ي صباح اليوم التالي، استيقظت لولا على نفس الكابوس المعتاد صوت صراخ، رائحة الحديد، بركة الدماء القرمزية، ووالدها الواقف فوق جسد أمها، يردد بصوت بارد أن الشيطان أراد دمها لتتطهر.
فتحت عينيها ببطء، نظراتها جامدة كما لو كانت لا تزال عالقة بين الحلم والواقع.
لم يمر وقت طويل حتى فُتح باب غرفتها، ودخلت ليونا، كالعادة، بتذمرها المعتاد.
"هيا، لولا. لا وقت لديكِ للشرود. المدير يريدكِ أن تتصرفي بتهذيب اليوم، الطبيب الجديد سيكون بانتظارك، وأفضل لكِ ألا تنفريه كما فعلتِ مع البقية."
نظرت إليها لولا بتحدٍ، شفتاها انحرفتا قليلاً بابتسامة صغيرة، ثم نهضت من سريرها بكسل.
"سنرى..."
تقدمت ليونا أمامها، فيما مشت لولا خلفها بخطوات بطيئة، ووجهها كالمعتاد بلا تعبير.
حين وصلتا إلى غرفة العلاج الجماعية، كان هناك بعض المرضى الآخرين، كل واحد يجلس في مكانه، بعضهم شارِد، وآخر يتهامس بكلمات غير مفهومة.
وفي وسط الغرفة، كان علي يجلس على مقعده، ينتظرها.
بمجرد أن دخلت، رفع نظره إليها، وابتسم بتلك الابتسامة الهادئة التي لم تستطع فهمها بعد.
"سعيد برؤيتكِ مجددًا، لولا."
جلست لولا أمامه دون أن ترد، فقط نظرت إليه بلا مبالاة.
تأملها للحظة، ثم قال بصوت هادئ، كأنه يحدث صديقًا وليس مريضًا:
"أتعلمين؟ لا أريدكِ أن تريني كطبيب، بل كصديق... صديق مهتم بسماعكِ، بطريقتكِ الخاصة."
مال قليلًا للأمام، نظراته ثبتت على عينيها المتجمدة، ثم تابع:
"أريد أن تخبريني عن حبكِ للدم... ليس كطبيب يحاول تحليله، بل كصديق يريد أن يفهمه من وجهة نظركِ."
صمتت لولا للحظات، عيناها تحدقان فيه كما لو كانت تحاول قراءة دوافعه الحقيقية.
ثم، أخيرًا، أمالت رأسها قليلًا، وتحدثت بخاطرة غارقة في الهوس:
"الدم... إنه أكثر من مجرد سائل أحمر يجري في العروق. إنه الحياة، والموت، والدفء، والبرودة في آنٍ واحد. عندما ينسكب، يكون كلوحة فنية تتشكل بحرية دون قيود... خطوطه، تدرجاته، طريقته في التجمع على الأسطح، كل ذلك ساحر.
طعمه؟
طعمه هو... مزيج من النحاس والملح، لكنه يحمل شيئًا أعمق من مجرد مذاق. إنه يحمل ذاكرة صاحبه، أسراره، كل ما كانه وكل ما سيكونه.
وحين يلامس لساني، أشعر بقشعريرة، وكأن شيئًا في داخلي يستيقظ. وكأنني أعود إلى اللحظة الأولى التي رأيت فيها اللون القرمزي ينتشر على الأرض، تلك اللحظة التي تغير فيها كل شيء.
لا أحد يستطيع فهم ذلك.
لكن بالنسبة لي... الدم ليس مجرد سائل. إنه رسالة. إنه لغة لا يفهمها إلا من تذوقها."
صمتت لولا، نظرتها لا تزال ثابتة على علي، تراقب كيف سيتلقى كلماتها.
لولا لم تكن تهتم بمن يجلس أمامها عادة، لكن علي كان مختلفًا.
راقبته بعينيها الباردتين، ثم انحنت قليلاً للأمام، وكأنها تهمس بسر خطير، وقالت بصوت خافت:
"هل تعرف، علي؟"
"ماذا؟" سألها بهدوء، دون أن يطرف له جفن.
"أريد أن أتذوق دمك."
قالتها ببطء، متعمدة أن تراقب رد فعله، تنتظر أن ترى الشرارة المعتادة في أعينهم—الخوف، الاشمئزاز، التوتر، التراجع إلى الخلف.
لكن علي؟
لم يتحرك. لم يبدُ عليه أي انزعاج، لم يُظهر أي خوف. بل على العكس، ظل ينظر إليها بنفس الابتسامة الهادئة التي تثير حنقها أكثر من أي شيء آخر.
"حيلة لطيفة،" قال أخيرًا، صوته يحمل نبرة تحليلية. "تحاولين دفعي بعيدًا منكِ، كما فعلتِ مع الآخرين، صحيح؟ تريدين أن أراكِ كوحش لا يمكن الاقتراب منه."
لولا شَعَرَت وكأنه اخترق أفكارها، فجأة تغيرت ملامحها بالكامل.
حدقت به لثوانٍ، ثم ضحكت ضحكة خفيفة، ثم فجأة ساد الصمت، وتغيرت تعابير وجهها بالكامل وكأن شخصًا آخر احتل جسدها.
في لحظة، تحولت إلى فتاة مرحة، عيناها اتسعتا كطفلة اكتشفت شيئًا مثيرًا، وكأنها لم تقل قبل ثوانٍ أنها تريد دمه.
"ياااه، علي! هل تعلم أنك تشبه دمية الأرنب التي كنت أملكها؟!"
ضحكت وهي تميل برأسها يمينًا ويسارًا، ثم فجأة وضعت يديها على أذنيها، وكأن هناك صوتًا يصرخ داخل عقلها.
ثم همست بصوت مرتجف:
"لا... لا، لا، ليس صحيحًا... لا يمكن أن يكون هو... علي ليس دمية، أليس كذلك؟"
رفعت عينيها إليه، نظرتها تائهة، مترددة، وكأنها لا تدرك أين هي أو من تكون.
"أوه، لكن الدم..."
عادت الابتسامة الغريبة إلى وجهها، ثم تمتمت:
"إنه لذيذ جدًا، أليس كذلك؟"
كان المشهد أمامه ككتاب مفتوح—تحولات حادة، تناقضات في المشاعر، تقلبات بين الطفولة والعنف.
علي لم يكن في عجلة للحكم، فقط راقبها بعناية، سجل كل تعبير، كل نبرة صوت.
ثم قال بهدوء:
"انفصال عن الواقع... تقلب سريع في المشاعر والشخصيات... تبدلين بين البراءة والدموية كما لو كنتِ تنقلين قناعًا من وجه لآخر."
أمال رأسه قليلاً، ثم أضاف:
"أخبريني، لولا... أي واحدة منكِ هي الحقيقية؟"
كانت لولا لا تزال تبتسم، لكن نظرتها هذه المرة حملت شيئًا مختلفًا
شيئًا لم يستطع حتى علي قراءته بسهولة.
لولا جلست على الطاولة بعدما فشلت في أخذ الدبوس، ووضعت مرفقيها عليها، مسندة ذقنها على كفيها، ثم رمشت بعينيها ببساطة وهي تقول:
"بيلي هو صديقي."
علي أومأ برأسه، وكأنه يسجل المعلومة في ذهنه. "أها، وبيلي هذا... من يكون؟"
"شيطان،" قالتها ببرود، وكأنها تتحدث عن شيء طبيعي. "هو الذي يطهر الدماء."
لم يبدُ على علي أي استغراب، لكنه سأل بهدوء: "وهل دمكِ أنتِ طاهر؟"
لولا ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت: "ليس مجرد طاهر، إنه مميز."
علي تقبل إجابتها بصمت، ثم سأل: "وكيف تعرفين الأشخاص النجسين؟"
لولا توقفت لحظة، وكأنها تحاول تذكر شيء مهم، ثم قالت:
"بيلي يخبرني، هو يهمس لي، أحيانًا في الليل، أحيانًا عندما أنظر إلى شخص ما... أشعر بقشعريرة في ظهري، أشعر أن هناك خطيئة في دمه. أسمع بيلي يقول لي: هذا واحد منهم، هذا يجب أن يُطهَّر."
علي لاحظ كيف تغيرت نبرتها في الجملة الأخيرة، وكأنها كانت تنقل صوتًا آخر، صوتًا لا يسمعه سواها.
هذا لم يكن مجرد هوس بالدماء... بيلي لم يكن سوى جزء آخر منها، صوت داخل رأسها، أحد جوانب انفصامها التي لم تدرك أنها تعيشه.
صمت لحظة، ثم سأل بلطف، دون أن يظهر أي استفزاز:
"ولماذا لم يطلب منكِ بيلي أن تطهري نفسك؟"
لولا نظرت إليه، ارتبكت للحظة، ثم ضحكت ضحكة صغيرة وهي تهمس: "أنا مختلفة... دمي مميز، بيلي لا يريد تطهيري، بل يريدني أن أساعده."
علي أمال رأسه قليلاً، وعقد ذراعيه، وكأنه توصل لاستنتاج مهم:
بيلي لم يكن مجرد وهم بالنسبة لها... كان شخصية متجذرة في عقلها، كيانًا تتحدث معه وتسمع صوته، لكنها لم تدرك أنه ليس حقيقيًا.
لولا لم تكن ترى نفسها مريضة... كانت تؤمن حقًا أن بيلي موجود.
علي كان يعلم أن اختراق عقل مريض انفصام لم يكن أمرًا سهلًا.
المريض لا يدرك تعدد شخصياته، بل يؤمن بأنهم كائنات حقيقية، أصوات، أشخاص، أو حتى شياطين كما في حالة لولا. لكن علي لم يكن في عجلة، كان عليه التعامل بذكاء لاستخراج الشخصيات واحدة تلو الأخرى.
حاليًا، الأولوية كانت لـ"بيلي".
"أريد مقابلة بيلي." قالها بنبرة عادية، وكأنه يطلب مقابلة صديق قديم.
لولا رمشت ببطء، بدا عليها الارتباك للحظة، ثم ضحكت بخفة.
"بيلي لا يقابل أي شخص، إنه لا يحب الغرباء."
علي لم يُظهر أي إحباط، بل أمال رأسه قليلًا وقال: "لكنه يهمس لكِ دائمًا، أليس كذلك؟ لماذا لا تسألينه إن كان يريد التحدث معي؟"
لولا صمتت.
ثم... تغير شيء في ملامحها.
ظهر توتر طفيف في حاجبيها، نظرتها أصبحت أقل تحديًا وأكثر شرودًا. وكأنها تصغي إلى صوت لا يسمعه أحد غيرها.
بعد لحظات، همست بصوت هادئ: "بيلي يقول إنك فضولي جدًا."
علي ابتسم بخفة وقال: "أليس الفضول شيئًا جيدًا؟"
لولا أمالت رأسها وكأنها تفكر في كلامه، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن تخص علي، بل كأنها موجهة إلى شخص آخر... شخص داخل عقلها.
"بيلي يقول... أنه قد يفكر في ذلك، لكن عليك أن تثبت أنك تستحق ثقته."
علي لم يُظهر أي تعبير يدل على استغرابه، فقط استند إلى الطاولة بذراعيه وقال بهدوء:
"وكيف أكسب ثقته؟"
لولا نظرت إليه بعينين غامضتين، ثم همست: "بيلي لا يحب الكاذبين... إن كنت صادقًا، سيعرف."
علي شعر أنه يقترب.
"إذن، علي أن أكون صادقًا معه، أليس كذلك؟"
لولا أومأت برأسها.
"جيد." ابتسم علي وأكمل: "إذن، أخبريني، كيف يبدو بيلي؟"
هنا، كان ينتظر الإجابة التي ستكشف له الكثير عن طبيعة بيلي... وعن طبيعة عقل لولا المنقسم.
فجأة، نهضت لولا من مكانها وركضت بسرعة خارج الغرفة، تاركة علي في دهشته للحظات.
لم يحاول إيقافها. كان يعلم أنها لن تهرب بعيدًا.
وبالفعل، بعد دقائق، عادت وهي تمسك بين يديها دمية أرنب قديمة وممزقة قليلًا، متسخة ببقعة داكنة بجانب إحدى عينيها، وأذناها الكبيرتان متدليتان بارتخاء.
رفعت الدمية أمامه وقالت بصوت شبه هامس، لكنه يحمل نوعًا غريبًا من الفخر:
"هذا هو بيلي."
علي نظر إلى الدمية، ثم إلى لولا.
لم يبتسم بسخرية، لم يُظهر استغرابًا، ولم يعامل الأمر كأنه مجرد لعبة طفولية.
بل اكتفى بالتحديق إلى الأرنب كأنه شخصية حقيقية، كأن بيلي موجود حقًا.
ثم قال بهدوء: "أخيرًا تشرفنا، بيلي."
لولا نظرت إليه، بدت كأنها تدرس رد فعله. وكأنها لم تكن تتوقع أنه سيتعامل مع الأمر بهذه البساطة.
بعد لحظة، ابتسمت ابتسامة صغيرة، ابتسامة يصعب تفسيرها، قبل أن تضغط على الأرنب بين يديها بقوة وتقول:
"بيلي يقول إنه ما زال لا يثق بك."
علي أومأ برأسه بتفهم. "هذا طبيعي. لا أحد يثق بشخص غريب منذ اللقاء الأول."
ثم أضاف: "لكن... هل بيلي هو من يخبرك بمن يجب أن يُطهَّر؟"
لولا رمشت بعينيها، ثم نظرت للأرنب وكأنها تستشيره. بعد لحظات، همست:
"نعم... بيلي يرى كل شيء."
علي جلس بهدوء، يراقب كل حركة، كل نظرة، كل همسة.
بيلي لم يكن مجرد دمية بالنسبة لها... كان شخصية مستقلة في عقلها.
الآن، عليه أن يكتشف من يكون بيلي حقًا داخل عقل لولا، وكيف يستطيع التعامل معه دون أن يكسره... أو أن يكسرها.
علي لم يبتلع الطُعم بسهولة.
كان يعلم أن لولا تحاول تضليله، تُعطيه ما تريد فقط، وتخفي ما لا ترغب في كشفه. لكنه لم يكن طبيبًا ساذجًا يصدق أول ما يُقال له.
بهدوء، استند إلى الطاولة بذراعيه وقال:
"بيلي يرى كل شيء، أليس كذلك؟"
لولا أومأت برأسها، وعيناها متيقظتان، كأنها تدرس رد فعله.
"إذن، بما أنه يرى كل شيء..." قال علي، متباطئًا في كلماته ليجعلها تترقب، ثم أكمل:
"فهو بالتأكيد كان هناك عندما كنتِ صغيرة، صحيح؟"
هنا، تغير وجه لولا للحظة. طفيفة، لكن علي لاحظها.
طرف شفتيها تقلص كما لو أنها قُبضت متلبسة، لكن بسرعة استعادت برودها وقالت بلهجة خالية من الاهتمام:
"بالطبع كان هناك. بيلي كان دائمًا معي."
علي أمال رأسه قليلًا، متظاهراً بالفضول فقط، لا بالتحليل العميق. ثم قال:
"إذن... هل كان هناك أيضًا في تلك الليلة؟ ليلة والدتك؟"
لولا لم ترد فورًا.
ضغطت أصابعها قليلًا على جسد الأرنب المتسخ، نظراتها لمعت بشيء أشبه بالتحذير، وكأنها تخبره أنه اقترب من شيء لا يُفترض به لمسه.
ثم، ببطء، رفعت رأسها وقالت بابتسامة خفيفة، لكنها لم تصل لعينيها:
"بيلي لا يتحدث عن تلك الليلة."
إجابة غامضة... لكنها أخبرته بالكثير.
علي لم يعلّق على ذلك مباشرة. بل غيّر الموضوع بمهارة:
"ولماذا عين بيلي متسخة بهذه البقعة؟"
لولا نظرت إلى الأرنب. للحظة، ظن أنها لن تجيب. لكن بعد صمت قصير، همست:
"لأن بيلي رأى شيئًا لا يُمكن غسله أبدًا."
إجابة شعر بها علي كأنها شفرة مغلقة، مثل باب يؤدي إلى شيء أعمق بكثير...
شيء لا تريد لولا أن يقترب منه.
لكنه سيقترب. ببطء، بذكاء، وبلا عجلة. سيفتح ذلك الباب، مهما حاولت أن تخفي المفتاح.
علي لم يمنعها.
راقبها وهي تنهض، تمسك بيلي بإحكام كما لو كان امتدادًا لجسدها، وتقول بلهجة هادئة لكنها تحمل في طياتها مراوغة متقنة:
"أنا متعبة. سأرتاح الآن."
الهروب الكلاسيكي.
الطريقة التي لطالما استخدمتها مع كل طبيب أراد الغوص في عقلها.
لكنه لم يكن مثلهم.
"بالطبع، خذي وقتك،" قال بصوت سلس، بلا أي اعتراض أو محاولة لإيقافها.
لولا توقفت للحظة، كأنها لم تتوقع أن يتخلى عن المحادثة بهذه السهولة.
نظرت إليه من زاوية عينها، وكأنها تقيّم إن كان جادًا أم يخفي خدعة في كلماته.
لكنه لم يُظهر أي شيء. جلس ببساطة، كأن الأمر لم يكن مهمًا بالنسبة له.
"أراك لاحقًا، إذن،" قالت وهي تلتفت مبتعدة.
علي لم يجب. فقط راقب خطواتها وهي تبتعد ببطء.
أرادت أن تهرب؟ لا بأس.
لكنها ستعود.
ليس لأنها تريد، بل لأن عقلها لم يكن سيسمح لها بعدم العودة.
كان يعلم أن الفضول بدأ يتسلل إليها، أن عقله المتزن وعدم وقوعه في فخاخها جعلها ترى فيه تحديًا مختلفًا.
وفي النهاية... لا شيء يجذب شخصًا معقدًا مثل لولا أكثر من شخص لا تستطيع قراءته بسهولة.
Comments