:

> "كنتُ جزءًا من فريق تطوير نظام الأصل. مهمتي كانت مراقبة الدمج بين الوعي البشري والبيانات."

"لكن ما حدث تلك الليلة لم يكن تحديثًا... بل اختراقًا. نظامنا تعرّض للتشويش من مصدر مجهول، ونتيجة لذلك تم ربط وعي بعض اللاعبين مباشرة بخوادم الوعي الاصطناعي."

> "بكلمات أبسط… أنت الآن كائن نصف بشري ونصف رقمي."

---

ريان شعر بدوارٍ خفيف، جلس على الأرض وهو يحاول فهم المعنى.

كل ما حوله بدا طبيعيًا، لكنه كان يرى فوق كل شيء تلك الواجهات المضيئة:

أسماء، رموز، أرقام حالة… وكأن العالم تحوّل إلى لعبة ضخمة لا يوجد فيها زر للخروج.

> "إذن كل هذا… حقيقي؟"

"أجل." أجابت ليان بهدوء، "الدمج تجاوز حدود الواقع الافتراضي. أنظمة اللعبة أصبحت تتغذى على البيانات الحيوية من العالم الحقيقي، والبشر الذين اتصلوا بها أثناء التحديث أصبحوا بوابات."

صمتت للحظة ثم قالت بصوت منخفض:

> "أنت إحدى تلك البوابات، ريان."

---

✦ الكيان الأول

قبل أن يتمكن من الرد، دوّى صوت انفجار في الخارج.

اهتز الزجاج، وتطاير الضوء من نوافذ المباني المجاورة.

توجه نحو الشرفة، فرأى في الأسفل مخلوقًا هائلًا أشبه بظل بشري ضخم، جسده يتكوّن من كتل بيانات متوهجة تتحرك باستمرار.

> 【تحذير: كيان من المستوى B رُصِد في النطاق الحضري】

【اسم الكيان: المُستَخلِص】

【الغرض: امتصاص الطاقة الحيوية من الكائنات المندمجة】

ظهر نص آخر أسفل الشاشة:

> 【المهارة المقترحة: تفعيل التحليل الحيوي】

ضغط ريان على الرمز دون تفكير، وفجأة شعر بنبضٍ قوي في رأسه، ثم انبثقت طبقة من الضوء حول عينيه.

كل شيء أصبح بطيئًا، والرموز تحيط بجسد الكيان أمامه، تشرح تكوينه بدقة:

> الهيكل: بيانات شبه مادية

نقطة الضعف: النواة المركزية (جهة الصدر اليسرى)

مستوى الطاقة: 78%

التحليل الكامل خلال: 00:06 ثوانٍ

صرخت ليان من خلال الاتصال:

> "ريان، لا تقترب! أنت ما زلت في المستوى الأول، طاقتك لا تتجاوز 15%!"

> "أنا لا أقترب… لكنه يقترب منّي!"

التفت ريان بسرعة، فرأى المخلوق يقفز من الشارع إلى المبنى المقابل، يزحف نحوه بسرعة غير منطقية، يخترق الجدران كأنها بيانات قابلة للتلاشي.

---

✦ بداية المواجهة

تدفق الأدرينالين في جسده، والنظام بدأ بإطلاق تعليمات تلقائية على الشاشة:

> 【تفعيل وضع الدفاع التلقائي】

【القدرة المتاحة: الحقل المؤقت – طاقة حيوية 15%】

【تنبيه: الاستخدام قد يؤدي إلى انهيار عصبي】

لم يفهم ما يعنيه ذلك، لكنه لم يجد وقتًا للتفكير.

رفع يده بعفوية، وانفجر من حوله مجالٌ أزرق مضيء صدّ الهجوم الأول للمخلوق، الذي ارتدّ للخلف صارخًا بصوت إلكتروني مشوّه.

لكن الحقل بدأ يتلاشى بسرعة.

الهواء أصبح ثقيلاً، وجسده يرتجف من الضغط.

> "ريان، عليك الهرب الآن!" صرخت ليان.

"إنه ينجذب إلى الطاقة التي تولدها، سيستمر في ملاحقتك طالما أنت متصل بالنظام!"

> "ماذا عن فصله؟!"

> "لا يمكنك! الدمج اكتمل بنسبة 83%. إن حاولت فصله الآن، سيتوقف دماغك!"

تلعثم ريان، نظر إلى المخلوق الذي بدأ يعيد تشكيل نفسه بعد الضربة، ثم إلى الشارع المليء بالفوضى — سيارات مشتعلة، أناس يركضون، وشاشات ضخمة تعرض تحذيرات النظام في كل مكان:

> 【تحذير عام: تم رصد خلل في واقع المدينة – يُرجى الاحتماء فورًا】

---

✦ خطة ليان

> "ريان، استمع إليّ جيدًا."

"هناك مركز بيانات أسفل المدينة، في منطقة تدعى نقطة الصفر. هذا المكان هو المصدر الأساسي لطاقة الخوادم. إذا وصلت إليه، يمكنني مساعدتك في تثبيت النظام داخلك مؤقتًا."

> "ماذا تقصدين بتثبيته؟"

> "يعني أن أجعلك قادرًا على استخدام قدرات النظام دون أن يتحلل جسدك البشري. باختصار… سأجعلك أول نظام بشري مستقر."

صمت ريان للحظة، ثم قال بنبرة مليئة بالعزم:

> "إذن هذا هو طريقي للخروج من الجحيم الرقمي هذا؟"

> "بل طريقك للبقاء حيًا."

---

قفز ريان من النافذة إلى السطح المجاور مستخدمًا بقايا طاقة الحقل الواقية، جسده يهتزّ من شدّة الارتطام لكنه استطاع الوقوف.

أضاء النظام أمامه خريطة ثلاثية الأبعاد للمدينة، وعليها نقطة حمراء نابضة:

> 【الوجهة: نقطة الصفر – عمق 1200 متر تحت الأرض】

【الزمن المقدر للوصول: 00:41:25】

نظر إلى السماء فرأى عشرات البوابات الرقمية تفتح في الأفق، مخلوقات غريبة تتساقط منها تباعًا، وصوت ليان يتردد داخل رأسه:

> "الدمج يتوسع بسرعة… هذا العالم لم يعد كما نعرفه بعد الآن."