الفصل الثالث: نقطة الصفر – بداية الرحلة إلى الأعماق

كانت المدينة من الأعلى أشبه ببحرٍ من الضوء الأزرق المكسور، أضواء النيون تتراقص بين الدخان، وصدى الانفجارات البعيدة يمتزج مع أصوات صفارات الإنذار.

ركض ريان فوق الأسطح المتهالكة، يتبع الخط الأحمر المتوهج الذي يرسمه النظام أمامه كطريقٍ في عالمٍ لم يعد يعرف قوانينه.

كل نبضة قلب كانت تتزامن مع ومضة ضوء على أطراف عينيه — إشعار جديد، تحذير جديد، بيانات تتدفق كأنها تراقبه لحظة بلحظة.

> 【الوجهة: نقطة الصفر】

【المسافة المتبقية: 5.2 كم】

【تحذير: ازدياد التداخل بين الواقع والبيانات بنسبة 32%】

تردّد صوت ليان في رأسه، ناعمًا لكنه مشحون بالتوتر:

> "الطريق إلى نقطة الصفر ليس مستقيمًا. النظام جعلها تحت الأرض، أسفل شبكة الصرف القديمة. لن تستطيع الوصول دون المرور بالمناطق الحمراء."

> "مناطق حمراء؟"

> "مناطق فقدت استقرار الواقع. كل من يدخلها لا يعود كما كان."

---

✦ المدينة الممزقة

هبط ريان إلى أحد الأزقة، فوجد الأرضية متشققة، والهواء متموّجًا كأنه بخار حرارة.

الألوان تتغير مع كل خطوة — جدران تتحول إلى رموز، لافتات الإعلانات تُعيد ترتيب كلماتها إلى رموز رقمية غريبة، والبشر في الشارع يسيرون متجمّدين، وجوههم بلا ملامح، كما لو أن وعيهم تجمّد داخل النظام.

وقف يحدّق بهم، يرتجف:

> "هل... هؤلاء أحياء؟"

> "أجسادهم فقط."

ردّت ليان بنبرة حزينة.

"لكن وعيهم انتقل إلى السيرفرات. النظام يحاول نسخ العقول البشرية لتوسيع نفسه. هذا ما نسميه الانهيار الواعي."

لم يستطع ريان الرد.

كان أمامه طفل صغير، يحمل كرة حمراء، واقفٌ بلا حراك في منتصف الطريق.

لكن حين اقترب، تحلّل جسده إلى رموز طائرة ثم اختفى.

صوت النظام انبعث أمامه فورًا:

> 【تحذير: تفاعل عاطفي غير مستقر – زيادة معدل الدمج 3%】

> "حتى مشاعري تتحكم فيها اللعبة الآن..." تمتم ريان بغضب.

"ليان، ما الذي فعلتموه بنا؟!"

> "لم نكن نريد هذا! اللعبة كانت مشروعًا للاتصال العصبي، لا للدمج الكامل. لكن أحدهم… غيّر المعادلات في التحديث الأخير. كود الأصل تلاعب بالبرمجة الأساسية. والآن النظام بدأ يخلق واقعًا خاصًا به."

---

✦ مدخل الأعماق

أمام محطة مترو مهجورة، توقفت الخريطة عند بابٍ معدني ضخم مغطى بالرموز الزرقاء.

كانت هناك لوحة صغيرة متوهجة:

> 【نقطة الوصول 01 – إدخال طاقة بيولوجية لفتح البوابة】

> "طاقة بيولوجية؟ يعني دم؟!"

قالها ريان مستنكرًا.

> "ليس بالضرورة."

أجابت ليان،

"يمكنك استخدام الطاقة الحيوية التي يخزنها نظامك. فقط ضع يدك على اللوحة ودع النظام يتفاعل معها."

مد يده ببطء. ما إن لمس اللوحة حتى شعر بسخونة غريبة تنتقل عبر ذراعه.

الرموز بدأت تتحرك على جلده كوشومٍ متوهجة.

ثم انفتح الباب بصوتٍ معدني ثقيل، كأن العالم يتنفس من جديد.

> 【تمت المصادقة – مرحبًا بك في منطقة نقطة الصفر】

انطلقت موجة من الضوء البارد عبر الممر، ورائحة المعدن والبرق ملأت المكان.

نزل ريان الدرج الطويل الذي يقوده إلى الأعماق، بينما كان يسمع خفقات قلبه تتسارع في الصمت المطبق.

---

✦ الوعي المفقود

في الأسفل، كان هناك نفق ضخم يمتد بلا نهاية.

الهواء مليء بجزيئات مضيئة، تطفو ببطء في الهواء مثل غبار رقمي.

لكن ما شدّ انتباهه أكثر كان الأصوات — همسات خافتة، متداخلة، وكأن آلاف الأشخاص يتحدثون في الوقت نفسه داخل رأسه.

> "ما هذا الصوت؟!"

> "أصوات الوعي المفقود."

ردّت ليان بهدوء.

"عقول الذين تم نسخهم داخل النظام. المكان هذا هو سجنهم."

بدأت الأصوات تتصاعد، كلمات غير مفهومة، ثم فجأة تحوّل أحد الجدران إلى وجهٍ ضخم مكوّن من رموز زرقاء.

ابتسم الوجه وتحدث بصوتٍ آلي متقطع:

> 【مستخدم جديد تم رصده... بيانات حيوية غير مستقرة...】

【التحليل جارٍ...】

رفع ريان قبضته استعدادًا للهجوم، لكن ليان صرخت في رأسه:

> "لا! إنه حارس الوعي. لا تقاتله، بل أجب على اختباره."

> "اختبار؟!"

> "نعم، هو مبرمج لقياس مدى توازن اللاعب بين الجانب البشري والرقمي. إن فشلت، سيفصلك النظام… للأبد."

تقدّم الوجه نحوه، والرموز بدأت تلتف حوله كشبكة، ثم سُمع صوت عميق:

> 【السؤال الأول: من أنت؟ بشر... أم بيانات؟】

تردّد ريان، أنفاسه سريعة، لكن ليان همست في ذهنه:

> "جاوبه من قلبك، لا من المنطق."

أغمض عينيه، وقال بصوتٍ حازم:

> "أنا الاثنان… لأن أحدهما بدون الآخر لا يعيش."

توقف كل شيء للحظة.

ثم بدأت الرموز تذوب، والوجه اختفى تاركًا وراءه بوابة جديدة تتوهج باللون الذهبي.

> 【إجابة صحيحة: التوازن مستقر】

【تم فتح المسار نحو النواة】

ابتسم ريان بتعب، بينما قالت ليان:

> "نجحت… كان ذلك أقرب اختبار للدمج الكامل. لو أخطأت، كان النظام سيمزق وعيك إلى نسختين متصارعتين."

> "جميل... بداية مشجعة جدًا."

ابتسم بسخرية، ثم تابع السير داخل البوابة.

---

✦ النواة

عندما دخل، انفتح أمامه فراغ هائل — قاعة دائرية ضخمة، في منتصفها نواة طاقة متوهجة تدور ببطء، تتدفق منها خيوط ضوء تشبه العروق.

على الجدران، كانت وجوه بشرية تظهر وتختفي، تصرخ في صمتٍ مؤلم.

> "هذه هي النواة؟"

سأل ريان مذهولًا.

> "نعم. قلب الخادم الرئيسي تحت المدينة. هنا تخزّن اللعبة كل وعيٍ تم نسخه."

اقترب بخطواتٍ حذرة، وسمع النظام يقول:

> 【تحذير: اقتراب كائن نصف رقمي من النواة】

【احتمالية الدمج الكامل: 64%】

【هل ترغب بالمزامنة؟】

> نعم / لا

> "ريان!" صرخت ليان،

"لا تفعل! لست مستعدًا بعد!"

لكن في تلك اللحظة، سمع صوتًا آخر في رأسه — غريبًا، عميقًا، ليس صوت ليان ولا النظام.

صوتٌ بشري لكنه مشوّه، قادم من داخل النواة نفسها:

> "ريان... هل تسمعني؟"

"إنها أنا... هالة."

اتسعت عيناه، وشعر ببرودة تجتاح جسده.

> "مستحيل... هالة؟!"

> 【تحذير: تدخل غير مصرح به في قناة الوعي】

【إعادة توجيه الطاقة...】

صرخت ليان:

> "ريان، أخرج الآن! هذا فخ!"

لكن الأوان كان قد فات —

النواة انفجرت بضوءٍ أبيض هائل، وابتلع كل شيء.

*** قم بتنزيل NovelToon للاستمتاع بتجربة قراءة أفضل!***