هبه والمنتقم
في ذلك المنزل الهادئ الذي تتخلله نسائم صباحية دافئة ورائحة قهوة مخلوطة ببخور، جلست خلود على أريكتها المعتادة، تلف جسدها ببطانيتها الخفيفة، تتأمل كلمات المصحف الشريف بعينين هادئتين ووجهٍ يحمل ملامح امرأة مرت بالكثير لكنها ما زالت صامدة.
فجأة، فُتح الباب بعنف نسبي، وظهرت منة، الصغيرة المشاغبة، ذات الحجاب المنزوع نصفه، وشعرها الأسود المبعثر يطل من تحته، وعيونها البنية مليئة بالحيوية:
هبه بحماس: السلاااام عليكم يا ست الكل!
خلود تغلق المصحف وتبتسم: وعليكم السلام يا روحي، جيتي يا حبيبتي؟
هبه ترمي شنطتها على الكنبة: آه يا ماما… امتحانات تالتة ثانوي خلصت! مش مصدقة! أنا رسميًا إنسانة حرة… يعني تقريبًا!
هبه بضحكة خفيفة: يعني خلاص؟ داخلة الجامعة السنة الجاية؟
هبه تتفقد أظافرها وكأنها فنانة معتزلة: أصلًا مش مصدقة إن عندي 19 سنة، لسه حاسة إني في رابعة ابتدائي… بس بمشاكل أكبر وسناكر أغلى.
تضحك خلود، تهز رأسها وتنهض لتُحضّر لها شيئًا تشربه. في الخلفية صوت الهاتف يرن.
خلود: أيوه يا بنتي… على سيرة السن، أختك سميرة جاية بكرة هي وجوزها، وأبوك عزم وفاء وخطيبها كمان.
هبه تتجمد: يا نهار أبيض… يعني حفلة عائلية رسمية؟ أنا محتاجة جدول حضور ونقطة تفتيش نفسية.
خلود: وبابا فوق بيرتاح شوية، قال مش عايز يسمع صوت خناقة النهارده.
هبه بغمزة: طيب خدى راحتك… محدش هيزعجك يا قمراية البيت.
تضحك خلود وتخرج من الغرفة، فيما هبه تستلقي على الكنبة وتغمض عينيها للحظة… قبل أن تسمع همسة غريبة من العلية فوق رأسها، وكأن أحدًا يناديها باسم ليس اسمها.
تفتح عينيها ببطء، تنظر حولها… ثم تهمس:
هبه: أوه لأ… مش وقته يا دماغي، أنا توّي مخلصة امتحانات!
وفجأة... طراااخ!
أخوها يضربها على قفاها ويجري وهو بيضحك:
"ياااا خايب! بتضربني؟ استناني!
هي تمسك رقبتها وبتصرخ:
"إييييه يا قليل الأدب! تعالالي هنا يا جبان!"
وتبدأ المطاردة.
هو بيجري في البيت، يدخل المطبخ، يستخبى ورا التلاجة، وبعدين يخرج من ناحية تانية وهو لابس كيس مخدة عالدماغ، بيقول:
"أنا خفيت خلاص، مش أنا!"
هي ماسكة الشبشب ومصممة:
"والنبي ما أنا سايباهالك! تعالى شوف إن كنت هخاف ولا لأ!"
الأم من بعيد:
"يا عيال! لو حاجة اتكسرت، والله لا أوريكم!"
الأخ يطير على الكنبة، يزحلق على السجادة، هي وراه، تزحلقوا هما الاتنين، ووقعوا فوق بعض.
ولسه بيزعقوا...
حازم مركز أوي: يا نهار أبيض... الدنيا ماشية لتحت!
فجأة حد يشد الجرنال من إيده
حازم مكشر وبيجزّ على سنانه: إنت مش ناوي تعقل بقى؟!
سليم بضحكة خفيفة: إهدى بس يا عم حازم، إنت طول النهار وشّك مقلوب! قوللي مالك؟
حازم بيتنهّد: الشغل ضغط، والبيت نكد، وحاسس إنّي مخنوق من كل اتجاه.
سليم بهدوء: ما أنا كمان مش أحسن منك... بس بجد الفضفضة بتريح، وإحنا لبعض.
يدخل "رامي" بابتسامة واسعة وكوباية عصير في إيده، وبيقعد معاهم
رامي: إيه يا جدعان؟ الجو هنا كئيب ليه كده؟ شكلكم بتعزوا حد!
حازم بضحكة باهتة: لا بنقارن مين فينا تعبان أكتر.
رامي ضاحك: بسيطة! اسمعوا بقى... امبارح العصير وقع على اللابتوب بتاعي، وكل شغلي راح... فعملت إيه؟ جبت شاورما وقعدت أكل وأنسى الدنيا!
سليم يضحك: والله إنت دواء يا رامي.
رامي: يا جماعة، الحياة مش مستاهلة الزعل ده كله... تعالوا نتمشى شوية، نغير جو، نضحك... يمكن تحسوا إن الدنيا مش سودة أوي.
حازم: يمكن عندك حق... ماشي، نجرب نضحك شوية بدل النكد.
رامي وهو بيشاور عالباب: يلا بينا قبل ما أنا نفسي أكتئب منكم!
أكيد، يا فندم! إليك النص بعد تحويله للعامية المصرية، مع الحفاظ على روح الألفة وتباين الشخصيات:
في ليلة هادية من ليالي الشتا، كانت العيلة قاعدة حوالين الدفاية. الجو برّة برد، بس جوا القلوب دفا. الضحك والدردشة ما بين الكبير والصغير، والكل بيحس إن اللحظة دي أغلى من أي حاجة في الدنيا.
الأب قاعد ساكت شوية، بيبص لهم وهو مبتسم كده من قلبه.
الأم رايحة جاية، توزع صينية الكنافة وأكواب الشاي، وبكل حركة بتحسسهم بحنيتها.
سعيد، الكبير، بيتكلم عن شغله، باين عليه القلق بس بيحاول يبقى خفيف.
لمياء، أختهم اللي دايمًا دمّها خفيف، بترد على سعيد وتضحك الكل.
نور الصغيرة قاعدة بتلعب، بس ودنها معاهم ووشها كله فرحة.
خالد ابن العم، شكله مش في المود، ساكت بس مش غايب.
سعيد: "يا جماعة، مديرى النهارده بيقولي: إنت بتضحك كتير ليه؟ قولتله: عشان لما بقعد مع العيلة، بنضحك للصبح!"
لمياء: "مديرك ده محتاج يقعد معانا يومين، هنفكّه!"
الأم تضحك: "يا سلام! ده لو داق شاي النعناع بتاعي هينسى اسمه!"
خالد بصوت واطي: "مش كل الناس محظوظة بقعدة زي دي... حتى وسط أهلهم."
سعيد يبصله بحنية: "وأنت معانا، يا خالد... إنت مننا وفينا."
الأب يرفع عينه ويقول: "العيلة مش بس دم... العيلة حبّ وسند، تلاقيها في نظرة أو كلمة."
نور بحماس: "يعني خالد أخونا بجد؟"
لمياء تضحك: "يا بنتي ده من زمان، بس إنتي لسه واخدة بالك؟"
Comments