الفصل٣

الجميع بحاجة لاستعادة طاقتهم قبل أن نكمل الطريق.” قلت بصوت عالٍ، والجميع وافقوا بالإيماء دون تردد.

جلست على صخرة كبيرة أراقب البربر ورجالي وهم يستعدون لإشعال النار وتحضير الطعام. كان الوضع يبدو هادئًا على السطح، لكنني كنت أعلم أن هذا الهدوء مؤقت. كل خطوة على هذا الطريق كانت مليئة بالتحديات، سواء من الطبيعة القاسية أو البشر.

جيهو اقترب مني، يحمل في يده زجاجة ماء. جلس بجانبي وقال بصوت خافت:

“سيدي، لا يزال لدي شكوك بشأن نوايا البربر. قد يغيرون رأيهم في أي لحظة إذا شعروا أن الوضع لا يخدم مصالحهم.”

أومأت برأسي ببطء، وأجبت:

“أعلم ذلك، جيهو. لكننا بحاجة إليهم الآن. إذا كسبنا ثقتهم وأثبتنا لهم أن التعاون معنا أفضل من معاداتنا، فسيصبحون حلفاء أقوياء.”

صمت قليلاً، ثم أضفت:

“لكن، إذا خانونا… يجب أن نكون مستعدين للتعامل معهم بحزم.”

جيهو لم يقل شيئًا، لكنه كان واضحًا من عينيه أنه مستعد لتنفيذ أي أوامر تصدر مني، مهما كانت صعوبتها.

بعد الاستراحة، واصلنا الطريق، وعندما اقتربنا من أولى القرى في الإقليم، بدأت أرى بأم عيني ما وصفته الرسالة: أراضٍ قاحلة، بيوت متهالكة، ووجوه متعبة مليئة باليأس. توقفت القافلة عند مدخل القرية، ونزلت من عربتي. سكان القرية تجمعوا بحذر، أعينهم مليئة بالخوف والترقب.

“أنا هان سوجين، ابن الكونت، وقد جئت لإصلاح ما أفسدته الإدارة. أريد التحدث معكم وسماع مشاكلكم بنفسي.” قلت بصوت عالٍ وواضح.

همس السكان فيما بينهم، لكن أحدهم، رجل مسنّ يرتدي ملابس بسيطة، تقدم بخطوات مترددة وقال:

“سيدي… هل هذا حقيقي؟ أم أنكم جئتم لزيادة الضرائب فقط؟”

نظرت إليه مباشرة وقلت بحزم:

“أنا هنا لإعادة الأمور إلى نصابها. أعلم أنكم عانيتم كثيرًا، وأعدكم بأنني لن أغادر حتى أجد حلولًا حقيقية. لكنني بحاجة إلى مساعدتكم. إذا كنتم صادقين معي، فسأكون صادقًا معكم.”

بدأت الهمسات تخفت، وكأن كلماتي قد أثرت فيهم. ثم خطت امرأة شابة إلى الأمام، تحمل طفلاً صغيرًا على ذراعها، وقالت بصوت مملوء باليأس:

“إذا كنت تقول الحقيقة، فإننا سنقف معك. لكن اعلم أن هناك من لن يسمح لك بتغيير شيء. الفساد هنا عميق جدًا.”

نظرت إليها وإلى السكان من حولها، وقلت بثقة:

“سأواجه أي شيء من أجل تغيير هذا الوضع. ثقوا بي، ولن تخسروا.”

كانت هذه البداية، الخطوة الأولى في كسب ثقة الناس. لكنني كنت أعلم أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، وأن هناك الكثير مما ينتظرني في هذا الإقليم المظلم.

…استراحة قصيرة، لكن ابقوا يقظين. لا نعلم ما قد ينتظرنا في هذا الطريق،” قلت بصوت عالٍ للجميع، محاولًا أن أبدو هادئًا وواثقًا رغم القلق الذي يتسلل داخلي.

بينما كنت أجلس على صخرة وأراقب البقية يستعدون لإعداد المخيم، اقترب مني جيهو بحذر. جلس بجانبي وهمس:

“سيدي، أظن أن البربر لا يزالون يشكون في نواياك. قد يحتاجون إلى دليل عملي على أنك جاد بشأن خطتك.”

أومأت برأسي، ثم قلت:

“أعلم، جيهو. ولهذا السبب علينا أن نكسب ثقتهم بالعمل، وليس فقط بالكلمات. عندما نصل إلى الإقليم، سأحتاجك لتكون عيني وأذني هناك. ابدأ بمراقبة المسؤولين ومعرفة من هو الفاسد ومن يمكن الوثوق به.”

جيهو أومأ برأسه وقال بثقة:

“كما تأمر، سيدي. سأفعل كل ما بوسعي.”

**

مع حلول الليل، كان الجميع مستعدًا لاستئناف الرحلة. الطريق أصبح أكثر هدوءًا، لكن الظلام الذي أحاط بنا جعل الجو مشحونًا بالتوتر. أصوات الليل كانت غريبة، وكأن الطبيعة نفسها تراقبنا بصمت.

فجأة، توقفت القافلة بشكل مفاجئ، وظهر أحد البربر أمامي. كان القائد نفسه، وعيناه تلمعان بغضب:

“سيدي سوجين، لدي سؤال بسيط. كيف تتوقع أن نثق بك، وأنت تأتي من نفس الطبقة التي تسرق قوتنا؟”

رأيت التحدي في عينيه، لكنه لم يكن سؤالًا وحسب، بل كان اختبارًا. كان واضحًا أن كلمات مثل “ثقة” و”تحالف” لا تعني الكثير بالنسبة له.

نهضت ببطء ووقفت أمامه، ثم قلت بثبات:

“أنا لا أطلب ثقتكم. أنا أطلب فرصة لأثبتها. أعلم أنني من الطبقة التي ظلمتكم، وأعلم أن الكلام وحده لن يغير ذلك. لكن هل ستعطونني الفرصة لأريكم أنني مختلف؟ أم أنكم ستستمرون في العيش في دائرة الكره والانتقام؟”

صمت القائد للحظة، ثم قال:

“سنرى. أمل أن لا تندم على هذه الفرصة التي طلبتها.”

**

مع اقترابنا من الإقليم، بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا. القرى التي مررنا بها بدت شبه خالية، وكأن الناس يختبئون في منازلهم. كانت الأرض تبدو قاحلة، والمزارع مهملة بشكل واضح.

“جيهو، هل لاحظت ما أراه؟”

“نعم، سيدي. يبدو أن الوضع أسوأ مما تخيلنا. علينا أن نصل بسرعة ونرى ما يحدث بالفعل.”

وصلنا أخيرًا إلى القصر الإداري في الإقليم. كان البناء فخمًا، لكن الفوضى كانت واضحة. استقبلنا أحد المسؤولين الذي بدا عليه الارتباك عند رؤيتنا.

“سيدي سوجين! لم نكن نتوقع قدومك بهذه السرعة. هل كل شيء بخير؟”

نظرت إليه بحدة وقلت:

“لماذا لم تُرسَل التقارير الحقيقية عن وضع الإقليم؟ سأحتاج إلى اجتماع عاجل مع جميع المسؤولين المحليين.”

**

بدأت الاجتماعات بسرعة، وشيئًا فشيئًا بدأت تتضح الصورة. الفساد كان منتشرًا، والمسؤولون كانوا يستغلون الفلاحين بطرق بشعة. لكن أكثر ما أثار غضبي هو سماع قصص المزارعين الذين تعرضوا للتعذيب بسبب رفضهم دفع الضرائب.

“هذا الوضع لا يمكن أن يستمر،” قلت بحدة أثناء الاجتماع. “إما أن تصححوا الأمور الآن، أو سأضطر إلى اتخاذ إجراءات قد لا تعجبكم.”

نظر أحد المسؤولين إلي بابتسامة متعالية وقال:

“سيدي، الوضع معقد. لا يمكنك أن تتوقع حل كل شيء بين ليلة وضحاها.”

ابتسمت بسخرية وقلت:

“إذا كنت ترى أن التعذيب والفساد معقد، فأنا أرى أن عزلكم ليس كذلك. لدي السلطة لاتخاذ قرارات، ولن أتردد في استخدامها.”

**

في صباح اليوم التالي، قررت أن أترك القصر وأتجول بين الناس دون أن ألفت الانتباه. ارتديت ملابس بسيطة أشبه بما يرتديه عامة الشعب، واصطحبت معي جيهو فقط، الذي كان يحمل سيفًا مخفيًا تحسبًا لأي طارئ.

“علينا أن نرى الحقيقة بأعيننا، بعيدًا عن أعين المسؤولين وألاعيبهم،” قلت لجيهو ونحن نغادر المدينة.

الشوارع كانت مكتظة بالباعة والمتسولين، ووجوه الناس كانت مرهقة، وكأن الحياة تسير بثقل فوق أكتافهم. كنت أحاول فهم ملامح المعاناة من حولي حين سمعت صراخًا قادمًا من زقاق ضيق.

“أخرجي المال الآن! وإلا سترين ما يحدث عندما تعصي امرأة أوامرنا!”

تقدمت بخطوات حذرة نحو مصدر الصوت، ووجدت مجموعة من الرجال يرتدون ملابس سوداء، وجوههم قاسية ونظراتهم مهددة. كانوا يمسكون بامرأة شابة، يسحبونها من شعرها ويصرخون عليها.

“لقد قلت لكم إنني دفعت الضرائب! لا أملك المزيد لأعطيكم! دعوني وشأني!” صرخت المرأة، وهي تحاول أن تتخلص من قبضتهم، لكن دون جدوى.

تجمدت في مكاني للحظة، عندما سمعت أحد الرجال يقول بلهجة صارمة:

“هذا أمر من الحاكم هان سوجين! إذا لم تدفعي، ستعاقبين فورًا!”

نظرت إلى جيهو، ورأيت الغضب في عينيه يعكس ما كنت أشعر به. تقدم خطوة، لكنني أوقفته بإشارة من يدي. همست له:

“لا تلفت انتباههم بعد. لنرى كيف يخططون لإنهاء هذا.”

**

أحد الرجال أمسك بعصا ورفعها ليرهب المرأة، لكنه قبل أن يضربها، قفزت إلى الأمام ووضعت يدي على العصا، أوقفتها في الهواء. نظراتهم تحولت إلي بغضب واستغراب.

“من أنت لتتدخل؟ هذا ليس من شأنك!” صرخ أحدهم بغضب.

نظرت إليه بهدوء وقلت:

“ومن أعطاكم الحق لتتحدثوا باسم الحاكم هان سوجين؟”

شعرت بتوترهم عند سماع الاسم. لكنهم حاولوا الحفاظ على تماسكهم. أحدهم قال بجرأة:

“نحن ننفذ الأوامر. إذا كنت لا تريد المشاكل، اغرب عن وجهنا.”

ابتسمت ببرود، ثم سحبت العصا من يده بحركة سريعة وقلت:

“أوامر من؟ من يجرؤ على استخدام اسم الحاكم لنهب الشعب؟”

هنا، أدركوا أنني لست مجرد رجل عادي. حاول أحدهم أن يسحب سيفه، لكن جيهو كان أسرع منه. في لحظة، كان السيف مخفيًا في عنق الرجل، وقال بصوت منخفض:

“حاول التحرك وسأجعلك تندم.”

البقية تراجعوا بخوف، وبدأوا يتوسلون. “لا، لا، نحن فقط… نحن ننفذ الأوامر! نحن لا نعرف شيئًا!”

“من أرسلكم؟” سألتهم بحدة.

“إنه… إنه المشرف على الضرائب في الإقليم، السيد يونغ. هو من أمرنا باستخدام اسم الحاكم.”

**

أمرت جيهو أن يربطهم ويتركهم في عهدة حراس المدينة لاحقًا، ثم اقتربت من المرأة التي كانت لا تزال ترتجف.

“هل أنت بخير؟” سألتها بصوت هادئ.

“نعم… شكرًا لك. لكن من أنت؟ ولماذا تساعدني؟”

لم أجبها، فقط قلت: “كوني قوية، ولا تدعي الخوف يسيطر عليك. سيتغير الوضع قريبًا.”

بينما كنا نعود إلى القصر، التفت إلى جيهو وقلت:

“هذا دليل آخر على فساد هذا النظام. علينا أن نتعامل مع يونغ فورًا. أريد أن يعرف الجميع أن هان سوجين لن يسمح باستخدام اسمه لإرهاب الأبرياء.”

كان جيهو ينظر إلي بابتسامة خفيفة. “سيدي، أعتقد أن الشعب سيبدأ برؤية الحاكم الذي يحتاجونه.”

ابتسمت بدوري وقلت: “هذا هو الهدف يا جيهو… لكن الرحلة لا تزال طويلة.

عدنا إلى القصر مع حلول المساء، وأول ما فعلته هو استدعاء مستشاري القصر وحراس الأمن الشخصيين. جلست في قاعة الاجتماعات الكبيرة، بينما وقف جيهو بجانبي، وبدأت في الحديث بصوت حازم:

“اليوم، رأيت بعيني فسادًا يُرتكب باسمنا. رجال يرتدون الأسود ينهبون الشعب، ويستخدمون اسمي لتبرير جرائمهم. أخبروني، كيف يصل الأمر إلى هذا الحد دون أن أعرف؟ كيف تسمحون لمثل هذا الفساد أن ينتشر؟”

ساد الصمت في القاعة، ولم يجرؤ أحد على الإجابة. حتى المستشار الكبير، الذي كان دائمًا جاهزًا للدفاع، بدا متوترًا.

“سيدي…” قال بصوت مرتعش، “هناك دائماً من يستغل السلطة لتحقيق مكاسب شخصية، لكننا لم نكن على علم بأنهم يستخدمون اسمكم.”

قاطعته بغضب:

“هذا ليس عذرًا! إذا كنتم لا تعلمون، فأنتم مقصرون في واجبكم. وإذا علمتم وسكتُّم، فأنتم شركاء في الجريمة.”

ثم التفت إلى أحد الحراس الشخصيين وقلت:

“أحضروا لي السيد يونغ، مشرف الضرائب، حالاً. أريد أن أراه هنا قبل أن يحل الليل.”

**

بعد مرور ساعة، دخل السيد يونغ إلى القاعة محاطًا بالحراس. كان يحاول إخفاء ارتباكه، لكنه فشل في إخفاء العرق الذي يتصبب من جبينه.

“سيدي الحاكم،” قال بانحناءة مبالغ فيها، “يشرفني أن أكون في حضوركم.”

نظرت إليه نظرة باردة وقلت:

“يكفيني هذا التملق يا يونغ. لدي سؤال واحد لك: كيف يجرؤ رجال الضرائب على استخدام اسمي لنهب الأبرياء؟”

شحب وجهه على الفور. “أنا… أنا لا أعلم عن ماذا تتحدث، سيدي. ربما يكونون مجرد عصابة تدعي ارتباطها بي.”

ابتسمت بسخرية وقلت:

“حقاً؟ إذاً لماذا اعترفوا أنهم يعملون بأوامرك؟”

بدأ يتلعثم ويحاول إنكار التهم، لكنني قاطعت حديثه مرة أخرى وأشرت إلى الحراس. “أمسكوا به. سأجري تحقيقاً كاملاً، وإذا ثبتت التهم، فمصيره سيكون أسوأ مما يتخيل.”

**

بعد أن أُخذ يونغ بعيداً، نظرت إلى المستشارين وقلت:

“من هذه اللحظة، كل مسؤول تحت سلطتي سيخضع للمراقبة. لن أسمح بمزيد من الفساد أو استغلال الشعب باسمي. أريد تقريراً يومياً عن كل ما يحدث في الإقليم.”

ثم التفت إلى جيهو وقلت بصوت أخفض:

“لا يكفي أن نطرد الفاسدين. علينا أن نكسب ثقة الشعب. سأخرج بينهم مجدداً، ولكن هذه المرة، أريد أن أكون مستعداً أكثر.”

**

في الأيام التالية، بدأت في اتخاذ خطوات جادة لإصلاح الوضع. فرضت نظاماً جديداً لمراقبة الضرائب، وأمرت ببناء مراكز لمساعدة الفقراء. كما أنني تأكدت من نشر الخبر بين الشعب: أن هان سوجين لن يسمح لأي شخص باستغلال سلطته لإيذاء الأبرياء.

وبينما كنت أراقب التغيرات البسيطة التي بدأت تظهر في حياة الناس، شعرت بشيء من الراحة. لكنني كنت أعلم جيداً أن هذا ليس سوى البداية.

العالم مليء بالمؤامرات، والعدو الحقيقي ربما لم يكشف وجهه بعد.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon