فريسة سهلة

لم يتحدث. جلس بصمت على أريكة ناصعة البياض، فاخرة حد الترف، وكأنها قطعة من الجنة نُزعت من لوحة. كان ذلك تناقضًا صارخًا مع المدخل الكئيب الذي دخلنا منه، وكأنها عبرت بوابة من الجحيم إلى النعيم.

حاولت أن أوقف سيل التساؤلات داخلها، لكن كلما قاومت، ازداد الفضول نهشًا لذهنها.

كان السؤال الأشد إلحاحًا:

أين يقع هذا المكان؟ ولماذا لا يبدو عليه أي أثر من الخارج؟

قاطع أفكارها حين فتح أحد الأدراج في الطاولة المستديرة البيضاء وأخرج علبة إسعافات أولية. ثم، دون تردد، بدأ في نزع قميصه الملطخ بالدم أمامي.

صرخت من غير وعي وهي تشح بوجهها:

"ماذا تظن أنك فاعل، أيها المجنون؟ لماذا تنزع ثيابك؟!"

هز رأسه بلامبالاة، ونظر إلي بسخرية:

"وهل كنتِ تظنين أنني سأضع الدواء فوق القماش؟"

تلعثمت، وأحسست بالحرارة تصعد إلى وجهها:

"أقصد... كان عليك على الأقل أن تخبرني أولًا!"

تابع وضع الدواء على كتفه دون أن يتوقف، وأجاب بنبرة هادئة ممزوجة بالاستهزاء:

"وهل من المفترض أن أستأذن من ضيف غير مرحّب به في منزلي؟"

حدّقت فيه بحدة:

"أنا لست ضيفة! أنت من أحضرني إلى هنا... وبالتهديد أيضًا!"

ابتسم ببرود:

"ومن سيصدقك؟ أنك خُطفت؟ بل في وضح النهار؟ حتى اللصوص يعرفون أن التوقيت ليس في صالحهم... فكيف بخاطف؟

إن صادفتِ مجرمًا حقيقيًا في المرة القادمة، فأنا متأكد أنك ستكونين فريسة سهلة."

شعرت بالإهانة تتصاعد في داخلها:

"لماذا تتحدث معي بهذه الطريقة؟"

قال بهدوء غريب:

"لأنك لا تدركين الخطر الذي وضعتِ نفسك فيه اليوم. الأسوأ أنكِ لم تحاولي حتى الدفاع أو الهروب... وهذا خطأ قاتل."

كان لكلماته وقع خاص في داخلها... لم تستطع إنكار أنها أصابتها.

اقتربت وجلست على الأريكة المقابلة له، سألت بتردد:

"وماذا كنتَ تتوقع أن أفعل؟"

ردّ دون أن يرفع عينيه عن الجرح:

"أن تحاولي. تقاومي. تصرخي، تركضي، تواجهي...

أن تكوني قوية بما يكفي لتقولي لا.

لكن بدلًا من ذلك، جئتِ إلى الخطر بقدميكِ ظنًّا أنك تتصرفين بعقل.

أنا لا أنوي أذيتك، لكنني لست الجميع."

نظرت إليه، وفي قلبها سؤال ينهشها:

"إذن، لماذا اخترتني أنا؟"

زفر، ثم حاول أن يمد يده إلى الجرح، دون جدوى. أسند ظهره إلى الأريكة وقال بهدوء:

"أنا لم أُختر أحدًا. كنتِ الأقرب، الوسيلة المناسبة للفرار... لا أكثر. لم يكن الأمر شخصيًا."

ثم صمت لحظة، قبل أن يضيف بنبرة أهدأ:

"لكن مما رأيته... يبدو أنكِ من النوع الذي يتقبّل كل شيء كما هو.

تُساقين ولا تعترضين."

قالت بارتباك:

"لم أفهم..."

رد بابتسامة باهتة:

"لا بأس، ستفهمين لاحقًا.

لكني سأقول شيئًا: من ينسى كيف يقول (لا) سيغرق في بحر من (نعم) التي لم يكن يقصدها.

كل مرة اخترتِ فيها الصمت بدل الاعتراض، اعتقد الآخرون أنكِ رُوّضتِ. والدوامة التي دخلتِها... لن تنتهي بسهولة."

كنت تصغي له باهتمام. شيئًا ما في حديثه جعلها تشعر بأنه لا يتحدث عنها فقط... بل عن نفسه أيضًا.

توقّف فجأة، ونظر في عينيّ مباشرة:

"أظن أنكِ نسيتِ كيف تقولي (لا)، أليس كذلك؟"

خفضت بصرها، ومسحت جبينها براحة يديها، ثم همست:

"لماذا تظن ذلك؟"

ضحك ساخرًا:

"لأنك ساذجة."

نظرت إليه بوجه غاضب:

"هل تعني أني غبية؟! أنا طالبة جامعية، ولست كما تظن."

ضحك مرة أخرى، ضحكة لم أفهم معناها، ثم قال:

"وهل تظنين أن التعليم مقياس للذكاء؟ هذا يثبت فقط أنك دودة كتب لا أكثر."

ثم أشار إلى علبة الدواء:

"ألن تساعديني في علاج الجرح؟"

سألته وهي تحدّق فيه:

"ألن تكمل حديثك؟"

ابتسم أخيرًا، لكن ابتسامته كانت متعبة:

"لقد استنزفتِ طاقتي بالكلام. دعيني أعالج جراحي، ثم أنام."

نظرت إليه متفاجئة من هدوئه، وسألت:

"ألست خائفًا أن أهرب؟ أو حتى... أن أقتلك؟"

ضحك، هذه المرة ضحكة حقيقية:

"لا أظن أن تفكيرك يسمح بشيء كهذا... تفكيرك محدود، للأسف."

رمقته بنظرة غاضبة... لماذا أشعر وكأنه يرشقني بالحجارة؟

اقترب منها قليلًا وقال بصوت منخفض:

"وحتى لو فكّرتِ، لا أنصحكِ بالمحاولة. لا يمكنكِ الهرب... والمكان لا يظهر على أي خريطة.

لو لجأتِ للشرطة، فستتوهين قبل أن تصلي إليهم.

وفي النهاية، ستموتين هنا... معي.

أيتها الجميلة، صاحبة الفكر المحدود."

ثم نقر بجبهتها بإصبعه السبابة، فحدّقت فيه بشراسة وقلت:

"لا تنادِني بهذا، أيها الخاطف المتعلّم!

هل تفكر في إطلاق سراحي؟"

أجاب وهو يبتعد بنبرة باردة:

"ليس اليوم."

---بقلم ( أليف)

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon