الفصل الثالث: أول يوم في الجامعة
استيقظت يانا قبل أن يرن المنبّه. كانت متحمّسة، وفي الوقت نفسه متوترة، فهي اليوم تدخل عالمًا جديدًا بالكامل: الجامعة. ارتدت ملابسها البسيطة، رتبت شعرها على عجل، ووضعت حقيبتها على كتفها، ثم خرجت من غرفتها لتجد الشباب الخمسة يتناولون إفطارًا سريعًا.
– "صباح الخير، يانا!" صاح أحدهم وهو يلوّح بقطعة خبز.
– "صباح النور." ردّت بابتسامة هادئة، ثم أضافت بنبرة شبه رسمية: "ادعوا لي… اليوم أوّل يوم لي."
فقال آخر وهو يضحك: "لا تخافي، الجامعة مثل مسلسل طويل… أحداث كثيرة، وأنتِ البطلة!"
ضحكت يانا، لكنها في داخلها كانت تشعر أن قلبها يدق بسرعة. خرجت من الشقة متوجهة نحو الحرم الجامعي، تحاول أن تحفظ الطريق جيدًا حتى لا تضيع.
دهشة البداية
بمجرد أن وصلت إلى بوابة الجامعة، توقفت قليلًا. المكان ضخم، مئات الطلاب يتحركون في كل الاتجاهات، أصوات ضحك وحديث، باعة متجولون يبيعون قهوة وساندويشات، ولوحات إعلانات مليئة بالملصقات.
"يا ساتر!" همست يانا وهي تلتقط أنفاسها. "الضيعة كلها أصغر من نص هذا المكان!"
دخلت إلى القاعة الأولى، وجلست في الصف الأوسط، محاولة أن تبدو هادئة. لكن سرعان ما لاحظت مجموعة من الطالبات يتحدثن بصوت عالٍ، ويضحكن على شيء ما. تجاهلتهن في البداية، لكن إحداهن التفتت إليها وقالت:
– "أنتِ جديدة، صح؟ من وين إنتِ؟"
ابتسمت يانا بأدب وقالت:
– "إيه، من ضيعة صغيرة… جيت أدرس هون."
ردّت أخرى وهي تضحك بخبث: "واضح… باين من لهجتك."
ابتسمت يانا ابتسامة باردة، وحاولت أن تبقى رايقة، لكن أعصابها بدأت تشتعل.
– "طيب، وإذا من الضيعة؟ ما المشكلة يعني؟" قالت بنبرة حادة فجأة.
ساد الصمت لثوانٍ، ثم انفجرت الطالبات بالضحك. شعرت يانا بالحرج، لكنها في داخلها كانت راضية لأنها لم تسكت.
مغامرة المكتبة
بعد المحاضرة الأولى، قررت يانا زيارة مكتبة الجامعة. دخلت المكان بدهشة، آلاف الكتب مصطفة على الرفوف، رائحة الورق والحبر تملأ الجو. كانت تبحث عن كتاب مقرر، لكنها أخذت تدور بين الممرات وتضيع أكثر فأكثر.
"يا الله… مش معقول، ضيّعتني الكتب!" تمتمت وهي تمشي ذهابًا وإيابًا.
اقترب منها موظف المكتبة، شاب بنظارات سميكة، وسألها:
– "تحتاجين مساعدة؟"
ابتسمت بتوتر:
– "إيه، إذا ما في إزعاج… أبحث عن كتاب مدخل إلى علم النفس."
ذهب معها، وأشار إلى الرف الصحيح. مدت يدها لتأخذ الكتاب، لكنه كان عالقًا بين كتابين آخرين. سحبت بقوة، وفجأة انطلقت ثلاثة كتب أخرى وسقطت على رأسها.
– "آخ!" صرخت وهي تمسك رأسها.
الموظف حاول كتم ضحكته وهو يقول: "عذرًا… هذا يحدث كثيرًا."
ردّت يانا بسرعة: "إيه بس مش لازم يحدث إلي أنا بالذات!"
وقت الغداء
مع اقتراب الظهيرة، قررت يانا الذهاب إلى الكافيتريا. المكان مزدحم، الطوابير طويلة، والطلاب يتحدثون بصخب. وقفت في الصف، وعندما جاء دورها، طلبت ساندويش بسيطًا وعصيرًا.
لكن قبل أن تصل إلى الطاولة، تعثرت بقدم أحد الطلاب، فانسكب العصير على ملابسها.
– "ياااه! مش معقول!" صرخت غاضبة، بينما الطالب يعتذر مرتبكًا.
بعض الطلاب حولها ضحكوا، مما جعلها تغضب أكثر:
– "شو في؟ عم أصوّر مسرحية وأنا ما بعرف؟"
بعد دقائق، جلست على الطاولة وهي تحاول التماسك. "طيب… عادي… أول يوم… كله بيعدي." قالت لنفسها، ثم أخذت لقمة من الساندويش محاولة أن تضحك على الموقف بدل أن تبكي.
العودة إلى الشقة
مع نهاية اليوم، رجعت يانا إلى الشقة وهي منهكة. استقبلها الشباب بابتسامات فضولية:
– "ها، كيف كان أول يوم؟"
جلست على الأريكة، رمت حقيبتها بجانبها، وقالت:
– "إذا بدي أختصر: كتب عم توقع فوق راسي، عصير عم يسكب علي، وناس عم يضحكوا بوجهي… بس أنا؟ أنا رايقة… لسا واقفة!"
انفجروا جميعًا بالضحك، وقال أحدهم:
– "أهلا بكِ في الحياة الجامعية، يا بطلة الفوضى!"
ابتسمت يانا، رغم تعبها، وأدركت أن هذا اليوم، رغم كل ما حدث، كان مجرد بداية.
نهاية الفصل الثالث
Comments