كان رجل في الثلاثين من عمره يقف وسط غابة كثيفة الأشجار، شعره أحمر وعيونه خضراء متوهجة. إلى جانبه كانت تقف امرأة لها الملامح نفسها؛ شعر أحمر وعيون خضراء تشع بالقوة. كان الرجل يحمل بين ذراعيه طفلًا رضيعًا، شعره الأحمر القصير يلمع تحت أشعة القمر، وعيناه مغمضتان.
قال الرجل بصوت منخفض:
— هذا المكان المناسب لوضع الطفل.
ردّت المرأة وهي تحدّق بالأرض:
— نعم. ضعه هنا، ولنرَ ماذا سيفعل في هذا العالم.
انحنى الرجل ووضع الطفل على الأرض، ثم طار مع المرأة إلى السماء حتى اختفيا بين الغيوم. عندها فتح الطفل عينيه للمرة الأولى، عينان خضراوان متألقتان أشبه بوميض زمردي يخترق الظلام.
...
استيقظ كايل من نومه فجأة، فتح عينيه ببطء، وتنهّد قائلاً:
— ما هذا الحلم الغريب؟
التفت إلى النافذة بجانبه، ورأى ضوء الصباح يتسلل. ابتسم وقال:
— أخيرًا، الصباح أتى. عليّ أن أتدرّب.
خرج من البيت الخشبي البسيط وبدأ يتأمل الجبل المحيط به. فجأة، شعر بيد توضع على ظهره من الخلف. ارتجف جسده والتفت بسرعة.
— لقد أرعبتني يا معلمي! لماذا تحب إخافتي دائمًا؟
ضحك العجوز، وقال بلهجة صارمة:
— لأنك ضعيف جدًا. عليك أن تتدرّب بجدية أكبر.
ردّ كايل بابتسامة ساخرة:
— ضعيف؟ لقد وصلت إلى المرحلة البيضاء خلال يومين فقط. أنا موهوب، لست مثلك.
عبس العجوز، وضربه على رأسه بيده:
— أيها الوغد! كيف تجرؤ على السخرية من معلمك؟
ضحك كايل قليلًا، ثم قال:
— أخبرني يا معلمي، لقد مرّ أسبوعان الآن. ما هي مهارتي العنصرية؟ ما العنصر الخاص بي؟
...
في قصر عائلة درايفن، كان الأب واقفًا أمام النافذة المطلة على الحديقة. دخل أحد أبنائه إلى الغرفة، أخو كايل الأكبر، كاين.
قال كاين بصوت غاضب:
— يا أبي، لماذا طردت كايل؟ إنه كان موهوبًا.
أجابه الأب ببرود:
— هو ليس موهوبًا يا كاين.
صرخ كاين:
— بل كان موهوبًا بلا شك! وُلد بصفات ملك السيف الساحر!
التفت الأب إليه بغضب:
— هل تجرؤ على مقارنة هذا الشخص الأسطوري بمجرد قمامة لا تملك ذرة من الطاقة السحرية؟
— إنه ليس قمامة يا أبي! قد يكون التمثال قد أخطأ في تحديد قوته.
— التمثال لا يخطئ. كايل ضعيف، وهذا أمر محسوم. أنت على الأقل وصلت إلى المرحلة السوداء، أما هو فلا يملك أي مرحلة أصلًا.
صرخ كاين:
— لا تقارنني بأخي!
ضرب الأب الطاولة بيده وصاح:
— اخرُج من غرفتي أيها الوغد!
خرج كاين يائسًا وأغلق الباب خلفه بعنف. جلس الأب بعدها وهو يفكر:
(كايل بلا طاقة سحرية… أي أنه ميت بالفعل).
...
على الجبل بجانب البيت الخشبي، كان كايل يلوّح بسيفه بلا توقف.
— 1555… 1556… 1557…
سقط على الأرض وهو يلهث من التعب. نظر إلى السماء وقال في نفسه:
(لماذا لم أصل إلى المستوى الرابع بعد ألف تلوِيحة؟).
ظهر العجوز فجأة أمامه وقال:
— لقد تطوّرت. لديك مستقبل مشرق.
— معلمي، لماذا لم أصل إلى المستوى الرابع بعد؟
— يا لك من غبي. قلت لك من قبل: كلما تقدمت في المراحل والمستويات، أصبح التقدّم أصعب فأصعب.
— آسف يا معلمي.
— لا بأس. الآن عليك أن تتدرّب حتى تشعر بالموت.
فتح كايل فمه بصدمة:
— ماذ—ماذاااااا؟؟؟ لقد أنهيت تدريبي للتو!
ضربه العجوز على رأسه مرة أخرى:
— عليك أن تلوّح بالسيف خمسة آلاف مرة، وإلا…
ابتسم العجوز ابتسامة شريرة وأكمل:
— سأضعك في الغابة مع حيواناتي الأليفة.
ارتعد كايل وقال بسرعة:
— حاضر! حاضر! سوف أتدرّب حتى الموت!
...
ليلاً، على الجبل. كان كايل يتصبّب عرقًا وهو يلوّح بسيفه بصوت متعب:
— 4994… 4995… 4996… 4997… 4998… 4999… 5000…
سقط على الأرض وهو يلهث بقوة:
(سوف أموت بالتأكيد… أشعر أني سأموت).
ظهر العجوز أمامه ومدّ له كوب ماء. التقطه كايل بسرعة وشرب بشراهة.
— كدت أن أموت…
ابتسم وهو ينظر إلى معلمه:
— شكرًا يا معلمي. لقد تعلمت الكثير اليوم.
ابتسم العجوز:
— على الرحب والسعة. الآن اذهب للنوم، تدريب الغد سيكون أكثر قسوة.
— حاضر.
دخل كايل غرفته وجلس على السرير وهو يفكر:
(اليوم لوّحت بالسيف خمسة آلاف مرة في دفعة واحدة… لقد تطورت حقًا).
تمدد على السرير وقال:
— عليّ أن أنام جيدًا حتى أكون مستعدًا لغدٍ.
...
في أعماق الغابة، داخل كهف مظلم، كان رجلان يقفان وجهًا لوجه.
قال الأول:
— ذلك العجوز يختبئ جيدًا. عليّ أن أقتله قريبًا.
أجابه الثاني بنبرة باردة:
— كما قلت، أمامك خمس سنوات فقط. أعطيتك هذه المدة لأن العجوز بارع جدًا في الاختباء. كن حذرًا.
انحنى الأول وقال:
— حاضر يا سيدي.
ضحك الثاني ضحكة شريرة وقال:
— ذلك العجوز… لن ينجو هذه المرة.
... وهنا ينتهي الفصل الرابع.
Comments