عالم الممالك الساقطه
في طفولتي، كنت أعيش في حي فقير بالكاد يصل إليه النور. أذكر كيف كنا نعيش أنا ووالدتي في غرفة صغيرة تتكدس فيها أحلامنا المحطمة وآمالنا الباهتة. لم يكن لدي أصدقاء كُثُر، سوى “دوهيون”، ذلك الفتى المجنون الذي كان دائمًا ما يبتكر أفكارًا غير تقليدية للهروب من بؤس الواقع.
في أحد الأيام، جاءني دوهيون متحمسًا كعادته، وهو يحمل علبة صغيرة عليها شعار لعبة واقع افتراضي جديدة تُدعى “عالم الممالك الساقطة”. قال لي بصوت مليء بالإثارة:
“تايهيونغ، هذه فرصتنا! اللعبة هذه فيها أشياء ما تخطر على البال، ويمكنك حتى تكسب أموالًا حقيقية إذا كنت ذكيًا بما يكفي.”
كنت مترددًا. بالكاد كنت أملك قوت يومي، فكيف أستطيع الدخول إلى عالم افتراضي؟ لكن إصرار دوهيون وتحمّسه كانا كافيين لإقناعي بتجربة اللعبة. أخذني إلى منزله المتواضع، حيث كان لديه جهازًا قديمًا تمكّن من تعديله ليعمل مع اللعبة.
عندما وضعت خوذة الواقع الافتراضي لأول مرة، شعرت بغرابة غامضة. كان الأمر كما لو أنني أغوص في بحر من الضوء. كل شيء كان يبدو واقعيًا للغاية. ، وأتت شعار ويبدو وكأنه نضام ويعرفني على معلوماتي داخل اللعبة، وكنت في شخصية لا يمكنني تصديقها – كان شاب يُدعى “هان سوجين”، وهو ابن الكونت الغني، لكن للأسف معروف بغبائه وسوء سمعته بين النبلاء ولا يوجد له أي سمات مميزه .
أثناء محاولتي التأقلم مع هذا العالم الإفتراضي واستكشافه، حدث ما لم يكن بالحسبان. بينما كنت مستغرقًا في استكشاف القصر الفخم الذي أُعيد بناءه بواقعية مذهلة، سقط البرق من السماء في العالم الحقيقي وضرب جهاز الواقع الافتراضي. شعرت بصدمة كهربائية عنيفة، ثم اختفى كل شيء.
عندما فتحت عيني، لم أعد في غرفة دوهيون ولا في حيّنا الفقير. كنت في سرير فاخر، وحولي خدم يحيطون بي، يهمهمون بقلق:
“سيد سوجين! هل أنت بخير؟ لقد أغمي عليك بعد سقوطك من الحصان!”
وهنا أدركت الحقيقة الصادمة. لم أكن في اللعبة. لقد أصبحت فعليًا في هذا العالم… في جسد ابن الكونت الأحمق
فتحت عيني مرة أخرى، محاولًا استيعاب ما يحدث. الغرفة كانت مزينة بطريقة فاخرة تفوق خيالي؛ ستائر حريرية تتمايل برفق مع النسيم، وسجادة مزخرفة تمتد تحت قدمي السرير الفاخر. لكنني لم أكن أستمتع بالمشهد، بل كنت في حالة ذعر!
نهضت بصعوبة وأنا أشعر أن جسدي لا ينتمي إليّ. نظرت إلى يدي، كانت ناعمة بشكل مفرط، وكأنها لم تلمس يومًا عملًا شاقًا. اقترب أحد الخدم بقلق وقال:
“سيدي، الطبيب في الطريق. هل تشعر بأي ألم؟”
كتمت ذعري وقلت بصوت ضعيف:
“أنا… بخير.”
لكن الحقيقة هي أنني لم أكن بخير. كنت عالقًا في جسد “هان سوجين”، ابن الكونت المشهور بغبائه وكسله وفضائحه التي تملأ الألسنة.
بمجرد أن غادر الخدم الغرفة، بدأت أبحث عن أي مرآة لأرى وجهي الجديد. أخيرًا، وجدت مرآة ضخمة مزخرفة في الزاوية. عندما وقفت أمامها، كدت أصاب بصدمة أخرى. الشعر البني اللامع، العيون التي تشع ببلاهة غريبة، والملابس الفاخرة التي تبدو كأنها تزن أكثر مما أملك في العالم الحقيقي… لقد كنت فعليًا هان سوجين.
“يا إلهي… ما هذا الكابوس؟”
بينما كنت أحاول التفكير في ما حدث، تذكرت فجأة حديث دوهيون عن اللعبة. لقد كانت لعبة تحاكي حياة الممالك القديمة، وكان لكل لاعب حرية تشكيل قدره. لكن الشيء الذي أثار ذعري أكثر هو ما أعرفه عن “هان سوجين”. في القصة الأصلية للعبة، كان هان شخصية ثانوية تموت بفضيحة مدوية بعد أن يتآمر عليه أعداؤه.
“إذا كنت في جسده… هذا يعني أنني…”
لم أستطع إكمال التفكير. هذا ليس مجرد كابوس، بل حكم بالإعدام إذا لم أفعل شيئًا لتغيير مصيري
جلست على طرف السرير، أتنفس بصعوبة. الذعر لم يكن الحل الآن. كنت بحاجة إلى التفكير بوضوح، فالموت لم يكن خيارًا. إذا كانت اللعبة تمنح اللاعبين حرية اتخاذ القرارات، فأنا الآن أمام خيارين: أن أعيش كالأحمق وأتبع سيناريو القصة حتى النهاية المأساوية، أو أن أحارب قدري وأعيد كتابة القصة.
“لا مجال للتردد. سأعيد كتابة كل شيء.”
لكن كيف؟ لا أعلم شيئًا عن هذا العالم سوى ما عرفته من اللعبة، وهذا لا يكفي. كنت بحاجة إلى خطة.
أول خطوة كانت فهم موقفي. تقدمت نحو النافذة، فتحتها، ورأيت منظرًا مهيبًا لحديقة القصر. كانت هناك خيول تتجول، ونوافير مياه مزينة بتماثيل مذهبة. لكن على الرغم من الفخامة، لم أستطع أن أنسى أنني في جسد شخصية مكروهة من الجميع
بعد ساعة، جاء أحد الخدم ليخبرني أن الكونت ينتظرني في غرفة الطعام. الكونت… والدي الجديد. شعرت بتوتر رهيب. في القصة الأصلية، كانت علاقة “هان سوجين” بوالده سيئة للغاية. الكونت كان رجلًا صارمًا، ينظر إلى ابنه كوصمة عار على اسم العائلة.
عندما دخلت غرفة الطعام، كانت الأجواء مشحونة. الكونت جلس في منتصف الطاولة الطويلة، وإلى جانبه جلس شقيقي الجديد، “هان سيجونغ”، الشقيق الأكبر المثالي الذي يمثل كل ما يطمح الكونت لرؤيته في ابنه.
نظرات الكونت نحوي كانت قاسية كالسيف.
“لقد تأخرت.”
جلست بصمت، أحاول التماسك. لكنني لم أكن مستعدًا للسخرية التي جاءت بعدها من شقيقي:
“هل تأخرت لأنك كنت تحاول تذكر كيفية المشي دون أن تتعثر؟”
الضحكة الساخرة منه، ونظرات الاستهزاء من والدي، أشعرتني بالغضب. لكنني كتمته. في اللعبة، كان هان سوجين معروفًا بردوده الغبية التي تزيد من تدهور سمعته، لكنني قررت أن أتصرف بذكاء هذه المرة.
ابتسمت بهدوء وقلت:
“أعتذر عن التأخير، كان عليّ أخذ لحظة للتفكير. لكنني هنا الآن، ومستعد للحديث عن أي شيء يهم العائلة.”
نظرة الكونت تغيرت قليلًا، كما لو أنه تفاجأ. أما سيجونغ، فقد بدا وكأنه لا يصدق أنني لم أرد عليه برد أحمق.
“أتمنى أن يكون هذا التفكير مفيدًا،” قال الكونت ببرود. “لأن صبرنا عليك بدأ ينفد.
الكونت لم يمنحني سوى دقائق قليلة قبل أن يتحدث مرة أخرى، بصوت حاد يحمل نبرة حُكم لا تقبل الجدال.
“سوجين، لقد عشنا سنوات ونحن نحاول تصحيح أخطائك. من فضائحك في البلاط إلى تبذيرك الأموال على أشياء تافهة. هل لديك أي فكرة عن العبء الذي تسببت فيه للعائلة؟”
كانت كلماته قاسية، لكنها لم تكن مفاجئة. هذا بالضبط ما كنت أتوقعه من القصة الأصلية. الكونت كان يرى في “هان سوجين” فشلًا متحركًا، وكان يلومه على كل شيء تقريبًا. لكنني لست ذلك الشخص بعد الآن.
أخذت نفسًا عميقًا ورفعت رأسي بثقة، محاولًا أن أكون هادئًا رغم الغضب الذي يشتعل داخلي.
“أعلم أنني ارتكبت الكثير من الأخطاء في الماضي، يا والدي. وأعلم أنني لم أكن الشخص الذي يمكن للعائلة الاعتماد عليه. لكنني قررت أن أتغير.”
رفع الكونت حاجبه بسخرية واضحة. حتى شقيقي، سيجونغ، ضحك بصوت خافت.
“تتغير؟” قال الكونت ببرود. “الكلمات وحدها لن تغير شيئًا، سوجين. أفعالك هي ما يهمني.
ابتسمت بهدوء، رغم السخرية التي كانت واضحة في كلمات الكونت ونظرات سيجونغ. كنت أعلم أن ردود أفعالي الآن هي المفتاح لكسب احترامهم، أو على الأقل تجنب غضبهم.
“هذا صحيح، يا والدي. الكلمات ليست كافية، ولهذا السبب أنا مستعد لإثبات نفسي من خلال الأفعال.”
الكونت ظل صامتًا للحظة، كأنه يفكر في كلماتي. ثم انحنى قليلًا إلى الأمام ونظر إليّ بتركيز:
“حسنًا، إذا كنت جادًا بشأن هذا التغيير، فسنرى. لدي مهمة تناسبك.”
أشار بيده نحو أحد الخدم، الذي قدم إليه ملفًا مليئًا بالأوراق. فتح الكونت الملف وسحب ورقة واحدة ثم دفعها نحوي على الطاولة.
“في أحد أقاليمنا الشمالية، تعاني الإدارة من مشاكل. المزارعون غاضبون من الضرائب المرتفعة، والإنتاجية تتراجع. أريدك أن تذهب إلى هناك وتحل المشكلة. إذا تمكنت من كسب ثقتهم وتحسين الوضع، فربما أبدأ في تصديقك.
نظرت إلى الورقة أمامي. كانت تحتوي على تفاصيل حول الإقليم ومشاكله، وأسماء بعض المسؤولين هناك. المهمة لم تكن سهلة على الإطلاق. في القصة الأصلية، كانت مثل هذه المهام تُعطى لسيجونغ، الذي كان دائمًا يُنظر إليه على أنه “الابن المثالي”.
أحسست بنظرات سيجونغ تخترقني وهو يبتسم بسخرية.
“أبي، هل تعتقد أن سوجين مؤهل لمثل هذه المهمة؟ أعني، هذا الإقليم من أهم أقاليمنا الزراعية. خطأ واحد منه قد يتسبب في خسائر كبيرة.”
الكونت لم يلتفت إليه، بل ظل ينظر إليّ وكأنه ينتظر مني الإجابة.
أخذت الورقة بين يديّ، رفعت رأسي، وقلت بصوت ثابت:
“سأقبل المهمة، يا والدي. وسأفعل كل ما بوسعي لأعيد الأمور إلى نصابها.
عندما انتهى الاجتماع، شعرت بثقل المهمة يُلقي بظلاله عليّ، لكنني قررت أن هذه هي فرصتي لإثبات جدارتي. لم أكن أرغب في الهروب أو الاستسلام، ففشلي الآن يعني نهاية كل محاولاتي لتغيير قدري.
في الأيام التي سبقت الرحلة، قضيت وقتًا في دراسة تفاصيل الإقليم. الخرائط، التقارير الزراعية، والملفات المتعلقة بالمسؤولين. كنت بحاجة لفهم الوضع بدقة قبل أن أصل إلى هناك
بينما كنت منهمكًا في قراءة التقارير ومراجعة الخرائط داخل مكتبة القصر، شعرت بالتركيز الشديد. كنت أحاول وضع خطة واضحة قبل الرحلة إلى الإقليم. فجأة، قطع تركيزي صوت طرق خفيف على باب المكتبة.
“تفضل.”
فتح الباب ببطء، وظهر جيهو، خادمي الشخصي. كانت نظرته تحمل قلقًا ممزوجًا ببعض التردد. تقدم بخطوات خافتة نحو مكتبي وقال:
“سيدي، أعتذر عن الإزعاج، لكن هناك رسالة مستعجلة وصلت من أحد مبعوثي الإقليم.”
رفع رسالة مختومة بختم بسيط ووضعها أمامي. نظرت إلى الختم، وكان ينتمي إلى أحد المزارعين المحليين، وليس مسؤولًا من الإدارة.
“رسالة من مزارع؟ مثير للاهتمام…”
فتحت الرسالة بعناية، وبدأت في قراءتها. كان الخط بسيطًا، لكنه يعبر عن الاستعجال والخوف. محتوى الرسالة كان كالتالي:
“إلى سيدي هان سوجين،
أعلم أنك قادم قريبًا إلى إقليمنا، وأرجوك أن تسمع ندائي. الوضع أسوأ مما قد يخبرك به المسؤولون. الضرائب ليست فقط مرتفعة، بل يتم جمعها بالقوة وبطريقة غير إنسانية. الفساد انتشر، وأي شخص يعترض يتم تهديده أو التخلص منه. نحن بحاجة إلى مساعدتك الحقيقية، وليس مجرد وعود مثل التي اعتدنا سماعها. إذا كنت جادًا في مساعدتنا، فسنكون ممتنين، ولكن عليك الحذر. هناك من لن يعجبه تدخلك.
مخلصكم، لي تشانغ وو.”
قرأت الرسالة مرتين، ثم وضعتها على المكتب. كان من الواضح أن الأمور في الإقليم أكثر تعقيدًا مما أظهرت التقارير الرسمية. جيهو، الذي كان يراقبني بحذر، قال بصوت منخفض:
“سيدي، يبدو أن الوضع أخطر مما كنا نعتقد. هل تعتقد أن الرسالة حقيقية؟”
أومأت برأسي ببطء وقلت:
“إذا كان هناك مزارع مستعد للمخاطرة بكتابة رسالة مثل هذه، فبالتأكيد هناك شيء خطير يحدث. لن أتجاهلها.”
ثم نظرت إلى جيهو وأضفت:
“علينا أن نكون مستعدين لكل شيء. أخبر المشرفين على رحلتي أنني أريد خط سير مختلفًا. سنبدأ بزيارة القرى مباشرة قبل الذهاب إلى القصر الإداري.”
جيهو تفاجأ من خطتي، لكنه انحنى احترامًا وقال:
“كما تأمر، سيدي. سأرتب كل شيء.
Comments