كان الليل في مملكة النور قد غرق في صمتٍ ثقيل، لا يُسمع فيه سوى نبضات قلب ليروا المضطرب… تلك النبضات التي لم تهدأ منذ لحظة دخوله.
رافن.
ذاك الشيطان ذو الشعر الأحمر، والعينين الحادتين كأن داخلهما نار مشتعلة لا تنطفئ… كان يقف تحت ضوء القمر، بين أعمدة القصر الرخامية، ساكنًا لا يتحرك، لكن حضوره كان كافيًا ليبعثر الهواء حوله.
كانت ليروا تراقبه من بعيد، بين الظلال، تختبئ خلف أعمدة الرواق العالي. يدها على صدرها، تقبض قلبها، تحاول أن تُخفي ذلك الارتجاف العنيف في أعماقها.
لقد دخل إلى قلب المملكة النقية، إلى قصرها، حيث من المفترض ألّا تطأ أقدام الشياطين أبدًا.
ومع ذلك… لم يُظهر أي نية للقتل، ولا حتى الغضب.
"لماذا أتى؟" تمتمت بصوت مرتجف، وعقلها مشغول بمئات الصور عن والدها الذي سقط قبل عشر سنوات… على يد شيطان.
تقدّمت خطوات قليلة، وهمّت أن تخرج إليه لتواجهه، لكن يدًا ناعمة أمسكت بها من الخلف.
كانت أمها، الملكة الحامية، ذات الهيبة والجناحين المضيئين. "لا تقتربي منه، ليروا. وجوده هنا إهانة… وسُمّ."
هزّت أختها الكبرى رأسها، وهي تُحدّق في رافن بعينين ناريتين: "يجب طرده… أو قتله."
لكن الغريب، أن رافن لم يقاوم. كان يحدّق في السماء، كأنه يهرب من نظراتهم. وحين تحدث، كان صوته هادئًا بطريقة غريبة:
"لم آتِ كي أقاتلكم… بل جئت كي أفي بوعد قطعته على نفسي."
نظرت إليه ليروا بحدّة: "أي وعد؟! هل هذا وعدك؟ أن تتجرأ وتدخل أرض النور؟"
تقدم خطوة نحوها، لكنها رفعت يدها فورًا، وظهرت هالة من النور تحيط بجسدها.
"خطوة واحدة أخرى… وسأمزقك."
توقف، ثم قال:
"وإن كان قلبي بين يديك؟… مزّقيه، فلن يقاتلك."
صمت الجميع، وارتسمت ملامح الذهول على وجوههم. لم يتوقع أحد من شيطان… أن ينطق بهذه الكلمات.
---
في القاعة الكبرى...
اجتمع الجميع. أم ليروا، أخواتها، مستشاري المملكة، وحتى ملوك من دول مجاورة. الجميع كان يريد تفسيرًا لوجود هذا الشيطان في قلب قصرهم.
"من أنت؟ ولماذا تهتم بأمر ليروا؟"
قالها أحد الملوك بغضب، وضرب عصاه على الأرض.
أجاب رافن:
"أنا من سلالة لم تذبح ملاكًا في حياتها… وأقسمت أن أنهي الحرب، لا أن أشعلها. جئت من أجلها… من أجل عينيها."
صرخ أحد الحضور: "كفى سخافة! الشياطين لا يعرفون الحب!"
لكن في قلب القاعة، وفي زوايا الظلال، شعرت ليروا بشيء يتحرك داخلها. شيء لم تعرفه منذ عشر سنوات… أكان هذا الخطر؟ أم الحنين؟ أم… اشتعالٌ لا تفسير له؟
---
بعد منتصف الليل...
وقفت ليروا وحدها أمام نافذتها، شعرها الزهري يتطاير مع نسمات الليل.
حدّقت في القمر، وفي عقلها تدور كلماته... "مزّقيه، فلن يقاتلك."
لم تكن تلك كلمات عدو... بل كلمات من كان مكسورًا أكثر منها.
ولكن قبل أن يغلبها التفكير، حدث ما لم يكن في الحسبان...
طرقٌ عنيفٌ على بوابات القصر.
صراخ من الحراس.
انفجارات سحرية تهز الأرض.
ركضت أم ليروا مع الحراس نحو البوابة... وهناك، وقف رسول غامض، نصفه نار ونصفه ظل، يحمل لفافة مشتعلة بسحر أسود.
فتحها رافن بنفسه، وقرأ بصوتٍ مبحوح:
> "إلى الخائن…
جميع الشياطين قد قرروا أن دمك لن يُغفر.
ستُصلب في قلب الأرض، وسيُكسر جناحك من قبل أبناء الجحيم.
لن تنجو… ولن تُحب.
مجلس جحيم الظلال"
سقطت الورقة من يد رافن.
وبينما عمّ الصمت… التفتت ليروا نحوه، لأول مرة بدون غضب، بل بقلق حقيقي.
"رافن…" قالتها بصوت خافت.
لكنه لم ينظر إليها… فقط همس:
"إذا كان الجميع ضدي… فدعيني أكون معكِ وحدك."
12تم تحديث
Comments