فصل الخامس

 همسات في الظلام

بقيت القطة البيضاء وحدها في القاعة الفاخرة، تنظر نحو الباب الذي خرج منه سليمان. لم يكن الأمر مجرد مصادفة، كانت تشعر أن هذا الرجل هو مفتاح خلاصها، لكن كيف تستطيع التواصل معه؟ كيف تخبره أنها ليست قطة عادية؟

تقدمت ببطء نحو الشرفة المفتوحة، حيث كان النسيم الليلي يبعثر ستائر الحرير. حدّقت في السماء المضاءة بالنجوم، وأخذت نفسًا عميقًا—أو ما استطاعت فعله كقطة. تذكرت حياتها السابقة، اللحظة التي انتهى فيها كل شيء ووجدت نفسها هنا، في هذا الجسد الصغير.

لكن صوتًا قطع أفكارها.

"لم أتوقع أن أجدكِ هنا، هادئة تمامًا كدمية صغيرة."

استدارت بسرعة، لتجد الأمير ثيرون واقفًا عند الباب، ينظر إليها بابتسامة ماكرة. كان مختلفًا عن سليمان تمامًا—عيناه الداكنتان تعكسان ذكاءً حادًا، لكن فيهما شيئًا يجعلها تشعر بعدم الارتياح.

"يقولون إن الأمير سليمان أصبح مولعًا بقطة صغيرة." تقدم خطوة نحوها، ثم انحنى ليكون على مستوى عينيها. "عجيب، أليس كذلك؟ رجل بارد مثله، يهتم بحيوان أليف؟"

شعرت بانقباض في صدرها. لم تحب الطريقة التي كان ينظر بها إليها، وكأنها ليست سوى أداة جديدة يحاول استخدامها.

مدّ يده ليلمس فروها، لكنها انسحبت بسرعة، موحية بعدم رضاها. رفع حاجبه بدهشة، ثم ابتسم ابتسامة جانبية.

"ذكية…" تمتم وهو ينهض. "لا تقلقي، لن أؤذيكِ. لكن إن كان سليمان يهتم بكِ حقًا، فلا بد أنكِ تملكين قيمة ما. وقيمة الأشياء… يمكن التفاوض عليها."

ثم استدار وخرج، تاركًا وراءه كلمات زادت من قلقها.

لم تكن تفهم تمامًا ما الذي يدور في هذا القصر، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا—هي لم تكن مجرد قطة بالنسبة لهم بعد ولأن كان عليها أن تجد طريقة لكشف حقيقتها قبل فوات الأوان

كانت القطة البيضاء جالسة على شرفة القصر، تراقب القمر وهو يتوسط السماء، تلتمع عينها بلونها الأزرق العميق. كان الشعور بالعجز يثقل كاهلها، فحتى الآن لم تستطع معرفة الطريقة التي يمكنها بها استعادة جسدها البشري. كل ما عرفته هو أن سليمان كان المفتاح، لكن كيف؟

لم يطل انتظارها كثيرًا، فبعد وقت قصير، سمعت خطوات هادئة تقترب. التفتت ببطء، لتجد الأمير سليمان واقفًا عند المدخل، عيناه تحدقان بها بصمت. لم يكن مثل الآخرين، لم يكن ينظر إليها كحيوان أليف، بل كشيء غامض لم يستطع فهمه بعد.

"لماذا أنتِ مختلفة؟" تمتم وهو يقترب منها، ثم جلس على الكرسي المقابل، واضعًا إحدى يديه على ذقنه بتفكير. "لا تتصرفين كقطط القصر، ولا حتى مثل القطط المتوحشة. أحيانًا أشعر أنكِ تفهمين كل كلمة أقولها."

شعرت بتسارع في نبضاتها، وكأنها تقترب خطوة من الحقيقة. كان من الواضح أن سليمان لم يكن مجرد أمير، كان ذكياً وذا بصيرة حادة، قادرًا على ملاحظة الأشياء التي يغفل عنها الآخرون.

لكن قبل أن يتمكن من التفكير أكثر، سُمعت طرقات على الباب.

"مولاي، السلطان يطلب حضورك فورًا."

وقف سليمان بتنهد، وكأنه يعلم أن هذا اللقاء لن يكون لطيفًا. ألقى نظرة أخيرة على القطة قبل أن يخرج. لكنها لم تستطع تجاهل فضولها، قفزت برشاقة واتجهت بسرعة عبر الممرات المظلمة، متتبعة أثره.

عند وصولها إلى القاعة الكبرى، اختبأت خلف أحد الأعمدة. كان السلطان جالسًا على عرشه، بينما وقف سليمان أمامه، كتفيه مشدودتين وعيناه باردتان.

"سمعت أنكَ رفضت التحالف الذي عرضه علينا مملكة 'أورازيا'." قال السلطان بصوت هادئ لكنه محمل بالثقل.

"لأن ذلك التحالف ليس في صالحنا." رد سليمان بثبات. "الملك هناك يسعى فقط لاستخدامنا كأداة لحروبه. لو قبلنا، فسنجد أنفسنا في معركة لسنا بحاجة إليها."

السلطان ألقى نظرة عميقة على ابنه، ثم قال:

"وهل ترى أن لدينا خيارًا آخر؟ الحروب قادمة، ونحن بحاجة إلى تحالفات قوية."

هنا، تدخل شخص آخر في الحديث… الأمير ثيرون.

"ربما هناك خيار آخر." قال بابتسامة ماكرة. "سمعت أن الملك أورازيا مهتم بأمر خاص جدًا…" التفت إلى سليمان، ثم أكمل، "سمعت أنه يبحث عن شيء ثمين… أو بالأحرى شخص ثمين."

قطّب سليمان حاجبيه، بينما أكمل ثيرون:

"يقال إنه يبحث عن فتاة اختفت منذ فترة. هناك إشاعة تقول إنها ليست في عالم البشر بعد الآن."

تجمدت القطة البيضاء مكانها. شعرت أن حديثه يلمح إليها، لكن كيف؟ هل هناك أحد يعرف سرها؟

سليمان لم يُظهر أي تأثر، لكنه ردّ ببرود:

"لا أتعامل مع الإشاعات. وإذا كنتَ تريد بيع شخص من أجل تحالف، فلن أكون جزءًا من ذلك."

قهقه ثيرون بخفة، ثم قال: "كما تشاء، يا أخي العزيز. لكن لا تنسَ… العالم لا يتعامل بالمبادئ وحدها، بل بالمصالح."

بعد انتهاء الاجتماع، عاد سليمان إلى غرفته، وكان هناك شيء يشغل تفكيره. وبينما كان يجلس على كرسيه، شعر بحركة خفيفة، رفع عينيه ليجد القطة البيضاء تحدق به بعمق.

"لقد كنتِ هناك، أليس كذلك؟" قال بصوت منخفض.

تجمدت للحظة، لكنها لم تحاول الهروب.

تنهد سليمان، ثم مد يده ولمس رأسها بلطف، وكأنه يحاول تهدئتها.

"يبدو أن هناك لغزًا أعمق مما كنتُ أظن… وسأكتشفه، مهما كلف الأمر."

في تلك الليلة، عرفت القطة البيضاء شيئًا واحدًا… لم يعد لديها وقت كثير. إذا لم تجد طريقة لاستعادة جسدها، فقد ينتهي بها الأمر كورقة مساومة في لعبة السياسة.

والأخطر من ذلك… هناك شخص ما في القصر يعرف سرها.

لكن من؟

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon