كانت ليورا تقف أمام الباب الحجري، تشعر بذبذبات غريبة تتسلل من الرموز المنقوشة، كأنها تنبض بالحياة.
أيرن اقترب منها وقال:
"لم أرَ هذا المكان من قبل رغم أني زرت الغابة عدة مرات… كأنه كان مخفيًا."
ليورا مدت يدها بتردد، ولمّا لمست أحد الرموز، أضاء فجأة بضوء ذهبي خافت… ثم بدأ الباب الحجري يتحرك ببطء، مطلقًا صوتًا غريبًا، وكأنه لم يُفتح منذ قرون.
تبادلا النظرات بصمت… ثم دخلا معًا.
في الداخل، كان المكان غارقًا في الغبار والظلال…
جدران متهالكة، وأرضية مغطاة بالأوراق اليابسة، لكن في المنتصف كانت هناك دائرة حجرية محفورة، محاطة بتماثيل نصفها مكسور، تمثل شخصيات ترتدي عباءات طويلة وتحمل عصيًا متوهجة.
ليورا همست بدهشة:
"هذا… هذا معبد الحراس… أنا متأكدة!"
أيرن قال وهو يمشي بحذر:
"وكأن الزمن توقف هنا…"
بينما كانت تقترب من وسط القاعة، شعرت فجأة بتنميل في يديها… العصى اهتزت بخفة، ثم خرج منها ضوء خافت، لامس أحد التماثيل، وفجأة—
بوووم!
انفجرت دائرة من الطاقة، وأحاطت بهم هالة ضوئية، ثم ظهرت صورة شفافة، كأنها شبح لرجل يرتدي عباءة الحراس، ووجهه غامض.
"إن كنت ترى هذا، فأنت من سلالة الحراس… هذه الذاكرة محفوظة لكل من يحمل دمنا."
ليورا تجمدت في مكانها، أما أيرن فتراجع قليلًا بدهشة.
الصورة تابعت:
"قبل مئة عام، خُنّا من الداخل… قلب دالورا سُرق، والحراس تبعثروا، قُتل بعضنا، واختفى الباقون… إن كنتِ ترين هذا، فأنتِ آخر الأمل."
ليورا وضعت يدها على قلبها، وهمست:
"أنا… آخر الأمل؟"
لكن الشبح أكمل:
"ابحثي عن “المرآة المفقودة”… هي الوحيدة القادرة على إظهار طريقك الحقيقي… لكن احذري، هناك من يتتبعك الآن… الظلال لن تسمح بعودتنا."
ثم اختفت الرؤية فجأة.
أيرن قال بصوت خافت:
"المرآة المفقودة…؟ ما معنى هذا؟"
ليورا استدارت نحوه، نظرتها تغيرت، وكأنها تحوّلت إلى شخص يعرف هدفه لأول مرة.
"يبدو أن رحلتنا بدأت للتو، أيرن… لازم ألقا المرآة، وأعرف من يحاول إيقافي."
أيرن ابتسم وقال:
"أنا معك… حتى النهاية."
خرجوا من المعبد، والسماء بدأت تظلم…
لكن بداخل ليورا، شيء ما أضاء. شعور جديد بالقوة… والمصير .
في جانبٍ آخر من المملكة،
خلف كرةٍ زجاجيةٍ تتوهّج بالضوء الأزرق، كانت الساحرة نايرا تراقب المشهد، ووجهها يحترق من الغضب.
قالت بصوتٍ ممتلئ بالحقد:
"حسنًا أيتها الحارسة الصغيرة… انتظريني… ستكون نهايتك على يدي."
في صباح اليوم التالي،
استيقظ أيرن على صوت شيء وقع أرضًا.
فتح عينيه ببطء، فرأى ليورا وهي تجمع أغراضها.
قال وهو يتثاءب:
"وين رايحة؟"
أجابت ليورا وهي ترتب حقيبتها:
"رح أرجع لقريتي… لازم أعرف أكثر عن المرآة اللي كان الحارس تيكلم عنها… لازم أعرف من وين أبدأ."
أيرن جلس وقال:
"رح أروح معك."
ليورا نظرت إليه باستغراب:
"متأكد إنك حابب ترافقني؟ رحلتي ممكن تكون طويلة وخطيرة."
ابتسم أيرن وقال:
"ما عندي شي أخسره."
ضحكت ليورا بخفة وقالت:
"حسنًا… يلا تعال ساعدني، بننطلق بعد نص ساعة ."
في الطريق نحو قرية إيلمار...
كانت الغابة قد بدأت تتراجع خلفهم، وتحولت الأشجار الكثيفة إلى تلالٍ خضراء ناعمة، تمتد على مد البصر.
لكن فجأة، توقف أيرن ورفع يده.
ليورا همست:
"ماذا جرى لكن؟"
أيرن أشار نحو السماء:
"اسمعي... ما هذا الصوت؟"
كان هناك طنين غريب يتردد في الأجواء، كأنه يأتي من قلب الأرض نفسها. وفجأة، تشقق الهواء أمامهم، وظهرت دوامة صغيرة من الضوء الأزرق، تنفتح ببطء كما لو أنها بوابة.
ليورا أمسكت عصاها لا إراديًا، وأيرن تقدم بخطوات حذرة.
ومن تلك الدوامة، خرج طائر شفاف بأجنحة من بلّور، يرفرف بهدوء في الهواء ثم حط على حجرٍ أمامهم.
نظر أيرن إلى ليورا وقال بجدية:
"هذا الطائر... من عالم الأرواح. نادر جدًا ما يظهر، وظهوره معناه إن شي مهم جدًا رح يصير."
اقتربت ليورا منه، وفجأة، فتح الطائر فمه وأخرج شظية صغيرة من الزجاج، كانت تتوهج بلون أزرق ناعم، ثم اختفى كأنه لم يكن.
ليورا أخذت الشظية، وشعرت بدفء خفيف ينتقل إلى قلبها، ثم سمعت في أعماق عقلها صوتًا أنثويًا غامضًا يقول:
"كل خطوة تقتربين فيها من الحقيقة... تقتربين من الخطر، يا حارسة النور."
تبادلت النظرات مع أيرن، وقالت:
"يبدو أن رحلتنا لم تكون بسيطة أبدًا."
Comments