أخرج ميلان سلاحه من جيبه بحركة سريعة، ثم وجهه نحو جاكسون وقال بحذر: "من أنت؟!"
ردّ جاكسون بلا اهتمام، وهو يهز يده كأنما يطرد ذبابة: "لا يهم. أحضر الملف والجهاز وتحرّك نحو السيارة، ما دمت لا تزال قادرًا على الوقوف."
قطّب ميلان جبينه بعدم فهم: "أي ملف؟! عن ماذا تتحدث؟!"
"معك دقيقة واحدة فقط. إما أن تتحرك أو أحرّكك أنا." قالها جاكسون بصوت منخفض، يحمل تهديدًا واضحًا.
شعر ميلان بخطر حقيقي ينبعث من جاكسون،
أدار وجهه قليلًا وأشار بيده لألفريد أن يهرب. لكن ألفريد كان مصدومًا ومتوترًا، اكتفى بهز رأسه نافيًا، وارتد إلى الخلف خطوة مترددة.
ولم يمهلهما جاكسون وقتًا إذ اندفع بسرعة، قبض على معصم ميلان الذي يحمل السلاح ورفعه إلى الأعلى بعنف، حتى اضطر ميلان إلى الوقوف على أطراف قدميه.
صرّ ميلان على أسنانه، يحاول أن يفك قبضته، لكن يد جاكسون أحكمت الإغلاق على ذراعه. فصرخ على الفريد دون أن ينظر خلفه او ينطق بإسمه:
"اهرب بسرعة."
ارتبك ألفريد للحظات، لكن هذا ما يُفترض أن يحدث، أن يُخطف ميلان، استدار وركض إلى الداخل، متجهًا نحو الباب الخلفي.
انتزع جاكسون السلاح من يد ميلان وركله بقوة في معدته، فسقط ميلان للخلف وهو يتأوه ممسكًا ببطنه.
ركض جاكسون خلف ألفريد وأمسك بياقة قميصه من الخلف بعنف، لكن قبل أن يكمل حركته، شعر بضربة حادة ترتطم برأسه.
استدار جاكسون غاضبًا، ليجد حذاء ملقى على الأرض بجانبه.
"غبي، إن ظننت أنني ساتساهل معك." تمتم جاكسون، بنبرة ساخطة، وهو يتجه إلى ميلان، جذب ياقة قميصه بقسوة ودفعه للحائط.
فخرج صوت متألم من بين شفتي ميلان، حين ارتطم ظهره بالحائط الصلب، وبقوة حادة.
استغل ألفريد لحظة التشتت واندفع خارج الباب الخلفي، يركض بكل طاقته دون أن يلتفت، قلبه يخفق بقوة.
مدّ جاكسون ذراعه وضغط بها على عنق ميلان يخنقه، بينما ميلان بقاومه بشراسة وهو يضرب ساقيه بقدمه.
"قلت لك منذ البداية تحرّك، أنت تدفعني لفعل ما يعجبني."
خرجت الكلمات من بين شفتي جاكسون بابتسامة مستمتعة وهو يرى ملامح ميلان المنكمشة، بفعل نقص الاوكسجين،
صفع ميلان جاكسون على وجهه بكل طاقته، وركله في ركبته، فاختل توازن جاكسون وأجبر على الإنحناء قليلاً، فانتهز ميلان الفرصة ودفعه بعيدًا، ثم ركض بإتجاه غرفته.
أغلق الباب بسرعة ، وسمع جاكسون يلعن خلفه وهو يحاول فتحه. ركض نحو الخزانة وفتحها، بحث عن سلاح......فلم يجد.
انحنى ميلان بسرعة تحت السرير، يفتّش، حتى وجد حقيبة سوداء قديمة، فتحها، وما إن رأى ما بداخلها حتى اتسعت عيناه، ملف يحمل اسمًا واحدًا يعرفه جيدًا... "نوح فيليب."
تدافعت في ذهن ميلان لحظة دخول ألفريد إلى المنزل، والآن فقط فهم سبب دخول دون إذن وخروجه متوترًا وخائفًا... لقد ورّطه مع أحد أخطر رجال المافيا وأكثرهم جنونًا...
أسرع ميلان نحو النافذة وفتحها، في اللحظة ذاتها، كسر جاكسون الباب. دون تردد، قفز ميلان من النافذة ثم تعلق بجذع شجرة، أنزل جسده تدريجيًا وقفز.
"اللعنة."
تمتم جاكسون من خلفه، ثم نظر الى الشاب الأشقر الذي يقف جانبًا ويرتدي نظارة سوداء، فصاح عليه:
"آرون، أمسكه"
لم يحتج آرون لتحذير جاكسون، إذ انتظر بصمت حتى تشتّت انتباه ميلان عنه، ثم انقضّ عليه من الخلف.
ركض ميلان مبتعدًا عن منزله، لكن ذراعًا قوية طوّقت جسده فجأة، وقبل أن يلتفت، ضغط آرون بمنديل مخدّر على أنفه وفمه.
حاول ميلان أن يحبس أنفاسه، أن يقاوم، لكن آرون شدّ قبضته بقسوة، فارضًا عليه استنشاق الرائحة الثقيلة للمُخدر رغماً عنه.
وخلال دقائق، بدأ جسد ميلان يفقد قوته تدريجيًا. ارتخت أطرافه، وتوقفت مقاومته، ثم تهاوى ببطء. أمسك آرون بخاصرته قبل أن يسقط تمامًا.
"إذا سأل الزعيم من قبض عليه، قل إنني أنا. مفهوم؟" قال جاكسون بلهجة حانقة وهو يقترب منهما.
أومأ آرون بعدم اكتراث، أعاد المنديل إلى جيبه، ثم حمل جسد ميلان وألقاه في المقعد الخلفي للسيارة. ثبّت الأصفاد حول معصميه بإحكام، وأغلق الباب.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
ترجل آرون من السيارة وأغلق الباب خلفه، ثم أشار لجاكسون برأسه أن يحمل ميلان.
رفع جاكسون حاجبيه بامتعاض ولم يُحرك ساكنا ثم رد بحدة:
"وتأمرني بإشارة فوقها، احمله أنت"
"لقد حملته المرة السابقة، دورك أنت" رد آرون بصوت جاد.
"لن أفعل أنت من خدره" رد جاكسون بعناد.
قال آرون وهو يحدق في جاكسون:"إذا، سأخبر الزعيم أنني من أمسك به"
تأفف جاكسون بحنق وفتح باب السيارة بعنف، ثم نفر كتف ميلان بخشونة وقال:
"هيي افتح عينيك، أعلم أنك مستيقظ"
"احمله جاكسون، قبل أن نتاخر" قال آرون وهو يتوجه الى محطة القطار.
"لما علي أن أجمل هذا اللعين، بينما هو مُرتاح" تذمر جاكسون حانقًا، وهو يرفع ميلان بذراعيه
التفت آرون اليه للحظة، فتوقف جاكسون عن السير وقال باستغراب: "ماذا؟"
"أين الملف والجهاز؟!"
"جون سيحضره" رد جاكسون، فأوما له آرون وتابع سيره الى المحطة.
.
.
.
.
.
بعد ساعات // إقليم صقلية
فتح ميلان عينيه ببطء، رأسه ثقيل وكأن صخرة سقطت عليه. حاول رفع إحدى يديه، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب الأصفاد.
نظر بجانبه، فرأى آرون يجلس بهدوء، هاتفه في يده وساقه فوق الأخرى.
"أين أنا، أيها الوغد؟!" قال ميلان بحدة.
"صقلية." ردّ آرون دون أن ينظر له.
"لماذا؟ ماذا تريدون مني؟!" نطق ميلان وهو يعقد حاجبيه وينظر إلى آرون الذي تجاهله.
"أنا أتحدث إليك، أيها الأشقر اللعين" أضاف ميلان بلهجة غاضبة وركل ساق آرون بقدمه.
نظر له آرون بطرف عينه وقال ببرود: "ستعرف حين نصل."
زفر ميلان بعصبية، وأرخى رأسه إلى الوراء، مغمضًا عينيه تحت نظرات جاكسون من المرآة الأمامية.
"إن نمت مجددًا، سأرميك في البحر."
"جرب، وسأكسر يدك حين أستيقظ." رد ميلان بحدة دون أن يفتح عينيه.
فجأة أوقف جاكسون السيارة، وترجل منها، وفتح باب الخلف ثم جذب ذراع ميلان بقسوة وسحبه إليه خارج السيارة.
"ما بالك أيها السافل؟!" صرخ ميلان بعصبية وهو يحاول الإفلات من قبضة جاكسون الذي يجرّه نحو البحر القريب.
قبض جاكسون على ذراعه بقوة وجره خلفه تحت صراخات ميلان الغاضبة، فأوقفه على حافة الجسر.
"تظنني أهددك عبثًا؟ اعتذر الآن." همس جاكسون عند أذنه بينما قبضته تمسك برقبة ميلان بقوة.
نظر ميلان للمياه تحت الجسر، وتردد للحظة، لكنه قال بغضب:
"أنت وغد حقيقي."
"اذهب للجحيم إذا."
رد جاكسون وهو يبتسم بإحتقار ثم حرّك جسد ميلان ليدفعه نحو الأسفل
لكن آرون تدخّل بحركة سريعة، وأمسك بياقة ميلان الخلفية ليجذبه نحوه إلى الوراء.
حدق آرون في جاكسون بنظرة باردة وقال:
"كفاك جنونًا. الزعيم لا يريده جثة."
ضحك جاكسون بتهكم وهو يرفع يده ويحك شعره قائلا بسخط:
"ما المشكلة إذا اخذناه جثة على الاقل سيكون هادئ"
أطلق آرون تنهيدة عميقة، يدرك أن جاكسون مجنون للغاية وسيفعلها حقًا إن كان غاضبًا، سحب ذراع ميلان بعنف بعيدًا عن حافة الجسر، ثم دفعه تجاه السيارة دون أن ينبس بكلمة.
"لا تدفعني أيها الوغد" قال ميلان بحنق وهو يزيح يد آرون عن ذراعه المُقيدة.
فتح آرون باب السيارة الخلفي بصمت، ودفع ميلان للداخل، ثم أغلق الباب بقوة حتى اهتزّ الزجاج.
رفع ميلان ساقه وضرب مقعد جاكسون من الخلف بقوة حتى ارتج وقال بحدة،:
"افتح الاصفاد عن ذراعي وسترى من سيصبح الجثة"
خفف جاكسون من سرعة السيارة، وترك عجلة القيادة، ثم مد يده فجأة وجذب ياقة ميلان بقسوة حتى التصقت وجوههم تقريبًا عبر المسافة الضيقة بين المقاعد.
"كرّرها... إذا كنت شجاعًا بما يكفي."
قال جاكسون بفحيح والغضب واضح على ملامحه، لم يَرمش ميلان، عيناه ثبتتا في عيني جاكسون بحدة فرد عليه بتحدٍ:
"افتحها فقط، وسأجعلك تلعن والدتك على ولادتك."
سحب آرون ميلان بعنف من ياقة قميصه وأبعده عن متناول يد جاكسون، ثم صرخ وهو يضغط بأصابعه على كتفه:
"قد السيارة أيها المجنون"
رمقه جاكسون من طرف عينه، ثم أعاد يده إلى المقود ببطء وداس على دواسة البنزين بقوة جعلت السيارة تندفع فجأة إلى الأمام، فاندفع أثر ذلك ميلان وآرون الى الخلف.
"أخرسه إذًا، قبل أن أفقد أعصابي وأقتله"
ضحك ميلان بسخرية وهو يشعر بالغضب في صدره، ثم رفع نظره إلى المرآة الأمامية وحدق في جاكسون وصوّت خرج من بين شفتيه بحدة:
"من المؤسف أنني مقيّد، وإلا-"
قبل أن يكمل ميلان، امتدت يد آرون بسرعة، وأطبق على شفتيه بقوة، نظر إليه ببرود قائلاً:
"إن نطقت كلمة أخرى، ساقيد فمك أيضًا"
سحب ميلان رأسه الى الوراء بعيدًا عنه، وشتم آرون تحت أنفاسه. تحت أنظار جاكسون الذي يقطب حاجبيه بحدة.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
بعد ساعة، أمام مقر واسع ذو طوابق كثيرة.
اوقف جاكسون السيارة، أخرج عصابة سوداء من جيب سترته، ثم ترجل منها
فتح الباب الخلفي بقوة، مدّ يده داخل السيارة وجذب ذراع ميلان بعنف قائلاً بلهجة ساخطة:
"هيا، انتهت نزهتك."
حدق ميلان في المقر الضخم أمامه ولعن الفريد في نفسه، فشعر بذراع جاكسون تُغطي عينيه بعصابة سوداء.
تسلل صوت جاكسون إلى أذن ميلان كفحيح أفعى:
"أهلاً بك في جحيمك، عزيزي... هنا ستتمنى الموت، ولن تجده."
جرّ جاكسون ميلان بعنف الى داخل الممر، تحت صرخاته التي اخترقت أذنيه وزادت من غضبه، لكنه تمالك غضبه، واستمر بجره عبر الممرات الباردة.
"أنا سامشي لوحدي أفلت ذراعي، عليك اللعنة" صراخ ميلان الغاضب دوى في أرجاء الممر وخو يحاول سحب معصمه، والسواد يُغطي عينيه كالأعمى
فتح جاكسون بابًا حديديًا عتيقًا بصوت صرير حاد، وسحبه ميلان خلفه إلى الداخل.
الغرفة مظلمة بالكاد تُضاء بمصباح متدلٍ من السقف، كاشفًا عن أدوات تعذيب مبعثرة، وسلاسل تتدلّى من الجدران، وبعض الجثث المتفحمة أو المقطعة في الزوايا. بقع الدم لطّخت الحائط.
دفع جاكسون صدر ميلان بقوة ليسقط على كرسي معدني كبير، متهالك وممزق الجلد. قبل أن يتمكن ميلان من النهوض، قيّد جاكسون بإحكام من معصميه ثم كاحليه، حتى بات عاجزًا تمامًا عن الحركة.
انحنى جاكسون ورفع العصابة عن عيني ميلان الذي اغمض عينيه للحظة بسبب الضوء المفاجئ جعله يغمض عينيه.
أمسك جاكسون بفك ميلان بخشونة، وأدار رأسه بالقوة إلى الجهة اليسرى، حيث استقرت عينا ميلان على جثة شبه متحللة، ذراعها مقطوعة ومرمية بجانبها
ابتسم جاكسون ابتسامة باهتة وقال بنبرة ساخرة وهو يشير بإصبعه حيث الجثة المرمية بإهمال:
"إذا شعرت بالملل، تحدّث مع تلك الجثة... وقتًا ممتعًا."
التفت بعدها ثم خرج وصفق الباب الحديدي خلفه بصوت مدوٍّ، تحت أنظار ميلان الذي نظر حول الغرفة، وتحديدًا الجثة.
تنهد ميلان بعمق وشتت أنظاره وهو يحاول طرد الأفكار السلبية التي عصفت برأسه. لكن رائحة الجثث العفنة اخترقت أنفه وجعلته يشعر بالغثيان.
حاول ميلان تحرير إحدى ذراعيه ليغطي أنفه، ولم يتمكن من ذلك، فشتم الفريد تحت أنفاسه.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
بعد مدة
فُتح باب الغرفة مجددًا فظهرت هيئة لرجلٍ ذو شعر أسود ناعم، ينسدل على جبينه، عيناه رمادية وحادة، ويرتدي بذلة سوداء أنيقة تشي بهيبته، وبجانبه يسير آرون، بخطوات صامتة.
اقترب آرون من ميلان دون أن ينطق، وانخفض على ركبتيه ليفكّ الحبال التي كانت تشدّ معصميه وكاحليه.
رفع ميلان يديه، فرك معصميه المتقرحين، وفي تلك اللحظة، سمع صوتًا حادًا يقطّع السكون والصمت في أرجاء الغرفة الهادئة:
"انهض."
نهض ميلان فورًا، مستقيم الظهر، ولم يبعد عينيه عن نوح الذي بدا هادئًا بشكل مريب، ساكن الملامح، بارد النظرات، تمامًا كما وُصف له دومًا.
كانت هذه المرة الأولى التي يراه فيها ميلان بنوح وجهًا لوجه، ورغم كل ما قيل عنه، لم يكن يتخيل أن حضوره مهيبًا، رغم أنه لا يشعر بالخوف منه.
فجأة، وجد ميلان وجه نوح قريبًا جدًا من وجهه. لم يسمع خطواته، ولم يشعر باقترابه. ارتبك ميلان، وتراجع خطوة بلا وعي، لكن يد نوح أمسكت بفكه وأعادته إليه، ليقربه أكثر، وبدأ يحدق في ملامحه عن قرب، بصمت مطوّل.
أعين نوح الرمادية ارتكزت على وجه ميلان، يُحدق في تفاصيله بشرود. عيناه الزرقاوية، البشرة البيضاء... خصوصًا الملاح جميعها بدت مألوفة لنوح، بل نسخة أخرى من إيان.
"ظننتك ستكون أطول."
تمتم نوح بنبرة خافتة ثم ترك فك ميلان، وتراجع خطوة إلى الوراء. مد يده بصمت ليتلقى من آرون ملفًا أسود، أمسكه، ثم جلس على الكرسي خلفه وفتح الملف بنظراتٍ، تحدث ببرود:
"من أمرك بسرقة أموالي، والعبث بعقود شركاتي؟"
ابتلع ميلان ريقه، اقترب خطوة صغيرة للأمام، وقال بنبرة هادئة:
"لا أعلم كيف دخل العقد خاصتك إلى منزلي، لكنني لستُ الفاعل، أقسم لك."
همهم نوح بصوت خافت وأضاف:
"كيف استطعت اختراق حساباتي البنكية وسرقت أموالي؟"
هز ميلان رأسه فورًا، ونفى بقوله:
"إنه سوء فهم... لستُ أنا الفاعل."
أغلق نوح الملف بعنف ورماه أرضًا بقوة، لتنقلب بعض أوراقه على البلاط، ثم قال:
"توقعت ألا تعترف بسهولة."
وفي لحظة، وجد ميلان ذراعي آرون تهويان على كتفيه وتطبقان عليه بقوة، ليُجبره على الركوع أرضًا.
"أكره الكاذبين." قال نوح ببرود قاتل.
رفع ميلان وجهه نحو نوح بتحدٍ، ورد بصوت جاف:
"وأنا أكره الأغبياء"
"أنا غبي؟" نطق نوح بصوت هامس بارد، عيناه لا تكاد تصدق ما يسمع.
شد آرون على ذراع ميلان بقوة وقال بصوت منخفض حاد:
"أطبق فمك."
دفع ميلان ذراع آرون بحنق، ثم نظر إلى نوح وأجاب بثقة وتحدٍ:
"نعم، إن كنت تظن أنني من فعلها دون أي دليل حقيقي، فأنت كذلك."
ساد الصمت الغرفة بعدها، لم يُسمع سوى خطوات نوح التي اقتربت بثبات، ودون سابق إنذار، ركله على بطنه بقدمه. فانحنى ميلان بظهره أثر الركلة وهو يئن بألم.
وقبل أن يلتقط ميلان أنفاسه، تلقّى ركلة مباغتة على بطنه بقوة أكبر من قِبل نوح ، جعلته يتقوّس للأمام ويلهث من الألم، ثم قبض على قميصه عند موضع الألم كمن يوشك على التقيؤ.
"سحقًا لك، أيها الحقير..."
تفوه بها ميلان بأسنانه المطبقة، وعيناه تشتعلان غضبًا. ارتجفت يده اليسرى أثر الانفعال، ثم نهض عن الأرض وسدد لكمة باتجاه وجه نوح.
بيد واحدة، صد نوح قبضة ميلان وجذبه نحوه بقوة، حتى التقت أعينهما عن قرب،
"تبدو عنيدًا، لكن صدقني... هذا لن يفيدك هنا."
قال نوح بنبرة باردة، أقرب الى الهمس وهو يحدق في عيني ميلان الزرقاويتين، سرعان ما راح يغوص في تفكيره،
نظراته تنقلت فوق ملامح ميلان القريبة من وجهه ببطء غريب، وكأن الزمن توقّف للحظة. وجه ميلان نفس تفاصيل الأنف، نفس زوايا الفم، حتى نبرة الحاجبين... لا فرق بينهما، سوى ذلك اللون الأزرق البارد في عينيه.
للحظة، ارتجفت مشاعر نوح، وشعر بألم خفيف في قلبه، امتدت يده ببطء... كما لو أنه نسي أين هو، ومع من يتحدث.
ارتجفت أصابع نوح قليلًا وهو يرفعها نحو وجه ميلان، ولامس بشرته الباردة بأنامله، يريد أن يتأكد... أن يلمسه، أن يتحقق من أنه ليس سرابًا ولا وهمًا،
"إيان..."
صفعة قوية هوت على خد نوح الأيسر، أفلتت من يد ميلان دون تردد، لتقطع ذلك الشرود المطول وتترك صادمة واضحة على ملامح آرون الباردة.
تصلّب نوح في مكانه، مقلتيه الرمادية اتسعتا من الدهشة، والحرارة الحادة انتشرت على جانب وجهه، أنزل نوح نظراته الجامدة إلى ميلان، ولم يرى على وجهه الخوف، أو الندم،
بلهجة حادة، وغضب مكبوت، نطق ميلان، غضبًا من الركلتين اللتين تلقاهما، ومن نعت نوح له باسمٍ آخر:
"لا تجرؤ وتناديني باسم غيري مجددًا."
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين.
Comments