أخيرًا... انتهى اليوم.
أطفأتُ آخر مصابيح المنزل، أغلقت نوافذه وأبوابه، عزلت كل ما بداخله عن العالم الخارجي
شعور مريح في فكرة أن أكون آخر من يغلق المشهد، كأنني أختتم عرضًا تعب في تقديمه الجميع.
الغرف نظيفة الآن، أو هكذا يبدو... على الأقل لا أثر فيها لغيري.
استسلمت أمي للنوم قبلي، منذ أكثر من ثلاث ساعات.
صعدتُ الدرج أُقاوم تثاقل خطواتي، وثقل تفكيري.
اللعنة، غدًا أول يوم عمل.
لا طاقة لي حتى لبدئه... لكنه سيبدأ بأي حال.
وصلتُ غرفتي أخيرًا. لا إضاءة، لا صوت فيها سوى صوت حركتي وأنفاسي.
جوّ مثالي.
أفلتُّ شعري أخيرًا، أحرّره من قيدٍ طال.
جلست على طرف السرير... أفكّر في اللاشيء.
رغم أن كل شيء يُلحّ عليّ... لكن عقلي لا يطاوعني.
الأمر أنني اعتدتُ على هذا، لذا من الصعب ألا أغرق في أفكاري.
لكنني منهكة إلى حدٍّ جعلها تفرّ مني.
لا بأس.
هذا يكفي لليوم.
استلقيت، أنظر إلى السقف.
لا أشعر بشيء واضح، وهذا جيد.
أنا متعبة... جدًا.
لكن، حتى أشدّ لحظات التعب لا تغلب أرقًا ثقيلًا يأبى أن يرحمني.
حسنًا... يبدو أنني سأقضي الليلة أُصارع الصمت،
على أمل أن تُهزمني الدقائق.
................................................................... ..... .... ...
كالعادة... قبل المنبّه.
لا أدري لماذا ضبطته لإيقاظي إن كنتُ لن أنام أصلًا.
النوم في الأماكن الجديدة يشبه الحديث مع الغرباء: جاف، سطحي، غير مريح... يحمل قلقًا خفيًا مجهول السبب، قلق بسيط لكنه مزعج.
تحرّكت في السرير قليلًا، لعلّي أُقنع نفسي أني نمتُ ولو لوهلة .
لا أذكر حتى متى أغمضت عيني، أو إن كنت فعلت أساسا.
الليلة مرّت كما تمرّ الصور في معرض لا يهمك مضمونه: تشاهد لأنك موجود، لا لأنك تريد.
جلست. كل حركاتي بدت خالية من التلقائية ، كما لو أنني أجرّب جسدي لا أستخدمه.
و هذه الغرفة المألوفة بطريقة مصطنعة، كأن أحدهم حاول أن يصنع مكانًا مريحًا... فخرج بشيء يشبه نسخة مشوّهة من الأمان.
الأثاث ثابت، الألوان هادئة، لكن خلف هذا كله شعور خفي يُذكّرك أنك "في مكان جديد"،
وأن الجديد ليس دائمًا وعدًا، بل أحيانًا تهديدٌ صامت.
وجهي في المرآة لا يبدو متعبًا، لكنه لا يبدو حيًا أيضًا.
لا أبحث عن ملامحي، بل عن دليل على أنني ما زلت "أنا"... رغم أن مفهوم ال " انا " بحدّ ذاته مفهوم متقلب لا أستطيع الإمساك به حتى في أكثر لحظاتي وعيًا.
الماء البارد لا يوقظني، فقط يذكّرني أنني لم أنم.
الساعة تشير إلى الخامسة وخمس وأربعين.
المرة السابعة التي أحدق فيها بعقاربها منذ ما ظننته بداية الصباح.
ربما هذا لان البشر لا يراقبون الزمن... بل يراقبون أنفسهم فيه، جميعنا نبحث عن إشارات أننا نتحرك، حتى لو إلى مكان لا نريده.
فتحت خزانة الملابس، لأخرج ما تم اختياره مسبقا .
كنت قد جهزت زيا رسميا مكويا بعناية، زي لا يلفت النظر، ولا يترك مجالًا للحكم.
حسنا ، على الاقل فعلت ما يكفي لأركب "جسدًا جاهزًا للعرض".
الساعة تجاوزت السادسة.
أعددت القهوة ، ليس لاني جائعة ، بل لانه المعتاد ، سكبتها في كوب لا يبدو ممتنًا، وجلست قرب النافذة.
أراقب بخارها يتلاشى، وهذا الشارع الفارغ إلا من رجل يخرج كيس قمامة، وامرأة تحمل طفلًا نائمًا على كتفها.
لا أحد يتحرك بناء على ما يرغب به ... الجميع يكرّر ما اعتاد عليه يوميًا بتفان يشبه الطاعة ....لا ارادة فيه
الجو خارج المنزل هادئ، مشرق كجو البدايات الموفقة
لكنه جو فقط.
ركبت سيارتي التي بدت وكأنها كانت تنتظرني طوال الليل.
أدرتُ محركها... وانطلقت.
.........
....رأيكم يهمني لذا لا تنسوا تقيم الفصول في التعليقات ، قراءة ممتعة
Comments