الفصل 3 : بين الخوف و الفضول

الفصل الثالث : بين الخوف والفضول

كان الصباح بارداً في مدينة روزمونت، الضباب يلف الشوارع كما لو أنه يخفي أسرار الليل.

استيقظت سلمى على سرير أبيض ناعم، جدران الغرفة فخمة، ولكن قلبها لم يعرف الطمأنينة بعد.

لم تصدق أنها مازالت على قيد الحياة بعد الليلة المرعبة التي مرت بها.

تحسست كتفها، الألم كان حاضراً يذكّرها بالطعنة التي كادت تنهي حياتها.

فتحت عينيها أكثر، لتلاحظ الستائر الثقيلة التي تمنع الضوء من الدخول.

"أين أنا؟" همست بصوت خافت.

فجأة سمعت طرقات خفيفة على الباب، جعلت قلبها يقفز من مكانه.

دخلت امرأة في منتصف العمر، تحمل صينية فطور أنيق: خبز، زبدة، كوب من الحليب الدافئ.

ابتسمت قائلة: "صباح الخير آنسة سلمى… السيد ياسين طلب أن تعتني بنفسك."

اتسعت عينا سلمى: "ياسين؟! من هو؟"

ردت المرأة بهدوء: "ستعرفين قريباً… هو صاحب هذا القصر."

قصر؟! لم تكن تتخيل نفسها في مكان مثل هذا حتى في أحلامها.

حاولت الجلوس لكنها شعرت بالدوار.

أمسكت المرأة بيدها: "تمهلي… ما زلت ضعيفة."

ارتشفت سلمى بعض الحليب رغم توترها.

لم يمر وقت طويل حتى فُتح الباب مرة أخرى.

دخل رجل طويل القامة، بملامح صارمة وهيبة لا تخطئها العين.

كان يرتدي بدلة رمادية أنيقة، وعيناه الزرقاوان تتفحصانها بدقة.

تجمدت في مكانها، لقد كان نفس الرجل الذي أنقذها البارحة.

تقدم بخطوات بطيئة، وصوته العميق يملأ المكان: "أخيراً استيقظتِ."

ابتلعت ريقها بصعوبة: "أ… أنت؟"

جلس على الكرسي المقابل لسريرها، واضعاً ساقاً فوق أخرى.

"اسمي ياسين غراي. رئيس شركة غراي العالمية. ربما سمعتِ بي؟"

ارتبكت سلمى، تذكرت كل الإشاعات التي كانت تسمعها في الشارع والإنترنت.

هو الرجل الذي يصفونه بالمجنون، المغرور، الكاره للنساء…

قالت بتردد: "نعم… سمعت."

ابتسم ابتسامة خفيفة، ولكن عينيه ظلتا باردتين: "أتخيل أن ما سمعتِه ليس لطيفاً."

لم ترد، خافت أن تقول شيئاً يثير غضبه.

"على كل حال… أنتِ محظوظة أنني وجدتكِ تلك الليلة."

انقبض قلبها عند تذكرها ليديه اللتين أنقذتاها من النزيف.

لكنها سرعان ما تماسكت: "لماذا ساعدتني؟"

صمت لثوانٍ قبل أن يقول: "سؤال جيد… ربما لأنني لا أحتمل أن يعبث أحد في مدينتي دون علمي."

رفعت حاجبيها: "مدينتك؟"

ضحك بخفة، ولكنها كانت ضحكة متعجرفة: "نعم… كل شيء هنا يدور في فلكي."

زفرت بضيق، هذا الرجل يبدو متكبراً فعلاً.

لكنه تابع: "وأيضاً… هناك شيء في عينيك منعني من تركك تموتين."

احمر وجهها خجلاً ولم تعرف ماذا تقول.

اقترب منها أكثر: "أنتِ خائفة مني، أليس كذلك؟"

صمتت، فابتسم ببرود: "لا بأس… معظم النساء خائفات مني."

تمتمت: "أنا… لا أحب أن أكون مدينة لأحد."

رد مباشرة: "إذن ستدينين لي بشيء كبير، وسأذكركِ به في الوقت المناسب."

انتفضت: "ماذا تقصد؟!"

"لا شيء الآن… فقط استريحي."

وقف ليستدير نحو الباب.

لكن قبل أن يخرج، استدار فجأة: "بالمناسبة، ما حلمكِ في الحياة؟"

تفاجأت بالسؤال، وتلعثمت: "أريد أن أصبح مصممة أزياء… وأن أمتلك علامتي التجارية الخاصة."

نظر إليها نظرة طويلة، كأنه يحاول قراءة أعماقها.

ثم قال: "طموح جميل… لكن عالم الأعمال ليس للضعفاء."

انزعجت من كلماته: "لست ضعيفة!"

رفع حاجباً: "أنتِ ترتجفين الآن."

شعرت بالإهانة، لكنها عضت شفتيها لتمنع نفسها من الرد.

"سأترككِ ترتاحين… سنلتقي لاحقاً."

خرج تاركاً الغرفة مليئة بهيبة صوته ورائحته الغامضة.

جلست سلمى صامتة، تحاول استيعاب ما حدث.

لماذا أشعر أنه متسلط بهذا الشكل؟

لكنها لم تستطع إنكار أنه أنقذ حياتها.

ومع ذلك، فكرة أن تكون "مدينة له" أرهبتها أكثر من العصابة نفسها.

تمددت على السرير، تحدق في السقف المزخرف.

هل تورطت في عالم أكبر من قدرتي على احتماله؟

في الخارج، كان ياسين يقف في شرفته العالية، يتأمل المدينة تحت قدميه.

كان يفكر: هذه الفتاة مختلفة… لكنها ستتعلم أن لا أحد يرفضني.

أحد مساعديه اقترب منه: "سيدي، العصابة التي هاجمتها ما زالت تبحث عنها."

ضاق ما بين حاجبيه: "أعرف… وسيتعين علينا أن نسبقهم بخطوة."

"هل تريد أن نخفيها أكثر؟"

"لا… أريدها أن تبقى قريبة. تحت نظري. لا أثق بغير ذلك."

في تلك اللحظة، عطست سلمى داخل غرفتها بسبب تيار هواء.

وسمعت المرأة التي تخدمها تقول: "يبدو أنك ستبقين هنا لبعض الوقت."

صرخت سلمى: "ماذا؟! أنا لا أريد البقاء هنا!"

ردت الخادمة: "أحياناً… ما نرفضه يكون هو الشيء الوحيد الذي ينقذنا."

استلقت سلمى على السرير من جديد وهي تضع الوسادة على وجهها.

لماذا أشعر أن حياتي تغيرت ولن تعود كما كانت؟

تذكرت أهلها، أصدقاءها، ودمعت عيناها.

كانت تشعر أنها سجينة رغم الفخامة من حولها.

ولكن في أعماقها كان هناك صوت صغير يهمس: هذا الرجل… ربما يكون بوابة لحلمك.

لكنها هزت رأسها سريعاً: "لا، لا يمكن أن أثق به!"

في المساء، عاد ياسين لزيارتها.

دخل الغرفة حاملاً ملفاً أسود.

"هذا ملف عن العصابة التي حاولت قتلكِ."

اتسعت عيناها: "تعرفهم؟!"

جلس بجانبها: "أعرف الجميع هنا… لا أحد يتحرك دون أن أعلم."

قلبت الصفحات بيد مرتجفة، صور رجال شرسين.

"إنهم… إنهم لن يتركوني أبداً."

أمسك يدها بقوة: "لن أسمح لهم."

ارتبكت من لمسة يده، لكنها شعرت بالدفء أيضاً.

قال بثبات: "ابتداءً من اليوم… أنتِ تحت حمايتي."

همست: "لكن… لماذا أنا؟"

ابتسم بخبث: "لأنكِ اخترتِ أن تظهري أمامي في تلك الليلة."

شهقت: "لم أختر!"

"ربما… لكن القدر اختار لكِ."

صرخت: "أنت مجنون!"

ضحك بخفة: "قالوا هذا عني كثيراً."

أرادت أن تنهض لتبتعد عنه لكنها شعرت بالدوار من جديد.

أمسكها قبل أن تسقط: "اهدئي… ستتعبين جرحك."

نظرت إلى عينيه عن قرب لأول مرة، وارتبكت من قوة نظرته.

تمتمت: "اتركني…"

لكنه لم يتركها فوراً: "لن أترككِ… ليس بعد الآن."

رفرفت أنفاسها، لم تفهم هل كلامه تهديد أم وعد.

وضعها برفق على الوسادة، ثم وقف.

"نامي جيداً… غداً يوم جديد."

وخرج تاركاً قلبها مليئاً بأسئلة أكثر من الأجوبة.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon