ظل الدفء

ظل الدفء

اللقاء ١

بين الزقاق الضيق، وقعَ خطوات تجري بسرعة، وكأن هناك من يتبعها. واصلت الفتاة السير حتى اختفت تمامًا عند وصولها إلى الطريق العام. كانت فتاة صغيرة مختبئة خلف ملابس الفتيان، سقطت جالسة على الأرض متكئة على جدار أحد المتاجر على طرف الطريق.

عيونها متعبة وأنفاسها متقطعة، كانت تغطي رأسها وجسدها النحيل برداء رقيق، والأرض مبللة من بقايا المطر. كان الشتاء قد حلّ بالفعل، وحترقت السماء بلون المغيب الأحمر.

اقترب شاب متوسط العمر من الفتاة الجالسة على قارعة الطريق، لكنه لم ير وجهها بسبب الغطاء الذي كانت ترتديه، ولم يملك الوقت لمحادثها، فقد فقدت وعيها من التعب. تحسس الشاب وجهها، فوجدها دافئة للغاية لكنها على قيد الحياة، فلحملها الى اقرب عيادة صغيرة، كان يستخدمها العامة من الناس. وضع الفتاة على إحدى الأسرة، ودخل الطبيب ليؤكد أن كل شيء سيكون على ما يرام بعد القليل من الراحة.

 

في مكان آخر، في مدينة بعيدة، استيقظ شاب في أحد الفنادق الصغيرة على صوت طرق الخادم من حلم يمكن وصفه بالكابوس السيء.

بين السنة واللهب وصوت الصراخ والبكاء والظلام الدامس، كان يقف هناك بلا حراك، يحدق في طفل يبكي بحرقة أمام نيران أكلت كل شيء، لكنه أدرك أن الطفل شخص يعرفه منذ زمن طويل، ربما صديق قديم أو أقرب من ذلك.

نهض الشاب من مكانه وهو يفكر في ذلك الحلم، وأجاب بعد أن وقف بجانب النافذة يحدق في الطرقات:

الشاب: "من هناك؟"

الخادم: "سيدي الشاب، حان وقت المغادرة. هل يجب أن آخذ حقائبك الآن؟"

الشاب: "أجل، يمكنك أخذها."

دخل الخادم وأخذ الحقائب ونزل بها إلى العربة التي كانت تستعد للمغادرة، ثم تبعه الشاب وغادرت العربة في طريقها.

 

استيقظت الفتاة أخيرًا بعد يوم كامل من النوم، بانفاس رقيقة وخافتة، وكأنها غاصت في حلم جميل قديم. همست لنفسها وعيونها تجوب المكان:

الفتاة: "أين أنا؟"

الطبيب: "هل استيقظت أخيرًا؟ كيف تشعر الآن؟"

الفتاة (تتحسس صدرها باحثة عن قلادة صغيرة): "أنا .. بخير… أين القلادة؟"

أخرج الطبيب القلادة من درج الخزانة بجانب السرير: "هل هذه هي؟ اعتقدت أنها ستعيق نومك الهادئ لذلك نزعتها عن عنقك، لا تخاف، لم يلمسها أحد."

الفتاة (تأخذ القلادة وتتمعن فيها بهدوء): "شكرًا لك، هل لي أن أسأل كيف وصلت إلى هنا؟ لا أذكر شيئًا."

الطبيب (يجلس على طرف السرير): "دعنا نتأكد أولًا من أنك بخير. ربما لم تنخفض الحمى بعد." (يفحص يوجين مجددًا) "أنت بخير الآن، كانت هناك حرارة بسيطة لكنها زالت. هل تعرف سببها؟"

يوجين (بتردد واضح، كأنها تخفي شيئًا): "كلا… لا أعلم، لكن شكرًا لمساعدتك، انت لم تخبرني بعد كيف وصلت الى هنا؟"

الطبيب: "هل ترى ذلك الشاب؟ لقد أحضرك الليلة الماضية، بدا قلقًا حقًا وكأنك أحد معارفه، لكنه قال إنه لا يعرفك."

كان الشاب واقفًا بتواضع، يسند ظهره إلى الحائط، مغلق العينين، مجعد الحاجبين. اقترب من يوجين بعد ان غادر الطبيب، وجلس على طرف السرير:

الشاب: "أنت مستيقظ! هذا جيد، ما اسمك؟"

يوجين (بتردد): "أنا يوجين، ما اسمك سيدي؟"

الشاب: "اسم جميل حقًا، أنا كاربن." (يبتسم وعيناه لم تغادر السيف بجانب السرير) "هل أنت سياف؟"

يوجين: "أنا مبتدئ… بالكاد أستطيع الدفاع عن نفسي بالسيف، لكن لماذا تسأل؟"

كاربن بابتسامة: "في الحقيقة، أنا أبحث عن مرافق لأخي، وكنت أفكر إذا كنتِ تستطيع تولي هذا الدور. ما رأيك؟"

يوجين: "لا أعلم إن كان مناسبًا، لكن بما أنني أريد رد جميلك هذا، فسأحاول مساعدتك… أو ربما أخبرك بشخص آخر يمكنه القيام بذلك."

كاربن: "هذا جيد، هل نلتقي غدًا؟ سآخذك معي إلى منزلي، دعنا تستعد قبل الذهاب."

يوجين: "حسنًا… يجب أن أذهب لأدفع لقاء علاجي للطبيب."

الطبيب (يقاطع حديثهما): "لا حاجة، لقد دفع عنك بالفعل." (يضع صينية أمام يوجين، عليها طبق حساء وخبز ودواء وكأس ماء) "ويجب أن أتأكد ألا تعود الحمى إليك."

يوجين: "شكرًا لك أيها الطبيب."

كاربن مربتا على راسها: "سآتي غدًا لرؤيتك، لذا من الأفضل أن تتعافى جيدًا." (نهض وابتسم وغادر العيادة)

في اليوم التالي، جاء كاربن وأخذ يوجين لشراء ملابس جديدة تحميها من برد الشتاء. بعد ذلك، توجها إلى قصر كبير حيث استقبلهم كبير الخدم ورحب بهما.

أخبر كاربن كبير الخدم بأنه سيأخذ يوجين إلى الطابق الأعلى. أثناء سيرهما في الرواق الطويل، كانت المشاعل تضيء المكان والنيران تتراقص على الجدران المزخرفة، والخدم يركضون حاملين أدوات الزينة والأقمشة، مستعجلين لإنهاء التجهيزات قبل وصول الضيوف.

شعرت يوجين بالتوتر والرهبة، متأملة الجدران المزخرفة والثريات اللامعة، عالمة أن المكان ليس لمجرد عائلة نبيلة، بل أكثر من ذلك.

صعدا إلى الطابق الثاني، ودخلت يوجين إحدى الغرف، وأخبرها كاربن بعدم المغادرة مهما حدث، ثم غادر.

نظرت يوجين حولها، الغرفة تشبه قاعة اجتماعات صغيرة مع أريكة كبيرة وأمامها منضدة صغيرة، ونافذة تطل على شرفة صغيرة. لم تلمس شيئًا وبقيت واقفة بصمت، لا أحد يعلم بوجودها في تلك الغرفة.

بعد لحظات، فُتِحَ الباب ودخل خادم يحمل أوراقًا، وخلفه شاب وسيم المظهر بعيون رمادية وحواجب مقطبة، بدى التعب ظاهرًا على وجهه.

كانت يوجين مغطية رأسها بالكامل، ظهر نصف وجهها من الاسفل فقط. كاد الخادم أن ينادي الحراس لإلقاء القبض عليها، لكن أوقفه الشاب وطلب منه المغادرة وإرسال كاربن.

دخل الشاب، ألقى معطفه على طرف الأريكة وجلس، مغلق عيناه، وكأنه يعلم أن يوجين لا تستطيع إيذائه.

بعد لحظات، طرق كاربن الباب ودخل بهدوء.

كاربن: "أخي آرثر، لماذا ناديتني إلى مكتبك؟"

آرثر (يرفع رأسه بعينين حادتين، مليئتين بالغضب والانزعاج): "يا له من سؤال جريء، اتبعني لنتحدث في الداخل."

وقف الحارس يراقب يوجين بحذر، لكنها لم تتحرك من مكانها قيد أنملة.

في غرفة المكتب:

آرثر: "لماذا أحضرت طفلاً إلى هنا؟"

كاربن: "طفل! هل تقصد يوجين؟ لكنها ليس طفل، كما أنه سياف."

آرثر: "كاربن، هل تعلم هو كم عمره؟"

كاربن: "في الحقيقة، نسيت السؤال، لكن أعتقد أنه تجاوز 16 عامًا."

آرثر: "وتقول ليس طفلا؟ وكيف حكمت أنه سياف؟ فقط لامتلاكه سيف!"

كاربن: "مهلا! لما لا نمنحه فرصة لبضع أيام؟ إذا لم يكن مناسبا، سيغادر. ما رأيك؟"

آرثر: "هل كنت تستمع إلي عندما أخبرتك بالبحث عن شخص موثوق ليكون مرافقًا خاصًا؟"

كاربن: "سأطلب من سيزار أن يعلمه إذا كان هناك أي نقص."

آرثر (تنهد): "هل يعلم أين هو؟"

كاربن (بنصف ابتسامة): "آه… نسيت إخباره."

ازداد انزعاج آرثر، مشيرًا له بيده أن يغادر، وفي طريقه ابتسم ليوجين، وغادر مغلق الباب خلفه.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon