عهد الظلام

عهد الظلام

الفصل الاول "صوت لا يسمع"

لا أعلم كيف أبدأ، ولا أين يجب أن أنتهي...

لكنني أعلم شيئًا واحدًا:

ما مررت به، لم يكن حلمًا، ولم يكن كابوسًا…

كان قدرًا، اختارني دون إذن، ودفعني إلى أعماق لم أتخيل أن أعيشها.

اسمي روزالين.

طالبة جامعية، أدرس العلاج بالأعشاب.

بسيطة في أحلامي، هادئة في طباعي، وأميل دومًا للكتب والخيال…

لكنني لم أكن أؤمن بالخرافات.

أو على الأقل… لم أكن.

لقد رأيته.

نعم، رأيت ذلك الكائن… ذلك الملك الذي لا ينبض قلبه، ولا تقترب منه الشمس، ولا يجرؤ أحد على النظر في عينيه.

التقينا في لحظة لم أخترها.

نظرة واحدة فقط، كانت كافية لزعزعة كل المنطق داخلي.

لم يكن إنسانًا، ولم يكن شيطانًا…

كان شيئًا آخر تمامًا.

شيئًا، جعلني أعيد النظر في كل ما صدّقته.

لكن، يا أعزائي القرّاء…

لن أحرق لكم ما هو آت.

لن أضعكم مباشرة في قلب اللهيب.

سأمنحكم فرصة...

لكي تفهموا قصتي...

وتتذوقوا تفاصيلها، لحظة بلحظة.

هذه ليست رواية عادية.

وهذه… لم تكن حياتي المعتادة.

ما بين ظلّ الغابة، ولمعة السوار، وصوت لا يُسمع إلا في القلب…

بدأ كل شيء

فتحت روزالين عينيها بهدوء.

كان لون عينيها أخضر… أخضر كالغابة بعد المطر، كأن الطبيعة اختبأت فيهما لتعكس ضوء الشمس.

أشعتها انسلت من النافذة، راقصة فوق وسادتها، ولامست وجنتيها بلمسة ناعمة.

تثاءبت بخفة، وغطت فمها بباطن كفها، ثم جلست على حافة السرير.

هدوء الغرفة لا يُشبه الأفكار المتشابكة التي غفت بها الليلة الماضية.

نهضت بكسل، مشت بخطوات ناعسة نحو المغسلة، فتحت الماء البارد وغسلت وجهها كمن يغسل النعاس والقلق في آنٍ واحد.

ثم رفعت نظرها نحو المرآة، نظرت إلى وجهها مطولًا…

كأنها ترى شيئًا غريبًا لم تلاحظه من قبل.

"هل تبدو عاديّة اليوم؟" همست لنفسها.

صوت ناعم من الطابق السفلي قطع عليها أفكارها:

ـ "روزالين! الفطور جاهز يا ابنتي، لا تتأخري! إنه أول يوم في الجامعة."

ابتسمت،

نعم… اليوم سيبدأ كل شيء.

لكن ما كانت تجهله، هو أن هذا اليوم...

سيكون بداية النهاية لكل ما ظنّت أنه طبيعي.

سمعت روزالين صوت والدتها مرة أخرى، بصوت أكثر حزمًا:

ـ "روزالين، أيقظي أخاكِ جايك! أنتما ستتأخران، ولن أكتب أعذارًا للجامعة والمدرسة!"

ضحكت روزالين بخفة، ثم خرجت من غرفتها وهي تنادي:

ـ "جايك! استيقظ، يا نائم العصر… أمك ستعلن الحرب علينا!"

من داخل غرفته جاء صوته المبحوح:

ـ "خمس دقايق بس…"

ردّت ساخرة:

ـ "أقسم لو تأخرت، سأتركك للدكتور الجديد يأكلك في أول محاضرة."

نزلت روزالين الدرج بخطوات سريعة، شعرها البني الطويل مربوط بخفة خلف ظهرها، وعيناها لا تزالان تقاتلان بقايا النوم.

في الأسفل، كانت والدتها الحنونة السيدة "مارغريت"  تضع آخر قطعة من الخبز المحمص على الطاولة، وفنجان القهوة يرسل بخاره كأنه ينادي صباحًا هادئًا.

ـ "صباح الخير، أمي."

قالتها روزالين بابتسامة وهي تقبّل خدّ والدتها.

ابتسمت مارغريت وهي تضع يدها على وجه ابنتها بحنان:

ـ "صباحكِ سكر يا وردتي… أنتِ متأخرة. وأين جايك؟"

دخل جايك بعدها بدقائق، شعره منكوش، يحمل حقيبته وهو يتثاءب كأنه لم ينم منذ أسبوع.

ـ "أنا جاهز!"

قالها وهو يخطف قطعة خبز من الطبق ويأكلها بعجلة.

ضحكت مارغريت وقالت:

ـ "أنتم الإثنان ستهلكاني يومًا… لكن لا بأس، اذهبا الآن، وسأدعو لكما أن لا تنقلب الجامعة رأسًا على عقب."

التفتت روزالين لأمها وهمست مبتسمة:

ـ "إنها مجرد أعشاب طبية، لا تقلقي… لسنا في ساحة معركة."

لكنها لم تكن تعلم أن ما ينتظرها… أكبر من ساحة، وأبعد من معركة.

في الخارج، كانت السماء صافية، والشمس خفيفة كأنها تهمس للصباح بلطافة.

خرجت روزالين وجايك من المنزل، ومشيا في الطريق المظلل بالأشجار.

هو كان يخطط لما سيفعله مع أصدقائه في المدرسة…

أما هي، فكانت تشعر بشيء ما… إحساس خفيف في قلبها، لا يشبه شيئًا تعرفه.

وضعت يدها على صدرها فجأة، كأن خفقة غريبة مرّت.

نظرت نحو الغابة البعيدة التي تُرى من وراء التل،

همست لنفسها:

ـ "ما بكِ يا قلبي… هل بدأتَ تهذي من أول يوم؟"

أكملت روزالين الطريق بصمت.

كان جايك يتحدث عن صداقاته، عن مدرّسه الممل الجديد، عن كرة القدم…

لكنها لم تكن تسمعه.

عيناها كانتا تبحثان عن شيء لم تُدركه بعد.

ذلك الشعور العابر في صدرها، تلك الخفقة الغريبة، لا يشبه أي توتر جامعي.

بل كأن قلبها يردّ على نداء…

نداء جاء من حيث لا يُرى.

في أقصى مدى نظرها، خلف التل… كانت الغابة.

غامضة، كثيفة، كأنها تنظر إليها أيضًا.

أحست أن شيئًا فيها يراقبها… أو ينتظرها.

ـ "هل ترين الغابة هناك؟"

سأل جايك وهو يشير بسندويتشه نحو الأفق.

هزّت رأسها وقالت بابتسامة مصطنعة:

ـ "دائمًا كانت هناك… لكن لا أعلم لماذا تبدو مختلفة هذا الصباح."

ردّ جايك ضاحكًا:

ـ "ربما لأنها تشمّ رائحة الجامعة!"

ضحكت روزالين هذه المرة، ضحكة سريعة، لكنها كانت تحاول كتم ارتباكها.

"ليست الغابة من تغيرت… أنا من بدأت أرى الأشياء بشكل آخر."

بشراسة كأنها تحاول جذب انتباه العالم كله.

شعرها الأشقر مربوط على شكل كعكة غير مرتبة، وملامحها مليئة بالحياة.

ـ "روز! تأخرتِ! كنتِ على وشك تفويت أول فضيحة جامعية!"

قالت بصوت مسرع وهي تمسك بيد روزالين وتجرّها نحو الداخل.

ـ "فضيحة؟"

ـ "نعم، شاب في قسم التاريخ دخل بالقهوة على سترة العميد. تخيّلي؟ الجامعة كلها قاعدة تشرب القهوة منه الآن!"

ضحكت روزالين، لكن ليلي توقفت فجأة، نظرت لعينيها وقالت:

ـ "هل أنتي بخير؟ عيناكِ فيها شيء… كأنك لم تنامي، أو حلمتِ بكوابيس."

هزّت روزالين رأسها، ابتسمت وقالت بهدوء:

ـ "لا شيء… مجرد بداية جديدة."

لكن عقلها كان يهمس:

"أو نهاية… لا أعرف لها بداية."

جلست روزالين بجانب النافذة، والضوء يتسلل من خلالها بخفة،

بينما ليلي كانت تثرثر كعادتها، تشتكي من طول المحاضرات، وتخطط كيف ستهرب من أول مادة نظرية.

أما روزالين…

فعيناها لم تكن على السبورة،

بل على ما خلف الزجاج.

الغابة.

بدت من بعيد كأنها تنام في صمت، لكنها لم تكن نائمة.

في عيني روزالين، بدت وكأنها تتنفّس… تنظر إليها… تنتظرها.

شعرت بشيء غريب في صدرها.

همسة، لم تكن بصوت… بل بإحساس.

كأن هناك نداء يأتي من الأعماق، لا يُسمع… بل يُحسّ.

ـ "روز!"

ليلي صفّقت بجوارها بخفة.

ـ "هاه؟"

ـ "الدكتور بيناديك من ساعة!"

رفّت روزالين بعينيها، وعادت ببطء للواقع.

نظرت إلى الدكتور الذي كان يحدّق بها باستغراب.

ـ "آنسة روزالين، هل الغابة تدرّس معكم في هذه القاعة؟"

ضحك البعض…

لكنها لم تضحك.

نظرت له بثبات وقالت:

ـ "ربما… أكثر مما نظن."

الجديد

Comments

Alaa_loulou 😊

Alaa_loulou 😊

قصة جميلة ذات اسلوب مميز يجذبك اليه كأنه يخاطبك ، قصة جميلة جدا وكثير رائعة 😎 😊

2025-06-27

1

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon