الفصل الخامس: ظلال الماضي

الفصل الخامس: ظلال الماضي

بعد الأيام المتلاحقة من الاكتشافات، شعرت كاثرين أن كل خطوة تخطوها تقودها نحو المزيد من الأسرار. العطر القديم أصبح رفيقها الدائم، كل رشة منه كانت تفتح لها أبوابًا للذكريات، لكل مكان زارته، لكل كلمة قرأتها، لكل صورة اكتشفتها. شعرت بأن كل شيء حولها، من الرياح إلى أصوات المدينة، يشاركها في هذه الرحلة.

في صباح مشمس، قررت كاثرين العودة إلى المبنى المهجور الذي زارته من قبل، شعرت بأن هناك شيئًا لم تلاحظه بعد، وأن المكان نفسه يريد أن يكشف لها شيئًا جديدًا. عند وصولها، لاحظت كيف أن الضوء الخافت يتسلل من النوافذ المكسورة، وكيف أن الغبار على الأرض يلمع بطريقة غريبة تحت أشعة الشمس.

دخلت المبنى بحذر، والزجاجة في يدها، تشعر بقوة غريبة تدفعها للأمام. كل خطوة كانت تعيد صدى الماضي في أذنيها، أصوات ضحكات وأحاديث قديمة، شعور أنها ليست وحدها في المكان. توجهت نحو المكتبة القديمة، حيث كانت الكتب والمخطوطات تنتظرها.

بدأت تتفحص الكتب مرة أخرى، تبحث عن أي شيء جديد يمكن أن يكشف لها المزيد عن الأسرار المخبأة. فجأة، لمحت خلف رف قديم بابًا صغيرًا كان مخفيًا جزئيًا. كان الباب مغلقًا بقفل صغير، لكنها شعرت بشعور داخلي قوي بأن هذا الباب يحمل الإجابة عن الكثير من أسئلتها. استخدمت المفتاح الذي وجدته في الصندوق القديم، وفتحته بحذر.

داخل الغرفة الصغيرة، وجدت مكتبة أخرى، لكن هذه المرة كانت تحتوي على ملفات ورسائل قديمة محفوظة بعناية. كل شيء هنا كان مرتبًا بطريقة غامضة، وكأن شخصًا يريد لها أن تجد الإجابات بسهولة، لكنه لا يزال يترك الغموض قائمًا. بدأت تتصفح الملفات والرسائل، كل واحدة تحكي جزءًا من قصة أكبر، قصة عن جدتها، عن أسرار العائلة، وعن أحداث غريبة لم تكن تعرف عنها شيئًا.

بين الرسائل، وجدت صورة لشاب يبدو مألوفًا لها، عيناه العميقتان تحملان شيئًا من الماضي الذي لم تتذكره. شعرت كاثرين بمزيج من الفضول والخوف، لكنها أدركت أن هذه الصورة جزء من اللغز الكبير الذي تسعى لكشفه. شعرت بأن العطر في يدها أصبح أكثر قوة، وكأنه يوجهها نحو الاتجاه الصحيح.

بينما كانت تمسك بالصورة، سمعت صوت خطوات خفيفة. تجمدت في مكانها، قلبها يخفق بسرعة، لكنها شعرت بشجاعة غريبة تتدفق في أعماقها. نظرت حولها، ولم تجد أحدًا، لكن الظلال التي تتراقص على الجدران أعطتها شعورًا بأن المكان على اتصال بها، وكأن كل شيء يتحرك وفق خطة غير مرئية.

جلست على الأرض، وأخذت تدون كل ما شعرت به، كل ما قرأته، وكل ما اكتشفته. شعرت بأن الرحلة لم تعد مجرد اكتشاف الماضي، بل أصبحت رحلة لفهم ذاتها، لفهم القوة التي تحملها بداخلها، ولربط كل الأحداث بطريقة منطقية ومتصلة.

مع اقتراب الغروب، شعرت بأن الوقت قد حان للمغادرة. حملت الملفات والصور، وأخذت الزجاجة بعناية، وغادرت المبنى، والهواء المحيط بها مشبع برائحة العطر. شعرت وكأن المكان نفسه يودعها، ويحثها على الاستمرار في رحلتها، على متابعة خطى الماضي الذي ينتظرها في خطواتها التالية.

بين الأشجار، بينما كانت تسير عبر الطريق الضيق، تذكرت كلمات جدتها: "هناك أشياء لا يمكن أن يفهمها العقل قبل القلب. العطر القديم يحمل الإجابات قبل أن تعرفها العيون." ابتسمت كاثرين لنفسها، وشعرت أن هذه الكلمات لم تعد مجرد نصيحة، بل مفتاحًا لفهم كل ما يحدث حولها.

في المنزل، جلست كاثرين على الطاولة، والزجاجة أمامها، والدفتر مفتوح. بدأت بمراجعة كل الملفات والصور والرسائل مرة أخرى، محاولة ربط الأحداث. شعرت بأن كل شيء أصبح واضحًا تدريجيًا، وكل خيط من الماضي أصبح جزءًا من نسيج كبير ينتظر اكتماله.

فجأة، رن الهاتف. هذه المرة، الصوت كان أكثر حزمًا ووضوحًا، لكنه لا يزال غامضًا:

"لقد اقتربتِ جدًا، المرحلة القادمة ستكشف أكثر مما كنتِ تتوقعين. استعدي لكل شيء."

أغلقت الهاتف ببطء، وأخذت نفسًا عميقًا. شعرت بخوف مختلط بالحماس، وكأن قلبها يعرف أن ما سيحدث في الأيام القادمة سيكون لحظة حاسمة، لحظة ستربط الماضي بالحاضر بطريقة لم تتخيلها من قبل.

مع حلول الليل، جلست كاثرين على شرفة غرفتها، تنظر إلى المدينة النائمة، والزجاجة أمامها. شعرت بأن الرياح تحمل رسائل خفية، وأن الظلال في كل مكان ليست مجرد فراغ، بل علامات على أحداث ستكشف لها قريبًا. كل خطوة تخطوها في رحلتها هي جزء من خريطة أكبر، وكل عبق من العطر يقودها نحو الحقيقة النهائية.

مع بزوغ الفجر، أحست كاثرين أن الوقت قد حان للتحرك مرة أخرى. كل شيء أصبح واضحًا بما فيه الكفاية، وكل خيط من الماضي أصبح متصلاً بالخيوط الأخرى. العطر في يدها، الملفات والصور معها، وكل شيء جاهز لخطوتها التالية، خطوة ستقودها إلى بوابة جديدة من الأسرار، حيث ستلتقي الحقيقة بالذكريات، والماضي بالحاضر، بطريقة لم تشهدها من قبل.

*** قم بتنزيل NovelToon للاستمتاع بتجربة قراءة أفضل!***