زاهر دخل الأوضة زي العاصفة، صوته عالي ونبرته مليانة سيطرة:
أنتِ حتتوظفي عند كريم، وده مش طلب... دي تعليمات. فيه أوراق لازم تطلعيها من مكتبه، من غير ما يحس.
هبة بصتله بدهشة وخوف، قلبها كان بيدق بسرعة:
إنت بتتكلم جد؟ إنت عايزني أتجسس؟
قالها ببرود: ما تهوليش، إحنا بناخد حقنا، مش أكتر.
هبة كانت دايمًا بتعتبر زاهر أخوها الكبير وسندها، بس المرة دي، حسّت إنها مجرد أداة في لعبة مش بتاعتها. حاولت ترفض، لكنه هددها:
لو ما عملتيش كده، انسي إنك تلاقي شغل، وانسي كمان كل اللي صرفته عليك.
بعد أسبوع، بدأت تشتغل في شركة كريم. هو كان مختلف عن الصورة اللي رسمها زاهر، كريم كان راجل هادي، ذكي، ومحترم. في مرة سألها:
مالك؟ حاسس إنك دايمًا مش على بعضك.
ابتسمت بصعوبة، وغيّرت الموضوع.
كل يوم كان قلبها بيتقطع بين ضميرها، وخوفها من زاهر. قربها من كريم خلاها تشوف فيه إنسان حقيقي، مش خصم. وبالصدفة، اكتشفت إن زاهر هو اللي سرق من كريم قبل كده، وكريم عمره ما عرف مين، لكن اختها هي اللي بتدفع التمن.
قررت تهرب من اللعبة دي، وجهزت نفسها لمواجهة زاهر. رجعت له في وشه، وقالت:
أنا مش هكمل، ومش حسمحلك تستغلني تاني. لو حاولت تأذيني، أنا اللي حفضحك.
هبة بعد ما وصلها تهديد زاهر، راحت لكريم مفزوعة، لكن المرة دي ماكانش كريم متفهم زي قبل كده.
بصلها ببرود وقال:
"أنا ساعدتك وغطّيتك… بس شكلي كنت غلطان."
اتشدّدت ملامحه،وصوته بقى قاسي :انتي كنتي جزء من مؤامرة عليا، ومش بسهولة حعدّيها. لو عايزة تثبتي إنك مش لسه بتلعبي على الحبلين، حتثبتيها بطريقتي."
هبة اتلخبطت، قالتله:
أنا عملت كل اللي طلبته، و...
قاطعها بجمود:
يبقى كمّليه... بس المرة دي، حيكون ليكي دور أكبر... مراتي.
سكتت، وشها اتجمد، مش مستوعبة اللي سمعته:
إيه؟
قالها بنبرة كلها تحدي:تجوزيني. ده الحل الوحيد اللي حيخلّي الناس تصدق إنك معايا مش ضدي... وفي نفس الوقت، حتكوني تحت عيني.
هبة ما قدرتش ترد. دماغها اتقلبت.
ترجع لأخوها؟ اللي فجأة ظهر بعدها بيوم، وسحبها من شعرها حرفيًا وقال:فاكرة نفسك فوق؟ أنا لسه ماسك زمامك، وإياكِ تفكري تنسي مين السبب إنك لسه واقفة على رجلك.
كانت محصورة بين كريم اللي عايز يرتبط بيها مش حبًا، بل سيطرة، وزاهر اللي بيستغلها وبيعاملها زي ورقة في لعبته.
سما بقت بتصحى كل يوم على كابوس…
كابوس مش في النوم، لا، كابوس صاحي معاها على طول.
الموبايل في إيديها، والرسائل من مجدي ما بتقفش:فكرتي في كلامي؟ ولا أنزّل أول صورة؟
كانت بتحاول تفكر، تهرب، تعمل أي حاجة، بس دايمًا الصوت في دماغها بيقول:
لو حد عرف، حتتبهدلي. حتقلب الضحية متهمة.
ما بقتش تقدر تبص في عين أي حد.
أمها بتسألها:
"مالك يا بنتي؟ وشك مصفر كده ليه؟"
وهي ترد:
"تعبانة شويّة بس يا ماما…"
وتجري على أوضتها، وتعيط في المخدة، وتعضّ شفايفها علشان صوتها ما يطلعش.
مجدي كان شيطان، كل ما يحس إنها بتحاول تفلت، يرجع يضغط أكتر.
طلب منها تيجي تقابله، ولما رفضت، بعتلها صورة من الصور وقال:
"أنا مش بهزر. صورة زي دي كفيلة تدمر حياتك."
ولأنها كانت لوحدها، خايفة، مضغوطة، راحت له.
ولما دخلت عليه، كان قاعد مستنيها بابتسامة خبيثة.
قالها:
"أهو كده، البنات الحلوة لازم تتربى على إيد حد فاهم."
وبدأ يطلب منها حاجات أبشع، وهددها لو فكرت تسجّله أو تبلّغ.
خرجت من عنده، ماشية زي الميتة، مش حاسة برجليها…
وقفت قدام عمارة عالية، بصّت لفوق…
وقالت لنفسها:
هل ده الحل؟ أخلص؟ أسكتهم؟
بس دمعة نزلت من عينها، دمعة خوف مش بس من الموت، من الحياة اللي سايبنها فيها.
رجعت البيت، مسحت الصور من موبايلها، ومسحت كل حاجة، لكن صورتها جواها كانت مكسورة.
وفي آخر مشهد من الحلقة، سما قاعدة في ضلمة أوضتها، صوت مجدي بيجي على موبايلها من تسجيل قديم:انتي ملكي، فاهمة؟ محدش حيعرف ينقذك.
سما بقت بتقضي اليوم كله في أوضتها، الستارة مقفولة، الأكل بيرجع زي ما هو، والمراية متغطية بقماشة سودا.
كل صوت موبايل بيخلي قلبها يوقف.
كل إشعار، حتى لو إعلان، بيخليها تنهار.
بقت تحس إن كل الناس عارفة… وكل العيون شايفة.
وفي يوم… فتحت موبايلها، ولقت رسالة جديدة من مجدي.
فيديو.
ضغطت، بأيد بتترعش…
وكان فيه صورة ليها، مشهد خاص، كانت ناسيته، وهو مدموج بكلام قذر وموسيقى…
وفي الآخر، مكتوب:لو معجبنيش ردك النهارده… ده حينتشر.
انهارت.
صرخت.
كسرت الموبايل بإيدها، ورمت نفسها على الأرض.
بدأت تترجّى نفسها:ليه؟ ليه أنا؟ هو أنا استاهل؟ أنا غلطت فعلاً؟ أنا السبب؟
أخدت المقص من درج مكتبها، وقربته من جلدها…
بس قبل ما يحصل أي حاجة، جت لها مكالمة من رقم مش محفوظ.
اترددت… لكن ردّت.
كان صوت بنت…
هادئ، بسيط، لكن فيه دفء غريب.
قالت:أنا اسمي نادين. سمعت عنك من صاحبتك فاطمة… و... أنا كنت زيك.
سما سكتت.
البنت كملت:أنا كمان حد استغلني، وهددني. أنا عشت الجحيم… بس خرجت منه. انتي مش لوحدك يا سما، صدقيني.
كانت أول مرة سما تسمع جملة زي دي.
أول مرة تحس إن في صوت مش بيحكم… مش بيهدد… مش بيطمع.
سما تقفل الخط، تبص لنفسها في المراية لأول مرة من أسابيع،وتقول:لو حد نجى… يمكن أنا كمان أقدر.
Comments