الفصل 3

استيقظ ميلان باكرًا على شعورٍ مزعج، وثقلٍ غريب فوق جسده. أدار رأسه بتكاسل وهو لا يزال نصف نائم، ليجد رأسً الفريد مسترخيًا على كتفه، وذراعًا أخرى تمتد بثقل فوق خاصرته.

دون سابق إنذار، أمسك ميلان بساق الفريد الأقرب إليه وسحبها بعنف، ثم دفعه بقوة حتى هوى جسده إلى الأرض

"آه ظهري... ما خطبك منذ الصباح؟" جاء صوت الفريد المتألم من الأسفل، مشوشًا بالنوم، ولم يعي ما يجري حوله.

اعتدل ميلان في جلسته على السرير، وهو يزيح شعره عن جبينه وعيناه نصف مفتوحتين، تطلان حيث الفريد الجالس على الأرض

"متى دخلت؟ ولماذا على سريري؟" قاله ميلان بنبرة حادة، لكنها تخلو من أي انفعال.

رفع الفريد رأسه، وهو فرك ظهره بتأفف وزفر ببطء، ثم أجاب:"منزلك بلا قفل... جئت في الرابعة فجرًا بعد أن أنهيت دراستي، كنت مرهقًا ونمت بجانبك، هل في الأمر كارثة؟"

توقف ميلان عند باب الحمام، التفت إليه بنظرة جامدة:

"ألا تمتلك ذرة احترام لخصوصية الآخرين؟"

ضحك الفريد بسخرية ناعسة وقال:

"خصوصية؟ بيننا أنا وأنت؟! "

صمت ميلان لثانية، ثم قال بنبرة باردة، هادئة:

"إذا كنت لا ترى أن بيني وبينك حدود، فسّر لي لمَ كنت خائفًا البارحة حين اتصل بك ذلك الرقم؟"

انكمشت تعابير الفريد ثم تمتم بجفاف وهو ينهض عن الأرض:

"أخبرتك... لا شأن لك. فقط... امهلني دقائق لأخذ كتبي وسأرحل."

لم يرد ميلان، فقط أغلق باب الحمام خلفه بقوة، أطلق الفريد تنهيدة عميقة ثم خرج من الغرفة ليجهز الفطور،

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

فتح الفريد الثلاجة بلا حماسة، أخذ بيضتين، وزجاجة الحليب، ثم أشعل الموقد بيدٍ واحدة وهو يمسح عينيه بالأخرى.

جهز القهوة لميلان والحليب له، ثم وضع البيض والخبز على الطاولة، رغم انه يحب الفطور الذي يجهزه ميلان لكنه لم يجرا على طلبه.

"الم تقل انك ستذهب؟" سأل ميلان باستنكار وهو يمر بجانبه نحو طاولة المطبخ ويجلس على الكرسي.

جلس الفريد بجانبه وقال ببرود متصنع وهو ياخذ الخبر: "ساتناول الفطور وارحل. "

لم يرد ميلان وبدأ يتناول فطوره ويشرب القهوة، والأمر ذاته مع الفريد الذي التقط كوب الحليب وأخذ يشربه.

نهض الفريد عن مقعده حين انهى طبقه وأخذ كتبه بيده، ثم توجه الى باب المنزل الخارجي، تبعه ميلان حين أنهى فطوره وارتدى حذائه.

"سأخذك الى الجامعة بسيارتي" قال الفريد، فرفض ميلان بالإيماءة برأسه نافيًا.

تنهد الفريد بضيق، يدرك أن ميلان لا يملك ثمن سيارة الأجرة وسيذهب سيرًا على الأقدام كعادته.

اقترب الفريد من ميلان وهو يضع يده في جيبه، ثم دسَ النقود في جيبه، فأخرجها ميلان مباشرة، واعادها له بعنف، قائلا بحدة:

"إذا كررت فعلتك هذه، لن تدخل منزلي مجددًا"

"هل ستأتي بسيارتي أم لا؟ منذ الصباح وأنت منزمج لانني دخلت الى منزلك" قال الفريد وهو يعقد حاجبيه وبدى عليه الضجر.

نظر له ميلان للحظة ثم دخل الى سيارته في المقعد الأمامي وأغلق الباب بعنف، حتى اهتزت النوافذ، تبعه الفريد وهو يتنهد بأسى.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

توقفت السيارة أمام الجامعة، فترجل ميلان منها وسار الى الداخل إلا أن الفريد اوقفه بإمساك معصمه برفق.

"سأتي إليك مساءً" قال الفريد بإبتسامة خفيفة.

أومأ ميلان موافقًا وسحب معصمه ثم توجه الى مقهى الجامعة ليعمل، أما الفريد فتوجه الى قاعة المحاضرات.

...........

دخل ميلان من الباب الجانبي وتوجه إلى المقهى الصغير الملاصق لمكتبة الكلية.

كان يعمل هناك كنادل منذ بداية الفصل الدراسي، بحث عن وظيفة براتب افضل، لكنه لم يجد، وقد سئم من اوامر جوزيف وتذكيره الدائم بأنه من يعطيه المال.

بدأ في تحضير الطاولات، ووضع قائمة الطلبات في أماكنها المعتادة، لم تمضِ دقائق حتى بدأ الطلاب يتوافدون، بعضهم يعرفه باسمه، وآخرون بالكاد يلقون عليه نظرة.

رنّ جرس الباب الصغير للمقهى حين دخل ثلاثة طلاب، ضحكاتهم تعالت، توجهوا الى إحدى الطاولات ليجلسوا عليها.

كان ميلان يلمحهم من خلف آلة القهوة، وعيناه توقفتا فورًا عند الشاب الأشقر، الذي يرتدي ملابس الفاخرة ونظرته المتعجرفة.

اسمه لينور، من عائلة ثرية وذات نفوذ، اعتاد استخدام ماله للهيمنة على من حوله، وبالأخص على ميلان. لم تكن هذه المرة الأولى التي يدخله فيها المقهى، ولم تكن نظراته الساخرة غريبة عن وجهه.

اقترب لينور من الطاولة، جلس متكئًا على ظهر الكرسي، وقال بصوت مرتفع ليسمعه الجميع:

"نادلنا المفضل، ميلان. أين أنت؟!"

ضحك رفيقاه بينما تجاهلهم ميلان ببرود، وتوجه إليهم بهدوء لتسجيل الطلبات، حافظ على نبرة صوته اعتيادية وهو يسأل:

"طلبك المعتاد؟"

أمال لينور رأسه قليلًا، نظر إليه بجرأة، ثم قال وهو يعبث بمعلقة السكر أمامه:

"كوبين من القهوة السوداء. بدون سكر."

اوما ميلان برأسه وسجل طلبه في دفتر صغير ثم ذهب ليجهزه. عاد بعد قليل وهو يحمل صينية وفوقها كوبين من القهوة، ثم وضع الكوبين أمام لينور، والتفت مغادرًا.

أمسك لينور بمعصمه ميلان قبل ان يخطو، فالتفت إليه ميلان بنظرة حادة، جعلت لينور يضحك بخفة ويترك معصمه قائلا:

"أجلس لنشرب القهوة معًا"

ارتفع حاجب ميلان باستنكار ونظر الى كوب القهوة ثم الى لينور وقال ببرود:

"لا شكرًا"

"لما تأخذ دور صعب المراس؟ أجلس أريد التحدث معك قليلا" رد لينور بملل وهو يضع ذراعه على الكرسي.

"تحدث مع الكلاب بجانبك"رد ميلان بسخط ثم التفت مغادرًا

كاد الشاب المدعو ريكاردو أن ينهض بغضب، فأمسك لينور بيده وأعاده ليجلس وقال:" دعه، أنا أعلم كيف سالقنه درسًا"

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

نهض لينور عن مقعده وتوجه إلى مكتب المدير خطواته سريعة، دخل ثم أغلق الباب خلفه، نظر حوله بحذر قبل أن يفتح أحد الأدراج الخشبية القديمة، خبأ المخدرات تحت كومة من الأوراق المهترئة ثم أغلق الدرج.

التفت فجأة، ليجد ميلان واقفًا عند الباب، ينظر إليه دون أن يرفّ له جفن.

"متى دخلت؟" سأل لينور بدهشة طفيفة وعيناه موسعة بشدة.

"منذ أن وضعت المخدرات تحت الأوراق." رد ميلان ببرود وهو يحدق به.

تراجع لينور نصف خطوة، فيما شفتاه ترتجفان والكلمات تخونه عما يريد التبرير عنه :

"الأمر ليس كما تعتقد......"

تجاهله ميلان ثم عبره بجانبه دون أن ينتظر الرد، فتح الدرج ببرود ومد يده حيث كيس المخدرات بين الملفات

سحب لينور ذراعه بقوة، ثم دفعه إلى الجدار خلفه، يده تضغط على صدره لتثبيته.

"أنت... لن تخبر أحدًا، صحيح؟"خرج صوت لينور منخفض يشوبه التوتر، يده المرتعشة على صدر ميلان كانت تفضح توتره الشديد.

"وإن فعلت؟" رد ميلان بتحدٍ وهو ينظر اليه ببرود دون ان يرمش.

تصلب فكّ لينور، ثم ضغط على أسنانه بقوة وقال بصوت منخفض:.

"كم تريد؟!"

"أتحاول رشوتي؟" قال ميلان بحدة.

رد لينور بنبرة متوترة:"لا يهم، أنت تحتاج المال، فقط قل لي كم تريد."

"لا أبيع كرامتي لأجل أموالك الرخيصة."نطق ميلان بحدة، وهو يدفع ذراع لينور عن صدره

لكن لينور لم يستسلم، حاصر ميلان بذراعيه الى الحائط وقال بعناد:

"سأعطيك المبلغ حالًا خلال مكالمة."

"ابعد يديك اللعينة"اهتاج ميلان صارخًا بغضب ودفع لينور بعنف

حينها سمع لينور صوت خطوات، ارتبك بشدة فأمسك بمعصمه ميلان وجره الى الحمام مسرعًا

سحب ميلان معصمه بحنق ونظر الى لينور صارخا: "ايها اللعي__"

أطبق لينور على شفتي ميلان ودفعه الى الحائط حين سمع صوت فتح الادراج

"أقسم ان صرخت، ساخبر المدير بأنك ساعدني بوضع المخدرات" هسهس لينور ببرود وهو يغلق فم ميلان الذي يرمقه بنظرات حادة.

حين أخذ المدير ملفه، خرج من مكتبه وأغلق الباب خلفه.

سمع لينور صوت إغلاق الباب، خرجت تنهيدة براحة من بين شفتيه، ثم أقترب من أذن ميلان وهمس:"إذا أخبرت أحدًا... سأبقى اتسلى مع ألفريد خلال السنة الدراسية."

توقف قليلاً ليرى أثر كلماته على ملامح ميلان الذي تجمد للحظة، سرعان ما استعاد توازنه ودفعه عنه بحدة قائلا:

"أنت حقير."

"شكرا لمديحك عزيزي،" رد لينور باستفزاز وربت على خد ميلان الذي دفعه بغضب شديد

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

بعد ثلاثة أيام // العاصمة روما

كان ميلان يعمل في المقهى الجامعي كعادته خلال استراحته من أوامر جوزيف، حين وصله استدعاء عاجل من الإدارة.

توقف عن تنظيف الطاولة، خلع مئزر العمل بسرعة، وتوجّه إلى غرفة المدير بخطوات حذرة. طرق الباب، ثم فتحه ببطء ودخل.

وجد المدير واقفًا خلف مكتبه، ينظر إليه بحدة، وذراعاه معقودتان إلى صدره.

ارتفع حاجب ميلان، مستغربًا من تعبير وجهه، واقترب قليلًا وقال بتوتر خافت:

"ماذا؟"

دون كلمة، ألقى المدير كيسًا بلاستيكيًا صغيرًا في وجه ميلان. ارتدّ الكيس ليسقط أرضًا، فتبيّن أنه يحتوي على مسحوق أبيض.

"كن شاكرًا أنني لم أتصل بالشرطة، أيها الحثالة... أخرج من الجامعة. أنت مطرود." نطق المدير ببرود شديد ونظرة الإزدراء ترمق ميلان.

تجمّد ميلان في مكانه للحظات، لكن غضبه تصاعد كبركان، ليس لأن المدير طرده، بل لأن الكلمة التي قالها - حثالة - طعنت كرامته. دون تفكير، تقدّم بسرعة ولكم المدير على وجهه بعنف.

"أيها الوقح!!" صرخ المدير غاضبًا، وردّ بلكمة سريعة على وجه ميلان، ثم صاح مستدعيًا الأمن بإنفعال شديد.

تقدّم رجل ضخم وسحب ميلان من ذراعه بعنف، يجرّه نحو بوابة الجامعة. لكن ميلان دعس قدم الحارس بقوة وسحب يده لينفلت، ثم ركض نحو قاعة المحاضرات.

فتح الباب بعنف، وعيناه جالتا في المكان حتى وقعت على هدفه لينور. كان البروفيسور في منتصف القاعة، والجميع حدّق فيه، من ضمنهم ألفريد... ولينور.

بلا أي تحذير، اندفع ميلان نحو لينور، أمسك بياقة قميصه وصرخ:

"أيها السافل الحقير، سحقًا لك ولأفعالك القذرة"

لكمه ميلان بشراسة على وجهه، حاول لينور الإفلات، لكن ميلان كان أسرع. أسقطه أرضًا واعتلى جسده، وبدأ ينهال عليه باللكمات بجنون، قبضته ترتطم بوجهه مرارًا، حتى تناثر الدم من أنفه وشفته.

ركض البروفيسور ليتدخل، لكن ألفريد سبقه، احتضن خصر ميلان وسحبه للخلف بقوة، مانعًا إياه من الاستمرار.

"اهدأ، ميلان..." قال ألفريد، صوته متردد، وذراعاه ما زالتا تحيطان به.

مسح ميلان وجهه بكفّه وهو يلهث، ثم اندفع خارج القاعة، خطواته أقرب للجري.

تحرّك ألفريد للحاق به، لكن البروفيسور أوقفه بإشارة حازمة.

أطلق ألفريد تنهيدة ضيقة، وعيناه تتنقلان بين الطلاب الذين سارعوا لإخراج لينور من القاعة. كان يعلم جيدًا أن لينور دائمًا ما يتنمّر على ميلان... لأنه فقير. وحاد اللسان، لا يصمت على من يُهينه حتى لو كان غنيًا.

كما وظيفته كنادل لا تكفيه حتى للعيش، لكن ميلان أصر بأن يعتمد على نفسه

.

.

.

.

.

.

.

.

.

جلس ميلان على الرصيف قرب الشارع، أسند مرفقيه إلى ركبتيه ودفن وجهه بين يديه،

تنهيدة طويلة هربت من صدره المثقل.

بحث سابقًا عن عمل مرارًا، ولم يجد سوى وظيفة نادل بالكاد تقيه الجوع، وقد أشفق المدير عليه حينها وسمح له بالعمل رغم أنه لم يُكمل دراسته.

صوت خطوات مقبلة جعله يرفع رأسه قليلًا.

رجل يرتدي طقمًا أسود وقف أمامه، يحمل ملفًا في يده، ووجهه خالٍ من أي انفعال.

قال الرجل ببرود، وهو يحدق في ميلان الجالس على الرصيف:

"الاسم: كاسيان، 43 عامًا، رجل أعمال يدير شركة Albrecht Group، شركة استثمارية تملك فروعًا في أوروبا والشرق الأوسط، تركز على العقارات. يعيش في جنوب صقلية، الحابة الاجتماعية أعزب. هذه معلومات من السيد جوزيف... لك."

رفع ميلان رأسه إليه وحدّق به بحدة، ثم قال بسخرية لاذعة:

"هل أذهب وأخطبه لجوزيف؟"

رد الرجل بجفاف من سخريته من زعيمه:

"اقتله."

تشنج فكّا ميلان من الغضب الذي ما زال بداخله، ثم أشار بيده بحنق:

"أغرب عن وجهي."

لكن الرجل لم يتحرك، اكتفى بالرد بنبرة جامدة:

"إن لم تفعل، سآخذك عنوة إلى المقر."

أطلق ميلان زفيرًا ضجِرًا، ثم نهض ببطء، سحب الملف من يده بخشونة، وسار صامتًا نحو السيارة.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

دفع ميلان باب غرفة جوزيف بعنف، فوجده يخلع سترته ويضعها على سريره.

"أنت تنام براحة، وأنا أعمل كالكلب، أنا استقيل منذ اليوم لن أنفذ أوامرك اللعينة..... خذ ملفك القذر" انهى ميلان كلامه بحدة ورمى الملف بوجه جوزيف.

لم يُصدم جوزيف من قلة احترام ميلان، فقد اعتاد على طباعه. التقط الملف عن الأرض وأشار للحارس بإغلاق الباب.

حين همّ ميلان بالخروج، استوقفه رجلان مسلحان. التفت إلى جوزيف وقال بغضب:

"دع كلابك تبتعد عن طريقي."

سحب جوزيف ذراع ميلان حين رأى وجهه المحتقن بالغضب وأجلسه على السرير، ثم قدّم له كوب ماء من الطاولة، ناوله إياه قائلاً بهدوء:

"تبدو غاضبًا، ما الذي حدث معك في الجامعة؟"

شرب ميلان الكوب دفعة واحدة، ثم وضعه على الطاولة ونظر إلى جوزيف بحنق:

"كل ما يحدث لي بسببك أنت."

قال جوزيف واضعًا يده على كتف ميلان:"أترك العمل في الجامعة، أنا اوفر لك كل ما تريد"

ابتسم ميلان بسخط وأجاب ساخرًا: "توفر لي ما أريد، بعد أن تجبرني على قتل أعدائك، أنت لا تراني سوى أداة للقتل"

ثم نهض ميلان عن السرير، لكن جوزيف أمسك ذراعه وسحبه مجددًا ليجلس، برفق هذه المرة.

وقبل أن يردّ ميلان، أحاطه جوزيف بذراعيه، معانقًا إياه إلى صدره. تصلب جسد ميلان، وتفاجأ، أراد الابتعاد، لكن ذراعي جوزيف شدّتا على جسده أكثر.

جوزيف يعرف ميلان جيدًا، يعرف نوبات غضبه وحدّة لسانه، وعلى الرغم من ذلك لم يعد يردّ عليه بالصراخ أو العقاب كما في السابق. منذ أن بدأ يفهم طبيعته، أدرك أن أفضل وسيلة لإخماد نيرانه ليست الغضب، بل العناق.

مع ذلك، أحيانًا يخرج جوزيف عن هذا الأسلوب، يغضب بشدة حين يرفض ميلان تنفيذ أوامره، ولا يتردد في توبيخه أو ضربه، لكن تعامله معه صار أكثر لطفًا مما كان عليه في السابق.

دائمًا ما يساير جوزيف ميلان، يحاول التهدئة وتلطيف الأجواء، بينما يرد عليه ميلان بوقاحة وجرأة، أحيانًا حتى أمام ضيوف جوزيف

ولهذا يفقد جوزيف أعصابه ويضربه، مما يزيد من حدة لسان ميلان ولا يتوب عن أفعاله.

همس جوزيف قرب أذن ميلان وهو يحيط جسده النحيل بذراعيه الصلبتين:

"لا بأس... خذ استراحة هذه الأيام. تبدو مرهقًا. واعلم أن من تقتلهم لا يستحقون الحياة أبدًا"

كان رأس ميلان مستندًا إلى صدر جوزيف، ولم يستطع إنكار شعوره بالراحة، خاصةً مع دفء ذراعي جوزيف حول ظهره. عناقه خفف عن كاهله ثقلًا لم يصرّح به، لكنه لن يتنازل ويعترف بذلك ابدًا.

جوزيف، يعرف ميلان أكثر من أي أحد، اختار أن يهدّئه حين انفجر غضبًا، بدلًا من أن يواجه وقاحته بالقسوة أو العقاب، كما كان يفعل سابقًا.

حين وعى ميلان على نفسه بأنه أرخى جسده براحة على جوزيف، ابتعد بسرعة ورفع رأسه ليرقب ملامح جوزيف، بحثًا عن سخرية، او تهكم.

ابتسم جوزيف بهدوء، ثم أسند يده خلف رأس ميلان من الخلف بلطف، قربه أكثر إلى صدره، ثم انحنى ببطء وقبّل جبينه بخفة.

ارتفعت حرارة وجه ميلان فجأة، فابتعد بسرعة وهو ينهض عن السرير. نظر إلى جوزيف بعينين متقدتين وبصوت حنق قال: "اللعنة، كم أكرهك حين تصبح عاطفياً."

ابتسم جوزيف بهدوء، وقال بنبرة هادئة لكن مشحونة بالدفء:

"ألم تشعر بالراحة أثناء عناقي لك؟"

تمتم ميلان بكلمات لا تُسمع إلا لنفسه، ثم استدار بسرعة وخرج من الغرفة، تاركًا جوزيف واقفًا في صمت، وكأن قلبه يملأه أملٌ خفي.

تسربت ضحكة خفيفة من بين شفتي جوزيف، فأطفأ الأنوار ثم استلقى على سريره.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

مساءً في العاصمة

ترجل ميلان من سيارة الأجرة وإتجه الى باب منزله وهو يخرج المفتاح، وقبل أن يضع المفتاح في المقبض إنفتح الباب فجأة بوسع.

اندفع الفريد الى ميلان وأحاط جسده بذراعيه معانقًا إياه بشدة، وقال بصوت قلق وهو يشد على احتضانه:

"علمت ما حصل، لا تأبه بشأن المال، أنا ساجد لك وظيفة في شركة خالي"

"لا داعي لذلك، لقد وجدت وظيفة أخرى بالفعل." رد ميلان وهو يُظهر شبح إبتسامة ويبادل الفريد العناق بخفة

فصل ألفريد العناق بعد لحظات قليلة، وحدق في وجه ميلان بدهشة طفيفة ارتسمت على ملامحه الهادئة، ثم قال بنبرة تحمل اهتمامًا حقيقيًا:

"كيف وجدت وظيفة بهذه السرعة؟ هل الراتب جيد؟ في شركة أم بدوام جزئي؟"

أجابه ميلان وهو يعدّل من وقفته وينظر إلى الجانب بلا اهتمام: "شركة مستقلة."

رفع ألفريد حاجبيه قليلاً: "مستقلة؟ تقصد شركة ناشئة؟"

هز ميلان رأسه بإيجاز: "شيء من هذا القبيل"

"ما اسم الشركة؟!" سال الفريد، فتأفف ميلان بضجر وهو يخلع معطفه ويضعه على الأريكة ثم جلس عليها.

"دعك منها، كيف دخلت الى منزلي؟"

"نسخت مفتاح منزلك" رد الفريد بابتسامة وهو يخرج المفتاح من جيب معطفه العسلي، فظهر الامتعاض على ملامح ميلان

قال ميلان بحنق وهو يمدّ يده:"هات المفتاح."

ردّ ألفريد بابتسامة مستفزة:"تعال وخذه."

تضيق حاجبا ميلان أكثر، فقال بحدة:"هاته، ألفريد، لا وقت لديّ لتفاهتك."

أجاب ألفريد متحديًا:"أتحدّاك أن تأخذه مني."

نهض ميلان عن الأريكة بانفعال واقترب منه، لكن ألفريد رفع المفتاح عاليًا، ولم يستطع ميلان الوصول إليه بسبب فرق الطول البسيط بينهما.

زمّ ميلان شفتيه بحنق وقال من بين أسنانه:"ألفريد... لا تختبر أعصابي."

ضحك ألفريد بخفة وهو يرد:"هل ستضربني؟"

أطلق ميلان تنهيدة ثقيلة، ثم استدار قائلًا ببرود متصنّع وهو يعاود الجلوس على الأريكة:

"احتفظ به، سأغيّر القفل غدًا."

لحق به ألفريد وجلس على الأريكة بجانبه، أرخى رأسه على كتف ميلان بكسل:"لا تغيّر القفل... أعدك أني لن أقتحم المنزل مجددًا... دون إذنك."

قبل أن يعلّق ميلان، قُطع هدوء المكان بصوت طرقٍ عنيف على الباب. فنهض واقفًا عن الأريكة نظراته حدّقت بالباب بحدة، ثم أشار لألفريد بإيماءة سريعة أن يبقى مكانه.

انكمش قلب ألفريد وتلبّسه توتر غريزي، وضع كفّيه على حافة الأريكة يراقب تحرّكات ميلان بصمت.

فتح ميلان أحد الأدراج وسحب مسدسًا صغيرًا وضعه في جيبه تحت صدمة الفريد، ثم سار نحو الباب بخطى ثابتة. أدار القفل ببطء، وفتح الباب جزئيًا.

رأى ميلان شابٌ طويل القامة، شعره أسود ناعم، عيناه زرقاوان باردتان، يرتدي ملابس سوداء أشبه بتلك التي يرتديها المرتزقة أو رجال المافيا،

أغلق ميلان الباب بسرعة، لكن جاكسون كان أسرع. وضع ساقه بين الباب والإطار، ثم دفعه بقوة حتى انفتح على مصراعيه.

تراجع ميلان خطوة، يده داخل جيبه تقبض على سلاحه حين دخل جاكسون بخطوات بطيئة رمق ألفريد بنظرة عابرة ثم عاد إلى ميلان وقال ببرود قاتل:

"أمامي إلى السيارة."

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon